سَارِقو الوقتِ د.طارق ابو غزالة كثيرة هي الأمور التي تندرج في لائحة المتهمين بسرقة الوقت، الفيديو كليب ويكونُ بحق من أخطر وأعتى "سارقي الوقت"
البروفيسور طارق أبو غزالة
|
التفكير الموضوعي وإصلاح الحياة
تميزت الحضارة الإسلامية في عصرها الزاهر والحضارات الغربية التي ورثتها بتفكيرها الموضوعي الذي استمر حتى عصرنا الحالي، وظهرت الكثير من نتائجه في الغرب، وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية في القرن العشرين.
فالتفكير الموضوعي هو علامة الحضارات المتقدمة، وله سمات معينة لا بد من تواجدها قبل أن تظهر نتائج هذا التفكير في حياة الناس.
لكن مؤخراً بدأت طرائق التفكير الموضوعي تتغير في أمريكا، حيث بدأت تنحو منحى التفكير الحدسي الشخصي، فظهرت كتابات عديدة تدعو وتمجد هذا التفكير الحدسي الفردي، ما أدى إلى رد فعل من أصحاب التفكير الموضوعي.
ففي كتابه "فكر" الصادر عام 2006 انتقد مايكل لوغالت بشكل مباشر كتاب بلينك (طرفة عين) لمؤلفه الشهير مالكوم غلادويل الذي يتحدث فيه عن "قوة التفكير بدون تفكير" بحيث عنون لوغالت كتابه تحت شعار "لماذا لا يمكن اتخاذ القرارات الحاسمة بطرفة عين؟" في لمز واضح لكتاب غلادويل.
أثار كتاب لوغالت انتباه كثير من مجامع التفكير ومنها مجمع "مؤسسة التراث" اليمينية The Heritage Foundation، الذي وجه له الدعوة ليعطي نبذة عن الكتاب في محاضرة ألقاها في يناير/كانون الثاني 2006.
ليس المهم هنا الكتاب بحد ذاته، لكن المهم تعامل مجامع التفكير معه.. فما هي مجامع التفكير؟
مجمع التفكير (أيضاً تُسمّى معهد السياسات) هو مؤسسة، أو معهد، أو شركة، أو مجموعة تقوم بالبحث وتنخرط في المناصرة في مجالات السياسة الاجتماعية، الاستراتيجية السياسية، الاقتصاد، وقضايا العلوم والتكنولوجيا، وسياسات الصناعة وإدارة الأعمال، أو النصح العسكري.
الكثير من مجامع التفكير هي منظمات غير ربحية مستثناة من دفع الضرائب في بلدان مثل أمريكا وكندا. وفي حين أن بعض مجامع التفكير تموّلها الحكومات والمجموعات ذات الصلة بموضوع المجمع أو الأعمال، فإن البعض الآخر يتموّل من بيع الاستشارات والأعمال البحثية المتعلقة بمنهجهم.
هذه المجامع الفكرية تكاد تكون معدومة في العالم العربي والإسلامي.
وأسباب ندرتها متعددة ومن أهمها انعدام الحرية الفكرية وغياب الموضوعية.
إضافة إلى ذلك هناك غياب واضح لأهمية فهم المعرفة وإنتاجها.
في الفقرات القادمة سأتعرض لمفهوم جديد عن "المعرفة والمعلومات" (إنتاج المعرفة) من منظور قرآني.
هذا المنظور سيأخذ في حسبانه العلاقة بين إنتاج المعرفة وأثرها في مقاومة الإفساد وسفك الدماء والحد والوقاية منهما.
اكتساب المعرفة وإنتاجها وعلاقة ذلك بالإفساد وسفك الدماء.
تبدأ قصة المعرفة في القرآن الكريم مع خلق آدم عليه السلام وظهوره على مسرح الأحداث الإنساني.
لكن هذا الظهور سيستدعي مباشرة تساؤلاً مبرراً من الملائكة بأن آدم سيتسبب في الإفساد وسفك الدماء.
إذ لم تكد الملائكة تسمع الله يخاطبها قائلاً: "إِنِّيْ جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيْفَةً" (البقرة: 30)، معلناً بذلك عن ولادة الإنسان ليكون في الأرض خليفة حتى تساءلت متعجّبة: "أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ" (البقرة: 30).
إنها تهمتان إذاً تتهم بهما الملائكةُ آدمَ حتى قبل أن يصبح خليفة ويتسلَّم مهامه في الأرض، تهمة الإفساد وتهمة سفك الدماء.
التهمة الأولى
الإفساد وهو بمثابة مقدمة لكل ما ينتج عنها حتى يصل الإفساد إلى ذروته المتمثلة بسفك الدماء.
الإفساد مقدمة، وسفك الدماء نتيجة لها، بل أفظع نتائجه. وما بين المقدمة والنتيجة حياة كاملة من الشر تخيلها الملائكة ورموا آدم بها.
لكن الله لم يكن ليخلق آدم ويجعله خليفة من دون إعداده لتحمل مسؤوليات الاستخلاف.
فيجيب الله الملائكة: "قَالَ إِنِّيْ أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُوْنَ" (البقرة: 30).
وتبدأ عملية إعداد آدم وتأهيله ليصبح أهلاً لتحمل الأمانة بخطوتين اثنتين:
"وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا" (البقرة: 31).
إنها الخطوة الأولى في عملية الإعداد، في إشارة إلى أن هذه العملية لا بد لها بداية من تعليم كامل للعلم مع كل ما يحيط به من أسماء ومصطلحات ومعانٍ.
ليس المهم هنا ماهية الأسماء التي تعلمها آدم، فالله تبارك وتعالى سكت عن هذه الماهية. وقد فصل المفسرون في هذه الأسماء إلا أن ذلك يبقى رجماً بالغيب، وحيث إن الله لم يطلعنا على هذا الغيب فلا مجال لأحد أن يكون قد عَلِمَه من غير هذا المصدر.
إنها إذاً عملية إدخال المعلومة؛ الخطوة الأولى في عملية البناء.
واستكمالاً لهذه الخطوة يسأل الله عز وجلّ الملائكة:
"… فَقَالَ أَنْبِئُوْنِيْ بِأَسْمَاءِ هَؤُلاَءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِيْنَ" (البقرة: 31)، لكن الملائكة توقفت عن ذلك، لأنها لم تتعلم تلك الأسماء: "قَالُوْا سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا" (البقرة: 32)، في إشارة تعليمية بالغة الأهمية تستكمل الخطوة الأولى وتهيئ للثانية. وهي واجب التوقف عن الإدلاء بأي معلومة حين تغيب عن المسؤول عنها. فلو علم الملائكة تلك الأسماء لأنبأوا عنها فهم "لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون" (التحريم: 6).
بعد ذلك مباشرة ينتقل الخطاب الإلهي إلى الخطوة الثانية في عملية تأهيل آدم وهي "قدرة المتعلم بعد التعليم على الإنباء بشكل صحيح عما تعلمه"
"قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَائِهِمْ" (البقرة: 33)
استعمل البيان الإلهي لفظ الإنباء لما يحتويه من دقة في نقل المعلومة، تشهد على ذلك مواضع هذا اللفظ الأخرى في القرآن الكريم:
"عمّ يتساءلون عن النبأ العظيم" (النبأ 1-2).
"ولا ينبئك مثل خبير" (فاطر: 14).
" قالت من أنبأك هذا قال نبأني العليم الخبير" (التحريم: 3).
فالإنباء إذاً هو الخطوة التالية في عملية التأهيل. ويكوِّن مع العلم الضمانة الكاملة التي تقوم في وجه الإفساد وسفك الدماء حين حدوثهما.
وهنا وبعد أن يُتم آدم اختباره بنجاح ويُنبئ عما تعلمه على الوجه الصحيح يبادر البيان القرآني:
"فَلَمَّا أَنبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ" (البقرة: 33).
إنه الإنباء عن العلم إذاً الذي يميز الإنسان الذي يستطيع مقاومة الإفساد وإصلاح ما نجم عنه.
فصّل المفسرون كثيراً في معاني "الأسماء كلها" رغم أنها من علم الغيب، لكنهم لم يفصِّلوا في معاني "فلماّ أنبأهم" وهي الشرط المتمم لعملية تأهيل آدم التعليمية التي جعلته أهلاً للاستخلاف في الأرض وعمارتها ونفي تهمتي الإفساد وسفك الدماء عنه.
هذه الرحلة التي تبدأ بتعلم العلم وأسماء مفرداته في الحياة ومن ثم النضج فيه والتمكن منه، ليصل إلى درجة الإنبائية من دون تحريف أو تشويه هي رحلة الموضوعية في القرآن الكريم التي تبدأ بـ:
"إني جاعل في الأرض خليفة" (البقرة: 30).
ولا تنتهي إلا والله يقول:
"اليوم أكملت لكم دينكم" (المائدة: 3).
كان يمكن لآدم أن يخبر عن الأسماء بشكل خاطئ فهو ليس من صنف الملائكة بل له مطلق الحرية في اختيار ما يقوم به، هذا الاختيار الذي يعتبر السمة المميزة لبني البشر: "وهديناه النجدين" (البلد: 10).
إذاً فالعلم والإنباء ضرورة لا بد منها لمحاربة الإفساد وسفك الدماء.
ولم تتم تبرئة آدم عليه السلام من التهمتين اللتين لحقتا به (الإفساد وسفك الدماء) حتى استكمال مرحلتي اكتساب ومن ثَمّ إنتاج المعرفة.
ولو تمعنا قليلاً في هذين المعنيين لرأينا أن إتمام العناصر المكونة لهذا النموذج ضروري جداً لفهمه بشكل كامل.
إذاً هنا حدث أمران:
1- اكتساب المعرفة (تعليم آدم الأسماء كلها).
2- الإنباء عن هذه المعرفة (فلمّا أنبأهم بأسمائهم).
فمن هذا النموذج المعرفي، نستطيع أن نخلص إلى عدة نتائج:
هذا الاكتساب والإنتاج للمعرفة على الوجه الصحيح لا يؤدي فقط إلى الخير لكنه يعمل كلقاح وترياق ودفع للإفساد وسفك الدماء.
إن اكتساب و/أو إنتاج المعرفة الزائفة هو الذي يؤدي إلى الإفساد وسفك الدماء.
إن عدم اكتساب المعرفة و/أو عدم إنتاجها لن يؤدي إلى إفساد وسفك دماء ولكنه لن يدفعهما.
من هذه المعطيات نستطيع أن نشكل أربع نماذج حسب اكتساب وإنتاج المعرفة.
1- النموذج الأول: هو نموذج العلم والإنباء الذي مثَّله آدم عليه السلام فاستحق بذلك شرف الاستخلاف في الأرض.
2- النموذج الثاني: هو نموذج الملائكة الذين لم يُؤْتَوا علم الأسماء فتوقّفوا عن الإنباء عنها إذ سُئلوا. وهذا النموذج يمثله قولهم "لا علم لنا".
إنه نموذج لا يؤدي إلى الإفساد وسفك الدماء لكنه نموذج حيادي لا يستطيع دفعهما.
3- النموذج الثالث: هو نموذج من يُؤتى علم الأسماء لكنه يستنكف عن الإنباء عنها إذ يُسأل.
إنه نموذج كاتم الشهادة الآثم قلبه.
نموذج سيؤدي إلى الإفساد وسفك الدماء.
4- النموذج الرابع والأخير: هو نموذج ذلك الذي لم يُؤت علم الأسماء لكنه رغم ذلك ينبئ عنها من غير علم حين يُسأل.
إنه نموذج شاهد الزور الذي يشهد زوراً بما لا يعلمه.
إنه الوجه الآخر لكاتم الشهادة.
وما بين شاهد الزور وكاتم الشهادة تدور أركان الشر والإفساد وسفك الدماء في هذا الكون، والأمثلة على ذلك كثيرة لا تنتهي بقتل فرد من الأفراد فحسب، ولكن باستعباد الشعوب تحت المسميات الكاذبة وقتل الناس جماعات بعد اختراع التهم لهم ورميهم بها جزافاً. أنه نموذج نراه اليوم فيما بات يُعرف بالأخبار الزائفة التي ترمي إلى تغيير الواقع عما هو عليه وسحر أعين الناس ليستطيع الفراعنة الجدد حكم البشر سُخرة.
إن استخلاف آدم في الأرض ليست عملية متروكة للمصادفة، وليست مدعاة للإفساد وسفك الدماء كما ظنت الملائكة، ولكنها على العكس تماماً، عملية محكمة مفصلة بقواعد وسنن اجتماعية وعلمية تلاحق الإفساد وتحاصره وتقلل من نتائجه، وما قد يؤدي إليه من شرور.
وهنا ملاحظة أخيرة لتبيين دور آدم في هذه الحياة.. الملائكة ظنت أن خلق آدم سيؤدي إلى الإفساد وسفك الدماء. ولكن لما تبين لنا أن خلق آدم إنما هو الذي سيمنع ويضاد ذلك، ولما كان عكس الإفساد هو الإصلاح، وعكس سفك الدماء والموت هو الحياة، فإن مهمة آدم بالتعريف إنما هي "إصلاح الحياة". إنّ فَهْمَنا لذلك سيؤدي بالضرورة إلى أن نفهم أن إصلاح الحياة عملية مستمرة لن تتوقف طالما أن هناك إفساداً وسفكاً للدماء.
هذه الرحلة من اكتساب المعرفة إلى إنتاجها على الشكل الصحيح هي ما سنسميه بالرحلة إلى الموضوعية.
في هذه الرحلة إلى الموضوعية سنتعرف على أسس ومنهجية التفكير الموضوعي ثم نعرج على تعريف "الحقيقة" والوصول إليها ومن ثَمَّ التعامل معها.
ونختم باستعراض بعض أخطاء التفكير التي تعيق التفكير الموضوعي وطرق علاجها.
ولابد من الإشارة إلى مصادر هذه الرحلة التي استخدمناها في البحث خلال سبعة عشر عاماً من الكتابة وإلقاء المحاضرات عن الموضوع.
أول هذه المصادر هو كتاب "فصول في التفكير الموضوعي" للدكتور عبدالكريم بكّار والذي شكّل وحدد إطار البحث وتفريعاته.
ثم كتاب Th!nk "فكِّر" لمؤلفه مايكل لوغالت الذي أشرنا إليه في بداية هذه المقدمة.
وكتاب Deadly Decisions "قرارات مميتة" لمؤلفه كرسيتوفر بيرنز الذي فصّل في موضوع العلاقة بين المعلومات الزائفة وعلاقتها بالإفساد وسفك الدماء.
وكتاب The Laws of Human Nature "قوانين الطبيعة البشرية" لمؤلفه الموسوعي روبرت غرين.
إضافة إلى الكثير من المقالات على الشبكة العنكبوتية التي سنشير إليها في حينه.
يبقى أن نشير إلى أن من أهم ما شكل عناصر هذه الرحلة هو التغذية الراجعة والتفاعل مع كثير ممن حضروا هذه المحاضرات فكنّا دوماً نعمد إلى تنقيحها اعتماداً على هذه الملاحظات والنصائح القيِّمة.
أخيراً، لعل هذه المقدمة تكون سبباً في إلقاء الضوء على أهمية مجامع التفكير لاكتساب المعرفة وإنتاجها بغية إصلاح الحياة ودفع الإفساد وسفك الدماء ومن ثَمَّ العمل على إنشاء هذه المجامع بتلك المواصفات وتمويلها بما لا يجعلها رهينة أي أجندة خارجة عن هذه الأهداف.
د. طارق أبو غزالة
مقال مستوحى ترجمةً وتصرفاً من فيلم وثائقي لما وجدت فيه من حقائق يمكن تنزيلها والاستفادة منها في العالم العربي ما بعد ربيع الحرية.
سلسلة التدمير هي خارطة طريق تستعملها القوى المتغلبة لتوطيد تغلبها على من يقاوم هذا التغلب.
هذا المفهوم ورد في فيلم وثائقي عن الحرب على المخدرات اسمه “البيت الذي أعيش فيه”. The House I live in
الفيلم يتحدث عن حرب الحكومة الأمريكية على المخدرات خلال الخمسين سنة التي مضت وكيف استخدمت الحكومة سلسلة التدمير لدمغ جماعات إثنية أو وظيفية بمسمى المخدرات كي تبرر حربا لا هوادة فيها عليهم. فتحت هذه الحرب حاربت الحكومة السود, والطليان, والمكسيكان وحتى البيض.
يشرح هذا الفيلم بشكل مذهل الخطوات التي استعملتها الحكومة الأمريكية في كل مرة استهدفت فيها مجموعة من المجموعات المذكورة أعلاه.
هو استهداف على الكاتالوج أو خارطة طريق اسمها “سلسلة التدمير” Chain of Destruction تتكون من خمس خطوات متتالية وظيفتها شيطنة أي مجموعة لتبرير ما تريد الحكومة أن تفعله بها بعد ذلك.
سلسلة التدمير هذه استمرت خمسين سنة لكن الخطير في الموضوع أن هذه السلسة وجدت طريقها إلى بلادنا وفي خلال سنتين أنجزت ما عجزت عنه الحكومة الأمريكية في نصف قرن. والسبب في هذا برأيي يعود إلى سببين:
- الوعي الكبير لدى الشعب الأمريكي في فهم خطوات السلسلة.
- قوة المقاومة السلمية في أمريكا وتنظيمها المنضبط بسبب وجود قيادات متميزة قادت الحراك السلمي من أمثال مارتن لوثر كينغ ومالكوم إكس وغيرهم.
ما هي خطوات هذا السلسلة التدميرية؟
- التحديد : Identification
أي تحديد المجموعة أو الجماعة المستهدفة ووصفها بأنها مصدر اضرابات ومشاكل للبلد. فجأة ومن دون مقدمات تصبح هذه المجموعة مجموعة سيئة وشريرة ويبدأ المجتمع بتغيير نظرته إليهم فبعد أن كان أفراد هذه المجموعة أناسا صالحين يصبحون لا قيمة لهم.
فطريقة تضخيم أي مشكلة هو أن تسأل السؤال الخطأ ومن ثم تجيب عليه بالإجابة الخطأ.
عادة يكون السؤال: من المسؤول عن كل مشاكلنا اليوم؟ ويأتي الجواب في حالة مجتمعات الربيع العربي: الإرهابيون ومن يؤيدهم ومن يمولهم بل كل من لا يجابههم.
بهذه الطريقة تتشيطن هذه المجموعة ويصبح من الصعب حتى الوقوف على الحياد ناهيك عن تأييدها.
- النبذ Ostracization
وذلك بتسليط الإعلام عليهم لشيطنتهم ونبذهم ومن ثم نفيهم من المجتمع ليعيشوا في غيتويات. في هذه المرحلة يتعلم المجتمع كيف يكرهون أفراد هذه الجماعة وكيف يستولون على أعمالهم وكيف يجعلون حياتهم جحيما. في هذه المرحلة أيضا يُخرَج أفراد المجموعة من مساكنهم وينفون إلى الغيتويات المنفصلة عن باقي المجتمع. في هذه المرحلة أيضا يخسر أفراد المجموعة أماكنهم في المدارس والجامعات وينبذهم باقي الطلبة ويفصلون من الجامعات ويحل محلهم آخرون.
في مرحلة النبذ هذه يتحول أفراد المجموعة من أفراد مكروهين إلى أفراد خارجين على القانون مهددين للمجتمع. الغرض من كل هذا عزل هذه المجموعة عن باقي المجتمع ودفعهم خارجه إلى المنطقة الأقل مقاومة وفي بلادنا تكون باتجاه التطرف وحمل السلاح.
في أواخر هذه المرحلة يكون التأثير الاقتصادي قد أخذ مأخذه ونال من أفراد الجماعة وأنهكهم بسبب نبذ ومقاطعة المجتمع لهم.
- المصادرة Confiscation
في هذه المرحلة يخسر أفراد المجموعة حقوقهم وحرياتهم المدنية, بل تُغيَّر القوانين وتُسنُّ أخرى لتسهيل معاقبتهم وتوقيفهم وتفتيشهم على حواجز الأمن والجيش ولمصادرة ممتلكاتهم بل لاعتقال وإخفاء الناس أنفسهم.
تُمرَّر هنا القوانين اللازمة لشرعنة مصادرة الأموال والممتلكات دون حتى الحاجة لبيعها في أي مزاد. وفي بعض بلاد الربيع العربي ظهرت المصادرات في اسواق خاصة تباع بثمن بخس دراهم معدودة.
عملية نزع الأملاك هذه تُسهِّل بالضرورة عملية نزع الأرواح. أما أخطر ما يتم مصادرته فليس الأملاك ولا الأرواح لكن مصادرة أي أمل بالمستقبل.
- التجميع Concentration
بعد المصادرة والاستيلاء على الممتلكات والأرواح تبدأ عملية التجميع باعتقال أفراد الجماعة وزجِّهم في السجون والمعتقلات والمخيمات. في هذه المرحلة أيضا يخسر أفراد المجموعة حقهم في التصويت وفي إنجاب الأولاد, ويسخَّرون ويستغَّلون في العمل. في هذه المرحلة أيضا تظهر حالات الاغتصاب والحمل وربما الإنجاب داخل السجون ما يؤدي إلى تغيير كامل في بنية ونفسية المعتقلين وقد يحدث في هذه المرحلة تغير شامل لدى بعض أفراد المجموعة في طريقة نظرتهم إلى المجتمع فمنهم من ينسحب تماما ومنهم من يبدأ عداوة شديدة قد تستمر لأجيال.
بعض أفراد الجماعة قد ينجحون في الهرب من مرحلة المعتقلات إلى بلدان حرة لكنهم يبقون دون موارد كافية لإحداث تغيير يذكر طالما بقوا مشتتين في بلدان الاغتراب.
- الإبادة Annihilation
سوريا
مصر
وهي المرحلة النهائية في سلسلة التدمير وهنا قد تكون الإبادة غير مباشرة بمنع الرعاية الصحية والطعام عن أفراد الجماعة وبمنعهم من التزاوج والإنجاب. أو إبادة مباشرة بالقتل العمد يشرعن في ذلك استعمال كافة الأسلحة من السكين إلى فض الاعتصامات إلى القصف الصاروخي وبالطائرة واستخدام الكيماوي أو أفران الغاز.
تحدث هذه الخطوات بزخم ذاتي ومن دون أي ضغط من أحد, وكل خطوة في هذه السلسة تؤدي إلى الخطوة التي تليها.
الخطير في سلسلة التدمير هذه أنها حدثت كاملة في مصر وسوريا وفي زمن قياسي اختصر المسافات بين كل مرحلة من مراحلها ولعل سبب ذلك أن منظومة الاستبداد متجذرة في هذين البلدين لعقود طويلة استسلم خلالها شعب البلدين للأمر الواقع اللهم إلا انتفاضة هنا أو هناك يكون مصيرها إعادة حلقات السلسة من جديد. كما أن أحد أهم الأسباب في استطاعة النظامين في سوريا ومصر من حرق المراحل في سلسلة التدمير هو وجود آلة إعلامية جبارة شيطنت الطرف الآخر على مدار الساعة.
أما العامل الحاسم الذي استطاعت منظومة التدمير في سوريا ومصر به الوصول إلى الإبادة فهو عامل الجيش والقوات المسلحة التي أبادت الشعب دون أي صعوبة أو مقاومة تذكر من داخل هذه المؤسسة العسكرية والأمنية
لا أعلم ما هو الحل للفكاك من سلسلة التدمير هذه, إلا أن الأمر الوحيد الذي أعرفه أن لا بديل عن مقاومتها مع محاولة توعية باقي فئات المجتمع لمراحلها ولعملية غسل الدماغ التي يتعرضون لها, بالإضافة إلى تذكيرهم أن كل فرد فيهم مسؤول في الدنيا وفي الآخرة عما ترتكبه يداه وأن كل نفس بما كسبت رهينة ومهما ألقى المرء من أعذار للتنصل من المسؤولية الأخلاقية فهو لابد واقع تحت قول الله تعالى: بل الإنسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره.
تعليقات