حرب السويس وبطولة الشيخ حافظ سلامة والخلاف مع السادات
تكشف الوثائق، التي حصلت بي بي سي عليها حصريا، عن أن المشير محمد عبد الحليم أبو غزالة، وزير الدفاع حينها، قد ضلل الأمريكيين بشأن مصير السادات بعد حادث المنصة الشهير،وقُتل السادات، وسط وزرائه وقادة الجيش، خلال عرض عسكري سنوي في 6 أكتوبر عام 1981.وحكم بالإعدام بعدها على عدد من رجاله بينهم عسكريون شاركوا في التخطيط لعملية الاغتيال وتنفيذها.ولايزال بعض أفراد أسرة الرئيس الراحل يحملون الجيش وحسني مبارك، نائب الرئيس الذي أصبح لاحقا رئيسا، المسؤولية عن مقتله.
وحكم على طلعت السادات، ابن شقيق الرئيس الراحل، في عام 2006 بالسجن لمدة سنة لوصفه اغتيال السادات بأنه كان مؤامرة دولية شارك فيها حرسه الخاص وبعض قادة القوات المسلحة.
وحوكم طلعت السادات، الذي توفي أواخر عام 2011، أمام محكمة عسكرية بتهمة ترويج شائعات كاذبة وإهانة القوات المسلحة المصرية.
وبعد ثورة 25 يناير عام 2011، التي أطاحت بالرئيس مبارك، اتهمت رقية، ابنة السادات، الرئيس المخلوع بالمسؤولية عن اغتيال أبيها قائلة إنه كان نائبه والمسؤول عن أمنه.
وكان السادات قد تحدث مرارا، في الشهور السابقة على الحادث، عن رغبته في التقاعد، غير أن حديثه لم يُكن يؤخذ، سياسيا وشعبيا، على محمل الجد.
وفي تقرير مفصل بعث به إلى حكومته بعد 23 يوما من الاغتيال، قال مايكل وير، سفير بريطانيا في القاهرة حينذاك، إن السادات كان جادا في كلامه عن التنحي.
وتوقع السفير أن يكون ذلك يوم استرداد مصر الجزء الباقي من سيناء من إسرائيل في 25 أبريل عام 1982، أي بعد حوالي 7 شهور من الاغتيال.
وقال السفير "أعتقد أنه ربما كان في ذهنه فعلا أن يتقاعد في ذلك التاريخ الرمزي"، وأضاف"إن كان قد قُدر له أن يفعل ذلك، لكان الشعور الشعبي تجاهه أعظم بكثير مما كان"."محاولات سابقة"
ويذكر أن وثائق بريطانية أخرى كانت قد أشارت إلى وجود علاقة جيدة بين السفير والسادات، إذ كان وير قد التقى بالرئيس المصري قبل قرابة 5 شهور من حادث الاغتيال، برفقة لورد بريطاني بارز كان يريد إقناع السادات بالقيام بزيارة أخرى للقدس.
وحضر السفير وثلاثة من الملحقين العسكريين البريطانيين وزوجاتهم العرض العسكري، الذي قتل فيه السادات.
وكان السفير يجلس، حسب روايته، مباشرة خلف المنصة الرئيسية التي كان يجلس عليها السادات ونائبه مبارك والمشير أبو غزالة.
وقال السفير إن السادات ناقش مع مبارك "كيف يجب أن يكون الاحتفال باستعادة الجزء الأخير من سيناء"، وهو الحدث الذي كان المصريون يترقبونه.
وكانت أجهزة الأمن قد قبضت، بأمر من السادات، على المئات من معارضيه السياسيين قبل أقل من شهر من اغتياله، فيما عرف حينها باسم "اعتقالات سبتمبر"، التي أثارت غضبا على نطاق واسع في مصر.
وتشير معلومات البريطانيين إلى أن هذه الاعتقالات كانت مدفوعة فيما يبدو بمخاوف أمنية.
وفي تقرير إلى السكرتير الخاص لوزير الخارجية بعد حوالي 3 أسابيع من الاغتيال، قال رئيس إدارة الشرق الأدني وشمال أفريقيا في الخارجية البريطانية إنه "يبدو واضحا أن قرار السادات شن حملته ‘للتطهير‘ في سبتمبر قد ساعدت في منع محاولات (اغتيال) سابقة".
وسرد تقرير وير، الذي جاء في 19 صفحة، بعض تفاصيل مشهد الاغتيال.
وقال إن إحدى القنبلتين الارتجاجيتين اللتين ألقاهما أحد المهاجمين أصابت وجه أبو غزالة لكنها لم تنفجر.
حملة شرسة على السفير الأمريكي
وفيما يتعلق برد حراس السادات الشخصيين الذين قال السفير إنهم كانوا جميعا خلف المنصة وبجانبها، فقد "شاركوا في الرد بلا فائدة بمسدساتهم" على المهاجمين.
ووفق رواية السفير، استفز هذا الرد واحدا أو أكثر من المهاجمين فأطلقوا نيران بنادقهم على منصة الدبلوماسيين التي كانت قريبة من المنصة الرئيسية. وأدى هذا فيما يبدو إلى مقتل عضو بالوفد العماني وآخر بالوفد الصيني.
وقال وير إن أبو غزالة اتصل من مكتبه، بعد الحادث، بالسفير الأمريكي "ليبلغه بأن الرئيس أصيب إصابات طفيفة فقط وأن ثلاثة من القتلة قبض عليهم وقتل ثلاثة".
وكانت شبكة "سي بي إس" الأمريكية هي أول جهة تعلن، نقلا عن مصادر في مستشفى المعادي العسكري الذي نُقل إليه السادات بعد الهجوم، موت الرئيس.
غير أن وير يقول: "السفير الأمريكي وأنا اتفقنا على أنه رغم الاستفسارات الملحة بشكل متزايد من جانب واشنطن ولندن، لم نتمكن من تقديم رأي مستقل قبل صدور إعلان رسمي من الحكومة المصرية".
وفي تقريره، يشير وير إلى أن زميله الأمريكي تعرض لحملة شرسة في صحيفة الواشنطن بوست بعد أن أعلن سيناتور أمريكي أمام مجلس الشيوخ وفاة السادات، وحينها اتهمت السفارة في القاهرة بالتقصير وبأنها ليست على تواصل مع الحكومة أو تماس مع الرأي العام في مصر.
وفضلا عن مصير السادات، كان التساؤل الأهم حينها هو: من وراء العملية؟. وثارت تكهنات أولية بشأن دور محتمل للجيش.
غير أن البريطانيين استبعدوا من البداية أي ضلوع للجيش.
وقال رئيس إدارة الشرق الأدني وشمال أفريقيا في الخارجية البريطانية، في تقرير لرؤسائه، عقب الاغتيال مباشرة إنه "في ضوء الاعتقالات الأخيرة،لا بد أن المتطرفين المسلمين هم المشتبه بهم الرئيسيون".
واستند هذا التقييم إلى تقدير موقف أولي سريع كان قد بعث به السفير البريطاني في القاهرة إلى لندن عقب الحادث مباشرة، قال فيه "بشكل عام تعتبر مسألة وجود مؤامرة من داخل القوات المسلحة أحد أقل التهديدات للسادات احتمالا".
وكانت التكهنات بشأن موقف الجيش قد انتشرت بعد أن تبين أن عددا من الضباط العاملين والسابقين شارك في العملية، وهم خالد الاسلامبولي الضابط بسلاح المدفعية الذي كان أخوه من بين المعتقلين في حملة سبتمبر، وعبود الزمر الضابط بإحدى الوحدات الفنية في إدارة الاستخبارات والاستطلاع بالجيش، وحسين عباس القناص بالجيش وعطا طايل، وهو ضابط احتياط وعبد الحميد عبد السلام الضابط السابق بالسلاح الجوي.
"صلات بالمحققين"
ويُذكر أن وثائق بريطانية أخرى كانت قد أشارت إلى أن أجهزة أمنية ودبلوماسية بريطانية تنبأت باغتيال السادات قبل حادث المنصة بعامين وسبعة أشهر.
ففي تقرير أعد في شهر فبراير/شباط عام 1979، عن "الوضع السياسي الداخلي في مصر"، قالت إدارة الشرق الأدنى وشمال أفريقيا في الخارجية البريطانية أن الاغتيال هو أهم ما يهدد السادات شخصيا ونظامه.
ورتب التقرير الأخطار التي تهدد السادات قائلا "لأنه يهيمن على المشهد المصري، فإن السادات شخصية عرضة للخطر. غير أن الاغتيال أو الأسباب الطبيعية أو الاستقالة، وليس الثورة، هي (الوسائل) الأكثر احتمالا لإزاحته من المشهد".
وعندما بدأت السلطات المصرية في التحقيق بشأن حادث الاغتيال، كانت السفارة البريطانية "على اتصال" مع محققين شاركوا في استجواب المعتقلين، كما تكشف الوثائق الجديدة.
وتقول "أحاديثنا ( السفارة البريطانية) مع هؤلاء المشاركين في استجواب هؤلاء المتطرفين- وليس فقط القتلة- تشير إلى إنهم كانوا مدفوعين بدرجة كبيرة بخيبة أمل من المجتمع وكذلك بغرض سياسي محدد".
حافظ سلامة حدوتة مصرية تظل ترويها الأجيال، رغم تعمد تجاهلها من الإعلام الرسمي المصري،لأنها تذكر الجميع بأن الجيش عندما انكسر، كان الشعب ـ المدنيون ـ في ظهره يحميه ويقيله من عثرته وينتصر له .
شارك الشيخ في العديد من الجمعيات الخيرية في السويس، وكان له دور اجتماعي وسياسي ونضالي بارز حيث ساهم في دعم المقاومة والمشاركة في العمليات الفدائية والتعبئة العامة للفدائيين.
يعتبر الشيخ سلامة أول من كوّن فرقة فدائية في السويس، كانت مهمتها الرئيسة مهاجمة قواعد القوات الإنجليزية الرابضة على حدود المدينة، والاستيلاء على كل ما يمكن الحصول عليه من أسلحة وذخائر، ليقوم بعد ذلك بتقديمها دعمًا للفدائيين في فلسطين.
عقب نشوب الحرب العالمية الثانية بين قوات المحور وقوات الحلفاء، أصبحت السويس إحدى مناطق الصراع بين القوتين، وكانت مصر واقعة تحت الاحتلال الإنجليزي آنذاك، مما أدى إلى هجرة أهالي السويس ومنهم عائلة الشيخ حافظ سلامة الذي رفض أن يهاجر معهم وفضل البقاء في السويس وكان عمره آنذاك 19 عاماً، وكان يوفر نفقاته من إدارته لمحل الأقمشة الذي يمتلكه والده وكان يرسل الأموال لعائلته التي هاجرت إلى القاهرة.
شاهد الشيخ حافظ سلامة الحرب الدائرة بين القوتين في بلده، ولم يبتعد عن المعركة بل أدى دوراً كبيراً في عمليات الدفاع المدني لمساعدة الجرحى والمصابين.
قابل حافظ سلامة أحد الحجاج الفلسطينيين في العام 1944م الذين كانوا يمرون من السويس عندما كان يربط بين ميناء السويس والقدس شريط سكك حديدية، كان الحجاج الفلسطينيون يستخدمونه في الذهاب إلى الأراضي المقدسة، وقد طلب من الشيخ حافظ توفير حجارة الولاعات التي تستخدم في صناعة القنابل اليدوية، كما أمده الشيخ أيضاً بالسلاح لمساندة المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال، حتى قبض عليه في إحدى المرات وحكم عليه بالسجن 6 أشهر، ولكن تم الإفراج عنه بعد 59 يوماً بوساطة من أحد أمراء العائلة المالكة في مصر.
شهادة الفريق الشاذلي
يصف سعد الدين الشاذلي، رئيس أركان حرب القوات المسلحة وقت الحرب، هذا الدور قائلاً: "إن الشيخ حافظ سلامة رئيس جمعية الهداية الإسلامية، إمام وخطيب مسجد الشهداء، اختارته الأقدار ليؤدي دورًا رئيسا خلال الفترة من 23– 28 أكتوبر 1973 عندما نجحت قوات المقاومة الشعبية بالتعاون مع عناصر من القوات المسلحة في صد هجمات العدو "الإسرائيلي" وإفشال خططه من أجل احتلال المدينة الباسلة".
بعد هذا التاريخ العظيم للشيخ من جهاد ونضال ضد العدو ظل الشيخ حافظ سلامة يمارس دوراً إيجابياً في مجتمعه من الناحية الدعوية والخدمات الاجتماعية وأيضاً السياسية، فقد رفض الشيخ سلامة زيارة السادات للقدس عام 1977 ومعاهدة "كامب ديفيد".
لمحات من الهمة والعطاء
ظل الشيخ حافظ سلامة وهو في تلك السن الكبيرة له عزيمة وهمة غير عادية في العمل الخيري يود أن يلقى الله بها، منها بناء المساجد مثل مسجد النور بالعباسية، ومسجد الرحمن بشبرا الخيمة، والعديد من المساجد في مدينة السويس التابعة لجمعية الهداية، وبناء المدارس الإسلامية بمدينة السويس ومساعدة المحتاجين.
مناضل سياسي
استمر دوره السياسي الواضح في دعمه المادي والمعنوي لشعب فلسطين ولبنان وأفغانستان وغيرها من بلاد المسلمين، وأدى دوراً اجتماعياً مهماً في مجتمعه مثل الحملة الشعبية التي قادها في السويس لرفض إقامة مشروع مصنع «أجريوم» للبتروكيماويات في مدينة السويس وذلك خوفاً من آثاره البيئية الخطيرة.
الشيخ الثائر
وفي ثورة 25 يناير 2011، انضم الشيخ سلامة إلى المعتصمين المطالبين بتنحي الرئيس المخلوع حسني مبارك عن الحكم في ميدان التحرير، والتف حوله شباب الثورة حيث كان أيقونة من أيقونات الثورة لكبر سنه ورمزيته التاريخية.
وترجل الشيخ عن فرسه بعد حياة مليئة بالكفاح والنضال العطاء والعمل الخيري، حيث لقي ربه مساء أمس الإثنين عن عمر يناهز 95 عاماً، رحم الله شيخ المجاهدين والمناضلين وألهم ذويه الصبر والسلوان.
ولد حافظ علي أحمد سلامة في 25 ديسمبر عام 1925م بمدينة السويس، وكان الرابع بين أبناء الحاج علي سلامة تاجر الأقمشة. وكعادة معظم أهل مصر وقتها أرسله أبوه إلى أحد الكتاتيب وبعدها انتقل إلى المراحل التعليمية المختلفة إلى جانب عمله في محل الأقمشة الذي يملكه أبوه. وأثناء الحرب العالمية الثانية التي دارت رحاها بين قوات الحلفاء والمحور كانت السويس -مدخل القناة- هدفًا لسلاح الطيران الألماني، وباعتبار أن مصر خاضعة للاحتلال الإنجليزي في هذه الظروف اضطر والد "حافظ" أن يهجر السويس بأسرته مع كثير من الذين هجروا المدينة مع تصاعد أحداث الحرب.
رفض حافظ سلامة وكان عمره وقتها 19 عامًا الهجرة إلى القاهرة وألح على والده البقاء في المدينة لكي يباشر العمل في محل الأقمشة بما يوفر نفقة المعيشة لأسرته في القاهرة، فبقي في السويس ليرى بعينه ويسمع بأذنه فصلاً من أحداث الحرب العالمية الثانية، ولم ينأ بنفسه عن المعركة بل اختار دورًا في عمليات الدفاع المدني لمساعدة الجرحى والمصابين وإنقاذ ما يمكن إنقاذه من الأهداف المدمرة. ولقد أنضجت الحرب تصور حافظ سلامة للواقع السياسي ومنحته الجراءة في مواجهة المواقف الصعبة لينتقل بعد ذلك لدور أكثر أهمية وأشد خطورة..
ففي عام 1944م كانت مقاومة الشباب الفلسطيني للاحتلال تشتد بعد ما نكث الإنجليز وعدهم بالانسحاب بسبب ارتباطهم بوعد بلفور وكان حُجاج فلسطين يمرون على مدينة السويس أثناء ذهابهم إلى الأراضي المقدسة عن طريق خط السكة الحديد الذي كان يصل بين القدس وميناء السويس، وتعرف "حافظ" على أحد هؤلاء الفلسطينيين الذي طلب منه مده بكميات من حجارة الولاعات التي تستخدم في عمل القنابل. وفي إحدى المرات قبض على حافظ وبعض رفاقه أثناء قيامهم بهذه العمليات وحوكموا محاكمة عسكرية قضت بسجنهم لمدة 6 أشهر مع الأشغال.. وبعد توسط بعض أمراء الأسرة المالكة في مصر تم الإفراج عنهم بعد 59 يومًا من هذا الحكم.
وتعلم حافظ من هذه الأحداث أهمية العمل الجماعي المنظم لخدمة قضايا الأمة وكانت الساحة المصرية آنذاك مزدحمة بالاتجاهات الفكرية والأحزاب السياسية والجماعات الإسلامية، فكان هناك حزب الوفد والحزب الوطني والأحرار الدستوريين ومصر الفتاة وكانت جماعة الإخوان المسلمين إلى جانب الشيوعيين، كما وجدت جمعيات إسلامية، مثل الجمعية الشرعية وشباب محمد وأنصار السنة، وكذلك الجماعات الصوفية بطرقها وطوائفها المتعددة... لكن حافظ الذي كانت لديه نزعة دينية بتأثير نشأته وجد بغيته في جماعة شباب سيدنا محمد ، وهي جماعة أسسها منشقون عن الإخوان المسلمين ومصر الفتاة عام 1938م.
ورغم أن غالبية المتدينين آنذاك كانوا تحت مظلة الإخوان انضم حافظ لجماعة شباب محمد عام 1948؛ لأنه كان يرى في أبنائها أنهم يجهرون بالحق ولا يخشون في الله لومة لائم، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، لا فرق عندهم بين ملك وأمير؛ عملاً بقول النبي : "الدين النصيحة لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم"، وقوله: "سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب، ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله". وما إن انضم حافظ للجماعة حتى أصبح نقيبًا للوائها بمحافظة السويس.
أهم المعارك ودوره فيها
الثغرة تلقي الرعب في السويس
ونتوقف مع ذكريات المجاهد حافظ سلامة عن أيام العبور الأولى حتى يوم 16 أكتوبر لنفسح المجال للآخرين ممن استشهد بأقوالهم في كتابه. حيث كانت كل ساعة تمر بعد هذا التاريخ تحمل إلى أهالي مدينة السويس أنباء جديدة، وكل نبأ يشعر في ظاهره بأن ميزان المعركة قد تغير... غارات مكثفة... أصوات مدفعية... والصواريخ تهز المنطقة هزًّا... عدد الجرحى والشهداء يتضاعف حتى جاء يوم 22 أكتوبر، وبدأت فلول قواتنا المسلحة المنسحبة تفد إلى مدينة السويس، نتيجة تسرب بعض قوات العدو إلى الضفة الغربية للقنال عن طريق الثغرة وأخذت أعدادها في الزيادة بصورة مضطردة، وقد أشاعت القوات المنسحبة حالة من الذعر والخوف بين المواطنين لما تردد عن تقدم القوات الصهيونية نحو المدينة مما حدا ببعض المواطنين إلى مغادرة المدينة إلى القاهرة سيرًا على الأقدام، وتعرض البعض منهم لنيران العدو وغاراته الجوية على الطريق الصحراوي المؤدي للقاهرة كما تعرض بعضهم للأسر يوم 23 من أكتوبر 1973م.
حرب العاشر من رمضان لم ينم أهالي السويس ليلة الرابع والعشرين من أكتوبر في انتظار مفاجآت العدو الغادر.. وفي صبيحة ذلك اليوم قام العدو بغارة مركزة على السويس تمهيدًا لدخول قواته المدرعة إلى المدينة حيث تقدمت القوات بعد انتهاء الغارة إلى المدينة التي كانت في ذلك الوقت خالية من أي وسائل للدفاع عنها، وكانت الروح المعنوية منهارة في صفوف القوات المسلحة النظامية، وعلى الجانب الآخر كان الشيخ حافظ سلامة يحشد رجال المقاومة في مسجد الشهداء استعدادًا لمواجهة شرسة مع العدو.
واقتحمت قوة من أفراد العدو مبنى قسم شرطة الأربعين وحاصرته بدباباتها ومدرعاتها إلا أن رجال المقاومة تصدوا لمجموعة من المدرعات، وبهذا أطلقت الشرارة الأولى للمقاومة الشعبية، اندفع بعدها شعب السويس وما تبقي من رجال القوات المسلحة في معركة دامية مع قوات العدو كانت نتيجتها تدمير جميع دبابات العدو ومدرعاته وسياراته التي اقتحمت المدينة بالإضافة إلى القضاء على معظم أفراد العدو. كما سقط عدد من رجال المقاومة شهداء بعد يوم حافل بالمواجهات الصعبة، إلا أن الخسائر التي لحقت في هذا اليوم كسرت طموحاته في احتلال المدينة، وظل هذا اليوم يومًا خالدًا في تاريخ شعب السويس وجعلوه عيدًا قوميًا لهم يحتفلون به كل عام.
وفي يوم 25 أكتوبر بدأ العدو في استخدام سلاح مختلف وهو سلاح الحرب النفسية فما زال متمكنًا إلى الآن من تطويق المدينة... وأرسل العدو تهديدًا إلى محافظ السويس آنذاك بتدمير المدينة بالكامل بالطائرات إن لم تستسلم خلال نصف ساعة وأن عليه الحضور ومن معه من المواطنين رافعين الرايات البيضاء.
لقد أصابت هذه التهديدات بعض المواطنين وكذلك بعض المسئولين بحالة من الفزع وكان المسئولون وعلى رأسهم المحافظ أميل إلى التسليم اعتقادًا منه أن ذلك أفضل جدًّا من تدمير المدينة على من فيها... وأيده في ذلك البعض حتى ذهب بعضهم إلى أخذ أكفان مسجد الشهداء البيضاء ورفعها على أيدي المكانس (المقشات) استعدادًا للتسليم، وعندما ذهب قائد القوات المسلحة بالمدينة العميد "عادل إسلام" لاستطلاع رأي الشيخ حافظ سلامة ومن معه من رجال المقاومة رد عليه الشيخ حافظ بثبات ورباطة جأش: إن معنى التسليم يا سيادة العميد هو أن أسلم لليهود أكثر من 10 آلاف جندي وضابط من قواتنا المسلحة، بل إني بذلك سوف أكشف الجيش الثالث بالضفة الشرقية من القناة وأسلم كل أرواح هؤلاء لأعدائنا وأعداء الإنسانية، وتصير نكسة أشد من نكسة 67 لمصر والعرب والمسلمين... إن الطيران الصهيوني قد مضى عليه 6 سنوات وهو يضرب المدينة فلتكن 6 سنوات وأيامًا.
إننا إما أن نعيش أحرارًا أو نقضي كما قضى غيرنا وصدق الله العظيم إذ يقول:
{مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً} [الأحزاب: 23]. وهنا قال العميد عادل إسلام: اعتبرني من الآن فردًا من أفراد المقاومة الشعبية...
واستمر الشيخ حافظ ورجاله في المقاومة وقام الشيخ حافظ سلامة بتعبئة نفسية مضادة للصهاينة، حينما قام بإذاعة نداء من مسجد الشهداء كرد على الإنذار الصهيوني، وتوالت انتصارات المقاومة على العدو الصهيوني حتى تدخلت قوات الطوارئ الدولية التي دخلت المدينة يوم 28، ورغم استمرار العدو في غاراته فإن ثبات رجال المقاومة أرغم العدو على مغادرة المدينة دون تحقيق انتصار يذكر.
ولهذه الملحمة خوارق وبطولات رائعة شهدتها ملحمة السويس تحتاج لمؤلفات عدة ترويها وتوثقها ولا يتسع المقام لذكرها كلها، لكن مما يروى أنهم أرادوا نقل جثمان الشهيد إبراهيم سليمان إلى مكان آخر فوجدوا الجثمان كما هو بعد ما تصوروا أنهم سينقلون رفاتًا وعظامًا، وذلك بعد مرور 90 يومًا من استشهاده، وكذلك قصة البئر المعطلة من 80 عامًا التي أرشد إليها عم مبارك، وإذا بالبئر تعطي لا ينفد ماؤها فكانت مددًا إلهيا لأهل السويس وللقوات المسلحة شرق القناة... وغيرها العديد من قصص الشهداء والأبطال الذين تخرجوا في جامعة مسجد الشهداء التي علمتهم وفهمتهم قول النبي : "من مات دون أرضه فهو شهيد، ومن مات دون عرضه فهو شهيد، ومن مات دون ماله فهو شهيد".
وأصبح زعيمًا شعبيًّا بعد الرابع والعشرين من أكتوبر، ويمكن أن يعد الدور الذي لعبه حافظ سلامة أثناء حرب أكتوبر عام 1973 من أهم أدوار حياته لما كان له من أهمية في تاريخ مصر والأمة العربية.. يصف سعد الدين الشاذلي رئيس أركان حرب القوات المسلحة وقت الحرب هذا الدور قائلاً: "إن الشيخ حافظ سلامة رئيس جمعية الهداية الإسلامية، إمام وخطيب مسجد الشهداء، اختارته الأقدار ليؤدي دورًا رئيسيًّا خلال الفترة من 23- 28 أكتوبر عام 1973م عندما نجحت قوات المقاومة الشعبية بالتعاون مع عناصر من القوات المسلحة في صد هجمات العدو الصهيوني وإفشال خططه من أجل احتلال المدينة الباسلة".
لم يكن جهاد الشيخ حافظ سلامة مقصورًا على حمل السلاح فقط، بل جاهد بلسانه أيضًا، ومما يذكر له أنه خلال ثلاثين عامًا بعد نهاية الحرب لم تفتر همة الرجل الذي ظل وفيًّا لأمته وقضاياها، فها هو ينتقل من دور مقاومة العدو المحتل إلى دور المشاركة الإيجابية في مجتمعه من خلال أنماط دعوية أو سياسية أو اجتماعية، وإن اصطدم فيها كثيرا مع القيادة السياسية المصرية التي كان قد سبق أن كرمته لدوره في الجهاد.
فبالرغم من حل جماعة شباب محمد فإن أفكارها ظلت في عقل حافظ سلامة وخاصة ما يتعلق منها بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وقول الحق في وجه السلطان الجائر؛ فوقف أكثر من مرة ليقول لا، خاصة بعد زيارة الرئيس السادات للقدس عام 1977م ومعاهدة كامب ديفيد عام 1979م، وهو ما دفع بالسادات لوضعه في القائمة التي كان يعتبرها خارجة عن العائلة المصرية! وحين جاءت اعتقالات سبتمبر 1981م الشهيرة لتشمل قائمة من كافة القوى السياسية والدينية كان حافظ سلامة على رأس عشرة أسماء في تلك القائمة، ولم يفرج عنه إلا بعد اغتيال السادات.
وبعدها بأعوام يمر على حافظ سلامة يوم يعتبره الأعصب -كما قال لي- في حياته بعد يوم 24 أكتوبر الملحمي، وذلك حينما قرر حافظ سلامة خروج مسيرة تنطلق من مسجد النور بميدان العباسية -الذي كان تابعًا لجمعية الهداية ثم ضمته وزارة الأوقاف المصرية إليها- لمطالبة رئيس الجمهورية بتطبيق الشريعة الإسلامية. واحتشدت الجماهير الغفيرة للمشاركة في هذه المسيرة التي سماها حافظ سلامة "المسيرة الخضراء" فقررت الحكومة المصرية منعها بكل السبل ليصدر حافظ سلامة خطابًا بإلغاء المسيرة خوفا من تحويل لونها الأخضر إلى أحمر.
وخلال الثلاثين عامًا الماضية كان لحافظ سلامة دور مهم على المستويين الدعوي والاجتماعي من خلال جمعية الهداية الإسلامية التي تتبنى كافة صنوف الأنشطة الخيرية والاجتماعية في مقارها المنتشرة في جمهورية مصر العربية، من كفالة ورعاية الأيتام ومستوصفات طبية وإعانات اجتماعية لذوي الحاجة، وبناء مدارس إسلامية لتربية النشء على مبادئ الدين الحنيف، إضافة إلى الدروس والمحاضرات التي تعقد بمساجدها والتي تقوم بتوعية المسلمين بأحكام وأمور دينهم ودنياهم.
بين الحين والآخر يطرح هذا السؤال في أروقة السياسيين والمثقفين والعوام على السواء: هل يستطيع شعب مدينة ما بإمكانياته المحدودة ومعتمدًا على سلاح الإيمان وروح الصمود أن يقف في مواجهة جيش مسلح مجهز بكل أنواع الأسلحة في عالم تكدست فيه كل أنواع أسلحة الدمار الشامل؟
يبدو السؤال صعبًا... وتكون الإجابة الأقرب إلى اللسان أن زمن المعجزات انتهي وأن نظرية حرب العصابات والمقاومة الشعبية آخذة في الانقراض، لكن تمر أيام العام يومًا بعد يوم حتى يأتي يوم 24 أكتوبر/ 28 رمضان ليرفع عنا عبء الإجابة، ويقول بأعلى صوته: إن سلاح الصمود والمقاومة أفتك أنواع الأسلحة في مواجهة أعتى الجيوش متى كان من يقاوم مؤمنا بقضيته محبًا لأرضه ووطنه... فمنذ ثلاثين عامًا وتحديدا في 24 أكتوبر عام 1973م استطاع شعب السويس أن يلقن الجيش الصهيوني درسًا قاسيًا... نحتاج في هذه الأيام إلى تذكر هذا اليوم الخالد واستحضار معانيه.
ونترك المجاهد "حافظ سلامة" ليتحدث بنفسه عن الملحمة في كتابه "ملحمة السويس حقائق ووثائق.. للتاريخ والعبرة".ولقد أجرى معه موقع الإسلام اليوم حوارًا عن مواقفه في الحرب، فقال: أذكر أن شارون -رئيس الوزراء الصهيوني سابقًا- هو نفسه الذي قاد الحملة العسكرية لغزو مدينة السويس، وهو الذي اشترك في قيادة المعركة، ولكن أمام غطرسته هذه كانت شراسة المقاومة الشعبية في شوارع وأزقة مدينة السويس، بعد أن دمرت هذه المقاومة -على مدى ثلاث ساعات- اثنتين وثلاثين دبابة ومصفحة، وأوقعت عشرات القتلى من صفوف الصهاينة الذين لم يستطيعوا سحب قتلاهم عند انسحابهم.
وقبل الانسحاب وجه شارون إنذارًا إلى القيادات السياسية والعسكرية بالاستسلام، وإلا فإنه سيدك مدينة السويس بالطائرات خلال نصف ساعة، إلا أننا أكدنا لهم أننا نرفض الإنذار، بل وعلى استعداد لمواجهتهم مرة ثانية إذا حاولوا دخول السويس، وقلنا لهم إن أرض السويس الطاهرة لا بد أن تروى بدمائكم القذرة مرة ثانية.ويوضح أسباب معارضته لكامب ديفيد تلك المعاهدة التي أجراها السادات مع اليهود، فقال: السبب في ذلك هو معارضتي لاتفاقية (كامب ديفيد) في العام 1978م، والتي جاءت انطلاقًا من أنني مواطن مسلم حر أعمل لديني وعقيدتي، فأنا لست تابعًا لأحد، وأرفض أن أكون خاضعًا لأي شخص، خاصة إذا ارتبط الأمر بمصالح ديني وبلدي.
ومن هنا -وكما كانت معارضتي للاحتلال الصهيوني ومحاولته الفاشلة غزو السويس- عارضت الرئيس السادات في توقيعه لاتفاقية (كامب ديفيد)، وهذا هو السبب وراء انقلاب السادات ضدي، واعتقالي عام 81[3].
فترة ما بعد الحرب
في 2010 شارك الشيخ سلامة في وقفة بمسجد الفتح برمسيس، بمحافظة القاهرة، نظمتها نقابة المحامين للمطالبة بالإفراج عن كاميليا شحاتة زوجة القدس تداوس سمعان كاهن دير مواس التي قيل انها أشهرت إسلامها ونفت الكنيسة ذلك.
وقد ألقي الشيخ حافظ سلامة خطبة حماسية حمل فيها البابا شنودة مسئولية حالة الاحتقان السائدة في المجتمع الآن بعد سحبه الاعتذار عن تصريحات الأنبا بيشوي ووجه سلامة كلامه للبابا قائلا : "نحن نقول لك أن مصر إسلامية عربية وستظل عربية ، وإذا كنت معتمد علي الخارج فنقول لك إن شعب مصر بجميع طوائفه مستعد للتضحية في سبيل أمن مصر واستقرارها "، متسائلا : "من الذي نصبك رئيساً لمصر ومن هو رئيس مصر أنت أم مبارك"، وتطرق إلي ما تردد في بعض وسائل الإعلام عن استيراد أسلحة من الكيان الصهيوني في إحدي السفن التي يمتلكها نجل وكيل مطرانية بورسعيد متهماً الكنيسة بتخزين أسلحة في الكنائس.
مابعد الثورة المصرية
في مايو 2011، استنكر الشيخ حافظ سلامة ما قاله الفريق يوسف عفيفي محافظ البحر الأحمر سابقا بأنه من أصل فلسطيني ولم يكن قائدا للمقاومة في السويس أثناء حرب أكتوبر ومهمته كانت غسل وتكفين الشهداء فقط.
ارائه
قال الشيخ حافظ سلامة، قائد المقاومة الشعبية بالسويس، فى كلمته من أعلى منصة الدعوة السلفية وحزب النور السلفى: "دستورنا قرآننا ولا نؤمن بأى دستور من الدساتير المعلنة"، وذلك حسما للخلاف حول المبادئ فوق الدستورية، وردد وراءه السلفيون وأعضاء الدعوة السلفية، مضيفاً أن ثورة 25 يناير التى قامت تحت مظلة المجلس الأعلى للقوات المسلحة لم تحقق أى غاية من غايتها رغم مرور 10 أشهر.
وأضاف سلامة، "إننا لم نقم بالثورة إلا لإعلاء كلمة لا إله إلا الله محمد رسول الله"، وهتف عشرات السلفيين وراءه "إسلامية عربية لا شرقية ولا غربية.. لا هوية ولا غاية لنا إلا كلمة لا إلا الله محمد رسول الله.. عليها نحيا وبها نموت وفى سبيلها نستشهد"، مضيفا "أقول لكل المغرضين وأصحاب المبادئ الهدامة لقد طالت الحروب الماضية، ويجب أن نحيا حياة جديدة بعد ما قتلنا من الشهداء، وأقول لأصحاب الدولارات الواردة من أمريكا وإسرائيل، مصر لا تباع ولا تشترى، وستظل عربية وإسلامية".
وطالب "سلامة"، مرشحى مجلسى الشعب والشورى، من الاتجاهات الإسلامية بأن يتحدوا حتى لا يعطوا الفرصة للعلمانيين وغيرهم من الأحزاب الأخرى.
وفاته
حوار الشيخ حافظ سلامة بعد موته ( الأخبار المصرية )
استهل الشيخ سلامة حديثه معنا قائلا إن ما حدث على أرض السويس في 24 أكتوبر، لم يكن إلا معجزة من الله على شعب مصر بأسره.
لأنه لا يمكن بكل القوانين البشرية أن نقول أن هناك جيش منظما يأتي لمدينة لاحتلالها يضم 6 ألوية مدرعة ومعهم 600 دبابة ومصفحة وسلاح الطيران، ويستطيع ردعه وهزيمته عدد قليل من المقاتلين البواسل من أبناء السويس يقدروا بالعشرات ومعهم بعض أفراد القوات المسلحة والذين كانوا يمثلون مؤخرات القوات التي عبرت إلى سيناء.
ويحكى "سلامة" أنه في 23 أكتوبر الموافق يوم 28 رمضان، جاءه الشيخ عبد الله رضا الواعظ التابع للأزهر الشريف، قادما من شركة السويس لتصنيع البترول، وأخبره أن القوات الإسرائيلية وصلت إلى مشارف السويس.
في تلك الأثناء، تلقيت اتصالًا من محمد عبد القادر، الموظف في شركة السويس لتصنيع البترول، ليخبرني بوصول أول القوات الإسرائيلية، إلى الشركة من طريق ناصر، يتبعها عدد من الدبابات والمدرعات لمحاولة دخول السويس من اتجاه الجنوب، كما أخبر ملازم من الجيش أن هناك مجموعة أخرى تم مشاهدتها، بطريق الإسماعيلية - السويس، لتدخل السويس من اتجاه الشمال، عبر مزلقان المثلث وكان الاتجاه الثالث الذي حدده غريب الجيوشي أحد المقيمين بحي الجناين عندما رأى القوات الإسرائيلية تسير بالطريق الموازى لقناة السويس وغايتها الوصول إلى المعبر والذي يقع في الوقت الحالي بمنطقة حوض الدرس وذلك بهدف حصار المدينة من ٣ جهات، شرقا وجنوبا وشمالا.
تلك الأنباء وصلت تباعا، فما كان من قائد المقاومة، إلا الخروج إلى أهالى المدينة والذين رفضوا التهجير وقرروا الدفاع عنها، بجوار عناصر الجيش المتواجدة بالمدينة وتحدث معهم عن الاستعداد لحمل السلاح، وتم تشكيل فرق ومجموعات لعمل كمائن بشوارع المدينة، لاستقبال الدبابات والمصفحات الإسرائيلية عند وصولها صباح اليوم التالي للمدينة.
وفي تلك الليلة لم يتذوق رجال السويس النوم ويضيف الشيخ سلامة انه كان يمر على أعضاء المقاومة الشعبية في الشوارع، ليطمئن على الكمائن، وطالبهم بعدم إطلاق أى طلقة واحدة حتى دخول القوات الإسرائيلية إلى داخل المدينة، حتى لا يشعروا ان هناك من يستعد لمواجهتهم.
ووضع قائد المقاومة رجالا يكونوا عيونا له في كل محور من المحاور ووزع الفدائيين من منظمة سيناء العربية مع أفراد القوات المسلحة، ليتصدوا لهذا الهجوم الوشيك، حتى وصلت هذه القوات إلى مشارف المدينة تمهيدا لدخولها فى الحادية عشرة صباحا وتمركزت أمام قسم الأربعين، كما أن "قول" من الدبابات الشيرمان،والمصفحات مكون من7دبابات أحاطوا بمسجد الشهداء،وديوان عام المحافظة، وجاء إلى المسجد مصفحة بها 6 أفراد وتوقفوا أمامه، وطلبوا من الموجودين داخل المسجد عبر مكبر الصوت التسليم والخروج من المسجد الذي كان مقراً للمقاومة والفدائيين.
ويروي الشيخ سلامة أن العدو هدد باقتحام المسجد وقتل كل من كان فيه إذا لم يتم التسليم، وفى تلك اللحظات كان هناك كمين به ضابط وجندي ويحمل كل منهم
"أر بي جي" فقام الضابط بإطلاق قذيفة على أحد الدبابات فأصابها. وكان ذلك سببا فى انسحاب جميع الدبابات المحاصرة لمسجد الشهداء والديوان العام،إلا أنهم فاجأوا الضابط بإطلاق النيران عليه فاستشهد وبعد وقت قليل حضر المجند إلى المسجد وأخبر سلامة باستشهاد الضابط.
ويصمت الشيخ حافظ ويرفع إصبعه وهو يقول : أقولها لله فردين فقط ملازم وجندي، استطاعا بفضل الله تبارك وتعالى فض حصار مكون من7دبابات ومصفحات كانت تريد احتلال مسجد الشهداء بمن فيه وكذلك مبنى المحافظة.
كان المشهد أمام قسم الأربعين، معركة حقيقية فرجال المقاومة تعاهدوا ألا تتقدم ألوية الجيش الإسرائيلي داخل المدينة، فظلوا متخفين ومع اللحظة الحاسمة خرجوا كالأشباح وهاجموا الدبابات والمصفحات.
ويقول سلامة إن الشرارة الأولى كانت للشهيد إبراهيم سليمان، دعا الله ثم كبر وأطلق قذيفة أر بي جي على أول دبابة في طابور المدرعات فتعطلت أمام قسم الأربعين وتوقف طابور المجنزرات وراءها.
في تلك الأثناء هاجم رجال المقاومة تلك المجنزرات، حتى صعق العدو خوفا، وكانت التعليمات الواردة لهم بالاحتماء في أي مكان قريب ففروا الى قسم الأربعين، واختبئوا فيه، استمر قتال رجال المقاومة ومحاصرة القسم حتى غروب الشمس، وعندما حاول الشهيد إبراهيم سليمان دخول القسم، استشهد برصاصات العدو وهو على السور.
بينما استشهد الشهيد أشرف عبد الدايم أثناء دخول القسم من البوابة، واستشهد سعيد البشاتلي والسيد أحمد أبو هاشم فايز حافظ أمين وأشرف عبد الدائم، وشهداء أخرون صدقوا عهدهم مع الله.. وذكرت الصحف الإسرائيلية على لسان ضباطها وجنودها: "كنا نظن بعد دخولنا السويس، أنها مدينة أشباح، وفجأة انطلقت نيران من النوافذ والأبواب حتى أصبحت الشوارع كالجحيم".
وبالفعل دخل الشركة وطلب هاتف مكتب المحافظ اللواء بدوي الخولي عن طريق محمد عبد القادر موظف الشركة، فرد على الهاتف مسعد القفاص مصور المحافظة، وأخبره أن المحافظ موجود بمنزل مصطفى محمد على في سوق شميس.
واتصل محمد عبد القادر بالمحافظ في سوق شميس، وطالبه القائد الأسرائيلى شارون بتسليم السويس، إلا ان المحافظ طلب مهلة للرجوع للقيادة السياسية ليخبرهم بذلك ويرى رأيهم فى ذلك الشأن، لكن شارون رفض إعطاءه مهلة وأخبره ان عليه ان يحضر ومعه الحاكم العسكري وفي يدهم راية بيضاء، وإلا دك مدينة السويس بالمدافع.
واتصل المحافظ بالعميد عادل إسلام المستشار العسكري، على تليفون مسجد الشهداء حيث مقر الفدائيين، وأخبره بما دار بينه وبين القائد الإسرائيلي.. وتدخل الشيخ سلامة ورد على الإنذار الإسرائيلي، بان المقاومة الشعبية والفدائيين لن يسلموا، وعبر مكبرات الصوت قال لقائد قوات العدو :
" إن شعب السويس يرفض التسليم ونقول لكم، ان استطعتم أن تدخلوا المدينة مرة ثانية فأهلا وسهلا بكم، فان أرض السويس الطاهرة عطشى وفى حاجة إلى أن تروى من دمائكم مرة ثانية".
يؤكد سلامة انه استمر في ترديد هذا البيان، انتظارا لما سوف يقوم به شارون، ولكنه لازم الصمت، وقد ألقى الله تبارك وتعالى الرعب في قلبه ومن معه، وظنوا أن رجال السويس يمتلكوا أسلحة كثيرة ومصدر قوة وأن إمدادات كثيرة وصلت للسويس، بعدما تكبدوا خسائر بلغت 76 دبابة ومصفحة في 4 ساعات فقط.
ويكشف سلامة إن تعامله مع الإسرائيليين كان نابعا من خبرته في التعامل معهم، فيقول إن تهديداتهم إن لم تقابل بتهديد أخر أقوى كان من الممكن أن يدخلوا السويس ويأخذوا من فيها بين قتلى وأسرى.
وأشار سلامة انه عندما جاءت القوات الدولية من جهة مزلقان المثلث، كان لديه علم مسبق، بوصولها فأعطى تعليماته بالسماح لها بالدخول، إلا أن القوات الإسرائيلية أرادت أن تأخذ مراكز جديدة لها لتدعى أنها مسيطرة على السويس.
.وتحدث سلامة لقائد قوات الطوارئ، واخبره ان القوات الاسرائيلية تقدمت مرة أخرى داخل السويس في حمايتهم، لكن القائد رد، أننا جئنا لنقف بينكم، وبينهم، ولم نأت للتصادم أو التدخل عسكريا. طلب سلامة من رجال المقاومة التجمع بأسلحتهم، وأطلقوا ضربة نيرانية موحدة.
وما أن أطلقوا هذه الدفعة النيرانية من حوالي 50 أو 60 فردا دفعة مرة واحدة إلا وفر الإسرائيليون هاربين، وبذلك استطعنا أن نردهم بعيدا عن المراكز التي احتلوها بعد دخول القوات الدولية.
كما هى العادة فى سلسلة الحروب العربية الإسرائيلية لم تلتزم إسرائيل بـقرار مجلس الأمن رقم 338 بوقف إطلاق النار وإنهاء كل نشاط عسكرى فى وقت لا يتجاوز 12 ساعة من توقيت صدور هذا القرار فى السابعة صباح يوم 22 أكتوبر 1973 وحاولت تحت ستار قرار مجلس الأمن أن تقتحم مدينة الإسماعيلية ففشلت فشلا ذريعًا، ومن ثم اتجهت جنوبا نحو مدينة السويس مستندة إلى حشد من الدبابات والعربات المصفحة التى كانت قد تسللت إلى غرب القناة فى منطقة البحيرات والتى اصطلح على تسميتها الثغرة، ولكنها فشلت ميدانيا، وبالتالى فشلت فى تحقيق أى كسب سياسى ومعنوى كانت تسعى إليه من وراء عملية الثغرة لمسح جزء من عار الهزيمة التى لحقت بأسطورة الجيش الإسرائيلى الذى لا يهزم..
ومن هنا يمكن القول بأن معركة السويس هى التى كشفت أكذوبة الثغرة التى هلل لها الإسرائيليون؛ حيث تحولت شوارع السويس إلى مقبرة لأحلام وأوهام الجنرال الإسرائيلى المغرور أرئيل شارون الذى ضحى بمئات من أفضل قوات النخبة فى الجيش الإسرائيلى فى عملية التسلل الفاشلة إلى غرب القناة.
وعلى أبواب مدينة السويس دارت معارك عنيفة منذ مساء 22 أكتوبر حتى بلغت ذروتها مساء 24 أكتوبر حيث دارت حرب شوارع ضارية بعد أن تمكنت 5 دبابات إسرائيلية مساء 24 من أكتوبر من التسلل صوب بور توفيق لتهديد قوات الجيش الثالث شرق القناة ولكنها لقيت مع أطقمها أسوأ نهاية وتحولت الدبابات الخمس بكل من فيها إلى كتل من الحديد المحترق والأجساد المشوية، وهو ما أدى إلى جنون الإسرائيليين والمغامرة بمحاولة الوصول إلى حى الأربعين فواجهت مقاومة شعبية حولت الشوارع إلى كتل ملتهبة من الدبابات المحطمة المحترقة التى ينبعث منها دخان الموت والدمار للإسرائيليين.
وظلت المدينة طوال الليل يقظة لا تعرف النوم؛ حيث واصلت قوات المقاومة الشعبية عمليات التصفية لكل ما تبقى من أثر للإسرائيليين.. وبينما كان الكل يتوقع أن تشهد السويس مع صباح يوم 25 أكتوبر محاولة إسرائيلية جديدة للاقتحام والانتقام حدث بالفعل ما كان متوقعا؛ حيث غطت أسراب كثيفة من طائرات الفانتوم والميراج سماء المدينة، وراحت تقصف كل ركن فى المدينة الباسلة، وكان ذلك أفضل إنذار لأهل السويس لكى يستعدوا لهجوم أرضى إسرائيلى محتمل تحت غطاء القصف الجوى الذى بدأ مع أول ضوء.
وبالفعل لم تكد تمضى سوى ساعتين فقط وفى التاسعة صباحا تقدمت عدة مفارز إسرائيلية مدرعة صوب مبنى شركة السويس لتصنيع البترول - والتى تقع على بعد 5 كيلومترات من المدينة - واحتلوا مبناها وأجبروا المدير المسئول بها على الاتصال بمحافظة السويس للإبلاغ عن اقتحامهم للشركة ونقل رسالة إلى المحافظ محمد بدوى الخولى عن طريق غرفة عمليات المحافظة تتضمن إنذارا بضرورة القدوم بنفسه إلى مقر الشركة وإعلان استسلام المدينة فى مدى زمنى لا يتجاوز 90 دقيقة، وإنه فى حالة عدم الاستجابة للإنذار فإن القوات الإسرائيلية ستهدم وتدمر المدينة بأكملها على رءوس من فيها.
معارضة السادات
وعاد اسم الشيخ للبروز مجددا عام 1977، عندما رفض قرار الرئيس الراحل أنور السادات بزيارة القدس، وما تلا ذلك من عقد اتفاق "كامب ديفيد" في العام التالي، ثم معاهدة السلام مع إسرائيل عام 1979، واستمرت معارضته لسياسات السادات ما جعله واحدا من الشخصيات التي تم اعتقالها في سبتمبر 1981، وظل في السجن عدة أسابيع حيث أفرج عنه بعد اغتيال السادات في الشهر التالي.
جدير بالذكر أن عطاء الشيخ حافظ سلامة لم يتوقف عند دوره في حرب أكتوبر، حيث تواصل على أصعدة أخرى، فقام من خلال جمعية الهداية الإسلامية بتأسيس عدد من المساجد والمراكز الإسلامية الكبيرة والمتميزة في عدد من مدن مصر، أشهرها وأكبرها مسجدي الفتح الإسلامي بميدان رمسيس، والنور بالعباسية في قلب العاصمة المصرية (القاهرة).
كما قام الشيخ حافظ سلامة من خلال الجمعية ذاتها بإنشاء عدد كبير من المدارس والملاجئ ومراكز رعاية المعوقين، ومراكز التأهيل المهني، وتعليم الحرف للأولاد والبنات.
وقام الشيخ حافظ سلامة عام 1984 بالدعوة إلى مسيرة شعبية للمطالبة بتطبيق الشريعة الإسلامية، وقد استجاب لندائه عدد كبير من المصريين الذين تجمعوا في مسجد النور بالعباسية، وقام وفد منهم بتسليم طلب تطبيق الشريعة الإسلامية إلى رئاسة الجمهورية حينها.
المشاركة في ثورة يناير
ولم يتخلف الشيخ حافظ سلامة، عن المشاركة في ثورة 25 يناير الثاني 2011، وانضم إلى المطالبين بتنحي الرئيس الأسبق حسني مبارك في ميدان التحرير، وأصدر بيانا يناشد فيه الجيش المصري بالتدخل الفوري لإنقاذ مصر.
كما شارك الرجل في قيادة وتنظيم مجموعات الدفاع الشعبي ضد عمليات السلب والنهب التي انتشرت بمدينة السويس في أعقاب الفراغ الأمني، الذي أحدثه غياب الشرطة المصرية عقب جمعة الغضب في رابع أيام ثورة يناير.
وفي العام التالي، شارك الشيخ حافظ سلامة في جمعة الزحف بالعباسية في مايو 2012، للمطالبة بالقصاص لشهداء العباسية، الذين قتلوا على أيدي البلطجية بدون تدخل من قوات الشرطة العسكرية التي اكتفت بمشاهدة ما يحدث حينها، وكان الشيخ موجودا بمسجد النور عند فض الاعتصام.
دعم الربيع العربي
لم يتوقف نضال الشيخ حافظ سلامة لدعم الربيع العربي داخل الحدود المصرية، فقد عبر الشيخ الحدود بين مصر وليبيا عام 2011، متوجها إلى بنغازي لدعم الثوار الليبيين، حاملا معه مواد غذائية ومساعدات طبية وأدوية، بصحبة عدد من المتطوعين للمشاركة في توزيع المساعدات.
وفي عام 2011 أيضا، أكد الشيخ دعمه لفعاليات الانتفاضة الفلسطينية الثالثة، كما قام في العام التالي بالسفر إلى سوريا عبر الحدود التركية للمشاركة في الثورة السورية، "من أجل تطهير جميع البلاد العربية من الطغاة والمنتفعين من ثرواتها" ، مصطحبا معه كمية كبيرة من المعونات لمؤازرة اللاجئين السوريين.
تجربة حرب فلسطين
في نفس عام انضمامه لجماعة شباب محمد 1948م، أُعلن قيام دولة الاحتلال الصهيوني على أرض فلسطين، وكانت الجيوش العربية تستعد لحربها مع العصابات الصهيونية؛ فحاول حافظ سلامة التطوع للقتال، لكن قيادة الجماعة أقنعته حينذاك بحاجتهم لجهوده من خلال مهاجمة قواعد الإنجليز في مدينة السويس والاستيلاء على الأسلحة والذخائر وتسليمها للمركز العام لجماعة شباب محمد بالقاهرة لتقديمها لدعم المجاهدين في فلسطين.
وانتهت حرب فلسطين بالهزيمة وصدمة كبيرة لحافظ سلامة لم يتوقف عندها كثيرا بل عاد لممارسة دوره الدعوي والخيري من خلال جماعة شباب محمد حتى ألقت السلطات المصرية القبض عليه في يناير من عام 1950 بسبب مقال كتبه في جريدة "النذير" لسان حال الجماعة انتقد فيه نساء الهلال الأحمر بسبب ارتدائهن أزياء اعتبرها مخالفة للزي الشرعي.
لم تعطِ الأحداث فرصة لحافظ سلامة لالتقاط أنفاسه فتقلب من أزمة لأخرى حتى جاء عام 1951م حيث بدأت الفصائل الوطنية المصرية في تنظيم عمليات مقاومة للقوات الإنجليزية المرابضة على أرض القنال، وهي العمليات التي تمكنت من إزعاج المحتل الإنجليزي وتدمير عدد من قواعده؛ وهو ما أسهم في جلاء الاحتلال بعد ذلك بعدة أعوام.
وفي هذه الأثناء قام ضباط من الجيش المصري بثورة يوليو 1952 التي يعتبرها حافظ سلامة انقلابًا، ويراها من أهم أسباب الأزمات التي تعانيها مصر والأمة العربية إلى الآن. ولعل أحد أسباب رأيه هذا ما عاناه من كبت للحريات في العهد الناصري، ومن بعده عهد السادات.. فقد أصدر جمال عبد الناصر قرارًا بحل جماعة شباب محمد بعد نقدٍ وجهته إحدى صحفها للنظام الماركسي، نشرت بعده جريدة (برافدا) تقريرًا تحريضيًّا يتهم الجماعة بتعكير صفو العلاقات بين مصر والاتحاد السوفيتي، فصدر القرار بحلِّ الجماعة وإغلاق صحفها.
حرب 1967
بينما كان حافظ سلامة يقضي فترة اعتقال خلف جدران معتقل أبي زعبل القريب من القاهرة بتهمة تحفيظ القرآن الكريم؛ كانت مصر تتعرض لأكبر هزيمة عسكرية في تاريخها الحديث من خلال ما عرف باسم نكسة 1967م، والتي انتهت وفي أيام محدودة إلى احتلال الصهاينة للضفة الغربية وشبه جزيرة سيناء المصرية وهضبة الجولان السورية. كان حافظ وقتها وبالتحديد في العنبر رقم 12 الذي أطلق عليه عنبر "العتاولة"، والذي أوصى الرئيس عبد الناصر -كما يقول حافظ- بأن يظل نزلاؤه به مدى الحياة، وألا يخرجوا منه إلا إلى مقابرهم، وكان من نزلاء هذا العنبر عدد من قيادات الإخوان المسلمين وآخرون.
وحين وقع العدوان تقدم حافظ سلامة ورفاقه في المعتقل بطلب رسمي إلى قائد المعتقل للسماح لهم بالمشاركة في صد العدوان الصهيوني مع التعهد بالرجوع إلى السجن فور انتهاء المعركة ولكن قوبل الطلب بالرفض.
وحين خرج حافظ سلامة من المعتقل وجد مدينته "السويس" وقد هجرها أهله بعد عدوان 1967م، ولم يبق فيها إلا 1% ممن كانوا فيها. كان حافظ سلامة على يقين بأن الأيدي التي لا تعرف الوضوء لا تستطيع حمل السلاح في مواجهة العدو، وكان مقتنعًا كذلك بأن النصر لن يأتي إلا بالإعداد الجيد لجيل يمتلئ قلبه بالإيمان والتضحية وحب الشهادة...
ومن هذا المنطلق بدأ حافظ سلامة في بث جرعات إيمانية وروحية في قلوب المواطنين وفي نفوس أبناء القوات المسلحة، وذلك من خلال توجيه قوافل من كبار الدعاة في مصر لغرس مبادئ الإسلام في حب الشهادة وحتمية استعادة الأرض المسلوبة في نفوس أفراد القوات المسلحة وأبناء الأمة عامة، وكان لحافظ وعلماء الأزهر الذين كان يحضرهم لإلقاء الدروس والمحاضرات أكبر الأثر في رفع الروح المعنوية، وتعبئة الطاقات القتالية لدى الجنود المرابطين على الضفة الغربية من قناة السويس. وحين لمست قيادة القوات المسلحة أثر هذه القوافل والدروس زادت جرعاتها رأسيًّا وأفقيًّا لتشمل جميع الوحدات.
ولذلك فقد اعتبر قادة الجيش أن حافظ سلامة كان أبرز من ساهموا في عملية الشحن المعنوي للجنود بعد هزيمة 1967م والاستعداد لحرب عام 1973م؛ فقال عنه اللواء عبد المنعم واصل قائد الجيش الثالث الميداني بأنه صاحب الفضل الأول في رفع الروح الدينية للقوات المسلحة، وكان يعده أبًا روحيًّا لهؤلاء الجنود، كما أكد اللواء أركان حرب يوسف عفيفي قائد الفرقة 19 مشاة "أن النداءات الأولى للجهاد المقدس والكفاح المخلص تنطلق من الحنجرة المؤمنة بالله والوطن، من المناضل حافظ سلامة".
يروي الشيخ حافظ سلامة قائلاً عن بداية مقاومته في السويس، فيقول:
"كنت بالقاهرة في ذلك اليوم لقضاء بعض الأعمال الخاصة بمسجد النور ولأحجز للسفر إلى بيروت يوم 20 أكتوبر... وأثناء سيري في الشارع سمعت بعض المارة يقول المعركة مستمرة بالطيران والمدفعية والصواريخ.... ظننت في بادئ الأمر أنها غارة صهيونية جديدة فتوجهت لسماع المذياع عند كشك يبيع المرطبات لأسمع مذيعًا يذيع البيان الثاني للقيادة العامة للقوات المسلحة.
لا أستطيع أن أعبر تمامًا عما اعتراني جسدًا وروحًا وجريت مهرولاً باتجاه محطة القطار فإذا بي أجد قرارًا بوقف جميع المواصلات المتجهة إلى مدن القناة، فاستقليت سيارة خاصة باتجاه السويس واستطعت من خلال بعض الاتصالات من أخذ الإذن بالسماح لي بالتوجه إلى هناك حيث كانوا يمنعون كل السيارات المدنية (غير العسكرية) من الذهاب إلى مدن الجبهة.. وسار الموكب... وكم كنت أتمنى أن يكون معنا كل مؤمن حتى يشاهد الأنوار الإلهية التي غمرت تلك المنطقة؛ فأنت ترى السماء وكأنها قد أضيئت وترى النور على وجود جنودنا الأبطال وهم يهتفون "الله أكبر" وهم فرحون مستبشرون كأنهم يزفون إلى عُرس! ولم أملك نفسي وأنا أهتف بأعلى صوتي "الله أكبر.. الله أكبر... الله أكبر" فأسمع صداها يقترب ويقترب حتى رأيت قواتنا كأنهم جند السماء يكبرون ويهللون وهم يقتحمون أمنع الحصون وأعتاها.
وأقبلت نسمات الفجر من صبيحة اليوم الثاني للمعركة وأذن المؤذن للصلاة فازدحم مسجد الشهداء برجالنا وشبابنا، وقضيت الصلاة وألقيت كلمة جامعة عن الجهاد في سبيل الله، وما أعده الله للمؤمنين الصادقين في البلاء من إحدى الحسنيين إما النصر أو الشهادة في سبيل الله والفوز بجنة عرضها السموات والأرض، ولم يكن أمام المقاومة في بدء عملها إلا أعمال الخدمات الطبية والمعنوية، ولعمري إن هذه المهمة لا تقل في خطورتها وأثرها عن خدمة الميدان وهي من أقوى أسلحة المعركة حينما تدار لتجعل من أبطالنا الجرحى والشهداء، معين قوة لغيرهم ليستعذبوا البلاء والابتلاء في سبيل الله والوطن.
وعلى الرغم من توجه بعض أعضاء الجمعية برفقتي غاضبين إلى مكتب المخابرات يشتكون من عدم وجودهم في عملية العبور فإن العقيد فتحي عباس رد عليهم قائلاً: إن هذا هو دور القوات المسلحة، وهم في حاجة إلى من ينقل جرحاهم ويضمد جراحاتهم ويدفن شهداءهم؛ فهذا الدور لا يقل عن دور المقاتل على الجبهة.
ولم أملك نفسي إلا أن أكبر وأهلل عندما اطلعت على شهداء العبور الأول... إنهم لم يتعدوا الاثنين وعشرين شهيدًا.
ولقد كان دور العلماء كبيرا عندما كان يجلس أحدهم إلى جوار الجريح يطعمه ويسقيه بيديه ويمسح عنه أثر الدماء مربتًا على صدره ويمسك قلمه ومفكرته ليقول له: هل لك من حاجة توصلها إلى أهلك؟ هل أنت بحاجة إلى شيء؟
وأقولها للتاريخ: إنهم كانوا جميعًا يريدون فقط الاطمئنان على تقدم إخوانهم... يريدون أن نرجعهم إلى إخوانهم على أرض المعركة.
قد يعجب الناس حينما رأيت أن تعمل محلات الحلوى في السويس بلا توقف لتشارك في أعياد النصر وتشاورت مع الدكتور محمد أيوب مدير المنطقة الطبية عن أنسب الهدايا التي أقدمها للجرحى فاختار البسكويت والنعناع والحلوى، وعلل اختياره لهذه الأصناف بمصلحة الجريح وتوجهت من فوري إلى محل محمد جمعة للحلويات واشتريت كميات من هذه الأصناف، ثم ذهبت إلى مسجد الشهداء وطلبت من العلماء والمقرئين وجميع الإخوة التوجه إلى الدور العلوي للمسجد وذلك لغرض إعداد علب الحلوى، ثم توجهنا بها إلى المستشفى العام وكم كان لهذه الزيارة أثر كبير في نفوس الجرحى.
وما أطل صباح يوم الثلاثاء العشرين من رمضان حتى بدأنا نشعر أن دورنا في المعركة قد اقترب واقترب، لقد علم شعبنا أن ثغرة قد فتحت بين الجيشين الثاني والثالث عند منطقة الدفرسوار... وكان من الطبيعي أن يواجه جيشنا هذه المشكلة وأن يعمل على وأدها في مهدها ولكننا كرجال للمقاومة كان لا بد أن نقدر أسوأ الاحتمالات الممكنة... بحيث نتعرف على ما الهدف الذي يريد أن يحققه من هذه الخطوة ومن ثم نعمل على عدم تمكينه من تنفيذ رغبته هذه، وكانت غاية العدو هو أنه يريد أن يحتل مدن القناة بأي ثمن وفي مقدمة هذه المدن مدينة السويس، إن الحرب إذا امتدت إلى المدن كان القتال فرضًا، ويكون تسليم السويس وفيها رجل واحد ينبض بالحياة إنما هو الكفر بعينه، كانت هذه هي عقيدة رجالنا، إن الاحتلال اليهودي لمدينة السويس يعني في نظر الإعلام الصهيوني التأثير في العالم بأن الحرب قد انتهت لصالح الصهيونية.»
تعليقات