عمر بهاء الدين الأميري الأدب والمقاومة كنت أعرف عنه القليل في الأدب، وعلى كبررأيت أنه لابُد أنْ "أمحيَ أميّتي الشعرية لدى كبار الشعراء الذين لهم باع في الشعر العربي

الكتابة عن صلاح عبد الله صعبة جدا، خصوصا بعد ساعات من وفاته. كان صلاح سهلا.. سهلا في شعره، في نثره


كنت أعرف عنه القليل في الأدب، وعلى كبررأيت أنه لابُد أنْ "أمحيَ أميّتي الشعرية لدى كبار الشعراء الذين  لهم باع  في الشعر العربي الذي يضارع  العالمي منه"ومادمت أني اريد العلم لجهلي، فلا بد أن تكون نفسي التواقة لها مربعاً وتقاربا من أهل الفضل حتى لو رحلوا 

يقول الإمام الشهيد حسن البنا:
"إذا لامست معرفة الله قلبَ الإنسان تحول من حال إلى حال، وإذا تحول القلب تحول الفرد، وإذا تحول الفرد تحولت الأسرة، وإذا تحولت الأسرة تحولت الأمة، وما الأمة إلا مجموعة من أسر وأفراد".وبهاء الدين الأميري اسم غائب حاضر بيننا، ناضل كثيراً من أجل الوطن، وكافح طويلا من أجل الحريات ونشر المبادئ الإسلامية.

شخصية حفرت لها مكانة بمداد من نور في ذاكرة التاريخ، ولم يكن واحد ولد ثم مات فحسب، بل امتلك شخصية أثرتْ وتأثرت بمحيط المجتمع والبيئة التي وُجد بها، فمنذ أن ولد في بيئة تجاهد وتكافح الاستعمار الجاثم على صدر الأمة، وقد اشتعلت لديه غريزة العزة التي تأبىَ وجود مستعمر فوق تراب وطنه، وتفتحت لديه مشاعر وأحاسيس الأديب الذي ينشد الحرية لوطنه السليب.

وُلد عمر بهاء الدين الأميري في حلب الشهباء بسورية سنة 1336هـ (1915م) ووالده هو محمد بهاء الدين الأميري، نائب حلب في "مجلس المبعوثان العثماني"، وأمه هي "سامية الجندلية" ابنة "حسن رضا" رئيس محكمة الاستئناف في حلب.
درس المراحل التعليمية الأساسية في مدينة حلب، وفيها أتم دراسته في الآداب والفلسفة، درس الأدب وفقه اللغة في كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة السوربون في باريس، والحقوق في الجامعة السورية في دمشق.

عمل في التعليم فتولى إدارة المعهد العربي الإسلامي في دمشق، وقالت عنه مجلة الشهاب والتي أصدرها الإمام البنا عام 1947م في عددها الثالث: "سوري من صفوة أبناء حلب وُلِد سنة 1329هـ، وقضى بعض عمره المبارك في الدراسة بفرنسا، وتخرّج في "الحقوق السورية" سنة 1940م، وكان نجاحه منقطع النظير.

 واشتغل بالمحاماة مشترطًا على موكليه أن يتخلى عن دعاواهم إذا ظهر وجه الحق في غير جانبها! واشتغل بالحركة الإسلامية منذ نعومة أظفاره، وأسس مركزًا للدعوة الإسلامية في باريس، وهو شاعر مطبوع ومجاهد مؤمن".
يعد الأميري من مؤسسي جمعية "دار الأرقم الإسلامية" في حلب، كما أسهم في تأسيس حركة (سورية الحرة)، وكان رئيس الجانب السياسي فيها، عام (1384هـ) (1952م).

ولقد اختير الأميري ليكون عضوًا في المجمع العلمي العراقي، وعضوًا في المجمع الملكي للبحوث الإسلامية في الأردن، ولقد نظم الشعر في التاسعة من عمره، حتى أن له العديد من الدواوين الشعرية منها ديوان " أب ".
الأميري والإمام حسن البنا

تأثر بهاء الأميري بفكر الإمام الشهيد حسن البنا، وطريقته الإصلاحيّة،وانتسب إلى جماعة الإخوان المسلمين، وكان يرى أنها الحركة الإسلاميّة التي تتوافر فيها المواصفات المطلوبة للنهوض بالأمّة الإسلاميّة من كبوتها، وتحرّرها من ربقة الاستعمار، فكان يقول: إن المستقبل لهذه الحركة الإسلاميّة إذا توفّر لها الفهم الصحيح للإسلام، والقيادة الحكيمة الرشيدة، والعاملون المخلصون.

كان الأستاذ بهاء الأميري من أوائل من التحقوا بحركة الإخوان المسلمين في سوريا مع الأستاذ محمد المبارك والأستاذ الشيخ محمد الحامد والشيخ عبد الفتاح أبو غدة وغيرهم وبذل جهودًا طيبة لدعم الحركة وأسهم في توجيه شبابها وكان وثيق الصلة بالإمام البنا وبعده الأستاذ الهضيبي يكثر من زيارته والتردد عليه ومشاورته في الأمور.
ويعد القطر السوري من أوائل الأقطار التي نبتت فيها دعوة الإخوان خارج مصر، ويعود ذلك لعدة أسباب أهمها:
اهتمام الإخوان بالطلبة السوريين المتواجدين بمصر للدراسة، وإحاطتهم بالرعاية والتكريم، ومن هؤلاء الطلبة مصطفى السباعي وعمر بهاء الدين الأميري.
رعاية الإخوان للعلماء السوريين أمثال عالم دير الزور محمد سعيد العارفي الذي استوطن مصر بعد خروجه من سوريا إثر ثورته على الظلم والاحتلال الفرنسي، والذي صادر أملاكه وكتبه وحكموا عليه بالنفي.
انتشرت فكرة الإخوان في سوريا عام1933 و 1935م، لكن كان عام 1937 هو العام الذي استطاع الإخوان تأسيس أول مركز مرخص للجماعة في حلب تحت اسم: دار الأرقم، أي أن النشأة الرسمية للإخوان في سوريا كانت عام 1937م، وكان من أبرز المؤسسين: الأستاذ عمر بهاء الأميري، الأستاذ عبدالقادر الحسيني، الأستاذ أحمد بنقسلي، الأستاذ فؤاد القطل، الشيخ عبد الوهاب الطوبجي، والأستاذ سامي الأصيل.

يقول الأميري:
"في عام 1356ه /1937م أسس في حلب أول مركز مرخص لجماعة الإخوان رغم تضيق الاستعمار الفرنسي الغاشم، وبدأت منذ ذلك الوقت الاتصالات الوثيقة مع الإخوان في مصر ولاسيما فضيلة المرشد العام".
لكن الجمعيات في سوريا في في ذي الحجة سنة 1364ه، الموافق نوفمبر 1945م، دمجت مع بعضها لتكون تحت مسمى الإخوان المسلمين ويكون الدكتور مصطفى السباعي مراقبا عاما عليها.

وعندما زار الإمام البنا سوريا في 13 من جماد الأول 1367هـ الموافق 23 من مارس 1948م، كان في استقباله في فندق أوريان بهاء الدين الأميري وكوكبة من إخوان سوريا.
اختير الأميري في أول هيئة تأسيسية للإخوان المسلمين حيث كان من الأسماء التي وردت من خارج مصر اسمه و الدكتور مصطفى السباعي، عبد اللطيف أبو قورة، محمد محمود الصواف، عبد العزيز العلي، الشيخ محمود خليفة، الحاج طاهر الدجاني.

شارك في حرب فلسطين عام 1948م، بكل طاقته وجهده حتى انتهت الحرب بالمهزلة المعروفة.ومن المواقف التي يذكرها مع الإمام البنا أنه كان في زيارة لمصر في صحبة والده والذي حرص أن يعرفه بالإمام البنا فاصطحبه للمركز العام للإخوان المسلمين وتقابلا مع الإمام الشهيد الذي رحب بهم بشده، وفي اليوم الثاني وأثناء استقلال الأميري ووالده القطار وقبل التحرك بقليل من محطة مصر وجدا الإمام البنا يأتي مسرعا حاملا باقة من الزهور، ليقدمها لوالد بهاء الأميري ويودعه، مما ترك هذا الموقف أثرا بليغا في نفس الوالد والابن.
اعتقل عام 1965م هو والدكتور توفيق الشاوي وعصام العطار في سجن بيروت بعدما حاول عبدالناصر خطف الشاوي في الصندوق الطائر فلم يفلح.

نشاطه
تطوع في جيش الإنقاذ، سنة 1367هـ 1948 مقاتلاً في كتيبة الإخوان المسلمين السوريّين، وحمل مطالب الإخوان إلى حكومة جميل المدفعي في بغداد، التي تضمنت زيادة عدد القوات العراقيّة المشاركة في حرب فلسطين، وضرورة التحرك خارج حدود التقسيم، وإقصاء اليهود من الجبهة الوطنيّة لتحرير فلسطين التي تشكّلت في بغداد.
وعايش القضيّة الفلسطينيّة، واكتوى بنارها، واتصل بمفتي فلسطين الحاج أمين الحسيني، وكان يلتقي به في لبنان، نيابة عن المجاهدين السوريّين، وكانت القضيّة الفلسطينيّة هاجسه اليومي، فجّرت أغواره الشعريّة، فجاءت قصائده الفلسطينية متأججة بالعواطف، حيث سجل أحداثها وملاحمها، على شكل مجاميع شعرية منها: (ملحمة الجهاد) 1968 1388 ، و(من وحي فلسطين) 1971م 1391 ه، :و(ملحمة النصر) 1394هـ 1974م، و(الزحف المقدس) و(حجارة من سجّيل) و(الأقصى وفتح القمة) و(الهزيمة والفجر) .

تفاعل مع الثورة الجزائريّة، وبناء باكستان، والمسيرة المغربيّة الخضراء، وعبّر عن المشاعر الإنسانيّة، وهموم المسلمين والمعذّبين . وكان يدعو إلى إسقاط الحكومات المهزومة، وإلى رفع راية الثورة على الأنظمة المتخاذلة، ويتناول فساد الإدارة الحكوميّة في سوريّة، وسيطرة الطبقيّة والتخلّف، في افتتاحيّات (جريدة المنار) التي كان يحرّر بها سنة 1367هـ 1948م.
دعي إلى المغرب لتدريس الحضارة الإسلاميّة بكليّة الآداب بجامعة محمد الخامس في مدينة فاس، ثم أستاذاً لكرسي الإسلام والتيارات المعاصرة، في دار الحديث الحسنيّة، وقسم الدراسات الإسلاميّة والعليا في جامعة الرباط، والقرويّين سنة 1386/1966 .

ليعمل أستاذًا لكرسي "الإسلام والتيارات المعاصرة" في دار الحديث الحسنية بالرباط، وقسم الدراسات الإسلامية العليا في جامعة القرويين، كما درس الحضارة الإسلامية في كلية الآداب بجامعة محمد الخامس في فاس.
عمل سفيراً لبلاده في دولة باكستان الإسلاميّة عام 1369هـ 1950م ثم سفيراً في المملكة العربية السعودية عام 1373هـ 1954م .

قصيدة بألف قصيدة 

هذه القصيدة قالها الشاعر السوري الراحل عمر بهاء الدين الأميري وهي القصيدة في الحنين إلى أولاده حينما سافروا وتركوه وحيدا في بيته وقال عباس محمود العقاد لو كان للأدب العالمي ديوان من جزء واحد لكانت هذه القصيدة في طليعته..استمتعوا بأبنائكم وأحبابكم قبل أن يرحلوا أو ترحلوا..

القصيدة بعنوان ( أبٌ )

أين الضجيج العذبُ والشغبُ

أين التدارس شابَه اللعبُ ؟

أين الطفولةَ في توقُدها

أين الدّمَى في الأرض والكتب ؟

أين التشاكس دونما غرض

أين التشاكيِ مالهُ سبب ؟

أين التباكي والتضاحُكِ في

وقت معا والحزنُ والطربُ ؟

أين التسابق في مجاورَتي

شغفا إذا أكلوا وإن شربوا ؟

يتزاحمون على مجالستي

والقرب مني حيثما انقلبوا

يتوجهون بسوق فطرتهم

نحوي إذا رهبوا وإن رغبوا

فنشيدهم : (بابا) إذا فرحوا

ووعيدهم : ( بابا ) إذا غضبوا

وهتافهم : ( بابا ) إذا ابتعدوا

ونجيبهم :( بابا ) إذا اقتربوا

بالأمس كانوا ملء منزلنا

واليوم ويح اليوم قد ذهبوا

وكأنما الصمت الذي هبطت

أثقاله في الدار إذ غربوا

إغفاءة المحموم هدأتها

فيها يشيع الهم والتعب

ذهبوا أجل ذهبوا ومسكنهم

في القلب ما شطوا وما قربوا

إني أراهم أينما التفتت

نفسي وقد سكنوا وقد وثبوا

وأحس في خلدي تلاعبهم

في الدار ليس ينالهم نصب

وبريق أعينهم إذا ظفروا

ودموع حرقتهم إذا غلبوا

في كل ركن منهم أثر

وبكل زاوية لهم صخب

في النافذات زجاجها حطموا

في الحائط المدهون قد ثقبوا

في الباب قد كسروا مزالجه

وعليه قد رسموا وقد كتبوا

في الصحن فيه بعض ما أكلوا

في علبة الحلوى التي نهبوا

في الشطر من تفاحة قضموا

في فضلة الماء التي سكبوا

إني أراهم حيثما اتجهت

عيني كأسراب القطا سربوا

دمعي الذي كتمته جلدا

لما تباكوا عندما ركبوا

حتى إذا ساروا وقد نزعوا

من أضلعي قلبا بهم يجب

ألفيتي كالطفل عاطفة

فإذا به كالغيث ينسكب

قد يعجب العذاب من رجل

يبكي ولو لم أبك فالعجب

هيهات ما كل البكا خور

إني وبي عزم الرجال أبُ

........................................

محمد سيد بركة

عمر بهاء الدين الأميري .. نجم سطع في سماء الأدب والفكر والعمل السياسي .. شاعر سوري رقيق العاطفة في تعبيره عذوبة تعبر عن عذوبة روحه.. أطلق عليه بعض الأدباء الألمان بعد إطلاعهم على ديوانه “مع الله ” شاعر الإنسانية المؤمنة ..
يقول الأميري: ” اتصل بي قنصل ألمانيا في حلب يريد شراء نسخ من ديواني “مع الله” طلبها عدد من الأدباء والشعراء الألمان وجلهم من المستشرقين فأهديته النسخ المطلوبة، فجاء لي بكتاب يتضمن تقديرا وشكرا ممن وصلتهم النسخ ، ثم زارني القنصل وقدم لي نسخة مختارات من الشعر الألماني الإلهي مهداة إلى صاحب ديوان “مع الله”، إلى الإنسان المؤمن الذي استطاع أن يعبر في هذا الزمن المادي عن مشاعر الإنسانية المؤمنة بأسلوب غير محلى وبطريقة إنسانية عامة “.. فأطلق عليه الذين اطلعوا على الكتاب من الأدباء وأهل الصحف هذا اللقب ، شاعر الإنسانية المؤمنة .

نشأته ومراحل حياته

ولد عمر بهاء الدين الأميري في 2/5/ 1916 م في مدينة حلب السورية لأبوين كريمين، وفي حلب نشأ الأميري وأتم دراسته الثانوية، ثم سافر إلى باريس فدرس الأدب وفقه اللغة بجامعة السوربون ، ولما عاد إلى سورية درس الحقوق في الجامعة السورية في دمشق .
عمل الأميري مدرسا لعلوم الاجتماع والنفس والتاريخ في حلب ودمشق ، وتولى إدارة المعهد العربي الإسلامي في دمشق.
التحق الأميري بالسلك الديبلوماسي، فعين وزيرا مفوضا، ثم سفيرا، وقضى شطرا من حياته سفيرا لبلده في المملكة العربية السعودية، وشطرا آخر في باكستان، ويبدو أنه اغتنم فرصة عمله في الباكستان فتعلم اللغة الأوردية حتى أتقنها، واستطاع أن يتحدث بها، ويحاضر، ويخطب، ثم ترك الديبلوماسية، وتفرغ لخدمة العمل الإسلامي بقية حياته، وظل سفيرا في وزارة الخارجية السورية..

ذهب إلى المغرب ليعمل أستاذًا لكرسي الإسلام والتيارات المعاصرة، في دار الحديث الحسنية بالرباط، واستمر في العمل خمسة عشر عاما، كما درس الحضارة الإسلامية في كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة محمد الخامس .


كما عمل أيضا أستاذا زائرا ومحاضرا في جامعات الرياض، والإمام محمد بن سعود الإسلامية، والملك فيصل، والملك عبد العزيز في السعودية، وجامعات الأزهر، والجزائر، والكويت، وصنعاء، وقطر، والجامعة الأردنية في عمان، وجامعة الإمارات العربية في العين، وعدد من الجامعات الإسلامية في باكستان، وتركيا، وأندونيسيا.

كان الأميري عضوا برابطة الأدب الإسلامي العالمية ويعد أحد مؤسسيها، والمجمع العلمي العراقي، والمجمع الملكي لبحوث الحضارة الإسلامية في الأردن.
توفي الأميري مساء يوم السبت 22 من شوال 1412 هـ الموافق 25 من شهر أبريل 1992 م بعد حياة حافلة بالإبداع والكفاح من أجل نشر قيم الحب والتسامح والأخوة ، ومن أجل رقي الإسلام والمسلمين ..
مؤلفات الأميري
ترك الأميري تراثا شعريا وفكريا ضخما نذكر منه ..
أولا : الدواوين الشعرية
مع الله ، ألوان طيف ، أب ، أمى ، من وحى فلسطين ، أشواق وإشراق ، ملحمة النصر ، حجارة من سجيل ، قلب ورب ، رياحين الجنة ، الزحف المقدس ، نجاوى محمدية ، أذان الفجر، أنين وحنين ، أبوة وبنوة ، صفحات ونفحات ، ملحمة الجهاد ، عواطف وعواصف ، في رياض إقبال ، الزحف المقدس ، خماسيات ، أصداء الطفولة ، جمال وهوى، ألحان العزلة، صراع ، رجال وأشباه ، روح مباح، زورق، مع القاضي الزبيري، …
ثانيا : الأعمال الفكرية

الإسلام وأزمة الحضارة الإنسانية ، الخصائص الحضارية في الإسلام ، الإسلام في المعترك الحضاري ، المجتمع الإسلامي والتيارات المعاصرة ، في رحاب القرآن (الحلقة الأولى: في غار حراء) ، في رحاب القرآن (الحلقة الثانية: عروبة وإسلام) ، في رحاب القرآن (الحلقة الثالثة: وسطية الإسلام وأمته في ضوء الفقه الحضاري، لقاءان في طنجة ، قضية العروبة بين القومية والإسلام ، في الفقه الحضاري ، حكم البعثة المحمدية وآثارها في المكان والزمان والإنسان ، الشخصية المستقلة للحضارة الإسلامية ، الإسلام وحضارة المستقبل ، الأبعاد الحضارية للجهاد المقدس ، الحوار في منهجية البحث المقارن في التصور الحضاري المعاصر ، برا بالأبوة والتاريخ …
دراسات عنه
أنجزت عدة بحوث ودراسات أكاديمية عن شعر الأميري ونشرت مقالات كثيرة حول فكره، ومن أبرزها: كتاب “عمر بهاء الدين الأميري شاعر الإنسانية المؤمنة” لخالد بن سعود الحليبي، “يوميات وأيام عمر بهاء الدين الأميري”لباسل الرفاعي، “عمر بهاء الأميري شاعر الأبوة الحانية والبنوة البارة والفن الأصيل” للدكتور محمد علي الهاشمي أستاذ الأدب العربي بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض، ودراسة عبد الحليم خلدون الكناني الصادرة في مجلة “دعوة الحق” المغربية وعنوانها: “نظرة في شعر عمر بهاء الدين الأميري”، وبحث الدكتور جابر قميحة عنوانه: “الغربة في شعر عمر بهاء الدين الأميري” الصادر في مجلة الوعي الإسلامي الكويتية وإصدار عدد خاص من مجلة الأدب الإسلامي حول شعره وأدبه وحياته (العدد 60 -1429 هـ / 2008 م ) ، … وهذه الدراسات وما توافر لدينا من إنتاج الأميري كان مصدرنا في كتابة هذه المقالة..

شاعر الإنسانية المؤمنة
يتساءل الدكتور أحمد البراء الأميري نجل الشاعر:أهو شاعر إنسان أم إنسان شاعر ؟ أعني أي الصفتين أغلب عليه شاعريته أم إنسانيته ؟..لا يعنيني الجواب مادام أهم معالم تحديد هويته هو هذين السؤالين !
ويضيف قائلا : كان والدي –رحمه الله –شاعرا وإنسانا بكل ما في هاتين الكلمتين من آفاق وأعماق وأبعاد وامتداد ، وكان بعد ذلك فنانا بالطبع لا بالاكتساب ، وهذا هو ما جعل شعره نسيج وحده لأنه صقل موهبته بالمران والممارسة لا بالتعلم والمدراسة ..
ينطلق الأميرى فى أغلب شعره من قاعدة إيمانية روحية، وقلب ينبض بحب الإسلام والعربية والعروبة بل الإنسانية جمعاء ، ووجدان يعيش آلام المسلمين وآمالهم، يقول في ديوانه مع الله :
مع الله .. أول ديوان أنشره ، يحوي الجانب الإلهي من شعري،
مع الله في سبَحات الفِكـَر​ مع الله في لَمَحاتِ البصرْ
مع الله في زفَرات الحَشا مع الله في نبضات البَهَرْ
مع الله في رعشات الهوى مع الله في الخلجاتِ الأخَرْ
ويقول في قصيدة “ذرة “:
فكرتُ في آلاميَ الناميه وفي أمانيَّ وأحلاميهْ
وفي طريق الغيب أشتفـّـُـه​ وفي مجاهيل الغدِ الغافيهْ
وثمَّ في الحيْرَة ساحَتْ بيهْ عوالم الكون أفكاريهْ
فصِحْتُ مأخوذاً بإبداعها وسيْرِها هادية واعيهْ
حاشاه أن ينقضيَ خلا قها تَرْكِيَ فيها ذرَّة نابيهْ
فالشاعر يعيش صراع ، ويواجه أزمة فكرية ..إنه يفكر في آلامه المتزايدة ، وفي أحلامه التي لا تتحقق وفي الغيب الذي يتطلع إليه فلا يكشف شيئا من أستاره وفي الغد المجهول المحذور فتتملكه الحيرة ..لماذا ؟ لماذا يتألم ؟ لماذا يختفي الغد في أستار الغيب ولا ينكشف شيء منه ؟ !!

وفي حيرته تسبح به أفكاره في الملكوت ، فحيرته لا تتحول إلى تيه ينفصل فيه عن الكون وعن الله ، وإنما تخرج به روحه من سجن ذاته الذي أغلقته الحيرة النابتة في ضميره فتسيح به عالم الأكوان ..والشاعر يقدم تجربته كقصة شعورية وجدانية حية نابضة ..
ويقول في قصيدة “صلاة ” :
كلما أمعن الدجى وتحالكْ شِمْتُ في غوره الرهيب جَلالكْ
وتراءتْ لعين قلبي برايا من جمال، آنسْتُ فيها جمالكْ
وترامى لمسمع الروح همس من شفاه النجوم يتلو الثــَّـنا لكْ
ولهتراني تولـّـُه وخشوع واحتواني الشعور أني حِيالكْ
ما تمالكت أن يخر كِياني ساجدا واجـِـدا ومن يتمالك
أما في قصيدته الطويلة “ضراعة ثائر ” التي تعد من أعنف قصائد الديوان فهي سورة جسد ملتهبة يتلظى بها كيانه ولا يطيق كبتها ، في ليلة عاصفة تكاد تخرج به عن صوابه وضوابطه وكوابحه بعد تعرضه لفتنة جائحة ، ويثير هذا اللظى ، وعجزه عن كبحه ، يثير فيه أشجانا وذكريات ، تزيد من اضطراب نفسه ، وتجعل الصراع مرا عنيفا لا يكاد يطاق .. « كان في كراتشي… واستيقظ بعد منتصف ليلة عرفة، هائج النفس، ثائر الشباب، وكان قد تعرَّض في تلك الأمسية إلى إغراءٍ كثير.
“ذكر إقامته على التقوى في باريس، وهو طالب.وذكر مواقفه في الحج، في مثل هذه الليلة، منذ عام مضى.وذكر ما تعرض له قبل ساعات…وفي غمرة الحيرة، وسُوارالنفس، وأوار الظمأ، أنشأ القصيدة التالية. ولما كاد ينبلج الصباح، هدأتْ نفسه بعض الشيء، وعاد يراود الكرى” :
يقول :
كيف أنجو يا خالقي من شباب عارم عاصف التوثب ضاري
مستبدٍ بكلِّ ذرَّاتِ جسمي مستفز كوامن الأوطار
كـُـلـَّـما رُمْتُ كبتَه، ثارَ جهْلا وتخطى عقلي وأعيا وقاري
فأنا منه، ما كبحتُ هواهُ في جموح وحدة واستعار
كيف أنـْـجـو، وإنـَّـه مستقر في كياني، وفي صميم نجاري
هـو مـن طينـَـتي التي لـَـوَّثـَـتـْـنـي ورمتني فريسة الأقدار
إنه رجعة الصدى لفحيح لاهب الذات غاشم كفـّـار
قد تحدى أبي الكبيرَ قديماً فرماه من عالم الأبرار
إلى أن يقول :
كيف أنجو يا خالقي كيف أنجو والمقادير ألزمتـْـني إساري*
فتخيَّرْ لِمن خلقـْـتَ سبيلا ترتضيها، فإنَّ ذاكَ اختياري
أنني نازع إليك بنور منكَ، للنور في العوالم باري
وأنا مقسمٌ عليك بأسمائكَ،.. من راحم، ومن جبّار
لا تـُـفرِّط بمن دَعتـْـكَ خلاياهُ.. دراكاً في ليله والنهار
رُبَّ سار والسُحْبُ قد لفـَّـتِ النجمَ، .. فحارَ السّارون عبرَ القفار
سَفَرَ الفجرُ، فاستبان خـُـطاه، فرآها اهتدت بلا إبصار
واختياره لعنوان القصيدة ” ضراعة ثائر ” له دلالة على طبعه الوادع الهادئ الذي يطبع شعره كله حتى في أشد ساعات الثورة الجموح والانفلات ..
شاعر الأبوة الحانية
لم يعرف الشعر العربي قبل عمر بهاء الدين الأميري من خصص لأولاده وأحفاده ديوانا من من الشعر مثلما فعل الأميري حيث سكب عواطفه الأبوية في ديوان “أب ” و” رياحين الجنة ” ، فأسمعنا ألحان قلبه المفعم بحب أولاده ، وآهات روحه المتعبة من همهم ، وانشغال الفكر عليهم فعبر بذلك عن مشاعر كل أب نحو أكباده ومزع قلبه .ولا جدال في أن مشاعر الأبوة من أنبل المشاعر الإنسانية وأكرمها ..
يقول في مقدمة ديوانه “أب ” :
هذا الديوان : ألوان .. وألوان ..
ألحان إيمان .. وإحسان ..
إرنان أشجان .. وحنان ..
عطاء مفن .. أو فنان ..
أبوة شاعر ..
عصارة مشاعر ..
بوح إنسان .. إنسان ..
لا زمان له .. ولا مكان …

محمد سيد بركة

أما في قصيدته الأولى “براء ” وهو اسم أكبر أولاده تطالعنا العاطفة الإنسانية في أنقى وأصدق أشكالها ، عاطفة الأب المحب الحاني ، ينظر إلى مولوده الأول ، فيرى في عينيه الصافيتين وثغره الزاهي الرقيق سعادة تجعل العذاب حلوا ، وهناء تجلو عن النفس أوضاء العناء والهم .. يقول :
لصفاء عينيك العذاب
يحلو العذاب فلا عذاب
ولثغرك الزاهي الرقيق
وقد تفتح عن حباب
تتهنأ النفس العنا
ويلذها خوض الصعاب
ويمضي الشاعر في عزف ألحان الأبوة الخالدة فيخاطب وليده بأرق الكلماتواحلاها وقعا على الآذان فيقول :
يابسمة بفم الزمان
ودرة من غير عاب
يازهرة قدسية التكوين
عايقة الملاب
ما أنت إلا نعمة وافت
على غير ارتقاب
الأهل أنت أنيسهم
لك في قلوبهم رحاب
مهما اتيت فلا جناح
ولا ملام ولا عتاب
ثم يمضي الشاعر في مناجاة وليده ، قرة عينه :
أبراء يا بردا لروحي
لاح في لفحات آب
يا من أراه خلال طيف
الغيب يرفل في الثياب
أبراء هذا الدهر من
صفو وكدر يشاب
فاصبر إذا شد الزمان
عليك في ظفر وناب

ثم نقف مع قصيدته الخالدة والتي تعد من نوادر الأدب العالمي على حد تعبير الأديب عباس محمود العقاد ألا وهي قصيدة “أب ” التي تضمنت مشهدا شاخصا متحركا من الحياة الواقعية يضج بالحيوية والانطلاق بأسلوب رشيق عذب الإيقاع متألق بالعاطفة الصادقة الريانة المنسربة من أعماق القلب وأي قلب ؟ قلب الشاعر المرهف المحب الحنون .
في هذه القصيدة يصور الشاعر مشهد أولده الصاخب الضاج بالحركة والحياة والنطلاق والمرح في مصيف قرنايل بلبنان ، ثم يصور رحيلهم ووقع هذا الرحيل في نفسه حانا إلى ضجيجهم وشغبهم وتشاكسهم وتشاكيهم .
ويرى في هذه المتعبات المغضبات للآباء شيئا حبيبا إلى نفسه ، مؤنسا لها مسليا له في وحشته القاتلة وسأمه المبرح ، وما أروع تعبيره عن لهفته وآساه لرحيلهم بهذه العبارة “أين ” المشحونة بالألم ، الزاخرة بالحسرة، يقول :
أين الضجيج العذب والشغب
أين التدارس شابه اللعب
أين الطفولة في توقدها
أين الدمى في الأرض والكتب
أين التشاكس دونما غرض
أين التشاكي ماله سبب
أين التباكي والتضاحك في
وقت معا والحزن والطرب
وما أجمل تصويره الوحشة التي أناخت بكلكلها على صدره بعد رحيلهم ، فإذا هو يصعد زفرة القلب المعنى بفراقهم ولا يملك إلا أن يردد كلمة ذهبوا بكل ما تحمله من ايقاع عاطفي مؤثر حزين :
بالأمس كانوا ملء منزلنا
واليوم, ويح اليوم, قد ذهبوا
ذهبوا, أجل ذهبوا, ومسكنهم
في القلب ما شطّوا وما قربوا
إني أراني أينما التفتت
نفسي, وقد سكنوا, و قد وثبوا

في كل ركن منهم أثر
وبكل زاوية لهم صخبُ
في النافذات زجاجها حطّموا
في الحائط المدهون قد ثقبوا
في الباب قد كسروا مزالجه
وعليه قد رسموا وقد كتبوا
في الصحن فيه بعض ما أكلوا
في علبة الحلوى التي نهبوا
وفي نهاية هذه القصيدة ننصت إلى بوح الأبوة الحانية العطوف على فراخها الزغب وقد ركبو للرحيل فإذا نحن أمام أب يذوب حبا وحنانا ورقة إلا أنه يتظاهر بالجلد والتماسك فيكتم دمعه ويداري آساه حتى إذا ما غابوا عن عينيه أحس أنهم قد نزعوا قلبه من نياطه وأسالوا دمعه من مآقيه ، يقول :
دمعي الذي كتمته جلداً
لما تباكوا عندما ركبوا
حتى إذا ساروا وقد نزعوا
من أضلعي قلباً بهم يجب
ألفيتني كالطفل عاطفة
فإذا به كالغيث ينسكب
قد يعجب العذال من رجل
يبكي ولو لم أبك فالعجب
هيهات ما كل البكا خورٌ
إني وبي عزم الرجال أب
ما أجمل وما أروع قول الشاعر” إني أب ” ففي هاتين الكلمتين تصوير عالم الأبوة الغني الحافل بضروب المشاعر وألوان الأحاسيس التي تموج بها نفوس الآباء نحو الأبناء ..
لقد كان قلب الشاعر في هذه القصيدة هو الذي يتكلم فلا عجب أن تكون في مجموعها دفقة عاطفة وخفقة قلب ورعشة وجدان وهزة نفس ورفة روح وسبحة خيال ..
فالأبوة بهذه الإنسانية العالمية وهذه العواطف التي امتدت عبر الزمان والمكان لم نقرأها لشاعر عربي آخر وإن ديوانه أب يعد بحق درة في جبين الشعر العربي والإنساني ..
أهم ماقيل عنه :

تعرف عمر بهاء الدين الأميري على جمعية العلماء المسلمين الجزائريين في فرنسا خلال دراسته في جامعة السوربون بين 1936 و1938. فكان من رواد نوادي التهذيب التي أسسها الشيخ الفضيل الورتلاني في باريس، ثم أصبح من أبرز المتعاونين معها ونشطائها، بمساهماته المختلفة.
وقد شهد بذلك الشيخ الورتلاني فقال عنه أنه : الشاب الذي نشأ في عبادة الله، المتوقد إسلامية، المشتعل عروبة، المتدفق غيرة.
كما كتب عنه كلمات مماثلة كل من الشيخ محمد البشير الإبراهيمي والشيخ مبارك الميلي. ونشر الأميري في جريدة البصائر ومجلة الشهاب تقارير عرض من خلالها نشاطات النوادي وانجازاتها. ونشر كذلك مجموعة من قصائده في جريدة البصائر بعنوان: خماسيات الأميري.

كتب الشيخ أبو الحسن الندوي في تقديمه لديوان رياحين الجنة يصف الأميري بقوله: وجدت في شعرك لذّة ومتعة وسعادة، ما لا أجده في غيره من الشعر الجديد، وهو والحق يقال نفحات من الإيمان، وقبسات من نور القرآن، وصدق العاطفة، ورقّة الشعور، وتصوّر دقيق لهواجس النفس ، وخلجات الفكر، وكم تمنيت أن كنت معك في دعائك، وفي لحظات ابتهالاتك.
وقال يوم نعيه: إنه يستحق صفة شاعر الإنسانيّة المؤمنّة، وأمير شعراء الإسلاميين في النصف الثاني من القرن العشرين قاطبة، بعد محمد إقبال أمير الشعراء في النصف الأول .
وكتب الدكتور محمد علي الهاشمي: عمر بهاء الدين الأميري شاعر الأبوّة الحانية، والبنووة البارة، والفن الأصيل .
ومما قيل عنه : شاعر تكاد تسمع في كلماته رفيف أجنحة الملائكة وتحس فيها جلال الروح المحلقة عصافير في رياض الجنة، لم تنحت لغة القانون من إشراق عبارته الأدبي ولم تخدش جمال روحه يوميات المحاماة المليئة بدرن الحياة، بل ظل قبس روحه يتوهج كاللؤلؤ المكنون شذى إيمانه يعطر جنبات نفسه المفعمة بحب الله .


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حوار مع الشيخ : عثمان حاج مصطفى

أسامة خليفة ..إنتاج فيلم الطفل انطلاقا من قيمناِ لاء للإنتاج الفني، تقف على خط المواجهة، وبصدق نقول هذا، فقد كانت المبادرة إلى هذا العالم الرحب في وقت كان هَمّ الآخرين أن يقوموا بدبلجة ما يقدم، نريد من يؤمن بالفكرة

موسى ابن نصير قائد عسكري عربي في عصر الدولة الأموية. شارك موسى في فتح قبرص في عهد الخليفة معاوية بن أبي سفيان