قلعة الديمقراطية عنصريّة :تظاهر آلاف الأمريكيين السود الجمعة 16 نوفمبر 2007 م في واشنطن لمطالبة الحكومة بمزيد من الحزم في مواجهة الجرائم العنصرية
قلعة الديمقراطية عنصريّة !
بقلم :عادل صديق
كان تظاهر آلاف الأمريكيين السود الجمعة 16 نوفمبر 2007 م في واشنطن لمطالبة الحكومة بمزيد من الحزم في مواجهة الجرائم العنصرية له دلالته في قلعة الديمقراطية وحاميتها التي تبث دعاياتها ليلا ونهارا الديمقراطية في العالم ، بل بمختلف الذرائع تقتحم دولا لنشب حريق لا ينطفئ،ويتركونها ـ إن تركوها ـ وهي خراب أو هو أقرب ، كان الدافع الرئيس وراء التظاهرة ارتفاع عدد القتلى من الشبّان السود برصاص الشرطة أو المبالغة في ملاحقتهم.
قال "آل شاربتن" الناشط و أحد زعماء حركة المطالبة بالحقوق المدنية للسود "إن الحكومة الأمريكية يجب أن تتدخل وأن تقوم بحماية مواطنيها "وتجمّع المتظاهرون أمام وزارة العدل في جو بارد، مرددين هتافات "لا عدالة لا سلام"، لقد قد تبلورت هذه الحركة حول مدينة جينا بولاية "لويزيانا" جنوب واشنطن التي تشهد توتراً عرقياً منذ خريف 2006 ولم يلاحق معظم البيض المتورطين في أعمال عنف وترهيب ضد سود بالمدينة لكن ستة فتيان هاجموا فتى ابيضَ وأصابوه بجروح وأوقفوا من قبل السلطات واتهموا بارتكاب محاولة قتل.
و إن كانت الولايات المتحدة تفخر بأنها بلد قام على الموجات المتعاقبة من المهاجرين وبأنّ تمثال الحرية ـ الذي صنعه المثّال الفرنسي "أرجوست بارتولدي" 1834 ـ 1904 م والتي كانت قد أوصت به الإمبراطورة أوجيني عقب افتتاح قناة السويس ليوضع عند مدخل قناة السويس وأهدته الرابطة الفرنسية الأمريكية إلى الولايات المتحدة الأمريكية فوضع عند مدخل نيويورك ليطلّ علي المحيط الأطلنطي في نيويورك ويعدّ الرمز القوي للترحيب بالمهاجرين كما تؤكد على ذلك أمريكا ، وإن كان الواقع يخيب الآمال.
أمريكا منقسمة
لكن ولا تزال منقسمة بشأن هذا الموضوع، فيوجد في "قلعة الديموقراطية" الكثير من الأقليات أو التي صارت من الأقليات تعاني العنصرية البغيضة التي دعت الحكومة الاتحادية لفض الاشتباك العنصري ، ولكن يبدو أن الذهنية الجماعية الأمريكية لا زالت تؤمن بتقاليد رعاة البقر الذين استوطنوا المكان وقضوا على الإنسان أو كادوا، وما الهنود الحمر من ذلك ببعيد .
وهناك أقليات بالولايات المتحدة سواء دينية أو عرقيّة تعيش على هامش الحياة في عزلة كأنها لم تغادر القرن التاسع عشر مثل طائفة Amish طائفة الآميش المسيحية، والصينيين المهاجرين، فضلا عن العرب والمسلمين في الولايات المتحدة الذين يعانون منذ أحداث سبتمبر من الكثير من التجاوزات ، والتعدي على الحقوق المدنية التي كفلها المجتمع المدني وهناك ويفخرون بها، وأقليات أخرى نالت ما ناله الأمريكيون مثل الأقلية ذات الأصول الإسبانية هي الأعلى نموا بنسبة 3.4 في المائة بين يوليو 2005 يوليو 2006 م ، و الأوفر حظا.
وراجعت السلطات القضائية الإتهامات الموجهة إلى هؤلاء الستة لكنهم ما زالوا يمكن أن يتعرضوا للسجن عدة سنوات, وكان عشرون ألف شخص تظاهروا في جينا تأييدا لهم, كما اندلعت حوادث جينا عندما كان ثلاثة طلاب سود جالسين تحت شجرة "مخصصة للبيض" ضمنا بباحة مدرسة, وفي اليوم التالي، علقت على أغصان الشجرة ثلاثة حبال مشنقة، في ممارسة ترمز إلى سنوات "الفصل العنصري Apartheid " بالولايات المتحدة.
وفي المقابل قال وزير العدل مايكل موكاسي:" إن رموز الكراهية هذه لا مكان لها في بلدنا الكبير"، مدينًا عودة هذه الظاهرة "في المدارس ومراكز العمل والأحياء" في جميع أنحاء البلاد, وأكد أنه يشاطر المتظاهرين أفكارهم المثالية بشأن العدل، موضحا أنّ أجهزته تعمل بتعاون وثيق مع سلطات الولايات المعنية "وإن كانت هذه التحقيقات لا تجري تحت أعين الجمهور، لضمان فاعلية أكبر" ولكن الواقع يخالف ذلك ، ويبدو أن السلطات الأمريكية اعتادت تصريحات للاستهلاك المحلي ،على غرار دولنا "دول العالم الثالث "، فتؤكد أرقام مكتب التحقيقات الفيدرالي Federal Bureau of Investigation أو ما يطلق عليه FBI "إف بي آي" أن حوالى 4700 جريمة او جنحة عنصرية وقعت في العام 2005 بالولايات المتحدة، استهدف 68% منها السود, ويفترض أن تنشر الأرقام المتعلقة بــ 2006 ، وتجدر الإشارة إلى أن السلطات الفيدرالية لم تلاحق المواطنين البيض المتورطين في أعمال العنف وترهيب السود في المدينة.
جذور الاستعباد
لقد تشكلت الولايات المتحدة الأمريكية ، في صورتها الحالية ، من عناصر أنجلوسكسونية كان الغالب عليها العرق البريطاني الأبيض ، وشنّت هذا العناصر حملة إبادة شاملة ضد سكان القارة الأصليين من الهنود الحمر، فيما كان المقاتلون الأنجلوسكسون يتنافسون على من يقتل أكثر من الهنود الحمر ، كان أقرانهم من التجار والبحارة يجوبون شواطئ أفريقيا لاختطاف اكبر عدد من الرجال السود الأشدّاء ، وهكذا فإن الولايات المتحدة قامت على إبادة السكان الأصليين لإفساح المجال لمستوطنين جدد من ناحية ، وجلب أكبر عدد من الأفارقة وتحويلهم إلى عبيد لتعمير القارة الجديدة ، أي أنّ الإمبراطورية الأمريكية ارتوت من منبعين : دماء الهنود وعرق الأفارقة .كان من الطبيعي أن تنبت هذه التربة المخلوطة بالدم المسفوح والعرق المستباح مجتمعا مشوها ، يمتلك جنوحا نحو استخدام العنف وشراهة غير مسبوقة لسفك الدماء ، ومن المفارقة أن " حقوق الإنسان " كانت هي الراية التي تمت تحتها أبشع المجازر الأمريكية ، وقد سلح المسؤولون الأمريكيون أنفسهم بترسانة من الأسلحة " الحقوقية" المدمّرة ، لم يقتصر استخدامها على الخارج فقط ، بل كثيرا ما تم توظيف تلك الأسلحة لتقنين الاختلالات العنصرية في المجتمع الأمريكي ، ولقهر طائفة لصالح أخرى .
مشاعر عنصرية
ونأتي إلى استطلاع للرأي أجرته محطة "إيه بي سي نيوز " ABC Newsالأمريكية لتقرر أن أنّ أكثر من ثلث الأمريكيين يعترفون بوجود مشاعر عنصرية لديهم، و حوالي ربع الأمريكيين متحيزون ضد العرب والمسلمين، و ثلث الأمريكيين الذين يتعاملون مع ذوي الأصول الأسبانية يكرهون سماع الحديث بالأسبانية، كما أشارت نتائج استطلاع أجرته الشبكة إلى أن الحديث باللغة الأسبانية، رغم شيوعه في الولايات المتحدة وقبول معظم الأمريكيين له، فإن ثلث من يتعاملون مع أشخاص يتحدثون الأسبانية يكرهون الاستماع إليها، وأشارت النتائج إلى أن 10 بالمائة فقط من الأمريكيين يعترفون بتحيزهم ضد ذوي الأصول الأسبانية، وهي نسبة تقل عن نتائج استطلاع سابق أشارت نسبة كبيرة من المشاركين فيه إلى أن لديهم تحيزا على أساس العرق ضد العرب والمسلمين .
هذا في شأن المشاعر والسلوكيات، يضاف إلى ذلك التفاوت الشاسع في الدخول بين الأبيض والأسود كمل ورد في دراسة 2300 عائلة على مدى أكثر من ثلاثين عاماً،وتقول الدراسة، التي نشرت في منتصف نوفمبر الماضي ، إن دخل العائلات السوداء والبيضاء على حد سواء، ارتفع خلال العقود الثلاثة الماضية نظراً لانضمام المزيد من النساء إلى القوى العاملة، إلا أن الزيادة العظمى كانت من نصيب البيض،،وتشير الدراسة أن التباين في المداخيل مرّده عامل وحيد هو: تراجع دخل الرجال السود خلال العقود الثلاثة، مقارنة بالتضخم، وتوازن هذا التدنّي بدخول المزيد من النساء السود إلى سوق العمل،
وفي المقابل، حافظ دخل الرجل الأبيض عند معدلاته فيما ارتفع دخل النساء البيض إلى خمسة أضعاف ، وعقبت "جوليا أيزاكس" من معهد بروكينز قائلة: "عموماً، الدخول ارتفعت، إلا أن جميع الأطفال لا يستفيدون بصورة متكافئة من الحلم الأمريكي.،وتابعت آيزاكس في سلسلة من ثلاثة تقارير دخل الآباء في أواخر الستينات ومطلع السبعينات من القرن الماضي وعائلاتهم بعد ثلاثين عاماً،وجد التقرير أن الجيل الجديد صادف نجاحاً أكبر من آبائهم، وفيما تقف حظوظ الشباب السود على قدم المساواة مع نظرائهم البيض في مستقبل أكثر نجاحاً، إلا أن الفئة الأخيرة استأثرت بدخل أعلى من الأولى،
جاءت نتائج البحوث كالتالي: في عام 2004 بلغ دخل عائلة سوداء تقليدية 58 في المائة فقط من دخل نظيرتها البيضاء، وفي عام 1974 ارتفع الدخل المتوسط لعائلة سوداء إلى 63 في المائة.، كما ذكرت آيزاكس أن من أكثر النقاط التي أبرزها التقرير إزعاجاً أن أطفال العائلات السوداء متوسطة الدخل، لا ترتقي إلى مستويات أعلى فيما يتعلق بالدخل، كما هو الحال بين الأسر البيضاء.
حرية ناقصة
هذه قلعة الديمقراطية التي تسعى إلى عالم مليء بالحرية، والإخاء ، والمساواة ، وهاهي أياديهم البيضاء التي تخضبت بدماء الهنود الحمر الذين كانوا يدافعون عن أرضهم ، والسود الذين دفعوا دماءهم ثمنا لما ينعم به العالم الجديد، والأسبان شركاؤهم في استعمار العالم الجديد، ثم انطلقت إلى بقاع الأرض لتلتهم خيراتها ، وتجمع طاقة العالم الثالث لتأمين استمرار دوران مصانع الغرب الرأسمالي ، فها هي آثارهم تملأ الرحب في أفغانستان ، والعراق ،والصومال، والسودان ، وأياديهم تعبث بمصائر الأمم في فلسطين ..