شهادة وفاة المقاومة يوقّع عليها العرب !دف في المقام الأول إلى تكريس الاحتلال، وإيجاد غطاء شرعي من العرب الذي يعد الفلسطينيون جزءا منهم ـ ، وشهادة عربية على أن "عروس عروبتنا"
خريف النكبات ..
شهادة وفاة المقاومة يوقّع عليها العرب!
بقلم :عادل صديق
استدراج العرب إلى "أنابوليس" المدينة التي عقد فيها مؤتمر الخريف 27 نوفمبر 2007 كان يهدف في المقام الأول إلى تكريس الاحتلال، وإيجاد غطاء شرعي من العرب ـ الذي يعد الفلسطينيون جزءا منهم ـ ، وشهادة عربية على أن "عروس عروبتنا" قد اشتراها النخاس، إن كان البعض ذهب إلى أنابوليس حتى لا يخالف الإجماع العربي، فلا بد أن يظل العرب قوة ضاربة في أعماق عروبتها، ولو ضاعت الأرض العربية بأسرها.
لقد حذّرنا من مؤتمر الخريف ومن آثار الرحلات السبع المكوكية التي قامت بها "كوندليزا رايس" للمنطقة تستقطب هذا، وتصافح ذلك، وتقوم بتحييد ذاك، في سعي دؤوب لتكون شهادة وفاة الشعب الفلسطيني موقعة من الجميع، فلا أرض، ولا شعب، وذكرنا أن "سيناريو الخريف إجهاض للقضية الفلسطينية"
ويبدو أننا لم نبعد عن الحقيقة لردود الأفعال ضد المعارضين من المقاومة الذين من المتوقع أن يمروا بظروف صعبة بعد أن تهاوت الأمم عليهم، وإن كانت المفاوضات السلميّة في حد ذاتها ليست دليلا على القوة، بل حين يفشل غالبا الحل العسكري كما يذكر الكاتب والمحلل السياسي المصري"طلعت رميح" بل هي إقرار بما انتهت إليه الصراعات فعلياً.. على "أرض الفعل العسكري" أو الاقتصادي.. إلخ. وهي قد تكون بمثابة إعلان من طرف ما بعدم قدرته على مواصلة الصراع على الأرض مع الطرف الآخر، كما هي قد تجري حين تلوح عوامل ضعف في موقف أحد الأطراف فيسابق إلى طلب التفاوض مع الطرف الآخر مستخدماً ألاعيب الدبلوماسية والإعلام للتغطية على ضعفه، أو طمعاً وانتظاراً لتعديل موازين القوى لصالحه. وفي بعض الحالات هي تأتي المفاوضات تلبية لمصالح الطرفين المتفاوضين – التي يخفيها كل طرف عن الآخر – إذا كان الطرفان قد وصلا إلى قناعة بعدم قدرة كلاهما على هزيمة الآخر على الأرض في مرحلة بعينها، وقد كان نموذجها العالمي الأهم هو مفاوضات الحد من التسلح خلال الحرب الباردة بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة.
حماس قلبت الموازين
وهذا ما حدث حين غيرت حماس بالفعل من الخطط التي كانت قد زُرعت يوماً عقب تعيين السلطة الوطنية بقيادة الراحل"عرفات" التي أطلقت الأيدي الملوثة بالدماء والسرقة الرشاوى ، ونهب مقدرات الشعب الفلسطيني هذه الأيدي كانت تفعل ما تشاء بعد أن تم تنصيبها على غزة وأريحا، وإن كان "أبو عمار " استفاد من حجارة ونيران وصواريخ كتائب الشهيد "عز الدين القسّام" في اللعبة السياسة ولكن سرعان ما انقلبت عليه لأنّ الكثيرين كانوا يلعبون في الخفاء ومن وراء ظهر أبي عمار .
صارت "المقاومة الفلسطينية" هي العدو الآن للسلطة وللعالم عقب كسر أظافر الأمن الوقائي والرئاسي، وحسب مقررات "أنابوليس" وفي وجود 36 دولة. حماس والجهاد الإسلامي وبعض القوى الوطنية الغيورة إضافة إلى الشعوب الإسلامية تنظر إلى فلسطين كقضية مصير ، وأرضها أرض مقدسة اغتصبت من أهلها، هؤلاء أدانوا مؤتمر "أنابوليس الخريف" كما أدانوا المفاوضات وكل ما تمخّض عن أوسلو من حلول انهزامية استسلامية في يوم انعقاده تظاهر عشرات آلاف الفلسطينيين من أنصار حركتي "حماس والجهاد الإسلامي"في مدينة غزة تعبيرا عن رفضهم لمؤتمر "أنابوليس" وأكد رئيس الوزراء الفلسطيني الشرعي "إسماعيل هنية" أن الشعب الفلسطيني غير ملزم بنتائج المؤتمر. وانطلقت المسيرات الحاشدة من وسط غزة حتى ساحة المجلس التشريعي الفلسطيني بدعوة من "المؤتمر الوطني للحفاظ على الثوابت الوطنية" الذي تترأسه حركتا حماس والجهاد الإسلامي ورفعت خلالها الأعلام الفلسطينية وأعلام حركتي حماس والجهاد ولافتات كتب عليها "فلسطين لن تقبل التهويد ولن تباع بإذن الله"
و"مقاومتنا حق وليست إرهابا"، وما دامت حماس والجهاد في سلك المشاغبين، هم بالتالي من أعداء السلام الذين ستكون لهم عقوبات صارمة، وحسب تعبير أولمرت بأنه لابد من "ضرب قوى الممانعة" والتي تتمسك بالمبدأ الثابت تاريخيا أنه لا يمكن التفاوض مع الكيان الصهيوني ،أو على حد قول "مشير المصري" عضو المجلس التشريعي الفلسطيني والناطق الرسمي باسم حركة المقاومة الإسلامية "حماس" ربما تتعرض حماس لضربات قوية ولكنها ستظل صامدة على المبادئ، وأكد الدكتور "محمود الزهّار "القيادي في الحركة ووزير الخارجية الفلسطيني السابق قائلا "نحن هنا للتأكيد على الثوابت الفلسطينية التي لا تتغير ولا تتبدل، ولا بد أن ندرك أنّ اولمرت قد ذهب إلى مؤتمر أنابوليس لأنه وباعترافه وصل إلى نتيجة مفادها انه لم يعد من الممكن الإبقاء علي الوضع القائم بين إسرائيل والفلسطينيين. وأكد على أن المحافظة علي الوضع القائم يمكن أن يكون له نتائج أخطر من اجتماع غير ناجح ـ بالطبع لإسرائيل ـ من أجل ذلك يكون التوجه إلى المفاوضات التي لا نهاية لها، ولم ينس أولمرت أن ينبه إلى خطر سيطرة حركة حماس على الضفة الغربية بعد سيطرتها على قطاع غزة.
تصعيد عسكري إسرائيلي
واستنكر "يحيى موسى" نائب رئيس كتلة حركة "حماس" في المجلس التشريعي التصعيد العسكري الخطير الذي زادت وتيرته بالتزامن مع انعقاد مؤتمر "أنابوليس"، معتبرا ذلك أول نتائج المؤتمر، مضيفا أن"هذا التصعيد العسكري الإسرائيلي أول نتائج مؤتمر"أنابوليس"، الذي يتوحد فيه تحالف أمريكا والاحتلال الصهيوني وسلطة عباس في خندق واحد ضد حقوق الشعب الفلسطيني، وضد المقاومة مؤكدا أنه لن تنجح محاولات تطويع إرادة وكسر صمود شعبنا الفلسطيني، حتى القوميون الذين يختلفون مع " حماس وجهاد " أيديولوجيا مثل "نايف حواتمة" الأمين العام للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين التي أسسها سنة 1969 بعد انشقاقه عن "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين". والذي يعد من المناهضين لاتفاقية "أوسلو" الذي يؤكد على أن أحد المآخذ الكبيرة على السياسة الخارجية الأمريكية التي انتهجتها إدارة "بوش الابن" على مدار الأعوام الماضية من حكمها، أنها أهملت عن عمد وبشكل كامل التعاطي مع ملف الصراع الفلسطيني والعربي ـ الإسرائيلي بشكل مباشر، وعطلت كل الجهود الدولية التي بذلت من أجل إعادة بناء العملية السياسية والتفاوضية، وتصويب مسارها بعد أن وصلت إلى طريق مسدود في كامب ديفيد 2 عام 2000م .
شلل كلي للأمم المتحدة
لقد شلّت أمريكا دور"الأمم المتحدة" بالهيمنة ليصبح كيانا هزيلا لا يعبّر عن إرادات الشعوب، وحاولت عبر طرق التفافية تغيير البيئة الإستراتيجية في منطقة الشرق الأوسط لفرض معادلات جديدة تكرّس الهيمنة الأمريكية والهيمنة الإسرائيلية مع موقعها كجزء لا يتجزأ من المشروع "الإمبراطوري العسكرتاري الأمريكي"، الذي رُسِمَتْ خطوطه وأهدافه العامة فيما يسمى بـ "مشروع إعادة بناء الشرق الأوسط الكبير" لزرع الكيان الصهيوني في خاصرة العرب، وتطبيقات ذلك التي تمثلت في غزو العراق واحتلاله والحرب الإسرائيلية التي لم تتوقف على الفلسطينيين، وحرب يوليو 2006 الدموية على لبنان، والخيط الواصل بين كل هذه الحروب هو محاولة أمريكية وإسرائيلية حثيثة لتركيع شعوب المنطقة، وإجهاض المقاومة الفلسطينية والعربية كبوابة لفرض حل لتصفية القضية الوطنية الفلسطينية ضمن الشروط الإسرائيلية.
أنابوليس دوامة مفاوضات
الرئيس الأميركي السابق "بيل كلينتون" كان قد أثار في "كامب ديفيد" في يوليو 2000م، وحسبما أفادت وسائل إعلام صهيونية، احتمال قيام ما سماه "سيادة دينية" على المسجد الأقصى المبارك، وهو ما رفضه الرئيس الراحل ياسر عرفات وطالب بسيادة كاملة، ثم جاءت انطلاقة انتفاضة الأقصى في سبتمبر 2000م، عقب اقتحام الإرهابي "ارئيل شارون" المسجد الأقصى المبارك لدعم حق يهودي مزعوم في المسجد العتيق، كما أثار وزير الخارجية الصهيوني السابق "شلومو بن عامي" نفس فكرة "السيادة الدينية" قبيل توجهه إلى مفاوضات واشنطن التي جرت في ديسمبر 2000م، قائلا إن "سيادة دينية على جبل الهيكل "المسجد الأقصى المبارك" يبقي الوضع القائم على حاله دون طرح مسألة السيادة السياسية"، ولكن يبدو أن هذا لم يكن ضمن ما قامت الوفود العربية بقراءته قبل المشاركة ـ وإن كان البعض اطلع على ذلك ولم يرد شق الصف العربي حين تم الاتفاق في القاهرة على المشاركة في " أنابوليس" التي أطلق على مؤتمرها الخريفي أنه أعاد المفاوضات إلى وتيرتها والمفاوضات مع إسرائيل تعني التنازلات لأن هذا الطرف لا يريد السلام بتنازل، ولكن سلام بسلام، والفتات هو ما ستناله السلطة، حيث وضعت إسرائيل يدها على الأمن، والمياه والأرض، ومقدرات الإنسان، وأعلنت مرارا وتكرارا أن القدس عاصمة أبدية لإسرائيل.
لا حياة لمن تنادي
بالطبع لن يسمع صريخ السلطة، ولن يجدي إظهار الغضب، فليغضب من شاء أن يغضب؛ مادام الغضبة لم تصل إلى غضبة حرب وقتال، وحتى هذه فالجانب الإسرائيلي قادر على السيطرة عليها، أما "الأباتشي" فقادرة على السيطرة على الضفة والقطاع ، ومزقت إسرائيل أوصال الأرض بالجدار العازل ـ هكذا أراد العالم ـ ولا توجد مضادات للمقاومة إلا إذا كانت حماس تستطيع إنتاج مضادات أرضية خارقة على غرار "ستنجر" الصاروخ الأمريكي الذي اتهم " أسامة بن لادن" بعقد صفقته مع أمريكا ـ بوساطات عربية ـ للقضاء على الاتحاد السوفييتي البائد في أجواء أفغانستان ليقف سكان الجبال وأنصارهم و الجيش الأحمر وجها لوجه حيث كان الجيش الأحمر في النزع الأخير، ولأن كان بن لادن فعلها فكان من الواجب أن تتقدم له أمريكا بوسام شرف لأنّه كان سببا في أن تتحول أمريكا إلى" أمريكا القطب الأوحد".
أمريكا فقط في نظر كثير من الضعفاء هي التي تملك "المنح والمنع" أو العصا والجزرة، وهي التي تثير الفزع في نفوس العالم ويبدو أن شهادة "وفاة المقاومة" ـ حسب الموازين الأرضية ـ قد تم توقيعها في "أنا بوليس" إلا إذا استطاعت دولة إسلامية صناعة "شيء ما" أو صاروخ وأطلقت عليه رمز "أبابيل" أو "سجيل" كرموز إسلامية، كما أطلق جيش الردع الإسرائيلي "ميركافا" التي لم تسمن من جوع إسرائيل ولم تؤمّن خوفها في الإجهاز على المقاومة اللبنانية في حرب 2006 م وإن كان هنا من لا يزال يحسن الظنّ في أمريكا لأنّ " بعض الظن إثم " ولا بد من تكثيف الجهود لاستثمار "الفرصة الإيجابية" التي وفّرها اجتماع "نابوليس" والدعم "العربي والدولي" لتحقيق تقدم فعلي وملموس في العملية السلمية، وصولا إلى السلام العادل والشامل في المنطقة، وأنه لابد من مساندة المجتمع الدولي لإنجاح المفاوضات التي أطلقها مؤتمر أنابوليس بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي،لتحقيق تسوية سياسية نهائية وعادلة للقضية الفلسطينية ولا بد من دعم العرب الكامل للمفاوض الفلسطيني خلال المرحلة المقبلة من أجل التوصل إلى "حل عادل" يعيد الحقوق المشروعة كافة للشعب الفلسطيني، ويبدو من يردد هذا من السياسيين لم يكلف نفسه قراءة إسرائيل، ولم ينظر إلى علم إسرائيل الذي يرتفع خفاقا "عزيزا" في بعض العواصم العربية ويعدّ ذلك لديهم نصا مقدسا كحلم لإسرائيل" من النيل للفرات أرضك يا إسرائيل "
بصيرة للعميان
ولكن قراءة الحدث الوحيدة الواضحة كانت من كلمات السيد "خالد مشعل" ـ رئيس المكتب السياسي لحركة حماس حين قال :إن هذا المؤتمر: "لعبة خطيرة ؛ تهدف لتعزيز الانقسام الفلسطيني، وتكريس الانقسام السياسي والجغرافي، وإضعاف بنية وصمود الشعب الفلسطيني، وإفقاد المقاومة التشكيلات والسلاح، ودعم أولمرت وتقويته، ودعم قيادات فلسطينية على حساب قيادات أخرى".
حتى لا ننسى ..
حتى لا تغفل الذاكرة ففي تاريخ 27 نوفمبر من سنة 1095 اجتمع مجلس "الكليرمونت" ـ وهو اجتماع لرجال الدين النصارى وآخرين، في قلب فرنسا وهناك ألقى البابا "أوربان الثاني" خطابا مليئا بالمشاعر الجياشة والعواطف الحارة في جمهور من "النبلاء" ورجال الدين الفرنسيين، دعا خلاله إلى فك قبضة المسلمين عن القدس؛ وشرح في خطابه كيف أن أرض فرنسا تزدحم بسكانها فيما أرض كنعان "تفيض لبناً وعسلاً".