السرجاني .. الكتاب إضافة عن إسهامات المسلمين في العطاء الحضاري
18 سبتمبر 2009
"ماذا قدم المسلمون للعالم"
السرجاني :الكتاب إضافة عن
إسهامات المسلمين في العطاء الحضاري
الدكتور راغب السرجاني وجائزة مصرعن كتاب ماذا قدم المسلمون للعالم |
لم تكن مفاجأة أن ينال الدكتور راغب السرجاني جائزة مصر التي يقدمها الأزهر للدراسات الإسلامية عن عمل من أعماله، فالرجل جهد متواصل، لا يستطيع المتابع أن يلاحقه فيه، ونأمل من الله أن يعينه على بذله المتواصل فتارة جراح متميز، وأخرى داعية ومربٍّ يعلّم الناس الخير، أو تراه مطلاّ عبر الفضائيات يقول كلمة حق لله.
والدكتور راغب شخصية دأبها العمل والجدية؛ يغار على أمته ويؤمن بالبعث الحضاري لها لأنها تملك مقومات ذلك، ويربط في كل مناشطه التاريخية بين الواقع والتاريخ،وأن مسيرة التاريخ قد تكرر أحداثا، وأنّ ما صلح به أول هذه الأمة سيصلح به آخرها إن شاء الله ،ولكن لا بد أن تنهض الأمة نهضة جادة من سباتها الذي طال، ومما يميزه في كل ما يقدمه من زاد تاريخي التفاؤلُ والاستبشار رغم مسحة الحزن التي تخيم عليه حين يتطرق لمآسي المسلمين في العالم، وهذا الحوار كان بمناسبة حصوله على جائزة مصرللدراسات الإسلامية للعام 1430 هـ في مناسبة الاحتفال السنوي بليلة القدر الأربعاء 26 رمضان 1430 هـ الموافق16 سبتمبر 2009م.
حوار : عادل صديق
ـ من وجهة نظركم لماذا وقع اختيار الجائزة على هذا الكتاب (ماذا قدم المسلمون للعالم؟)
* في الحقيقة الكتاب يسُد ثغرةً هامة لإسهامات المسلمين في العطاء الحضاري بصورة شاملة وأكثر من جانب ، بعض الكتب تتكلم عن جانب حضاري معين ولا تعنى بالجوانب الأخرى ـ لكن الكتاب يعدّ موسوعة في المجالات الحضارية المختلفة ولا تغفل الجوانب الإنسانية في حضارتنا، الكثير من الباحثين كانوا يركزون على جانب واحد من جوانب الحضارة الإسلامية ، لكن الكتاب بدأ بتعريف المصطلح "الحضارة" وإن اختلفنا فيه معهم فالمفهوم الحضاري لدينا هو " هي قدرة الإنسان على إقامة علاقة سويّة مع ربه، والبشرِ الذين يعيش معهم، وكذلك البيئة بكل ما فيها من ثروات".، وإذا قدر الله لنا وعملنا على ترجمته للغات الأخرى سيكون رسالة موجهة للغرب بهذا المفهوم والكتاب لا يتحدث عن حضارة عادية لها مثيلات أو أشباه، إنما نتحدَّث عن “الحضارة النموذج”، وما فعلته أني فتحت أبوابًا في الموضوع، وذكرت بعض المداخل فقط.
ـ ما هو الجديد في الكتاب هل لأنكم أوضحتم الصورة عن عمق وأصالة الحضارة الإسلامية وأنها لم تكن مجرد ناقل للتراث القديم ومعبر له إلى عصر النهضة ؟
الكثير من باحثي الغرب من الذين لا يحملون عمقا في الدراسة من غير المحايدين يرون أن المسلمين مجرد ناقلين للتراث الإغريقي القديم ، وربما لم يلتفتوا بالتراث الشرقي الساساني والهندي الذي شكل جميعا معينا رائعا للحضارة الإسلامية كتراث له عمق تاريخي، ويرى الغربيون ـ غير المنصفين ـ أن المسلمين مجرد ترجموه للغة العربية، ثم كانت الأندلس معبرا له ليطل على عصر النهضة بما فيه من غزارة إنتاج علمي فتخفت الأصوات التي تتحدث عن الحضارة الإسلامية كأنها لم تكن شيئا مذكورا، ولكن ما نقرره أنه "لا يمكن أن نستوعب ما وصلت إليه البشرية من تَقَدُّم في أي مجال من مجالات الحياة إلا بدراسة الحضارة الإسلامية" فالعلم التجريبي الإسلامي ، والعلوم الاجتماعية تحمل خصوصية واكتمال في الفهم ولا يمكن فهم العلوم المناظرة التي برزت في العصر الحديث إذا تجاوزنا الإرث الحضاري والتراث العلمي الذي أنتجه أجدادنا في كافة مناحي العلم .
ـ كثير من المنصفين قالوا بأصالة الفكر الحضاري الإسلامي على سبيل المثال زيجريد هونكة، آنه ماري شيميل الكولونيل "بودلي" "فيليب حِتي" جوستاف ليبون "ديزيزيه بلانشيه" "ماسينون الخ مع اختلاف بينهم في تفسير المعطيات الحضارية ومصادرها.. ما الجديد لديكم والذي يعدّ تميزا غير مسبوق ؟
*حقيقة لم نغفل جهود المنصفين حيث أفردنا لهم مساحة كبيرة من الكتاب، ولا ننكر كل جهد بذل في هذا المجال، وهذا من قبيل العدل الذي تعلّمناه من أوامر ربنا ـ سبحانه ـ (وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) بل يعد هؤلاء المنصفين إضافة مع الاختلاف في الفهم مع بعضهم ، بل نجد منهم حيادا وتفاعلا مع الإسلام، وحين يقْدم على الدخول في هذا المجال بعد التصحيح المعرفي يكون قويا في مواجهة مقولات الغربيين غير المنصفين .
ـ انتم تدعون لإعادة كتابة التاريخ الإسلامي برؤية تصحيحية وتوثيقية جديدة .. لماذا لا يوجد معهد يسير وفق منهج قويم من أجل هذا الهدف ؟
*الدعوة إلى إعادة كتابة التاريخ الإسلامي يقوم بها عدد كبير من الباحثين المخلصين، وكلهم لديهم الغيرة على موروثنا المعرفي عامة والتاريخي خاصة، وكلنا نرى تصفية التاريخ مما شابهُ من دَخَل وافتراء تسيء لديننا، حيث قامت فئات محسوبة على الإسلام ـ لا خلاق لها ـ بالدسّ والتشويه للأحداث وسير الرموز الإسلامية والقادة بدوافع مذهبية أو سياسية، والتاريخ لم يخضع لمنهج الجرح والتعديل الذي خضعت له العلوم الشرعية وخاصة "علم الحديث" فالمنهجية تختلف، إلا من بعض المؤرخين جزئيا،والكثيرون من المؤرخين أدركوا هذا الدّخَل.
لذا ندعو لإيجاد معهد بحثي للتاريخ والحضارة الإسلامية، وننادي بهذا رجال الأعمال المخلصين، والمسؤولين الرسميين لأن تكلفة عمل كهذا كبيرة ماديا ، وتحتاج حشدا لهذه المهمة لنوعية خاصة من الباحثين.
ـ نلحظ أن الكتابات الاستشراقية المعادية مهما كانت دوافعها التبشيرية أو الاستعمارية هي التي تسيطر على مناهجنا التاريخية التي تدرس في جامعاتنا إلى اليوم لماذا لا نجد مناظرات يحق الله بها الحق منكم ومن غيركم من المخلصين للمنهج ؟
*هذه في الحقيقة مشكلة كبيرة فلا زالت المناهج التاريخية المعمول بها في جامعاتنا هي التي قام بها رواد التغريب، وتلاميذ المستشرقين غير المنصفين ، وللأسف الجهود المتوفرة للتصحيح تتسم بالفردية، ونأمل من الجهات الرسمية المشرفة على التعليم في بلادنا أن تعيد نظر في المناهج المتخصصة في التاريخ ، وأن يكون منهجنا نابعا من ثوابتنا،يعنى بالتحليل والتوثيق والنقد، ويعنى بمعايير صواب النص التاريخي ، والقيام بعمل بحثي ضخم تقوم عليه مجموعة من المؤرخين، والمتخصصين، لا يد أن يخضع للمؤسساتية المنظمة وهذا ليس متوفرا، وندعو الميسورين من المؤيدين للفكرة أن يقوموا بعمل كهذا، فالفكرة موجودة ولكن تنفيذها مكلف .
ـ لماذا لا يدخل الدكتور راغب ميدان "العمل الدرامي التاريخي" الوثائقي برؤيته التصحيحية، وهو ضرورة الآن لافتقاد شريحة القراء التي هربت إلى الإعلام المرئي؟
*لا شك أن العمل الدرامي أكثر تأثيرا بعد الهجمة الإعلامية التي تسيطر الآن وتغير المفاهيم دون جهد ناقد، وفاقد الشيء لا يعطيه، فمن السهل ترسيخ مغالطة تاريخية في ذهن المشاهد مهما كانت درجة ثقافته، والتكرار سمة للأعمال الدرامية وهي تخضع لأيديولوجية الكاتب، والمخرج، والسيناريست وفريق العمل، حتى في أدق التفاصيل، وما يحمل فريق العمل من فكر، سواء كان صائبا أو محايدا أو خائبا، للأسف الساحة الإسلامية شبه خالية من المخلصين كفريق متكامل لأنهم موزعون في القنوات الفضائية ، ومدن الإنتاج الإعلامي العربية والغربية، ولا توجد خبرة على مستوى احترافي إلا في "الدراما التقليدية" فلنكن واقعيين، وإن وجدت الدراما التاريخية فإنها تخلط غالبا الحق بالباطل، ولا تلتزم الرؤية التاريخية والرؤية الشرعية، لذا رغم أهمية الدراما إلا أنها لو لم توظف لأتت بنتائج سلبية،وخاصة للشريحة التي نستهدفها، فضعف الإمكانات تحول دون بروز الرؤية بصدق إلى حيز الوجود ولا بد أن تكون الدراما خاضعة لمعيارين:
الأول المعيار الشرعي: أي تكون بلا أخطاء شرعية من الظهور النسائي، ومراعاة المصداقية بلا إثارة، ولا تحوير للنص أو إدخال الإبهار في غير موضعه أو إطلاق العنان للخيال على حساب الحدث التاريخي الخ .
الثاني العمل الاحترافي: وهذا يشكل عبئًا كبيرا فالمنافسة اليوم شديد وتعتمد الإبهار في العمل السينمائي أو التلفزيوني ، وإن لم يوظف الجانب الاحترافي سيجد المنافسة كبيرة تؤدي إلى الانهيار السريع، بل نتمنى أن نجد أعمالا تنافس عالميا .
ـ لاشك أن جهدكم كبير بحمد الله لكن أين تلاميذكم ولا أقول محبيكم الذين يسيرون على دربكم ؟
التلاميذ من طلاب العلم ـ بفضل الله ـ كثيرون ، ونلتقي بهم كلما ذهبنا إلى أي مكان في الدنيا، ولكن الظروف لا تسمح بلقاء الجمهور، الكثيرون بفضل لله يحملون نفس الفكر وأدعو الله أن نلتقي في عمل كبير يقدره الله ..
ـ هل ترون أن الموقع التاريخي والإعلام المرئي في صورة "التوك شو" كافية لرفع درجة الوعي الذي يصل إلى ما يمكن أن نسميه "التربية التاريخية" ؟
في الحقيقة نحن نحفر في الصخر، فطموحنا أعظم من قوتنا، وكلنا أمل في الله بالتوفيق، والعزاء أننا نجد تجاوبا كبيرا من الناس، وشعارنا الذي نعمل من أجله وأن نرتفع بوعي المشاهد والقارئ لا أن ننزل إليه، ونأمل أن نجد لأفكارنا محتوى من كافة الأعمار والشرائح، وبالطبع سيظل جهدنا قليلا أمام الاحتياج الفعلي لجمهور المسلمين من جهة، والغربيين الذين يحتاجون تصحيح المفاهيم من جهة أخرى .
"ماذا قدم المسلمون للعالم" موقع قصة الإسلام ـ سبتمبر 18 سبتمبر 2009
تعليقات