صراع النفس الطويل على السيادة أربع غارات شنها الجيش التركي خلال أسبوع واحد على كردستان بعد تبادل لإطلاق النارمسلحي "حزب العمال الكردستاني اليساري"
الحرب التركية الكردية
صراع النفس الطويل على السيادة
بقلم :عادل صديق
أربع غارات شنها الجيش التركي خلال أسبوع واحد على كردستان بعد تبادل لإطلاق النار بين الأكراد من حزب العمال الكردستاني والقوات التركية،وبعد ضربات عديدة في تركيا من قبل مسلحي "حزب العمال الكردستاني اليساري" التوجّه فهل يتحقق حلم " كردستان المستقلة " على أرض الواقع،لقد كان بدء لـ "الهجوم الكبير الحاسم " حسب الإرادة التركية
كان ذلك فجر الأحد 16 ديسمبر 2007م عقب استفزاز من الأكراد راح ضحاياه مدنيون في العمق التركي وأعقبته هجمات متعددة في كردستان العراق،آخرها تفجير سيارة مفخخة في ديار بكر التركية ذات الأغلبية الكردية،وفي حافة تابعة للجيش التركي ، كانتقام على الهجوم التركي .
توغل الجيش التركي في كردستان شمال العراق على أثر تعبئة عامة تمهيدا لـ "للهجوم الكبير" على غرار ما حدث في أكتوبر الماضي حيث ذكرت مصادر عسكرية تركية حينذاك أنّ الطيران توغّل مسافة تزيد على العشرين كلم داخل أجواء العراق وأن نحو ثلاثمائة جندي تقدموا عشرة كلم تقريبا في هجمات أسفرت عن مقتل عشرات من مقاتلي حزب العمال الكردستاني المصنّف بأنه حزب إرهابي أوروبيًا وأمريكيًا.
وسط مد وجزر سياسي وعراك للمصالح في العراق، ومحاولة تركيا الحصول على غطاء شرعي من الشعب التركي عقب اجتماع مجلس الأمن التركي في أنقرة في أكتوبر الماضي حيث أوصى المجلس بفرض عقوبات اقتصادية على الجهات التي تدعم متمردي حزب العمال قد تشمل قطع إمدادات الكهرباء عن شمال العراق ووقف أو إبطاء المرور عبر بوابة الخابور الحدودية.
ويبدو أن الحكومة والجيش التركيين سيتابعان غاراتهما على مناطق إقليم كردستان الجنوبية (كردستان العراق) ولن يكتفيا بالغارة الكبرى التي وقعت في 16 من الشهر الجاري. ورغم أن الغارة شنّتها 52 طائرة حربية من طراز إف 16 لم تحقق أيّا من أهدافها المعلنة،وعلق الجنرال التركي المتقاعد "سيف الدين سيمن" قائلا 'إنها المرة الأولى التي تطلق فيها تركيا عملية جوية ليلا في كردستان. واعتبر أن الجيش أراد القول إنه " ليس هناك هدف لا يمكن للطائرات التركية أن تدمره" في العراق.
لم يعرف مصير القائد العسكري في حزب العمال الكردستاني في العراق "مراد كارايلان" ومساعده "بهروز اردال" اللذين كانا في ذلك الموقع عند وقوع الهجمات حيث أُلقي مائة طن من القنابل على مواقع المتمردين التي حددت بفضل معلومات قدمتها الولايات المتحدة،وعدَّ المعلقون أنّ العمليات التركية ستستمر لاتفاق بين الأتراك والأميركيين على أثر لقاء في بداية نوفمبر الماضي بين رئيس الوزراء "رجب طيب اردوغان" والرئيس الأمريكي جورج بوش.
وذكر الصحافي "روسن شاكر" إن الأتراك والأميركيين بدأوا القضاء على حزب العمال الكردستاني في العراق، معتبرا أنه تم تجاوز التوتر بين أنقرة وواشنطن حول "العدو المشترك". وأوضح شاكر أنّ واشنطن التي تدعم أكراد العراق تعارض توغلا كثيفا للقوات التركية في شمال العراق، لكن الغارات التركية تثبت أنها لا تمانع من شنّ غارات محدودة،أما فيما يخص العلاقات التركية ـ العراقية.
فقد رأى دبلوماسي تركي أنّ استدعاء سفير تركيا في بغداد للمطالبة بالكفّ عن القصف هي مسالة"شكلية محضة"وأضاف الدبلوماسي التركي أن "تركيا أعلنت مرارا أنها ستضرب الإرهابيين في العراق"، معربا عن ارتياحه لاتخاذ أكراد العراق إجراءات ضد حزب العمال على أراضيهم،رغم تراجع "جلال طلباني" عن تسليم قيادات كردية لتركيا.
حزب العمال الكردستاني اليساري
"حزب العمال الكردستاني " Kurdistan Workers Party PKK " هو حزب سياسي يساري مسلح ذو توجهات قومية كردية وماركسية، تأسس في العام 1987 - لينينية هدفه إنشاء ما يطلق عليه الحزب "دولة كردستان المستقلة"، ويُعد الحزب في قائمة المنظمات التي وضعت على لوائح الولايات المتحدة و المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي وتركيا وإيران وسوريا وأستراليا كأحزاب إرهابية. تحول بسرعة إلى قوة مسلحة بزعامة "عبد الله أوجلان" وحولت منطقة جنوب شرق تركيا إلى ساحة حرب في الثمانينيات والتسعينيات من القرن العشرين.
منذ سنة 1984 بدأ الحزب نشاطه العسكري داخل كردستان، وقد ساعدت تضاريس المنطقة الوعرة متمردي الحزب في حربهم ضد الجيش التركي. وقد اتخذوا من "كردستان العراق" منطقة تحمي قواعدهم الخلفية، كما أقاموا تحالفا مع الحزب الديمقراطي الكردستاني العراقي بزعامة البارزاني، أعلنت الحكومة التركية تطبيق قانون الطوارئ في الأقاليم الكردية سنة 1979 وقررت التدخل العسكري المباشر في المنطقة منذ سبتمبر/أيلول 1980.
ومنذ اعتقال ومحاكمة عبد الله أوجلان 1999م حلّ "حزب العمال الكردستاني" نفسه وأعلن عن إنشاء "حزب مؤتمر الحرية والديمقراطية الكردستاني "كاديك" في نوفمبر 2003م، تفاديا لإدراجه على قوائم الجماعات الإرهابية، ليغيّر اسمه مرة ثانية فيصير المؤتمر الشعبي الكردستاني KONGRA GEL،غير أن حزب كاديك أو كونغرا جيل "الصيغة الجديدة لحزب العمال الكردستاني" قد أدرج ضمن قائمة المنظمات الموضوعة أوروبيا وأميركيا على لائحة التنظيمات الإرهابية.
قام الحزب بتخفيض سقف مطالبه من الاستقلال عن جسم الدولة التركية ،إلى المطالبة بالحكم الذاتي وإعلان وقف إطلاق النار لمدة خمس سنوات بعد إرساء أردوغان لمبدأ الاحتواء للأكراد بدعوة تركيا إلى السماح للحزب بالانخراط في العملية السياسية في تركيا ولأول مرة ،كما طالب بمنح مزيد من الحقوق الثقافية إلى أكراد تركيا الذين يقدر عددهم بـ 15مليون نسمة، إضافة إلى الإفراج عن أعضاء حزب العمال القابعين في السجون التركية.
ولكن يبدو أن هذه الدعوة التي أطلقها حزب العدالة والتنمية لم تلق آذانا صاغية، أو اتهمت الحكومة التركية بالخداع فواصلت القتال رغم دخول سياسيين أكراد لأول مرة للبرلمان التركي، ويفاجأ الأتراك بمواصلة الصراع على غرار ما حدث من قتل للجنود الأتراك من قبل "حزب العمال الكردستاني"
نتج عن جماعة منشقة من حزب العمال الكردستاني تطلق على نفسها اسم "صقور حرية كردستان"، وهي التي كانت مسؤولة عن تفجيرات إسطنبول والمنتجعات السياحية التركية على ضفاف البحر الأبيض المتوسط والتي تدين بالولاء لـ "عبد الله أوجلان"، وكذلك منظمة كردية على غرار حزب العمال الكردستاني تسمى "بيجاك" والتي نفذت هجمات ضد إيران.
ويبدو أن الأيدلوجية لها أثر كبير على تغيير طرح شعب ما، فقد أشتهر الأكراد بشدة المراس في القتال منذ قديم، وخرج منهم العديد من القادة، ولكنّ تحوّل اللعبة السياسية دفعت عدة دول على تأجيج الصراع مع الأكراد من العراق، وإيران، وتركيا، وكانت الجبال ملاذا آمنا لهم، وكردّ فعل على الاستئصال الذي كانت تسعى إليه البلدان الثلاثة خاصة في حقبة التسعينات من القرن الماضي ومحاولة كسر شوكة الأكراد،وانسياق الكثيرين إلى النظرية اليسارية على أساس دعم الدول الاشتراكية الراعية لحركات التحرر، قبل الكثيرون التذويب نظير التسليح والحرية .
الأصابع الأمريكية
يذكر بعض المحللين المطلعين أن الأحداث السياسية وللسياسة الأمريكية تؤكد أن لأمريكا ضلوعا خفيا؛ حيث تساعد "الأكراد في شمال العراق" على الاستقلال والسيطرة على جزء كبير من كعكة العراق، وقامت بدعم توطين الأكراد في الشمال ، بل يلاحظ المراقبون إنّ أسلحة "حزب العمال الكردستاني" أمريكية أعطتها القوات الأمريكية للأكراد ليدافعوا عن أنفسهم من خطر العراقيين.
وهذا ما أشار إليه رئيس الوزراء التركي "رجب طيب أردوغان" إذن هناك تعاون خفي أيضا بين القوى المسيطرة على الشمال العراقي من الأكراد وحزب العمال أي أن مسلحي حزب العمال الكردستاني يختبئون وراء الحكومتين الأمريكية والعراقية، ويستعملون أسلحة أمريكية في الهجمات التي يشنونها ضد الجيش التركي.
وعلى الجانب الآخر، لا تمانع أمريكا من شن الحكومة التركية لعملية عسكرية على المتمردين من "حزب العمال الكردستاني"، مما يشير إلى أنّ أمريكا تعطي الضوء الأخضر لكلا الطرفين ليفعل ما يشاء، وهذه سياسة استعمارية لإشاعة الفوضى في عالمنا لصالح أمريكا التي تدعم كل واجهات الصراع بطريقة ما لتظل لها السيادة على الجميع .
ويبقى هل حرب أردوغان ضد متمردي "حزب العمال الكردستاني" سيؤثر سلبا على العدالة والتنمية في استطلاعات الرأي ، أم تدفع طبول الحرب إلى تأييد شعبي للحزب لدفاعه عن الإرادة الوطنية،وهو الذي دعا يوما إلى دمج الأكراد في المنظومة التركية، وإيجاد قنوات سياسية لهم في البرلمان التركي والمشاركة في العمل العام بعد سنوات من الصراع ؟
تساؤل مطروح والحكم فيما أرساه العدالة والتنمية من قيم ديمقراطية والاحتكام لصناديق الاقتراع ، وما ستسفر عليه الهجمة التركية المبررة على مواقع وحصون حزب العمال، وموقف الأكراد الذين يخضعون للحكومة العراقية ويحظون بالرعاية الأمريكية.