حوار مع الشيخ : عثمان حاج مصطفى
22-05-2007 إسلاميات
الشيخ عثمان حاج مصطفى:
التعليم هو القوة الفاعلة لانتشال الصومال من التشتت والضياع
الصومال حائر بين صراعات داخلية وأطماع خارجية
الشعب الصومالي عاش معاناة عشرين عامًا من الفقر والقهر والجهل
المحاكم الإسلامية كانت طوق نجاة لجنوب الصومال المضطرب لو تم ترشيدها
حوار– عادل صديق:
5 جمادي الأولى 1428 هـ
يظل الشأن الصومالي جرحاً نازفا في العالم الإسلامي على غرار الجراحات الكثيرة، وبين الولاءات المختلفة لدى الكثيرين من أبناء الصومال والانشغال بشأن الحرب والصمت المطبق لدى الكثيرين من أرباب السياسة التي فشلت - في اللعبة السياسية - أن تصنع أمنا أو دولة وإن ارتبط الأمن والدولة فلا وجود لأحدهما بفقدان الآخر، وحول الطرح الذي يتبنى الاستقواء بطرف ما على حساب الآخر، وسعي الآخر لفرض السطوة على المكان الذي قُدّر له أن يكون مطمعا استراتيجيًا، واحتكام الفصائل إلى منطق السلاح الذي صار لا يفرق بين قريب وبعيد حتى صار الموت رقما جديدا لا يؤثر ولا يقف موقف الواعظ الأمين.
كان اللقاء مع رجل خطّ لنفسه مسلكًا أيقن هو ومن حوله أنه الأسلم لصناعة المجتمع، وتغيير المفاهيم، وتأهيل القدرات الصومالية " الشابة " بعيداً عن أفلاك التغريب، وإغراءات السطوة، وهيمنة القبلية التي عاشت على الأرض، لا.. بل عاشت في ضمائر الكثيرين يقتل باسمها، ويخضع لتقاليدها، ويظلم من أجلها، ويجهل تعصبا لها.
فصاحب الفكرة من رجال التعليم، هو الشيخ: عثمان حاج مصطفى محمد، مدير عام مؤسسة المعارف للتنمية والعناية بالتعليم في هرجيسا، الذي أخذ على عاتقه برنامجاً طموحاً لصناعة أجيال تحمل عبء إقامة المستقبل، والزمن جزء من العلاج، وكانت فكرة تأهيل المعلّم تأهيلاً يلبي حاجات البلاد في مثل ظروف الصومال، وكان الحوار عن المشكلة والحل في زمن لا بد أن نصل فيه إلى الكفاية، وما أحوجَنا إليها .. وكان اللقاء ..
- تزداد التداعيات بين الحين والآخر حول الصومال، وكأنه بات من الواضح أنه يراد لهذا البلد أن يبقى هكذا دون حل، فلماذا الصومال؟ وماذا يراد له؟
- هناك بالطبع مجموعة من الأسباب الجوهرية التي أدت إلى الحال الذي يعيشه الصومال اليوم، ويمكن أن أجملها في نقاط أبرزها: أن الصومال يتربع على موقع استراتيجي هام، فهو يقع بمحاذاة باب المندب الذي يتحكم في أهم الممرات البحرية العالمية، لذا يعد مطمعاً لكثير من القوى الأجنبية، كما أن لديه أطول ساحل في إفريقيا حيث يبلغ مداه أكثر من 3000كيلو متر، وموارد الصيد البحري التي يمكن استثمارها على سواحل الصومال تقدر بـ1.750.000طن في السنة، كذلك يوجد لدى الصومال كميات كبيرة من الموارد المائية، منها مياه الأمطار والأنهار، وتوجد به أراضي زراعية خصبة مساحتها حوالي 8.100.000 هكتار، ولديه ثروة حيوانية تقدر بـ 51.000.000 رأس.
بالرغم من كل هذه الخيرات الموجودة في الصومال فإن الأنظمة التي حكمت البلاد، فشلت في استغلالها لصالح أبنائها، كما فشلت في إذابة الولاءات القبلية في نسيج قومي متجانس لأنها لم تهتم بالتنمية الاجتماعية والثقافية والفكرية والاقتصادية، مما ساعد على وجود بيئة خصبة تنمو فيها أشكال مختلفة من انحرافات أسهمت فيها مافيا الحروب وتجارها، من هؤلاء المتعطشين للسلطة والمال.
وفي خضم هذه التفاعلات تفاقمت أخطار القبلية، وباتت تشكل النافذة التي تدخل منها الأطماع الأجنبية، مما أدى إلى توتر الأوضاع السياسية وتفاقم المعاناة لدى الشعب الصومالي، إضافة إلى ذلك أنه البلد الإفريقي الوحيد الذي تصل نسبة المسلمين فيه 100%.
- القبلية ونشر المذاهب الهدامة في عهد سياد بري .. هل كان لها دور في دعم نظامه؟ وهل كان لذلك دور في تقويض نظامه؟
- عندما نالت الصومال استقلالها عام 1960م أنشئ في البلاد نظام ديمقراطي نُقل إليها من بلاد ذات ماض وخبرة في ممارسة هذه الأنظمة (إيطاليا وبريطانيا )، وكان الفشل والانهيار عند تطبيق هذه الأنظمة على الواقع الصومالي المختلف تماماً اجتماعياً وحضارياً وثقافياً، حيث انتهت تجربة الحكم البرلماني الديمقراطي باغتيال الرئيس الثاني للجمهورية "عبد الرشيد شرماكي" عام 1969م. ولم يستطع البرلمانيون آنذاك اختيار رئيس جديد، استغل الجنرال محمد سياد بري حالة البلبلة السائدة في البلاد لوضع حد للانقسامات القبلية والديمقراطية الفوضوية التي لا تقوم على أساس من الرؤى السياسية والنظرة الثاقبة التي تشخص مشاكل البلاد، فقام بانقلاب نقل السلطة إلى الجيش فتوجه بها إلى اليسار الشيوعي وألغى الدستور وصادر الحريات التي كانت متاحة لكل مواطن وحكم البلاد بالحديد والنار، وبالرغم من هذه التعسفات السياسية فقد استطاع سياد بري إقامة دولة ذات مؤسسات قوية حققت الكثير من آمال الشعب الصومالي في المجال الأمني والتعليمي والاقتصادي.
ولكن بعد محاولة الانقلاب الفاشل الذي قاده العقيد عبد الله يوسف أحمد عام 1978م إثر تدخل الاتحاد السوفيتي وحلفائه في حرب الصومال الغربي (أوغادين) لصالح إثيوبيا وهزيمة الجيش الصومالي في الحرب وظهور المعارضة المسلحة، أخذ سياد بري يركز مزيداً من السلطة في أيدي عشيرته وأخذ ينقلهم باستمرار إلى المناصب العليا في الجيش والشرطة وكذلك المناصب العليا في الإدارات المدنية، وكان هذا بمثابة الاستفزاز وإثارة الضغائن للعشائر الأخرى التي همشها نظامه، وبناء عليه فقد اندلع قتال عشائري في جميع أنحاء الوطن إثر فترة تميزت بالكبت والقهر وتكريس الفقر والولع بالآلات الحربية وتنامي الفصائلية التي قامت بالتحريض عليها بصفة مباشرة سياسة سياد بري المتمثلة في ( فرق تسد ).
في نهاية الثمانينات أخذت هيمنة سياد بري تنحصر باتجاه نهايتها حيث انهارت كلياً في مطلع عام 1991م، ونشأت حالة من الفوضى في البلاد، ولم تتمكن الجبهات التي أطاحت به من إقامة نظام حكم شامل في البلد، بل تفرقت إلى قبائل ومليشيات متحاربة هيمنت كل واحدة منها على جزء من أرض الوطن.
- ما الفصائل الصومالية التي ساهمت في تقويض نظام سياد بري ؟
- بعد الانتصارات الكبيرة التي حققتها القوات الصومالية على القوات الإثيوبية في حرب الصومال الغربي (أوغادين ) عام 1977/ 1978م، خطط النظام الدرك في إثيوبيا بمساعدة جهات غربية فاعلة ومغرضة للإطاحة بنظام الحكم في الصومال حتى لا تقوم للصومال دولة قوية قادرة على تهديد الأمن القومي لإثيوبيا مرة أخرى، وكي لايتكرر خطر غزو صومالي آخر مماثل للحرب الصومالية الإثيوبية في عامي 1977م و 1978م والتي كادت أن تحرر الأراضي الصومالية المحتلة من قبل إثيوبيا، فكان لها ما أرادت، حيث تأسست بعد ذلك الفصائل الصومالية التي ساهمت في تقويض نظام سياد برى، وهي حسب الأسبقية كالتالي:
1 – الجبهة الديمقراطية الصومالية للانقاذ(SSDF) والتي أسست في دهاليز وزارة الدفاع الإثيوبية بقيادة العقيد عبد الله يوسف أحمد الرئيس الحالي للحكومة الانتقالية الفيدرالية الصومالية على أسس عشائرية وذلك في عام 1978م.
2- الحركة الوطنية الصومالية (SNM) بقيادة أحمد محمد محمود (سيلا نيو ) تأسست في عام 1982م، وبعد إطاحة نظام سياد برى في عام 1991م أعلنت هذه الحركة انفصالها عن الجنوب.
3 – حزب المؤتمر الصومالي (USC) تأسس في عام 1988م بقيادة محمد فارح عيديد.
4 – تأسست بعد ذلك تباعا جبهات أخرى ساهمت في تمزيق الصومال وتفتت وحدته.
- لماذا اختلفت الفصائل عقب رحيل نظام سياد بري؟
- لقد كانت الفصائل الصومالية التي تأسست في إثيوبيا تحمل عناوين وأسماء قومية، إلا أنها في الواقع لم تعد أكثر من كونها جبهات قبلية تحمل السلاح دون أي محتوى فكري مقنع وبرامج وطنية واضحة لما بعد الإطاحة بالنظام، ونظرا للرغبة الجامحة لدى كل فصيل في الانفراد بالسلطة والمكاسب بعد الإطاحة بالنظام لجأ كل فريق إلى استخدام القوة لتحقيق مكاسب سياسية بدلا من الحوار والإقناع مما أدى إلى فراغ سياسي غير مسبوق في السلطة في هذا القرن ولمدة سبة عشر سنة، أتاح للعدو المتربص فرصة تمزيق وحدة البلاد وتفتيتها إلى كانتونات تهيمن عليها دول أجنبية.
- ما أسباب التناحر بين الفصائل الصومالية منذ البداية، هل لأسباب خارجية، وأياد تسعى لأن يظل الصومال في الفوضى التي يعانيها تطبيقا لمبدأ " فرّ ق تَسُد".. أم هي القبلية؟
- كما ذكرت لم تؤسس الفصائل الصومالية على مفهوم وطني ينبثق من المصالح العامة للشعب ولم يكن لقادتها برنامج سياسي ولا تصور لمستقبل البلاد سوى أن يكون الزعيم على رأس النظام القادم أو من أركانه الأساسيين، ولم يوجد بينهم أي تنسيق تجاه أي قضية حتى في توحيد الجهود وتبادل الأدوار لإسقاط النظام، ناهيك عن أن تكون لهم رؤية لما بعد إسقاطه، بل لم يكن العداء بينهم أقل مما كان بينهم وبين النظام، كما أن الدول المجاورة التي تأسست في أحضانها كان لها رغبة في إضعاف الصومال ككيان له قوة وهيبة وصاحب حق كي لا يطالب بأرضه المحتلة مرة أخرى ويدخل بسببها حروب مماثلة كتلك التي دخلها في الستينيات والسبعينيات ضد هذه الدول، وبالتالي لم تكن تسمح لهم الخروج في هذا الإطار، لأنهم ليسوا مستقلين في رؤاهم بل تمارس عليهم ضغوط من هذه الدول.
- جاءت أسماء كثيرة إلى سدّة الحكم وغالبها لم تكن تعبّر عن الصوماليين وآمالهم ما هي الأسباب ؟
- من المعروف أن الفصائل الصومالية المتحاربة عقدت أكثر من 13 مؤتمر مصالحة دون جدوى، وبعد عشر سنوات من الفوضى والحرب، التقى زعماء القبائل الرئيسة في الصومال في منتجع عرتى بجيبوتي واتفقوا على تعيين 245 شخصاً لتمثيلها في برلمان، وانتخب أعضاؤه السيد عبد القاسم صلاد حسن رئيساً للجمهورية، إلا أن رغبة أمراء الحرب في حصر المصالحة بين الفئات المسلحة فقط وإجماعهم على مقاطعة المؤتمر، إضافة إلى موقف الغرب والدول المجاورة ضد البرلمان الجديد بحجة أن 50% من أعضائه أصوليين، وأن مليشيات المحاكم الإسلامية تمثل العمود الفقري لقوات الشرطة والجيش الحكوميين، أدى كل هذا إلى إفشال الحكومة التي تمخضت عن مؤتمر "عرتى".
وبالتالي لا غرابة في أن تدفع هذه الدول كل أصحاب الولاء السياسي لهم (الذين يفتقدون الانتماء الحقيقي للصومال) إلى مراكز صنع القرار والتأثير لتحقيق أطماع وأغراض دولية وإقليمية مشبوهة على حساب مصالح الوطن.
- هل الوعي بضرورة إقامة دولة لا يزال غائباً لدى الصوماليين؟
- بالتأكيد لدى الصوماليين وعي يستشعرون به حجم المأساة التي يعيشون فيها، ولكن مؤثرات المشكلة التي تعرضوا لها أكثر من عشرين سنة مازالت فاعلة في تشكيل عقلية كثير من المتنفذين.
- هل نزع سلاح الصوماليين أحد الحلول لقيام دولة مدنية؟
نعم، حسب إحصائيات منظمات الأمم المتحدة توجد في الصومال 20 مليون قطعة من الأسلحة الخفيفة ونوعيات أخرى، في ظل هذا الوضع الذي تتساوى فيه قوة المليشيات القبلية بقوة الدولة لا يمكن أن تعود الدولة إلا بعد نزع السلاح، ولكن ينبغي أن يتم ذلك في إطار اتفاق بين الحكومة وزعماء القبائل.
- المحاكم الإسلامية النشأة والدعم والسيطرة، كيف حدث كل ذلك ولم يكد يشعر به الكثيرون؟
- تأسست المحاكم الإسلامية في العاصمة الصومالية مقديشو في عام 1991م للتعامل مع حالات الانهيار الأمني الذي حصل آنذاك، أسسها فضيلة الشيخ محمد معلم حسن، لكنه لم يستطع تنفيذ الأحكام بسبب معارضة زعماء بعض الفصائل، وبعد ثلاث سنوات قام عدد من علماء الدين في شمال مقديشو بزعامة فضيلة الشيخ علي طيرى بتطبيق الشريعة في هذا الجزء من العاصمة، لسد الفجوة الأمنية وإعادة الاستقرار إليه، ثم انتقلت الفكرة إلى بعض العشائر القاطنة في الجزء الجنوبي من العاصمة وكانت في محل الترحيب من جميع القيادات، إذ كانت توفر الأمن والاستقرار الذي عجزت عن تحقيقه قادة الفصائل المسلحة.
في عام 2004م أخذ نفوذ المحاكم الإسلامية بالتصاعد خاصة بعد أن انضمت إليها بعض التيارات الإسلامية الذين يتهمهم الأميركيان بأنهم يأوون عناصر من القاعدة فجندوا لمحاربتهم قادة الفصائل المسلحة الذين أعلنوا تحالفهم المشؤم (تحالف السلم ومحاربة الإرهاب) ضد المحاكم الإسلامية وفي المقابل انضم إلى تنظيم المحاكم تجار وقيادات قبلية لا توحدها معهم رؤى ولا فكرة، وإنما وحدها والخوف من سطوة (تحالف السلم ومحاربة الإرهاب) الذي تبنى تصفية رموز هذه المحاكم الذين يمثلون في نظر الأميركيان ملاذا آمنا للقاعدة، بينما يرى فيهم الشعب الصومالي القدوة الحسنة واليد التي تبطش بكل من تسول له نفسه التلاعب بأمن البلاد واستقرارها، لذا وجدوا منه تعاطفا قويا ووقفة صادقة في حين يعتبرون قادة (تحالف السلم ومحاربة الإرهاب) جواسيس وعملاء لأمريكا.
ومن هؤلاء وأولئك تشكل (اتحاد المحاكم الإسلامية) وكون مجلساً إدارياً وآخر استشارياً، وتمكن (اتحاد المحاكم الإسلامية) من توظيف العاطفة الدينية وتكريس روح العدائية ضد أمراء الحرب كما تمكن من بسط سيطرته على معظم المحافظات الجنوبية في الصومال، وذلك بسبب تعاطف الشعب ومناصرته له.
لم يكن أمر المحاكم الإسلامية خافياً على متابع الشأن الصومالي، وكما ذكرت في الأجوبة السابقة فإن الغرب والدول المجاورة للصومال قد أدانوا حكومة عبد القاسم صلاة بعد تشكيلها مباشرة في عام 2001م، والتي كانت مليشيات المحاكم تمثل العمود الفقري لقوات الشرطة والجيش الحكوميين.
وباعتراف الجميع فإن المحاكم الإسلامية حققت الأمن والسلام في المناطق التي سيطرت عليها، ولكنها فشلت في الاتفاق مع الحكومة القائمة المعترف بها دوليا لإعادة كيان الدولة، بل دخلت في متاهات كانوا في غنى عنها، منها على سبيل المثال :
أ – إدخال البلاد في صراعات إقليمية ودولية بإعلانهم نقل الحرب إلى خارج الصومال.
ب – استفزاز النظام السياسي الرسمي في البلاد وحصره في مدينة " بيدوة " مما أدى لاستعانته بقوات أجنبية لحمايته، وبهذا التصرف أعطيت الذريعة للتدخل في الشأن الصومالي.
ج – فقدان النظرة المستقبلية وعدم وجود المشروع الوطني لديهم الذي يلتف حوله الصوماليون ويكون فيه الخَلاص والحل لأزمتهم التي طال أمدها.
د - استخدام بعض الدول والجماعات للمحاكم كأداة عدائية ضد دول وجماعات أخرى.
هـ - عدم قبول مبدأ المشاركة ورفض أي مبادرة وطنية مخلصة.
- الثمن تهجير وقتل، وكوارث لا تنتهي.. ما هي الحلول العملية المطروحة لديكم في ظل المطامع الغربية للسيطرة على القرن الأفريقي؟
- من وجهة نظري أرى ضرورة إيجاد حلول جذرية للقضية الصومالية والتي يمكن أن أجملها في النقاط التالية:
أ- الحوار والمصالحة بين الفرقاء: إن اختلاف وجهات النظر في مختلف قضايانا عامل قوة وإثراء وتنوع وإبداع، والبديل الوحيد لرفض الحوار والإقناع هو تكميم الأفواه ومصادرة الحريات وتخويف الأفراد وممارسة القمع والإرهاب. ولقد مرت بشعبنا عقود متتالية جربنا بما فيه الكفاية مذاق العنف والاستبداد وإتباع سياسة الإقصاء والتهميش والتصرف في حقوق الآخرين حتى فقدنا دولتنا وانهارت حضارتنا وتخلفنا قرونا لا يمكن تعويضها بسهولة، إنها تجربة مّريرة.
ب- عدم تحقيق مكاسب سياسة عن طريق الاستخدام بالقوة: إن تجربة النظام العسكري ماثلة أمامنا، حيث استخدمت القوة والقمع ضد الشعب الصومالي فترة طويلة، فكانت النتيجة ثورة شعبية عارمة أسقطت النظام ودمرت الدولة ومؤسساتها ثم تطورت إلى الحرب الأهلية الشاملة، إن كل الذين شاركوا في هذه الحروب خلال العقدين الماضيين يدركون حقيقة جرائمها وويلاتها المروعة، ونتائجها الخائبة، وخسائرها المدوية، هذه هي التجارب الحديثة في الصومال.
ج – إيجاد دولة صومالية لها القدرة على تولي مسئوليتها: يجب بذل كل غال ونفيس لإعادة الدولة الصومالية، وقد أدركنا فداحة الخسائر الناتجمة عن غياب سلطان الحكومة وهيبتها، لأن حماية مصالح الشعب وثرواته ومكتسباته الحضارية، وكل ما يتعلق بسيادة الوطن وكرامة أبنائه لا يمكن تحقيقها بوجود سيادة للقانون في ظل سلطة قوية تؤدي واجباتها نحو الأفضل تجاه شعبها وتجاه المجتمع الدولي.
د – عدم قبول التبعية لقوى أجنبية من أجل تحقيق مكاسب سياسية والاستقواء بها: الاختلاف واقع في حياتنا البشرية {ولا يزالون مختلفين} رغم الفروق الهائلة بين مسمياتها ونظرة الناس إليها وكيفية التعاطي معها فما نعانيه اليوم من خلاف أوجد جوا من الفتن والتمزق الداخلي وإراقة دماء الأبرياء واستحلال المحرمات وهتك الأعراض، والاستقواء بالأجنبي جريمة لا تغتفر وهي مخالفة صريحة لنصوص الدين، فعلى الجميع أن يبتعد عن العمالة الأجنبية وبيع الأوطان لهم، أو الاستمرار في الحرب الأهلية لإراقة مزيد من الدماء البريئة وتشريد الضعفاء من النساء والأطفال والشيوخ، وإتلاف الممتلكات وتخريب ما تبقى من البنية التحتية وهي أمور لا تخدم إلا المصالح الأجنبية فقط.
هـ - النهوض بالتعليم من أجل تعويض الخسائر التي لحقت بنا جراء توقف عجلة التنمية: يعتبر التعليم واحداً من أهم المجالات التنموية إذ أن تغذيتها الراجعة تؤثر إيجاباً على كافة المجالات التنموية، وتشير نتائج الدراسات التي أجريت حول حساب العائدات المتوقعة من الإنفاق على التعليم إلى أن تعويض الأموال التي تنفق على التعليم، يتم خلال مدة (9) سنوات أو (10) سنوات، في حين أن تعويض القروض الطبيعية التي تؤخذ من أجل التنمية، يحتاج إلى مدة تتراوح بين (12) سنة إلى (18) سنة، في حين أن برنامج استصلاح أرض جديدة لا يسد نفقاته قبل (15 إلى 18) سنة، وهذا يعني أن التعليم أقرب الطرق لتعويض الخسائر التي مني بها الشعب الصومالي.
وإيمانا منا بهذه الحقيقة أنشأنا (مؤسسة المعارف للتنمية والعناية بالتعليم) في هرجيسا، لتسهم بما توفره من خدمات ويتبعها من مؤسسات في نشر العلم والمعرفة وخدمة المجتمع الصومالي.
– لكم اهتمام بالتعليم كما ذكرت هل من الممكن أن يكون وحده وسيلة لحل المشكلة الصومالية؟
- نظراً للوضع المأساوي الذي يعيشه شعبنا، فإن المؤسسة حرصت أن لا يقتصر دورها في مجال التعليم فقط، بل يتعدى دورها إلى ما يتوافق مع أهدافها في تحقيق التنمية الشاملة، فلدينا مشاريع وقفية في مجال صيد الأسماك تنتظر التمويل من أهل الخير، وقمنا بتنفيذ مشاريع إغاثية متنوعة وعملنا صيانة وترميم لعدد من الآبار الارتوازية.
– ما هي أهم المشاريع التي حققتموها في مجال التعليم؟
حققنا حتى الآن مشروع (المعهد العالي لإعداد وتأهيل المعلمين بهرجيسا) وهو مشروع طموح هدفه الأساسي الارتقاء بالتعليم والنهوض به، ويتميز المعهد بكفاءات علمية متخصصة استقدمناها من الخارج، ووسائل حديثة متطورة تتمثل في معامل العلوم والكمبيوتر والمناهج التعليمية المتطورة، وكذلك المكتبة الثقافية العامرة والقاعات الدراسية المؤثثة على درجة عالية من الجودة.
– هل المعهد يعد بداية تقديم الحل للمشكلة لصومالية أم هناك مشروعات أخرى تدعم الفكرة؟
- المعهد مؤسسة علمية تعد بداية الحل إذا اعتبرنا المعرفة هي صناعة الإنسان الصومالي الذي تخلف كثيرا عن العالم، والمعرفة مرهونة بإعداد المعلم أكاديمياً وفنياً، وإذا نظرنا إلى واقع المعلم الصومالي تشير التقارير الواردة من منظمة اليونيسيف عام 2002/2003م، أن 15% من المعلمين العاملين في التعليم الأساسي في الصومال حاصلون على الشهادة الجامعية، و 60% حاصلون على الشهادة الثانوية، و25% دون الشهادة الثانوية، ومن هذا المنطلق قامت (مؤسسة المعارف للتنمية والعناية بالتعليم) بإنشاء (المعهد العالي لإعداد وتأهيل المعلمين بهرجيسا) لتحقيق الأهداف التالية:
أ – المساهمة في تحقيق الرسالة الوطنية للمؤسسة في النهوض والارتقاء بالنظام التربوي والتعليمي في المجتمع.
ب - إعداد المعلم المؤهل علمياً وتربوياً ومهنياً لتدريس المناهج المختلفة باللغة العربية في مدارس التعليم العام بالصومال.
ج - تدريب المعلمين والعاملين في حقل التربية والتعليم من مديرين وموجهين ومشرفين أثناء الخدمة لرفع مستوياتهم وزيادة خبراتهم المهنية وإطلاعهم على كل جديد في الميادين التربوية المختلفة.
د – إتاحة فرصة التعليم العالي للكثير من خريجي الثانوية العامة أو ما يعادلها من الذين عجزت مؤسسات التعليم العالي عن استيعابهم.
هـ – الحفاظ على عروبة الصومال وأصالة لغته العربية التي أخفقت في المنافسة مع اللغات الأجنبية المدعومة من قبل المؤسسات الغربية.
– ما هي الأقسام والتخصصات التي يحتوي عليها المعهد العالي لإعداد وتأهيل المعلمين في هرجيسا، وما هي أنواع الشهادات التي يمنحها لطلابه؟
يحتوي المعهد على:
أ – قسم الدبلوم التربوي:
ويوجد به ستة أقسام هي قسم اللغة العربية والدراسات الإسلامية، قسم اللغة الإنجليزية واللغة الصومالية، قسم علوم الحاسب الآلي، قسم الفيزياء والرياضيات، قسم الكيمياء والأحياء، قسم الدراسات الاجتماعية.
والدراسة في هذا القسم تستمر سنتين يمنح مجلس إدارة المعهد الطالب الذي يجتازهما بنجاح شهادة الدبلوم التربوي بما يؤهله للتدريس في مدارس التعليم العام.
- ما هي أنواع الدرجات العلمية التي يمنحها المعهد؟
يمنح المعهد نوعين من الدرجات (الشهادات) وهي درجة الدبلوم التربوي في الآداب (اللغة العربية والدراسات الإسلامية/ اللغة الإنجليزية واللغة الصومالية/ الدراسات الاجتماعية، وهي درجة دون البكالوريوس يحصل عليها الطالب بعد اجتيازه بنجاح متطلبات التخرج في مجال الآداب.
ودرجة الدبلوم التربوي في العلوم التطبيقية، وهي درجة كسابقتها إلا أنها تمنح لمن ينجز بنجاح برنامجاً دراسياً في مجال العلوم في تخصصات مثل علوم الحاسب الآلي/ الفيزياء والرياضيات/ الكيمياء والأحياء.
ب - القسم الثانوي:
تم افتتاح هذا القسم بغرض تأسيس الطلاب المتقدمين إلى المعهد في الجوانب العلمية واللغوية، وتستمر الدراسة فيه أربع سنوات، يمنح الطالب الذي يجتازها بنجاح شهادة إتمام الدراسة الثانوية.
فالانهيار الذي لحق المؤسسات والهيئات نتيجة الحروب لم يوقف التعليم فحسب بل أزال مرافقه، وتأخر الكوادر عم البلاد فعرض الجيل الصاعد لهيمنة الجهل حتى انخرطوا في الجبهات المسلحة، فلهذا تنصب جهودنا على تأسيس المدرسة ونشرها في المدن والقرى وتطوير فعاليتها عن طريق وضع المناهج وتحديث الأستاذ.
– متى تجنون ثمرة هذا العمل المبارك في الصومال؟
- إن ثمرة الجهد غرسناها في أرض تحتاج إلى الاستقرار والحرية لتؤتي أُكلها. ولكن دعني أقول لك إننا نجني هذه الثمار متى انطلق جميع الصوماليين من أرضية وطنية واحدة ونبذوا خلافاتهم وراء ظهورهم وجعلوا أمامهم صورة الصومال ... الأرض ... والوطن ... والشعب.
تعليقات