اغتيال بوتو وتراجع نواز المفاجئ
باكستان في أتون حرب سياسية .. فلمن تكون الدائرة ؟
بقلم : عادل صديق
أجهز التفجير الذي دوّى في موكب بوتوعلى حُلمها في اللحظة التي أجهز على جسدها؛ من أن تعتلي عرش السلطة الباكستانية للمرة الثالثة، وذلك مع ضعف موقف خصمها النسبي"نواز شريف"وذلك مساء الخميس 27 ديسمبر 2007م، ووريت التراب يوم الجمعة وسط حشد كبير من أنصارها وخصومها.
وبالطبع لم تعرف هوية الذي أطلق عليها النار، ثم ألقى العبوة الناسفة ، وإن كان مسؤول وزارة الداخلية كالعادة صرّح أنّ تنظيم القاعدة "على الأرجح" يقف وراء اغتيال "بنازير بوتو" ولا بد أن يذكر عبارة على الأرجح ، لأنّ الجميع ينسبون إلى القاعدة افتراضا بأنها وراء مصائب العالم، ولم يبق إلا الزوابع والأعاصير والزلازل لتنسب إلى القاعدة التي صارت شبحا ،ومادام قد زُجَّ بهذه العبارة "على الأرجح " فإن الفاعل مجهول، أو أنهم سيعجزون إلاعن تلفيق اتهام ضدالأشباح، وكلها ترتدي زيّ القاعدة، ويكفي أن نعلم أن وتيرة التفجيرات في أتون باكستان قد وصلت خلال الشهر الفائت ديسمبر إلى عشرين تفجيرا أودت بحياة الكثيرين، ولكن يبدو أن الكثيرين لا وزن لهم أمام اغتال شخصية قيادية سلط عليها الإعلام أضواءه سواء نفعت الشعب ـ نسبيا ـ أو عادت قيادتها عليه بالضرر .
وبالطبع لم تعرف هوية الذي أطلق عليها النار، ثم ألقى العبوة الناسفة ، وإن كان مسؤول وزارة الداخلية كالعادة صرّح أنّ تنظيم القاعدة "على الأرجح" يقف وراء اغتيال "بنازير بوتو" ولا بد أن يذكر عبارة على الأرجح ، لأنّ الجميع ينسبون إلى القاعدة افتراضا بأنها وراء مصائب العالم، ولم يبق إلا الزوابع والأعاصير والزلازل لتنسب إلى القاعدة التي صارت شبحا ،ومادام قد زُجَّ بهذه العبارة "على الأرجح " فإن الفاعل مجهول، أو أنهم سيعجزون إلاعن تلفيق اتهام ضدالأشباح، وكلها ترتدي زيّ القاعدة، ويكفي أن نعلم أن وتيرة التفجيرات في أتون باكستان قد وصلت خلال الشهر الفائت ديسمبر إلى عشرين تفجيرا أودت بحياة الكثيرين، ولكن يبدو أن الكثيرين لا وزن لهم أمام اغتال شخصية قيادية سلط عليها الإعلام أضواءه سواء نفعت الشعب ـ نسبيا ـ أو عادت قيادتها عليه بالضرر .
ورغم الاختلاف كان هناك استنكار للتوجهات السياسية والإسلامية في العالم للحدث، واعتباره جريمة وحتى التوجّهات المسلحة كالقاعدة وطالبان قد استنكرت الاغتيال،على اعتبار أنها امرأة وأنهم لا يقتلون النساء!!، وقد استنكر الحدث أيضا الجماعة الإسلامية المعارضة في باكستان، والإخوان المسلمين في مصر والعديد من التوجهات المعارضة .
حرب الأشباح
وإن كان غرماء الرئيس الباكستاني من السياسيين كالوا الاتهامات له على أساس أنه " المستفيد الوحيد من اغتيالها " وربما كان الاتهام صاحب الغضب بفراغ مكان بنازير، ووضعت قوات الأمن الباكستانية في حال تأهّب قصوى في أنحاء باكستان لمواجهة اضطرابات انطلقت شرارتها في إقليم السند مسقط رأس بوتو، أما الغرب الذي كان ينظر إلى بوتو كـ "حليفة مستقبلية" في "الحرب على الإرهاب" لو قدّر لها تولي رئاسة الوزراء للمرة الثالثة على أثر الانتخابات التي كانت مقررة بعد 11 يوماً أي في 8 يناير 2008من ساعة اغتيالها، والتي بات مصيرها أي الانتخابات، ومصير باكستان المستقرة نسبيا في مهب الريح.
وثار جدل في اليوم الثالث عن "سبب موت بوتو المباشر" أهي القنبلة التي ألقيت تجاهها أم الرصاصة التي أُطلقت عليها أم شيءٌ آخر،الكثيرون يشككون ويختلفون ولكن "تعددت الأسباب والموت واحد"، وكعادة العالم الثالث يشرع البعض ـ لانعدام الثقة في التقرير الرسمي حول الوفاة ـ للمطالبة بجهة أجنبية للتأكد من تقرير الوفاة، والعجيب أن يفكر البعض بهذا المنطق والبلاد على وشك الدخول لنفق مظلم، وتلعب الأيادي الخفية دورا يستهدف الداخل الباكستاني، فالظرف فرصة متاحة للانفلات الأمني والعبث بمقدّرات هذا البلد الذي يحوي المتناقضات جميعا.
وشهدت الشوارع شللا تاما وإغلاقا للمتاجر، التظاهرات عمّت كافة المدن الباكستانية ومظاهر الشغب بدت للعيان في حرائق متعمدة وسلب لكثير من ممتلكات المواطنين، وفي الوسط السياسي تساؤل مُلِحٍّ: هل سيقضي اغتيال بوتو على الأمل في انتخابات نزيهة وباكستان مستقرة ؟، كيف يحدث ذلك وقد قاطعتها القوى الوطنية حتى الذين كانت لهم فرصة ذهبية لخوضها مثل نواز شريف ؟،
وحاول حزب الشعب التماسك بالإصرار على خوض المعركة غير آبه بما يتوقع من تكرار لعمليات التصفية ـ إن كان المقصود حزب الشعب وليس ثارات من آلـ بوتو ـ، واختار الحزب الابن ابنها "بلا وال بوتو زرداري" 19 عاما رئيسا للحزب! خلافا لوصية أمه التي رشحت زوجها "عاصف علي زرداري" المدان أوروبيا بالكسب غير المشروع هو وزوجته الفقيدة " بنزير بوتو" لخلافتها في هذا المركز ودعا الحزب إلى لجنة تحقيق دولية في مقتل زعيمة الحزب .
استيقظت رغبة "نواز شريف" رئيس الوزراء الباكستاني السابق الذي خلا له الجو بغياب غريمته قليلا ليحمل لواء "الحرية والديمقراطية" حيث وعد ـ عقب اغتيال بوتو الخميس ـ27 ديسمبر الماضي الباكستانيين جميعا بـ "خوض معركتهم" بعد اغتيال رئيسة الحكومة السابقة "بنازير" المسؤولة مثله عن المعارضة، وكان شريف يخاطب الجماهير التي تجمعت أمام المستشفى ـ "بتأثر" ـ حيث توفيت بوتو عن (54 عاما) متأثرة بجروحها.
ثم عاد "نواز شريف"وأعلن مقاطعة حزبه الانتخابات التشريعية والإقليمية المقررة في نهاية الشهر المقبل وطالب مشرف بالاستقالة فورا، داعيا المواطنين إلى إضراب وطني، ويبدو أن "نواز" أدرك بحسه السياسي عقب الانفعال بالموقف مدى ما ستكون عليه باكستان من محنة تعصف بالجميع، ومدى خطورة المكان مع غريم لا يزال يملك القوة، وبفداحة استحقاقات الفترة القادمة التي لها ما بعدها، فآثر الانسحاب،وإن كان الظن أن انسحابه سيؤثر عليه سلبا لدى الشارع أو لدى المؤيدين على الأقل.
كما حض حزب الشعب حزب الرابطة الإسلامية المقاطع للانتخابات والذي يرأسه شريف للمشاركة، ووعدت الرابطة بإعادة النظر في قرار المقاطعة .
إطلاق العنان لمشرف
البديل المتاح لبرويز مشرّف هو حالة الطوارئ هي الملجأ الأول والأخير في دول العالم الثالث، وما أسهل أن تخرج الشرطة والجيش متضافرين من ثكناتهم، وما أصعب أن يعودوا كما خرجوا في يسر وسهولة، فالكرسي في خطر، وسواء أجاء مشرّف طوعا أو كرها فإنه آن الأوان للتشبث بالسلطة، وتهيئة الجو للحكم الشمولي بقرار من الجنرال رئيس الجمهورية للسيطرة على زمام الأمر .
لقد ترك لـ "مشرّف" العنان وآثر أن يكون في مقعد المتفرج، ومشرف بدوره رأس اجتماعاً طارئاً لكبار المسؤولين الأمنيين، داعياً مواطنيه إلى الهدوء لـ "دحر الإرهابيين"، ومذكّراً بأنّه كان قد فرض حالة الطوارئ لشهر ونصف شهر من أجل حماية بلاده من هجماتهم،وتعهّد رئيس الحكومة الانتقالية "محمد يان سومرو "كشف المؤامرة" وراء اغتيال الزعيمة المعارضة، ترى هل يتراجع نواز شريف ويقْدم على خوض المنافسة مع حزب الشعب، وتدخل القوى الإسلامية كافة الخوض لتجربة نزيهة تحدد مصيرا حقيقيا لباكستان ، وهل يقبل الرافضون الذين اتجهوا لخيار التفجيرات والاغتيالات أن يكون الخيار في باكستان لأبنائها؟ هذا ما لا نملك له إجابة شافية .
يرى مراقبون أن "الجريمة" شكلت منعطفاً كبيراً في البلد، وضع "مشرّف" أمام خيارين أحلاهما مرّ: الأول تأجيل الانتخابات المقررة في 8 يناير القادم، مع ما قد يثيره ذلك من احتجاجات قد تصل إلى حدّ العصيان، أو المضي قدما في الاستحقاق،موجهين اتهامات للسلطة بالاستفادة من الوضع الراهن لتعزيز حضوره مستغلاً غياب الزعيمة الأبرز للمعارضة، المتابعون العالميون ذكروا أن باكستان باتت على شفير "الفوضى" و"الهاوية" و"الهوة" بالتعبيرات الثلاثة مبدية مخاوف من أن يغرق هذا البلد في الحرب الأهلية عقب اغتيال رئيسة الوزراء السابقة "بنازير بوتو".
وكان نوّاز قد حاول مع بنازير قيادة تحالف سياسي معارض بين "الرابطة الإسلامية" التي يقودها، و"حزب الشعب" الليبرالي الذي كانت تترأسه بوتو، ولكن الرغبة بالانفراد، وتنفيذ الأجندة السياسية لكلا القوتين المعارضتين، فضلا عن الأجندة والإملاءت الأمريكية التي جعلت "الرابطة والشعب" يتفرقان إلى نقطة عدم التلاقي على الأقل في مثل هذا الظرف العصيب.
إنذار سابق لبوتو
لقد كان "التفجير الأول" في أكتوبر الماضي رسالة إنذار لبوتو،لكنها لم تتنبه له ، وإن تنبهت فنجاتها بأعجوبة في السيارة المصفحة جعلت منها تعتقد في حماية المصفحات لها، ولم تعلم أن " كل مرة لا تسلم الجرّة" بل أصرّت أن تكون في لباس المرأة الحديدية، ونسيت أو تناست أنّ باكستان ليست بريطانيا، ونسيت أو تناست أيضا أنها كانت تكنّ العداء للكثيرين وخاصة ممن أفرزتم حروب دول الجوار والذين يعادون الموالين لأمريكا، والائتمار بأمرها وتنفيذ سياستها وفي باكستان التي كانت ـ يوما ـ تدعم حركات المقاومة ضد المحتل السوفييتي في أفغانستان. وايضا وضد المحتل الهندوسي في كشمير..
هؤلاء المعادون للسياسة الأمريكية لهم طريقة يتقنونها ـ بصرف النظر عن اختلافنا أو اتفاقنا معهم في وسائل الضرب ـ وبمهارة عالية وإصرار على " التصفية الجسدية " ليكون هذا مصير من يردد مقولات "الحرب على الإرهاب" التي يقصد منها أن يتم القضاء عن الإسلام المقاوم، ونشر "الإسلام الأمريكي المستأنس"المرضِّي عنه، ونسيت بوتو ساعة أن بلادها أتون مشتعل ويسلك "الأعداء" كل سبيل للإطاحة بالخصوم وفي وضح النهار.
حين عادت "بنازير بوتو" إلى باكستان 19أكتوبر 2007 رافعة راية الانتصار بعد ثماني سنوات قضتها في منفاها الاختياري،اختلفت بوتو في هذه العودة عن عودة "نواز شريف" في العاشر من سبتمبر 2007م، حيث أُعيد "نواز شريف" من حيث أتى وهو ـ المغضوب عليه ـ وسط تهديد بكشف الفضائح التي ربما تكون ادعاءاتٍ من النظام، كما أنّ لآل بوتو فضائحَ أيضا ستر عليها النظام وأسقطها عنها، وقامت المحكمة العليا بالحكم لنواز بالعودة ولكن لم يكن نواز ولا المحكمة العليا في حصانة برويز مشرف الذي عفا عن الفقيدة وأعاد مشرف لأنّ "كل الجرائر تغتفر مع الأحبة ".
عادت بوتو في اتفاق مع برويز مشرّف الرئيس المنفذ الأول للخطة الأمريكية وصاحب لواء الحرب على المدارس الدينية إلى باكستان بصفح ومغفرة من الرئيس.
لقد اتفقا على اقتسام السلطة ـ نزولا عن الإرادة الأمريكية ـ وتعرضت " بنازير بوتو لأول جرس إنذار حين تناثرت أشلاء 135 من أنصارها، وجرح أكثر من 400 وإن كانت حصيلة القتلى اختلف فيها، ونجت من موت محقق،كان الضحايا هم أنصارها الفقراء من الشعب الذي كان أسيراً لإحسانها ومن قبلها إحسان " ذو الفقار علي بوتو " وهي أيضا أسيرة لأصواتهم عند صناديق الاقتراع، وهكذا الأنصار في كل مكان، يكونون وقود الحرب تارة، والشارع الذي ينصّب القيادة في اللعبة الديمقراطيّة، وينكسر حين ينكسر القادة حزنا على فقد من وعد أن يمنح .
حتى لا ننسى
كانت بنازير قد تعهدت للعالم بتسليم العالم النووي الباكستاني الكبير" عبد القدير خان إ"لى المحاكمة لينال جزاء سنمار على ما قدم من أكبر مشروع ردع حافظَ على توان الرعب النووي بين با كستان وفي وقت قياسي، والهند تحتل بقعة من بقاع غالية في العالم الإسلامي هي كشمير .