سكان القوارب فين.. والثورة فين! في فيلم المراكبي الذي أُنتج عام رزق يوم بيوم" على ما تأتي به شباكه من النيل

سكان القوارب فين.. والثورة فين!
كتب- عادل صديق

في فيلم المراكبي الذي أُنتج عام 1995 يكتشف "أحمد عليش" الصياد الفقير الذي يعيش "رزق يوم بيوم" على ما تأتي به شباكه من النيل؛ يكتشف أنه رقم له قيمة في الحكومة وهو يعيش في قارب هو وزوجته وابنته الشابة وابنه الذي بلغ بالكاد سن المدرسة.
كل ذنب عليش أنه فكّر في أن يُدخل ابنه المدرسة مثل الأطفال الذين يروحون ويغدون إلى مدارسهم ، ليتحول الحُلم إلى كابوس مفزع يدخل في عداد التراجيديا التي تبكيك لبكائه، وتجد من يرقص على جراحه ويطالبه بشهادة الميلاد التي تحتاج إلى البطاقة.والبطاقة لا يسمح باستخراجها إلا بالموقف من التجنيد..

ويكتشف الصياد البسيط ،في أول نزول له على الأرض أو الأسفلت كما يسميها، أن عليه حكما في قضية تخلف عن التجنيد لأنه لا يعرف له عمراً، وأنه يشكل أهمية في الدولة التي تطالبه بسلسلة من الإجراءات ومنها غرامة التهرب من التجنيد التي لا يعرفها أصلا لينتهي الفيلم نهاية متفائلة.

ولكن أين حقه وحق أمثاله من الدولة ؟ لا إجابة.. لأنهم ببساطة لا حقوق لهم وفي حسابات الدولة هم كيانات معدومة ـ كالديون المعدومة ـ لا مكان لهم ولا وجود..حكاية كل يوم
حين تسير على كوبري عباس من الجيزة في طريقك إلى المنيل تجد مجموعة من قوارب الفقراء، عفوا منازل الفقراء على صفحة النيل! لا تتعجب فـ"المنزل القارب" يحوي أسْرة لا يتجاوز الأربعة أمتار بعرض متر ونصف أو مترين على الأكثر، وحدود علمي أنهم لا مكان لهم بمصر يركنون إليه بعد رحلة كل يوم، وورثوا هذه المهنة المهاجرة عن أسلاف ربما رحلوا ودفنوا في مكان ما على شاطئ النهر.

البيت القارب بلا مطبخ، ولا حمام ولا غرفة نوم ولا صالون ،يعني المفروض أن تكون هذه المرافق موجودة في كل بيت، ولكن هل كل هذا متوفرٌ في القارب أم معدوم ؟ ، يعني  4×1 كما تذكر إعلانات التلفزيون، أم لا يوجد في البيت شئ كالبدو الرحّل.

 واللي يفرس أن"أبوعلي" حين رزق بأربعة أولاد وبنات، اشترى قاربا عرضه جاره "أبو سلامة" للبيع فاشتراه ليكون غرفة نوم"واسعة" للأولاد، فهذا منتهى الطموح، ومثلما عاش الأجداد والآباء يعيش الأبناء..

منتهى طموحهم أن يكبر الابن ويتقدم لخطبة بنت الجيران التي يربط بينهما حب صامت منذ أن كانا صغيرين، جيران في القوارب لعبا سويا، وجلسا متجاورين وربما رشته ـ مداعبة له ـ بقطرات ماء فأسعده أن يرشها بالماء، ثم صارا عروسين سعيدين سعادة على قدهما.

وربما كان الحب الفطري باعثا ليتخذ "نايا"من البوص أو الغاب المنتشر في النيل ليصير مصدرا لنغمات يبثها سعادته المشوبة بحزنه.
وكثيرا ما ينظرون لعمائر المنيل الفارهة ويدعون الله: يارب تفك علينا ولو بحجرة بحمام تسترنا، حجرة صغيرة لها عنوان علشان العيال يروحوا المدرسة، ولما يكبروا يكونوا زي الناس لهم عنوان!

ولنا أن نتساءل: من المسؤول عن هؤلاء الذين ولدوا، وكبروا في قارب؟ ولا نريد أن نحلم بعصور العدل العمرّية لأن ميزانية الدولة الآن لا تحسب حسابا للفئات الأكثر فقرا، فالحاكم "العمريُّ" الحاني كان يتفقد رعيّته، ويحمل على ظهره الدقيق والسمن لتطعم امرأة أطفالها بعدما رحيل"رجلها السند"ربما إلى دنيا يبحث عنها وغالبا إلى الدار الآخرة..

 وتقول المرأة المنكسرة للرجل الذي أتى لها بالدقيق والسمن: والله أنت أحق بالحكم من عمر وهي لا تعرفه إلا بعد أن التقت به في دارعمر في مدينة رسول الله !

وتفاءلنا حين جاء رئيس صالح يعرف الله، كان يقابل الناس، ويسمع لشكواهم، وينزل من سيارته لينصت إلى أنّات شعبه، كان رئيسا يحمل هموم الفقراء، ويسعى لإيجاد حلول لهم .ولكن لم يمرعام حتى قام "الحرس القديم"الذي أسسه الجزارون في عهد عبد الناصر لينقلب السيسي على الرئيس المنتخب، ويسجنه، وعاد الفقراء إلى أنينهم يشكون لله ظلم العباد .

من أول السطر
الدولة لا تملك الميزانية يقول حاكم مصر :ـ ما فيش أديكم ـ ، ومش قادر أديكم،وحا تاكلوا مصر يعني،إنها دراما يعيشها الصيادون المتناثرون على امتداد النهر الذي بعدما كان يقابل الحبَّ بحبٍ صار غاضبا فلا يعطي إلا قليلا كالأب الذي شاخ وكبر أبناؤه ولم يجد منهم إلا العقوق فأمسك ما بقي في يديه .

الصيادون كانوا"ملطشة"للجميع يتعرضون لرزالة الشرطة التي تسألهم دوما عن الرُّخص ليلهف "الباشا العسكري" الحاكم بأمره ما يلهف من قطرات عرق الغلابة، وكما يفعل مع بياع غلبان فارش في "الممنوع" .
أويقوم بإجلائهم أصحاب قوارب النزهة الكبيرة أيام العطلات حين يستقبلون عشاق "صفحة النيل"ساعة العصاري وحين يتمتعون بـ"شمس الأصيل" إبّان الغروب في نزهة نيلية، أو مجموعة من الشباب في رحلة بموسيقى صاخبة وإيقاعات راقصة لا تكاد تعرف ماذا يريدون أو لأي شيء يهدفون غير اقتناص اللذات سراً وعلانية، هؤلاء يثيرون شجون سكان القوارب، ويزعجونهم ويقلبون وتيرة حياتهم ورتابتها.


من هنا أوهناك علم "سكان القوارب"أنّ ثورةً قامت في 25 يناير تطالب بالعدالة للجميع، ورأى بعضهم عند كوبري قصر النيل إطلاق نار على المتظاهرين، وأن الحكومة ضربت الشباب في المليان!، ثم رحل الحاكم الذي لا يعرفون اسمه لغير رجعة، مشهد في قصة، ولكن ترى ماذا سيحدث لهم.. نقطة ومن أول السطر.


نهيب بحكومة مصر التي اختارها الشعب لقدرها أن تنظر لهؤلاء الضعفاء وتعطيهم الأمل في التغيير،وأن يكون لهم شأن لديها، وألاّ يكون مستقبلهم على غرار ماضيهم، لا شأن لحكومة بهم ، نريد ضمير الحكومة اليقظ يرى هؤلاء المهمشين ضمن شعب مصر.


سكان القوارب فين.. والثورة فين!

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حوار مع الشيخ : عثمان حاج مصطفى

أسامة خليفة ..إنتاج فيلم الطفل انطلاقا من قيمناِ لاء للإنتاج الفني، تقف على خط المواجهة، وبصدق نقول هذا، فقد كانت المبادرة إلى هذا العالم الرحب في وقت كان هَمّ الآخرين أن يقوموا بدبلجة ما يقدم، نريد من يؤمن بالفكرة

موسى ابن نصير قائد عسكري عربي في عصر الدولة الأموية. شارك موسى في فتح قبرص في عهد الخليفة معاوية بن أبي سفيان