لا أنسى أبدا ابتسامة أحد الأصدقاء حين سمع جملة ( اقتصاد إسلامي ) ترد في حديث أحد أصدقائنا فسألته عن سر هذه الابتسامة الموناليزية المنغنغة بالروعة .. فقال : هل هناك كيمياء إسلامية ؟ أو فيزياء إسلامية ؟ حتى يكون هناك اقتصاد اسلامى ..؟

 



من قتل الدكتور حامد ربيع ؟

مقال رائع للدكتور Hesham Elhamamy :
لا أنسى أبدا ابتسامة أحد الأصدقاء حين سمع جملة ( اقتصاد إسلامي ) ترد في حديث أحد أصدقائنا .. فسألته عن سر هذه الابتسامة الموناليزية المنغنغة بالروعة .. فقال : هل هناك كيمياء إسلامية ؟ أو فيزياء إسلامية ؟ حتى يكون هناك اقتصاد اسلامى ..؟
يومها فقط تعرفت على الجملة الشهيرة ( نصف العلم أخطر من الجهل ) والتي ظهرت في ابتسامة الصديق على هذا النحو الذي تكون عليه ابتسامة من أدرك حقائق الأشياء إدراكا دروكا دريكا ..
الثقة الشديدة في النفس على فكرة ميزة هائلة من مزايا (الجهل) ..
الحاصل أن صديقنا الثالث استأذنه في شرح الأعماق البعيدة للموضوع .. فقال له أن في الإسلام ما يعرف بالمقاصد الخمس والتي جاء بها ولها: حفظ الدين/حفظ النفس /حفظ العقل/حفظ النسل/حفظ المال..
وأن أي تقاطع معهم في نقطة أو أكثر فالإسلام له فيها قول مسموع .. واذا كان المال منها ، فأكيد له في المال قول ، والحديث عن المال في دنيا الناس تطور اسمه إلى ( علم الاقتصاد) ..ولمزيد من المنهجية والتخصص في الدراسة أصبح إسمه( اقتصاد إسلامي) ..
فقط قول الأشياء كما هي..
الكيمياء ليست من المقاصد مثلا وبالتالي فلن يتعرض لها ..أما اذا توقف التفاعل الكيميائى مثلا داخل الجزيئيات والذرات (ساعة أذان الظهر) .. فبالتأكيد سيكون هناك كيمياء إسلامية ..
وعلى رأى الروائى الفرنسي الجميل اناتول فرانس( ت/1924م) ياسلام .. لو ندرك أشكال النفس كما ندرك أشكال الهندسة .. لما عانينا مع العقول الضيقة .
لكن ستبقى هناك مشكلة عند كثير من أبناء (التدين العاطفي المجاني) الذين لم يكلفوا أنفسهم جهد وكفاح البحث والقراءة والمعرفة والفهم .. وأرادوها سريعة سريعا .. وجملتين من هنا وهناك .. وهيلا هوب يا حضارة.. هيلا هوب يا نهضة ..
لكن الحقيقة بعيدة عن ذلك تماما .. (حلم سيأتي الواقع ليحطمه).
وكيف كان ذلك. ؟
***
يقولون اذا كان الشافعي رحمه الله(ت/820م) قد قال: كل الناس في الفقه عيال على أبي حنيفة(ت/..767م) وهو قول صحيح ..
واذا كان الذهبي(1348م) قد قال: كان أبو حنيفة من أذكياء بني آدم، جمع الفقه والعبادة والورع والسخاء، وكان لا يقبل جوائز الدولة.. وهو صحيح أيضا ..
فإنه سيصح لنا أن نقول أن كل الناس في علوم (السياسة الحضارية) عيال على (د/ حامد ربيع) رحمه الله الذى مات بطريقة غامضة ومريبة في 10 سبتمبر 1989م .
وغاب كما يغيب الإمام الذى ينتظره الشيعة (الأمامية).. مع كل الاحترام لهم.. فإننا بالفعل ننتظر عودة (د/حامد ربيع) ليس فقط عودته في (تلاميذه) الذين هم بطول وعرض العالم العربي.
ولكن وهو الأهم في (أفكاره) التي لازالت تٌقرأ إلى الأن و ستظل لأزمان طويلة تقرأ قراءة (مرجعية)..
وحق لها أن تكون كذلك ..

**
هذا اذا كان البعض لازال يعتبر في كلمة (مرجعية) التي من السهل أن تنسبها إلى (الرجعية) !
الكلمة الأثيرة لدى من يغيب عنهم (نصف عقلهم).. اولئك الذين يطلبون الحقائق من العقل فقط.. في غياب الروح والوجدان والغيب..اللذان هما (قلب المرجعية ومربط فؤادها) لدى من ينتمي الى فكرة (الحضارة الإسلامية) ..
و التي سيحدثنا عنها حامد ربيع حديث الأب الى ولده في نصح ليس كمثله نصح..وفى حب ليس كمثله حب ..
وليس هناك من أحب حضارته الإسلامية مثل هذا الرجل ..
ودليل ذلك أنه حارب حربا لا هوادة فيها ليتم تدريس (الفكر السياسي الإسلامي) في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية ، بعد أن كانت موقوفة على (الفكر الكنسي الكهنوتي) كما قال لنا في مقدمة تحقيقه لكتاب (سلوك المالك في تدبير الممالك) لشهاب الدين أحمد بن أبى الربيع( ت/858م) وهو كتاب ألفه الكاتب للخليفة المعتصم بالله (ت/842م) والتى يقارن فيها بين التراث الإسلامي السياسي والتراث الإنساني..
ويشرح لنا فيها كيف أن التراث الإنساني عرف (خمسة نماذج حضارية):
النموذج اليونانى/والنموذج الروماني والنموذج الفارسي/ النموذج الكاثوليكي /النموذج الخامس الذى جاء كرد فعل طبيعي للنموذج الكاثوليكي وهو نموذج الدولة القومية.
***
ثم يشرح لنا خصائص العلاقة السياسية في الفكر الإسلامي:
علاقة مباشرة بين الحاكم والمحكوم لا تعرف الوسيط ..
ثم إنها علاقة تابعة تنبع من مفهوم تبعية العلاقة الدينية بين المسلم وخالقه وتتحدد بها:علاقة المسلم بالكتاب وتعاليمه وهي التي تحدّد خصائص العلاقة السياسية.
ثم أنها علاقة كفاية فى مفهوم الدعوة ونشر تعاليم الإسلام الذي ينبع من طبيعة العلاقة الدينية...الذى يفرض على المسلم
ثم إنها هي علاقة مطلقة لا تعرف التمييز ولا التنوع الطبقي...
***
لكن أهم وصف للعلاقة السياسية في التراث الإسلامى كما يقول د. ربيع و سيلفت نظرنا كثيرا.. هو وصف (البساطة)..
لأنها قائمة على مفهوم (الحرية) ومفهوم (التوحيد) ومفهوم (الكرامة) الإنسانية.
***
سيحدثنا أيضا عن العلاقة بين (الظاهرة الدينية والظاهرة السياسية) وسنعرف أنهما مثل الروح والجسد في (الظاهرة الإنسانية)
وسيحدثنا أيضا عن الوظائف الثلاث الكبرى في الفكر السياسي الإسلامى المعاصر وهي (التاريخية والتنظيرية والحركية) ..
التاريخية: مفهومة بالطبع مركزية التاريخ في التعامل معها .. والتنظيرية: في مفهوم القيم والأخلاق والمرجعيات.. الحركية: تستند بالأساس الى فكرة الحركة نحو (تحرير الإنسان ) من أي عبودية للإنسان .
***
حقائق ثلاث أشار اليها د/ حامد قبل (موته اللغز) سيتكون منها ومن مجموعها (الإدراك الحقيقي للتعامل الدولي.. الذي خضعت له مصر دائما) ..
آه يا جرحى العميق .. دولى .. ومصر ...!!؟؟ هنا سيكون الكلام الساكت كما يقولون ..
وهي حقائق ليست جديدة على فكرة كما يقول لنا العلامة الكبير: بل إننا فقط (لم نعد نعرف) تاريخنا وقد أضحينا نتجاهل خبرة (آبائنا وأجدادنا )في التعامل مع القوى ذات الأطماع الاستعمارية.
أول هذه الحقائق: الرغبة الثابتة في معرفة مصر من الداخل معرفة تفصيلية.
الحقيقة الثانية: التعامل مع مصر، يسير في خطين متوازيين: 1/ خلق الفرقة بين القيادة المصرية والشعب المصري من جانب..2/ فرض العزلة في العلاقات بين مصر والدول المحيطة بها من جانب آخر ..
وكان محور ذلك دائماً(التعامل النفسي) بتحطيم الثقة في (الذات القومية).. الذات القومية التي تتعلق بالتراث الحضاري مثلا ؟؟ لا أعرف .. قد يكون ..!! والعهدة على د / حامد .. الذى يخلط كل ذلك في مزيج متفجر..!!
الحقيقة الثالثة: وهى أن الاستعمار الذي يعرفه العالم المعاصر ينطلق من مفهوم (الاستعمار الجديد) الذى يعنى خلق التبعية المعنوية ..
التبعية قديماً كانت أداتها هي القوة الغاشمة والاحتلال .. اليوم هناك أسلحة أكثر فتكاً وأقل تكلفة: (أسلحة نفسية) تواضع العلماء على تسميتها بكلمة (الغزو المعنوي) هذا هو مفهوم الاستعمار الجديد..
أنت لست أنت ولن تكون أنا ..و مستقبلك لن يكون امتدادا لماضيك ..!!
***
الدكتور حامد عبد الله ربيع رحمه الله اسم كبير فى المجال الأكاديمي الاستراتيجي.. وتجربته كأستاذ جامعي وكمفكر استراتيجى تجربة عريضة... عاش 64 عاما (ملأ) خلالها الدنيا كلها فكرا وحركة .. وله 45 كتابا ومئات الأبحاث .
والأهم أنه (ملأ) العقل العربي معرفة ووعيا وإدراكا بمفاهيم كبرى عن (الإنسان والحضارة والتاريخ) وفى القلب من كل ذلك ..كان (الإسلام) الحاضر الدائم بكل تجليات حضوره عبر التاريخ الطويل للأمة وأهل الأمة..أمتى..
أمتى أمتى ..أنا بها وفيها كساق السنديان .. كالطود كالبنيان اضرب فى الأزمان..
كما في النشيد الرائع للشاعر عبد الفتاح مصطفى والموسيقار بليغ حمدى على لسان المعجزة النقشبندى رحمهم الله جميعا ..***
عزاء لا ينقطع لأمتنا في ذكرى (الموت المريب) لأحد علامات الإصلاح الكبرى في التاريخ العربى المعاصر والحديث .. والذى يكاد يكون هناك إجماع على (تجهيله) و(إنكاره) .
والشخص هنا سيكون هو الفكرة .. والفكرة ستكون هي الشخص.
واذا كان ذلك كذلك ..
فماذا علينا أن نفعل إزاء ذلك..هل نموت عطشا قرب النهر؟؟

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حوار مع الشيخ : عثمان حاج مصطفى

أسامة خليفة ..إنتاج فيلم الطفل انطلاقا من قيمناِ لاء للإنتاج الفني، تقف على خط المواجهة، وبصدق نقول هذا، فقد كانت المبادرة إلى هذا العالم الرحب في وقت كان هَمّ الآخرين أن يقوموا بدبلجة ما يقدم، نريد من يؤمن بالفكرة

موسى ابن نصير قائد عسكري عربي في عصر الدولة الأموية. شارك موسى في فتح قبرص في عهد الخليفة معاوية بن أبي سفيان