"العتبة الخضرا" بين العشوائية و أكل العيش حين تسأل شاباً عن "العتبة الخضرا"ينظر لك باستغراب، فهو يعرف العتبة التي لا يجد فيها مكانا لقدم



العتبة  الخضرا ..بين العشوائية وأكل العيش




كتب : عادل صديق


حين تسأل شاباً عن "العتبة الخضرا"ينظر لك باستغراب، فهو يعرف العتبة التي لا يجد فيها مكانا لقدم، الزحام يملؤها والضجيج يغشاها، وربما يقول لك استظرافا أعرف العتبة وميدان العتبة أمّا "خضرة" فلا أعرفها.
الشباب لا يعرفون إلا ميدان العتبة أو مترو العتبة، أما الاسم ربما بعض الكبار يعرفونه، بعضهم شاهد فيلم "العتبة الخضرا"، أو سمع في الراديو مسلسل "العتبة الخضرا" في حقبة السبعينات، وأمين الهنيدي يغنّي بصوته الكوميدي الأجش" أنا رحت العتبة الخضرا ..شبكتني الحلوة بنظرة" 

الآن لا تكاد ترى اللون الأخضر في"العتبة " فقد صارت اسما على غير مسمى، اللون الأخضر اختفى أمام الأعين إلا إذا اقتربت قليلاً من "حديقة الأُزبكية"،والتي يتمنى بعض الباعة أن يقوموا بغزوها وجعلها مقراً ثابتاً لهم، "غصب عن عين أم الحكومة"، وحين تسأل رجلا مسنّاً لا يزيدك عما قاله جيلُ الشباب إلا أنّه يقول لك:" يااااااااه كان زمان اسمها كده، الله يرحم أيام زمان أيام عز العتبة الخضرا"، ويفارقك وهو يبتسم فقد أعدت له الذاكرة المفتقدة.

ويرجع الاسم إلى أنها وسط عدة شوارع مثل الأزهر، والموسكي وغيرها للمتجه إلى الأزهر الشريف، والمسجد الحسيني، وكانت الحدائق الخضراء يعج بها المكان قبل أنْ تتلاشى كما تلاشت أشياء كثيرة مثل الاحترام، والأدب، والكلمة الحلوة، وأشياء أخرى .

اغتيال البراءة                                                     
في وقتٍ أصبحت العتبة محتلّة من"الباعة الجائلين" احتلوا الأرصفة أمام حديقة الأزبكية، وبجوار جراج الأوبرا، حيث يذكرنا المشهد الآن بـ"زنقة الستات" في الإسكندرية ، فالشارع ذو الثمانية أمتار لم يبق منه إلا متر واحد للعبور بين صفين من البائعين على الجانبين.


وإذا راودتك نفسك أن تقول لهم:" يا جماعة الطريق، والناس مش عارفة تمشي"، يكون الردُّ "السابق التجهيز":"يا افندي ربنا ما يجعلك قطّاع أرزاق"، فأصبح الاعتداء على الطريق قطع أرزاق، ومنع الناس من المرور أرزاق!!!"



 وفي الليل تكتشف في نفق المترو أنّ "النفق المظلم" وآثار الإقامة الدائمة فيه تتمثل في نفايات وآثار النوم وقطع من الكارتون، والمحظوظ من ينام على قطعة سجاد وجدها في القمامة، أو بقايا مرتبة اسفنجية .

ربما لا يستطيع أمن "مترو الأنفاق" أن ينهرهم ، فقط يريد إغلاق الباب لأن الأوامر"إغلاق الأبواب بعد الواحدة صباحا" ،لتنتقل الإقامة إلى سُلم المترو، ليسهر البعض إلى قرب الصباح يدخنون البانجو والحشيش وويحتسون "الاستلا" على سلالم المترو و في "النفق المظلم".  

والأسوأ أن نجد من اغتال براءة"حديقة الأزبكية" وجمالها فكسر السور الحديدي وجعل له بابا وأقام كافتيريا ومطعما وكوفي شوب"حديقة الأزبكية"، وآخرَ يسرح بعربية فول، وثالثا بعربية عصير، والزباين بالكوم وأكثر من"300 فرش" تبيع كلّ ما أنتجته الصين الشعبية، حتى "شوار العرايس"، واحتياجات الأطفال، وإتاوات "حجز المطرح" التي يقوم بها نائب بلطجي الحتة آسف"حاميها"الذي وضع اليد على الأرض وصار يأخذ عليها إتاوة مقنّعة .
حديقة الأزبكية 

وقبل المغرب تتراكم النفايات وأكياس "البولي إيثيلين" وأكياس التغليف العالية الخطورة والتي لا تعدّ صديقة للبيئة، فيتطوع أحد العمّال بحرقها، وأمام باب"النفق"وحديقة الأُزبكية، وحين تقول له: غلط حرق النفايات يقول لك "أُمّال نعمل فيها إيه ؟؟ نأكلها يعني؟!! "بالطبع لا بل تسمم أبداننا وتكتم أنفاسنا أكثر بالأتربة والغبار الذي يعبق شوارع القاهرة الكبرى.
احتلال الميدان
سألت أحد أمناء الشرطة الذين يقفون في ميدان العتبة ولا يحركون ساكنا، عن وضع الباعة الجائلين فقال:"احنا حصرناهم في المكان ده، وكانوا عايزين احتلال باقي الميدان فعملنا حاجزا لمنعهم، ثم يتردد قائلا:"بيني وبينك ما حدش يعرف يمنعهم دلوقت، واللي ياخد القرار يتحمل مسؤوليته".

وتابع :"دول فيهم الطيب اللي عايز ياكل عيش، ومنهم البطّال وبرضو عايز ياكل عيش" وابتسم وتركني، قلت في نفسي:" أكل العيش يعني عملا شريفا، ما فيش عيش يعني بلطجة وسرقة ومخدرات".


 نعم يستحلون مقدرات الدولة، ويسرقون الكهرباء من أعمدة الإنارة،ويجعلون الميدان الجميل مقلباً للقمامة،ولا تخلو ليلة من اشتباك بين البائعين اعتدى أحدهما على حق الأخر بأن أخذ مكانه .

وجدت منهم خريج الحقوق ولا يعمل، فقررأن يعمل في هذا "الكار"ويعتقد أن"الإيد البطالة نجسة ياحاج"،ليس ذلك فقط بل عرضة للهموم، وإغواء شياطين الإنس والجن، وكلنا يعرف قعدة القهاوي والصحبة التي تريد أن تنسى و" الصاحب ساحب" .

وأكثر هؤلاء الباعة لديه مسؤوليات شخصية، وأسريّة، ويحيا هو وهم من عرَق جبين "البائع المتجول"مع ما يقابل المهنة من مصاعب، وربما لا يجد قوت يومه إن مر السوق بكساد، وهي مهوى قلوب كل من يريد التسوق، ولديه أولاد يريد كسوتهم، أو عروس تريد أن تشتري مستلزماتها فتصحبها أمها لتنتقي لها ما تريد.

بل سكان الأقاليم يدفعون بأبنائهم للتسوق في العتبة، وزيارة "سيدنا الحسين"، وخاصة عند موسم"الموالد"حيث تجدُ الزحام ممتدا من ميدان العتبة إلى "العتبة الخضرا"، فقد جاءوا لزيارة العتبات الشريفة ونيل البركات والفسحة والتسوق في أكبر سوق للجملة في مصر.

لمحة حضارية
فكرة إيجاد بديل لهؤلاء الباعة  فكرة ملحّة، فرغم الصورة السيئة التي نراها في ميادين مصر المحتلة،إلا أن هؤلاء لابد من احتوائهم بطريقة حضارية، وليس بقرار إزالة من شرطة المرافق والقيام بإزالة مكان يأكلون منه ويطعمون كوم عيال"وإيه اللي رماك على المر" شعار السرّيحة.

فلماذا لا نقوم بعمل حضاري كبير من أجل هؤلاء "مركز تجاري للباعة الجائلين"، ويتم إصدار رخص لهم ويتم تجهيزه بالكافتريات والحمامات وإمداده بالكهرباء وعمال النظافة ويقومون بالبيع فيه في "العتبة الخضرا" وفي وسط البلد ونحصل منه إيجارا رمزيا ونشترط عليهم ، النظافة والاهتمام بالعرض، وتوجد عمارتان خاليتان يمكن استخدامهما لهذا الغرض وسيدران دخلا كبيرا بدلا من انتظارمشتر غني أو مغامر خليجي .

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حوار مع الشيخ : عثمان حاج مصطفى

أسامة خليفة ..إنتاج فيلم الطفل انطلاقا من قيمناِ لاء للإنتاج الفني، تقف على خط المواجهة، وبصدق نقول هذا، فقد كانت المبادرة إلى هذا العالم الرحب في وقت كان هَمّ الآخرين أن يقوموا بدبلجة ما يقدم، نريد من يؤمن بالفكرة

موسى ابن نصير قائد عسكري عربي في عصر الدولة الأموية. شارك موسى في فتح قبرص في عهد الخليفة معاوية بن أبي سفيان