مأساة الصومال وأهلها
نشر هذا التقرير في ديسمبر 2007 بموقع إسلاميات الذي يشرف عليه الدكتور على عمر بادحدح بالسعودية، عن الصومال والصراعات التي تدار وتراد لهذا البلد، ربما كان موقعه في مدخل البحر الأحمر سببا في جعله ساحة حرب إن كانت هناك محاولة لتوحيد أرضه تحت راية مخلصة..
بقلم: عادل صديق
سالت أخي الشيخ ـ سيد أحمد يحيى ـ رحمه الله عن الصومال،وما يجري فيها من معاناة لاحدّ لها، فقال:هذا الذي يحدث غضب من الله سياد بري الشيوعي ـ كان يسلح ـ حتى الأطفال ـ جمع علماء المسلمين على صعيد واحد وحرقهم عن آخرهم ما عدا الذين خافوا من بطشه
لا
يوجد في الوقت الحالي بلداً عانى مثلما عانى
الصومال لأسباب كثيرة سياسية واقتصادية واجتماعية
والإدارية، فمن ميراث للاستعمار للموقع
الاستراتيجي في مدخل باب المندب للبحر الأحمر، إلى
ديكتاتوريات الحرب والصراع الذي لا ينتهي على
السلطة، إلى الفقر الذي يعض على الشعب، والضعف
الاقتصادي زراعياً وصناعياً وتجارياً، والنفوذ
القبلي المسيطر ، وإعلاء الولاءات للزعامات على
حساب الدولة كما تفتقد إلى هياكل اجتماعية بالغة
الأهمية لقيام دولة حديثة.
كان
الصومال منذ قرون خاضعاً للسيطرة الاستعمارية، حيث
تعد منطقة القرن الأفريقي بالغة الأهمية كموقع
استراتيجي، حيث يطلّ على مدخل البحر الأحمر فمن
باب المندب عبر الكوشييون، والساميون إلى شرق
أفريقيا، وأقاموا حضارات، وشكلت سوقاً لتبادل
السلع والخدمات، والثقافات كما يؤكد ذلك الجغرافي
والمؤرخ اليوناني "جون استرابون " في مؤلفاته
الوثائقية والتاريخية التي تناولت فترة حوالي 300
سنة ق.م، وحوالي 17 عاماً من بعد الميلاد، وكذلك
صاحب كتاب "البحر الأرتيري" حيث تناولا جملة من
العادات، والتقاليد المشتركة بين عرب جنوب جزيرة
العرب، وشرق أفريقيا.
القرن الأفريقي موقع استراتيجي
يشكل
"القرن الأفريقي" أهمية قصوى في مجال الجغرافيا
السياسية وكان موضع تنافس بين عرب الجزيرة،
والصينيين، واليونانيين والرومان والبطالمة الذين
حكموا مصر قديماً، ودخل البرتغاليون إلى البحر
غزاة، أو مكتشفين لطريق "رأس الرجاء الصالح"
والهند، ودخلوا إلى المحيط الهندي، وجنوب البحر
الأحمر، وتزامن دخولهم إلى منطقة جنوب الأحمر، مع
حروب نشبت بين قوات الشيخ أحمد حرّان الأعسر الذي
حاول اقتطاع أجزاء من جنوب إمبراطورية الحبشة مما
جعل إمبراطور الحبشة "لبنادنجل" يطلب مساعدة
البرتغاليين لحمايته من المسلمين ،ودخل
البرتغاليون جنوب البحر الأحمر، مما دفع الطاهريين
في اليمن إلى الاستنجاد بالمماليك في مصر، ثم
أعقبهم الفتح العثماني الذي كان يهدف إلى الدفاع
عن المسلمين من الغزاة البرتغاليين فضلا عن تجميع
الدول الإسلامية في خلافة تجمعهم، وامتد نفوذهم
إلى جنوب البحر الأحمر، ودخلوا اريتريا لإحكام
الحصار على المدخل الاستراتيجي للبحر الأحمر في
العام 1557م ليظلوا حتى نهاية القرن التاسع عشر
الميلادي يسيطرون على الجنوب العربي ومدخل البحر
الأحمر .
وكان
لافتتاح قناة السويس أثر كبير في لفت أنظار
المستعمرين لأهمية البحر الأحمر وجنوبه بالتحديد
فقام الاستعمار البريطاني باحتلال عدن في
العام
1838م، وبدأوا يعدون العدة لاحتلال "بربرة"
وهرجسيا فيما عرف لاحقاً بالصومال البريطاني، وفي
المقابل بدأ الفرنسيون يبرمون اتفاقيات مع الصفر
في خليج "يبوك" "جيبوتي اليوم" والإيطاليون
تواجدوا في "عصب" على أثر اتفاقية أبرمها "جورزيب
سابيتو" من شركة "روبا نبنو" الإيطالية، تبع ذلك
رفع العلم الإيطالي في "عصب" عام
1870م.
صارت
الصومال مطمعاً للاستعمار الفرنسي والبرّيطاني
والايطالي، ومثار إغراء لجيرانها لأخذ حصتهم من
الكعكة الصومالية الإستراتيجية. والنتيجة تقسيم
الصومال إلى عدد أصابع اليد: فرنسا تستعمر الصومال
الفرنسي (جيبوتي) عام 1884م وبرّيطانيا يستقر بها
المقام في الإقليم الشمالي عام 1887م وايطاليا تحط
رحالها على الجنوب في العام 1889م، وأخذت أثيوبيا
إقليم أوجادين 1897م، فيما خضع جنوب شرق الصومال
للسيطرة الكينية في العام 1924م.
وظل
الاستعمار قابضاً على الصومال في أجزائه الثلاثة،
فكانت النتائج تقسيم الصومال ونهب ثرواته علاوة
على إعاقته وأبنائه عن الاستقرار، حاولت الحكومات
التي سيطرت على الصومال، وكانت كلها تتميز بالضعف،
وعدم توفر سمات الدولة، ولكن بعضها سعى إلى تجميع
الشتات وبالتالي الدخول في حروب طاحنة بشأن إقليم
"أوجادين" وإقليم "نفذ" مع كينيا فنتج عن ذلك
اقتطاع أراضيه.
الصومال
الكبير حلم لا يتحقق
تحول
"الصومال الكبير" ـ أجزاء ممزقة تسيطر عليها
حكومات قبلية، تحكم وتعمل لصالح السيطرة الأجنبية
وكان يطمح كثير من السياسيين إلى إعادة تكوينه
كفكرة مثالية مكونة من تركيبة جغرافية لا بد أن
تراعى لتغلغل القبلية، وخضوع الكثيرين للحقبة
الاستعمارية وما تلاها من تغيير أيديولوجي وكان
لابد من تثبيت حدوده الحديثة التي برزت بعد الحرب
العالمية الثانية للصالح
الاستعماري، ويرمز إلى القوميات التي تقاسمت
الصومال بالنجمة الخماسية للعلم الوطني، وتجسد ما
اصطلح علي تسميته بالصومال الكبير الذي يتألف من
خمسة أجزاء هي:
1-
أرض قبائل " العفر والعيسي" التي احتلتها فرنسا،
وهي دولة "جيبوتي" حالياً.
2-
الصومال الغربي أو إقليم أوجادين الذي ضمته
برّيطانيا نهائياً إلي أثيوبيا عام1954، ويعرف في
أثيوبيا باسم الإقليم الخامس أو إقليم
أوجادينيا.
3-
إقليم جنوب غربي الصومال المعروف بإقليم الحدود
الشمالية الكينية وعاصمته "جاريسا" ضمته كينيا
رسمياً إلى أراضيها في العام1963 بعد اتفاق
"أروشا" .
4-
أرض الصومال البرّيطاني المعروف بـ "صومالي لاند"
، ويتشكل من خمسة أقاليم في شمال غربي البلاد. حصل
علي استقلاله عن برّيطانيا في 26
يونيو1960.
5-
الصومال الايطالي المعروف بصوماليا "جنوب ووسط
الصومال حتى الشمال الشرقي"، حيث استقل عن إيطاليا
في الأول من يوليو 1960، أي بعد ستة أيام من
استقلال ارض الصومال البرّيطاني، ثم اتحد معها في
اليوم ذاته ليشكلا دولة الصومال الحديث رغم معارضة
أثيوبيا لهذه الوحدة، لتنسلخ عن جسد الصومال إقليم
أوجادين
وجيبوتي، والحدود الجنوبية الغربية
المتاخمة لكينيا.
وكانت
السيطرة في جانب اللغة والثقافة للمناطق المستعمرة
للغة الاستعمار، ولم تعد هناك لغة صومالية موحدة
يعتمد عليها، ويبدو أن ذلك لم يكن مهما في ظل
التمزق الحادث، وإن كانت اللغة العربية تستخدم
كلغة لذوي الثقافة الشرعية، كانت هناك رغبة لنشرها
لم تفلح لعدم الاستقرار، ولضعف التواجد العربي
لتوصيل الموروث الثقافي الإسلامي
العربي.
وحدة
هشّة
النظام
الصومالي الذي قاد إلى الوحدة في يوليو 1960م، حيث
اتحد شماله، الذي خضع للسيطرة البرّيطانية مع
جنوبه، الذي كان يخضع للسيطرة الايطالية، فيما
عُرف بجمهورية الصومال الديمقراطية. كانت الحكومة
فيه تعاني من قضايا عديدة معقدة تحتاج لحلول جذرية
لتثبت دعائمها مثل قضية اللغة التي خضعت للغة
الإقليم المستعمر، والحفاظ على وحدة البلاد
بإجراءات تضمن تماسكها مراعية الحساسية القبلية،
واستكمال ضم الأقاليم التي لا تزال تحت طائلة
الاستعمار لتكون جميعا الصومال الكبير، كل هذا كان
يقوده قوميو الصومال الذين اتهموا الحكومة بالفشل
في تحقيق الوحدة.
كانت
لطموحات الشماليين الكبيرة "أن تكون هناك دولة" ما
اسمها الصومال، ولكن الجنوبيين حين سيطروا على
الحكم جعلت الحكومة الثروات في يدها، وكان أن حدث
الانقلاب العسكري الذي سيطر على الدولة كاملة
يدعمه
التوجه الماركسي، وتدفقت عليه شحنات السلاح
من الاتحاد السوفييتي الذي كانت من طموحاته
السيطرة على الجنوب العربي من الجهتين اليمن
الجنوبي في مقابل القرن الأفريقي " الصومال "
يقوده الجنرال محمد سياد برّي وذلك في العام 1969
م "
الماركسية
تحكم
تعد
فترة حكم " محمد سياد برّي" من أصعب الفترات التي
مهّدت للحرب الأهلية والدمار العام في القرن
الإفريقي ففي 15 أكتوبر 1969 اغتيل الرئيس
"شارماركي" على يد أحد مرافقيه. وبعد ستة أيام من
الاغتيال، في 12 أكتوبر 1969، تسلم القائد الأعلى
للجيش اللواء "محمد سياد برّي" السلطة بانقلاب
عسكري. واعتمد الاشتراكية العلمية الماركسية
نظاماً للحكم، وخاض لاحقاً حرباً ضد إثيوبيا
لاستعادة إقليم اوجادين1977-1978، لكنه فشل في
تحقيق ذلك، فأنهكت الحرب حكومته ورغم ذلك كان
"سياد برّي" يتجه لعسكرة المجتمع حماية
لنظامه الذي تمسك به وتناسى طبيعة الصومال التي
تسيطر عليه القبلية، وولاؤها للقبيلة أكثر من
الولاء للحكومة.
سياد بري يصافح هيلاسلاسي متفقين على محو الإسلام في الصومال |
وأدّت
الحرب إلى إنهاك الدولة، فأهمل "برّي" التنمية في
البلاد خصوصاً في الشمال الذي انتفض أهله ضد حكمه
منذ العام 1988، وكانت انتفاضتهم السبب الرئيسي في
إطاحته لاحقاً.
حكم
"سياد برّي" الصومال 22 عاماً ولأن "سياد برى" كان
من قبيلة صغيرة فاتبع سياسة "فرّق تسُد"، وهذه
السياسة بالفعل
جعلت القبائل تتوجس بعضها البعض، وهو ما يسود
الساحة الصومالية حالياً، وليس هذا فحسب فلقد عمل
في اللغة مثلما فعل منذ عقود طويلة "كمال أتاتورك"
عند الانقلاب على دولة الخلافة، وذلك بأن جعل
الحروف تكتب بالحروف اللاتينية، وتعرض ذوو الاتجاه
الديني للاضطهاد الشديد، والسجن والاستئصال، وسعي
دائم لإلغاء الهوية الإسلامية، ومعاقبة من يخالفه
في سياسته بأقصى العقوبات بحكم ماركسي ديكتاتوري
معادٍ للإسلام، ووصل الأمر إلى إعدام كل من ينتمي
للإسلام من علماء وطلاب علم. وقد أدى التغييب إلى
جعل الأجيال الجديدة التي عاشت وكبرت في عهده لا
تعرف شيئاً عن الإسلام واللغة العربية سوى هؤلاء
الذين سافروا للعمل في الدول
العربية فيتعلمونها هناك، أو هؤلاء الذين يحاولون
التعلم والإلمام بعلوم الدين الإسلامي بالسفر إلى
مصر للانتساب للأزهر أو الجامعات الإسلامية
الأخرى في العالم العربي، و لذلك فإنه لا يتكلم
اللغة العربية سوى
الملمّين بالعلوم الإسلامية أو من كبار السن ممن
تلقوا تعليمهم قبل مجيء "سياد برّى" إلى الحكم،
بالإضافة إلى ذلك كان هناك أساتذة جامعات
أجانب وعرب يعملون في الجامعات الصومالية، فأنهيت
عقودهم وغادروا البلاد وترك الشعب الصومالي للتعلم
الذاتي لمن أراد، يعنى سياسة انغلاق تام في كل
مناحي الحياة، والأكثر من ذلك في العام 1988 قصف
الطيران الصومالي منطقة "بلاد بونت" أو "
أرض الصومال"
وهى المنطقة الواقعة على خليج عدن قبالة اليمن،
وذلك بعد الفوضى التي أعقبت
ذهاب "سياد برّي"، وأعلنت هذه المنطقة جمهورية
"أرض الصومال" .
فوضى
عارمة في كل مكان
لقد عمت
الفوضى وكل قبيلة قامت بالسيطرة على منطقتها وأصبح
الأمر هناك فوضى عارمة أدت على أكبر كارثة إنسانية
في القرن العشرين، لقد افتقد معنى الأمة واحتكم
الجميع للغة السلاح، وهاجر الضعفاء إلى المناطق
المقفرة وأصبح الانتقال من منطقة
لأخرى ولو لعدة كيلو مترات يتطلب أن يدفع الفرد
مقابلا لذلك، و من الأغرب أن
هناك جيلاً كاملاً الآن والذي ولد مع انهيار حكم
سياد بري أو بعد رحيله، هذا الجيل لا يعرف شيئاً
اسمه الدولة أو المدرسة أو أبسط مظاهر الحضارة،
هذا الجيل الآن يعيش في عقده الثاني أو جاوزها
بقليل، وخلال العقدين الماضيين حدثت
مجازر بين بعض القبائل وخاصة في مناطق
الريف الصومالي،
حتى أن بعض المدن الصومالية لا تعلم عنها شيئاً،
ولم يذكرها الإعلام العالمي
كأن الصومال لا يسكنها بشر، كما لم يذكر شيئا عن
ضرب "بلاد بونت" بالطائرات في العام 1988 كما
تم تجاهل تحويل
الحروف العربية إلى اللاتينية، فقد كان "سياد برى"
حليفا لأمريكا، بعدما فقد دعم
الاتحاد السوفييتي ـ وخاصة العسكري لتردي الأحوال
فيه وهو في طريقه إلى الانهيار ـ لقد نص الدستور
الصومالي الذي وضع في حقبة الستينات الميلادية على
ضرورة تحقيق وحدة الأراضي الصومالية فحاولت
الحكومات المتوالية استعادة ما سلب من حلم
"الصومال الكبير" وهي الأقاليم التي لم تتوحد، ولن
تتوحد على المدى القريب كما يشير بعض الخبراء،
وهذا مما يحسب لنظام سياد برّي.
صراع
مع دول الجوار
بدأت
دولة الصومال حياتها الدولية باستعداء المحيط
الإقليمي لها ممثلا في "أثيوبيا - كينيا – جيبوتي"
من خلال المطالبة ببعض أقاليم الدولتين وكامل
إقليم الدولة الثالثة باعتبار تلك المناطق أجزاءً
من الأمة الصومالية الكبرى التي كانت حلماً، الأمر
الذي أدخل الصومال في مواجهات مع تلك الدول وصلت
إلى الحرب الشاملة على نحو ما تكشفه العلاقات
الصومالية الأثيوبية، بالطبع استرداد ما وضع
المستعمر عليه اليد واجب على أبناء الوطن الواحد،
ولكن كانت هناك سبل التفاوض، وخاصة في مرحلة الضعف
الأولى التي تصحب السيطرة على الحكم أو توحيد
دولة، ولا بد أن تعطي الحكومة الوليدة إشارات
صداقة إيجابية للدول المجاورة لكي لا تتحول إلى
معسكرات لتصدير الثورات إلى الداخل، وخاصة أن
الكثير من أبناء الصومال يفتقدون الولاء للكيان
ككل، وولاؤهم يكون للكيان الصغير "القبيلة " ومن
يدعمهم لتحقيق أغراضهم كشأن الكثير من الدول التي
هبت عليها ريح الاستقلال كينيا، أثيوبيا، جيبوتي،
إضافة لدعم خارجي كان المحتل غالبا " إيطاليا ـ
برّيطانيا ـ البرتغال ـ فرنسا عبر مراحل التاريخ
المختلفة لمنطقة القرن الأفريقي، وبالتالي كانت
الحكومات التي حاولت السيطرة على مقدرات البلاد في
الداخل الصومالي ـ في
غالبها ـ تلقى دعماً ما من الدول المجاورة، وطبيعي
أن يكون ولاؤها لمن يمدها بالسلاح
والمال.
وهكذا
أنهكت البلاد واستنزفت مقدراتها الضئيلة، وزاد من
وطأة الأمر إخفاق النظم المتعاقبة في تحقيق أمل
الوحدة الصومالية. وكأنما كل إخفاق في تحقيق
الوحدة الكبرى يصب في خانة المزيد من تفتت دولة
الصومال. لاسيما مع فشل الصومال في إدارة علاقتها
مع العالم الغربي إبان الحرب الباردة؛ حينما أفسد
نظام "سياد برّي" علاقته مع المعسكر الشرقي
(الاتحاد السوفيتي آنذاك) وفشل في التحالف التام
مع المعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة
الأمريكية. وهو ذات الأمر الذي حدث على الصعيد
العربي الذي ظل ينظر بتوجس لتوجهات الصومال
العربية، في ظل أصوات المعارضة لذلك التوجه داخل
الصومال، رغم انضمامها للجامعة العربية، وفى ظل
الإصرار على جعل اللغة الصومالية لغة الإدارة
والتعليم في البلاد.
وظل
الأمر على ما هو عليه حتى الإطاحة "بسياد برّي"
1991م، بعد
اضطرابات ومجاعة أتت على الأخضر واليابس، راح
ضحيتها الكثيرون، وظن من لا يقرأ التاريخ أن
الصومال سينعم بالاستقرار عقب رحيل "سياد
برّي"، ولكن أباطرة الحرب أرادوا اقتسام الغنائم،
ولم يفكر الكثيرون منهم في الاتفاق على صيغة ما
للمشاركة معا لبناء دولة وأهم الفصائل التي ساهمت
بتقويض نظام سياد بري:
1
– الجبهة الديمقراطية الصومالية
للانقاذ(SSDF) والتي
أسست في دهاليز وزارة الدفاع الإثيوبية بقيادة
العقيد عبد الله يوسف أحمد الرئيس الحالي للحكومة
الانتقالية الفيدرالية الصومالية على أسس عشائرية
وذلك في عام 1978م.
2-
الحركة الوطنية الصومالية (SNM) بقيادة السيد أحمد محمد محمود
(سيلا نيو ) تأسست في عام 1982م، وبعد إطاحة نظام
سياد برى في عام 1991م أعلنت هذه الحركة انفصالها
عن الجنوب وحافظت الحركة الوطنية الصومالية على
مقاليد الأمور "الصومال البرّيطاني" وكانت أعلنت
من طرف واحد "جمهورية أرض الصومال". وعلى الرغم من
الصراعات كان لديها سلام نسبي وحياة هادئة رغم عدم
حصولها على الاعتراف الدولي.
3
– حزب المؤتمر الصومالي (USC) تأسس في عام 1988م بقيادة السيد
محمد فارح عيديد.
4
– تأسست بعد ذلك تباعا جبهات أخرى ساهمت في تمزيق
الصومال وتفتت وحدته.
ومما
يجدُر ذكره أن هناك من زعماء هذه الفصائل من كانت
يتمتع بقبول قيادي وسيرة طيبة، ولكن لم يسعفه قدره
للاستمرار ، مثل الجنرال "محمد فارح عيديد" زعيم
المؤتمر الصومالي الموحّد أبرز الفصائل الصومالية
التي ساهمت في تقويض حكم "برّي" إضافة إلى الحركة
الوطنية الصومالية في الشمال بزعامة "عبد الرحمن
أحمد علي " الملقب بـ "تور" الذين سيطروا على
الأجزاء الجنوبية الوسطى من الصومال ومنها العاصمة
مقديشو التي سيطر
عليها المؤتمر الصومالي المتحد ولكن انفجرت حرب
طاحنة بين القبائل المتنافسة.
الاجتياح
الأمريكي
وفي
العام 1992م ومع المجاعة التي عمت البلد دخلت
القوات الأميركية مع مجموعة من دول أخرى إلى
الصومال تحت غطاء "حماية المساعدات الإنسانية"
وهذا ما تتذرع به دائما لتنفيذ خططها وتحولت قيادة
هذه القوات إلى الأمم المتحدة العام 1993م وتعرضت
هذه القوات وخاصة الأميركية منها لضربات قوية من
المقاومة الصومالية عند محاولتها القبض على
الجنرال "محمد فارح عيديد" وأخيرا انسحبت هذه
القوات العام 1994. وفي العام 1995 نصبت بعض
الفصائل عيديد رئيساً ولكن لم ينضو الكثير من
الفصائل تحت لوائه وبقي البلد دون حكومة مركزية.
وتوفي عيديد العام 1996 متأثرا بجراح بالغة في حرب
الفصائل المتنافسة ونصب ابنه الجندي السابق في
البحرية الأميركية وارثا لوالده في قيادة الفصيل
المسلح، وانجرف الابن كشأن الكثيرين إلى الدول
المجاورة يلتمس منها الدعم..
لا
يوجد تصور للدولة
ومن
المحزن أنّ الانقلاب الذي أطاح "بسياد برّي" لم
يكن لدى القائمين عليه تصور لاستحقاقات الدولة،
ولا خطة إصلاحية لإقامة دولة حديثة، وبالطبع لم
يكن منذ تكوين الدولة المفترضة قبل حقبة "سياد
برّي" قد نما لديها هذا التصور، ولم تكن تلك
الفترة كافية لتكوين العناصر المؤهلة اللازمة
لإدارة البلاد وتخليصها من نمط الإدارة التقليدية
القبلية، فالشعب الصومالي لم تكن لديه تقاليد
إدارية ثابتة لأمور الدولة بالنظر إلى واقع
المجتمع الصومالي قبل الاستقلال الذي حكمته
القواعد والأعراف القبلية، وهو الملمح الذي فشلت
جهود احتوائه وتطويره فظل قائماً ومعبرًا عنه
بانتشار الولاء القبلي والمحسوبية في أنحاء
البلاد.
لم
تستطع الفصائل الصومالية التي سيطرت علي العاصمة
مقديشو في 1991 الاتفاق علي تقاسم السلطة، فجرّت
البلاد إلى حرب أهلية مستمرة لا زالت رحاها دائرة
حتى اليوم، وارتأت الحركة الوطنية في الشمال
الغربي (الصومال البرّيطاني سابقاً) عدم انتظار
الفصائل الجنوبية كي تحسم أمر تقاسم السلطة، فقررت
في مايو من العام
نفسه استرجاع استقلالها الذي كانت حصلت عليه من
برّيطانيا في العام 1960 قبل ستة أيام من اتحادها
مع الجزء الجنوبي (الصومال الايطالي) وتشكيلهما
معاً جمهورية أرض الصومال.
بروز المحاكم
الإسلامية
لم
تخرج المحاكم الإسلامية فجأة إلى الشارع الصومالي
بل تكونت من الشعب الصومالي لإيقاف الصراع المحتدم
في أرجاء الصومال، ويعود تاريخ إنشاء المحاكم
الإسلامية في الصومال إلى بداية 1991 عقب انهيار
الحكومة المركزية لكنها لم تعمر سوى أشهر قليلة
بسبب الحرب الأهلية التي اندلعت أواخر عام 1991،
وعادت إلى الظهور ثانية عام 1994 وحققت استقراراً
في بعض مناطق الصومال.
وفي
عام 1996 أدت الخلافات القبلية والسياسية في
الصومال إلى تحجيم دور المحاكم بشكل كبير، مما أدى
إلى انحسار دورها في قضايا التحكيم بين الإطراف
المتخاصمة بالتراضي من دون أن يكون لها تأثير
سياسي أو عسكري يذكر. وظلت تعمل كذلك إلى أن تعزز
دورها مرة أخرى عام 1998، وفي أعقاب هجمات سبتمبر
خضعت الحكومة الانتقالية لضغوط لإلغاء تلك المحاكم
اعتقاداً منها أنها مرتبطة بجماعة الاتحاد
الإسلامي، المدرجة ضمن القائمة الأميركية الخاصة
بالمنظمات الإرهابية، وبموجب تلك الضغوط اتفقت
الحكومة بعد مفاوضات طويلة مع عدد كبير من رؤساء
المحاكم الإسلامية بضمهم إلى الجهاز القضائي
الحكومي واستيعاب الميليشيات التابعة للمحاكم إلى
جهاز الشرطة الحكومي، وهو ما تم بالفعل وطوي ملف
المحاكم الإسلامية في العاصمة مقديشو على
الأقل.
وأثناء
ذلك عقد مؤتمر وطني في جيبوتي في العام 2000 ونتج
عنه وثيقة وطنية "دستور مؤقت" واختير "عبدي قاسم
صلاد"، المسؤول السابق في عهد سياد برّي رئيسا
للصومال وتوجه إلى مقديشو في أغسطس من تلك السنة
ولكن رفض أربعة من أمراء الحرب المتمركزين في جنوب
الصومال الاعتراف بالحكومة الجديدة ويدخل الصومال
دوامة الحرب الأهلية مرة أخرى وتسيل دماء غزيرة
بلا حساب.
الفصائل
الصومالية المتحاربة عقدت أكثر من 13 مؤتمر مصالحة
دون جدوى، وبعد عشر سنوات من الفوضى والحرب، التقى
زعماء القبائل الرئيسة في الصومال في منتجع "عرتى"
بجيبوتي واتفقوا على تعيين 245 شخصاً لتمثيلها في
برلمان، وانتخب أعضاؤه السيد "عبد القاسم صلاد
حسن" رئيساً للجمهورية، إلا أن رغبة أمراء
الحرب
في حصر المصالحة بين الفئات المسلحة فقط
وإجماعهم على مقاطعة المؤتمر، إضافة إلى موقف
الغرب والدول المجاورة ضد البرلمان الجديد بحجة
أن
50% من أعضائه أصوليون، وأن مليشيات
المحاكم الإسلامية تمثل العمود الفقري لقوات
الشرطة والجيش الحكوميين، أدى كل هذا إلى إفشال
الحكومة التي تمخضت عن مؤتمر "عرتى "، لا غرابة في
أن تدفع هذه الدول أصحاب الولاء السياسي لهم الذين
يفتقدون الانتماء الحقيقي للصومال إلى مراكز صنع
القرار والتأثير لتحقيق أطماع وأغراض دولية
وإقليمية مشبوهة على حساب مصالح الوطن.
خارج
السيطرة
لم
تتمكن الحكومة الانتقالية من السيطرة على الوضع
الأمني ولم تتجاوز سلطاتها بضعة جيوب في العاصمة
الكبيرة مما أدى لظهور الميليشيات القبلية المسلحة
من جديد التي تقوم بأعمال سطو ونهب في العاصمة،
وبعد تفاقم الأوضاع الأمنية بسبب انشغال الحكومة
وقادة الفصائل المعارضة بالمفاوضات الجارية في
نيروبي تشكلت لجان شعبية قبلية لإقناع العلماء
بوضع حد للفوضى في العاصمة، ثم تطور الأمر إلى
إنشاء كل قبيلة محكمة إسلامية في المناطق التي
تسكنها من العاصمة علي يد علمائها، حيث يكتسب ذلك
أهمية
كبيرة في هذه الظروف، إذ أن ثقة الناس في العلماء
كبيرة كما أنه ليس للعلماء طموح سياسي يقلق قادة
الفصائل.
كون
رئيس الوزراء الصومالي "علي محمد غدي" في يناير
2005حكومة معدّلة بعد شهر من رفض البرلمان
الصومالي للحكومة السابقة. وقد سمّى "غدي" بكينيا
89 من أعضاء حكومته ما بين وزير ونائب وزير
بالمنفى. وقد عبر نواب البرلمان الصومالي عن عدم
رضاهم عن التشكيلة الوزارية الأولى قائلين إنها
تجاهلت الحصة المتفق عليها لكل قبيلة، وتتزايد
الضغوط على غدي لتحديد موعد لعودة حكومته ونواب
البرلمان إلى الصومال.
كان
الصراع محتدما والنجاحات التي حققتها المحاكم في
الصومال، واستتباب الأمن هناك دور في اطمئنان
الناس لوجودهم فبسطوا نفوذهم على كافة المناطق
التي كانت بؤرا للصراع، وتستيقظ القبلية المقيتة
في هذه المرة بإيعاز من أمراء الحرب، وقوى خارجية
لتتحول المحاكم الإسلامية إلى فصائل إرهابية عقب
سيطرة المحاكم بدءا من مارس 2006 م على البلاد
ويسقط عشرات القتلى ومئات الجرحى خلال قتال كبير
بين مليشيا اتحاد المحاكم الإسلامية وأمراء الحرب
المسمّون بتحالف مكافحة الإرهاب، ثم مقديشيو في
يونيو 2006 ويدحرون أمراء الحرب.
الجيش
الأثيوبي يقاتل لأمريكا
لم
تكن الأجندة الأمريكية قد ألغيت بشأن التواجد في
القرن الأفريقي وخاصة أنها لم تحقق خلال سنوات
نتيجة ترجى لا في أفغانستان ولا في العراق ولا في
الصومال التي رحلت عنها مرغمة، والقرن الأفريقي
بالنسبة لها يشكل
قاعدة لمكافحة الإرهاب الذي تمثل في الإسلام، فحسب
الكاتب وليم أركِن في كتابه "الأسماء المشفرة"،
شكلت قيادة فرعية في شهر أكتوبر 2002، ضمن
القيادة الوسطى الأمريكية الممتدة من القرن
الأفريقي لآسيا الوسطى، بغرض تنسيق عمليات "مكافحة
الإرهاب" في اليمن ودجيبوتي وأرتيريا والصومال
والسودان وأثيوبيا وكينيا، أي حول الدائرة
الجنوبية للبحر الأحمر.
وتعد
جيبوتي الدولة العربية الأفريقية الصغيرة هي
القاعدة التي تنطلق منها أمريكا، بالرغم من الوجود
العسكري الفرنسي المكثف فيها. وتعتبر "جيبوتي
"دولة مواجهة" في "الحرب على الإرهاب", واستضافت
القاعدة الأمريكية العسكرية الوحيدة جنوب الصحراء
الكبرى حتى عام 2004. وهي محطة رئيسية
للقوات الأمريكية الإقليمية براً وبحراً
وجواً.
ولكن
الشهية الأمريكية لسفك الدماء لم تشبع، وضرورة
إيجاد حالة من الفوضى الخلاقة التي تعمل لصالحها
في القرن الأفريقي، وكراهية الاستقرار فيه إلا إذا
كان سيحقق الأجندة التي تريدها أمريكا، فأوعزت
للقوات الأثيوبية ـ وهي الدولة المسيحية في غالبها
ـ والتي تشكل الصومال عدوا تقليديا لها ـ بالتدخل
نيابة عنها وفي ذاكرتها الانسحاب المخزي في حقبة
التسعينات، والضربات الموجعة التي تتلقاها في
أفغانستان، والعراق، وموجات الكراهية المتنامية
للتواجد الأمريكي في بعض أقطار العالم
الإسلامي.
مقاومة
شرسة
لقد
لاقت القوات الأثيوبية مقاومة شرسة حتى من قبل
الشعب الصومالي المسلح، واستهجن سياسيون التدخل
الأثيوبي في الصومال ووصفوه بأنه احتلال غاشم.
وقد
لجأت قوات المحاكم الإسلامية إلي تسريع عملياتها
العسكرية للسيطرة على أكبر رقعة من الصومال الكبير
كي تستبق استكمال قوات الاتحاد الأفريقي التي يقدر
قوامها بثمانية آلاف جندي، والتي تدعمها أمريكا،كي
تحل تدريجياً محل القوات الأثيوبية وبالفعل أرسلت
اوغندا1700 جندي إلي الصومال كي تكون طليعة لهذه
القوات وتحاول واشنطن إنقاذ حليفتها أديس أبابا من
حرب استنزاف طويلة يمكنها أن تستمر سنوات طويلة
خاصة أن إعادة احتلال المحاكم لعدد من المدن
الجنوبية قد بث الرعب في نفوس صناع القرار مع
الدول المجاورة وبدأت في تغيير حساباتها إذ أعلنت
أوغندا أنها لن ترسل المزيد من قواتها إلا بموافقة
جميع الأطراف، والأمر نفسه فعلته كينيا، فخلال ستة
أشهر سيطرت المحاكم من يونية 2006 وحتى سقوطها في
ديسمبر على كافة الأراضي الصومالية.
وأن
كانت واشنطن وأديس أبابا قد استندتا في غزوهما
للصومال علي زعم وجود العلاقة بين المحاكم الشرعية
وتنظيم القاعدة فإن ثلاثة أشهر كاملة منذ غزو
البلاد لم تفلح في تقديم دليل واحد على هذه
العلاقة كما أن عمليات المطاردة الوهمية لزعماء
فارين من القاعدة لم تسفر عن القبض علي أي
منهم.
ووقع
الجميع في دوامة حرب لا تنتهي، فلم تتلاشى المحاكم
وتصير عدماً، كما لم تبدأ من العدم، إنها المقاومة
التي فرضتها الظروف القاهرة على الصومال الكبير ..
هل يرى النور يوماً ؟؟
سؤال
محير، ونعود لنسأل في سذاجة .. لماذا
الصومال؟!
تعليقات