ورحل جلاد مصر شمس بدران غير مأسوف عليهغابت "شمس جلاد مصر إلى الأبد"وذهب إلى الله بما قدم (وعند الله تجتمع الخصوم ) ليس لهم من الإسلام إلا أسمائهم المشكوك في تزييفها
أيام شمس بدران
شمس بدران هو ذاك الرجل المحبوس في الزمن، والمفارقة التي يمكننا أن نراه فيها الآن أنه ما يزال حيًّا، وهذا يعني أنه كان سيحكمنا من1967، وحتى الآن؟ وذلك لولا “فرفتة” العالم الذي كان مهيأ لصعوده، قبل أن يكتمل؟
سقط شمس بدران الذي أراه الآن في صور العجائز الطيبين، وأتخيل شخصًا آخر يعوى بداخله؛ شخصًا كانت مصر كلها ترتعد من مجرد سماع اسمه ينافسه في ذلك اسم ( حمزة البسيوني).
كان وقتها يرأس جهاز البحث الجنائي العسكري الذي اكتشف محاولة اغتيال عبد الناصر (خططت لها خلية تابعة للإخوان المسلمين ومرتبطة بتنظيم مسلح أشرف عليه سيد قطب. كما ذكروا تخيلت كيف سيختلف شكل وملامح وروح شمس بدران إذا استمرت السلطة تمنحه أقنعتها..
هو الآن رجل يقترب من التسعين (مولود في 1929) يشارك في مصنع لأعلاف الدواجن، ويقيم بعيدًا عن الأضواء في مدينة صغيرة بجنوب إنجلترا، وملامحه ملامح عجوز عادي، على الرغم من أنه كاد أن يشعل مصر وهو في منتصف عامه السابع والثلاثين.
الطريقة التي غادر بها شمس بدران مصر غامضة جدًا، فقد أفرج عنه السادات في أول عيد نصر بعد حرب أكتوبر. وكان اسم شمس بدران غريبًا جدًا في قائمة المفرج عنهم؛ هو وصلاح نصر، لكن شمس بدران منحه السادات ميزة؛ تركه يغادر مصر بجواز سفر ديبلوماسي، لماذا؟ هل كانت صفقة؟ قرأت كثيرًا في تعليقات الصحافة بعد رحيل السادات عن لغز هروب شمس بدران إلى لندن.
ولكن لم يتحدث شمس بدران حتى قررت مؤسسة الأهرام في نهايات 2010 تسجيل مذكراته تليفزيونيًّا وبثها في برنامج تليفزيوني،لكن وقتها تسرب فصل عن “الحياة الجنسية لعبد الناصر” فهاجت الدنيا وماجت، وقررت المؤسسة بناءً على تعليمات رئاسية تأجيل نشر المذكرات إلى أن قررت صحيفة كويتية (السياسة) أن تدخل على الخط التجاري/السياسي، وتفتح ملفات عبد الناصر بذلك المدخل المثير لشهية النميمة، ويحكي فيها عن طلب عبد الناصر لشرائط مسجلة لسعاد حسني (في واحدة من عمليات ابتزازها وتجنيدها في عمليات مخابراتية)
كان عبد الناصر، حسب الحكاية يعاني من أعراض مرض السكر الذي أثر على قدراته الجنسية، ويبحث عن محفز؟ والمرجح أنه علميًّا الحكاية تنتمي إلى خيال شعبي صرف، لأن التحفيز بالصور ليس فعالاً لمعالجة هذه الحالة.
هكذا اختصرت رواية الرجل الغامض في تلك الحكاية /الفضيحة التي لا يمكن تصديقها واقعيًّا، لكن أثارتها سياسيًّا، وعبرت عن مخاوف أجنحة الحكم، وقتها، من صعود الحس الناصري في المزيج الذي ينتظر أن يحتل مواقع الحكم.
أيام شمس بدران الذهبية انتهت نهايات سوداء عليه وعلى مصر؛ انتهت بهزيمة جيش مصر في يونيو، وهو الفتى الذهبي المدلل للمشير عبد الحكيم عامر، كان عامر نائب رئيس الجمهورية والقائد العام و"شمس بدران" انتقل من مدير مكتبه إلى منصب وزير الحربية الذي يمتلك صلاحيات 10 وزراء حربية.
لم يكن وزير حربية عادي يخطط للحرب مع إسرائيل، ولم يعرف عنه عبقرية عسكرية لافتة للنظر،إنه موهوب في موقع الرجل الثاني، وفي ادارة السلطة من خلف الواجهات الكبيرة. كان اسمه كان كفيلاً بإثارة الرعب لا لإسرائيل بل للمصريين.
اسمه محفور في التاريخ على عمليات تعذيب غير مسبوقة؛ أي أنه كان يقوم بمهام رجال حراسة النظام لا مهام القادة العسكريين في حروب مصيرية.
موهبته أدت به إلى موقع آخر كاد فيه أن يصبح رئيسًا لمصر، بل إنه عاش ساعات بين 7 إلى 8 يونيو 1967 يستعد لكي يصعد إلى مكتب عبد الناصر ليكون رئيسًا للجمهورية الجريحة. شمس بدران شاهد على ما يقال عن حرب السلطة بين عبد الناصر وعبد الحكيم عامر..
تلك الحرب التي قيل إنها السبب في هزيمة يونيو التي كتب يومها معلق في الصحيفة الأمريكية “يو اس نيوز اند وورلد ريبورت”: لم يحدث من قبل في التاريخ أن جلب كل هذا العار على أمة واستطاع حكامها إخفاء حقيقة ما حدث عن أمتهم مثل هذه المدة التي ظل خلالها الشعب المصري يعيش في ظلام دامس لا يدري عما حدث شيئًا” والمثير للضحك قبل الانتباه أن شمس بدران يروي اليوم أن سر الخلاف أن "عبد الحكيم عامرطلب من ناصر “تطبيق الديمقراطية”..
في صوره الفوتوغرافية الأخيرة يبدو رجل طيب ضاعت أيامه، لكنه قبل أن يهرب؛ ونحن هنا نصف خروجه من القاهرة إلى لندن بالهروب، على الرغم من أنه كان بعلم رئيس الجمهورية وقتها (السادات)؛ وبجوازسفر ديبلوماسي، وبأموال قيل مرة إنه هربها في أثناء السلطة، وقيل ومرات إنها هدايا من السادات. حكايات لم يهتم شمس بدران إلا بإنكارها في حوارات غير مكتملة بدا فيها كما لو أنه تحوَّل إلى زاهد حتى في التحدث عن دوره ليلة الثورة في1952
لماذا لم يصر أحد في مصر على محاكمته ليس فقط على مؤامرة الانقلاب على عبد الناصر لصالح عبد الحكيم عامر؛ كما حدث في الستينيات، أو على جرائم تعذيب الإخوان المسلمين كما حدث في السبعينيات، أو على دوره في كارثة 1967 التي لم يهتم أحد بفتح ملفاتها.
المهم فقط المؤامرة التي فكر شمس بدران خلالها في خطف عبد الناصر. وتصوَّر أن حظه في الرئاسة ضاع بسبب مؤامرة بين عبد الناصر وهيكل في أثناء كتابة بيان التنحي بعد أن كان اتفاق اقتسام السلطة بين ناصر وعامر وصل إلى اختيار شمس بدران رئيسًا كي لا تشتعل في مصر حرب أهلية، على الرغم من أن مصر كانت محترقة أساسًا.
احترق شمس بدران بنيران أحلامه في الصعود إلى درجات أعلى في السلطة؛ لم يكتف بالكواليس، وقرر الدخول مباشرة في لعبة الكبار. ولأنه رجل تنفيذي لا يجيد عقد الصفقات السرية فقد احترقت أصابعه. لكن صمته مريب. حتى وهو يدافع عن حقه في الاحتفاظ بتسجيلات نادرة للموسيقار محمد عبد الوهاب؛
تعليقات