رحل عنا صاحب الفتوح العشرة الرجل الذي كان شعلةً نشاط من أجل الدعوة إلى الله في الغرب بشهادة من حوله

عبدالحليم خفاجي.. ورحل صاحب "الفتوح العشر" للقرآن


بقلم : عادل صديق

رحل عنّا الرجل الذي كان شعلةً نشاط من أجل الدعوة إلى الله في الغرب بشهادة من حوله في 31 أغسطس 2013 كان دائماُ في سعي دؤوب من أجل الذين يؤمنون بفكرته، ويسعون لدعمها، كان يؤمن بأنه لابد من التواجد في الغرب،وخاصة من أولئك الذين لا يسعون من أجل المال، بل الذين يسعون من أجل تعريف الناس بقيم الإسلام ـ على بصيرة 
كان من الشخصيات"الرسالية".فالكثيرون الذين رحلوا إلى دول أوروبا الغربية كان الهدف الأول إما الهروبُ من الفقر،والسعي لحياة أفضل،أوالحرية المنفلتة التي لم يجدوها في مصر،وآخرون أرادوا الحرية للدعوة كـ "عبدالحليم خفاجي".

 16 سنة قضاها خفاجي، في سجون عبدالناصر صابرا محتسبا،كانت تهمته أنه رأى أصدقاءه من"الإخوان المسلمين"قد غيبتهم السجون، وصارت أسرهم بلا عائل، فباع بيته في مرصفةـ القليوبية،وأنفق ثمنه على ذوي المعتقلين،وظل عاما كاملا مستعينا ببائعة الجبن والبيض التي كانت"ملاك الرحمة" الذي يقضي حاجات أبناء المعتقلين،اللذين سلكوا الطريق وهم على يقين انه صعب وملئ بالتضحيات الجسام وإذا به متهما بتمويل أسرالإخوان ويا لها من جريمة نكراء من وجهة نظر اعداء الله !.

ألقي القبض عليه في العام 1955م حين نفد المال الذي كان بيده وكان يسكن في شقة بالقاهرة ويأوي فيها أربعة شباب ـ على ما أذكر ـ من المطلوبين من الاعتقال وكان هو المستهدف لأنه الذي تسبب في أن تظل أسر الإخوان في مرصفا في ستر ولم تقم الأمهات بالعمل في البيوت أوالتسول أو المتاجرة باعراضهن كما كان يريد نظام عبد الناصر.


 افرج عنه في العام 1965 وسرعان ما تم اعتقال من سبق اعتقاله، ولبث في السجن بضع سنين،أٌفرج عنه في أوائل السبعينات ـ رحمه الله ـ فسافر إلى الكويت كباحث قانوني في ديوان وزارة العدل الكويتية،ومارس العمل التجاري وفتح الله عليه أبواب الرزق وتزوج قبل أن يصل إلى الأربعين من سيدة عراقية، ورزقه الله منها خمسة أبناء وبنات: مراد وأحلام، ومحمد، وزينب، وأبرار.

حين سألتُه ـ رحمه الله ـ ألم تشعر أنك خسرت كثيراً من جرّاء السجن الطويل الذي امتد 16عاماً، وكان من الممكن أن ترسل رسالة تأييد لجمال عبد الناصر لتختصر المسافات، قال لي: "يا ابني لقد منّ الله علينا بالاعتقال! ورغم أنّ السجن بلاء كبير فكنا نتذوق عزاءنا من الإمام ابن تيمية ماذا يفعل أعدائي بي[1]، ولو علم عبد الناصر النعمة التي كنا فيها ما اعتقلنا،سألته كيف؟ قال:قد يٌنعم الله بالبلوى وإن عظُمت، لقد كان وجودنا معا فيه قربى من الله، وحفظ القرآن لمن لم يحفظه.

لقد عصمنا الله من التواجد في عهد ضلّ فيه الكثيرون،وصاروا عبيدا لعبد الناصر، كنّا ننظم دروسا في عنابر السجن، ونقيم الليل معا،ونأكل ما تيسر، ونصوم معا وننظم حفلات السمر،ونضحك من قلوبنا،ويواصل:" والأهم الحوار مع الكثيرين من أصحاب الأفكار اليسارية الذين اعتقلوا معنا،وكان ثمرة الحوار بيننا كتاب ضخم "حوار مع الشيوعيين تحت أقبية السجون"، وكم كان للكتاب من أثر حين طبع في  السبعينات بعد أن تم تهريبه من السجن .

رحل"عبد الحليم خفاجي"إلى ميونيخ في ألمانيا الغربية حينذاك قبل سقوط جدار برلين ـ ليتم هدمه يوم 9 نوفمبر 1989ـ صحب أسرته حين تذكّر وعداً كان قد قطعه على نفسه بأنْ تكون أوروبا مهد دعوتهم الجديدة، وقبل وصوله توقـف في سوريا وزار"قبر البطل صلاح الدين"،فقال:نحن أحفادك يا صلاح الدين ذاهبون إلى أرض الإفرنج لندعو إلى الله هناك، حتى لا يأتي مرة أخرى وغدٌ يضع قدمه على قبرك الشريف ـ يقصد الجنرال هنري غورو ـ حين احتل الفرنسيون دمشق عقب موقعة ميسلون يوليو1920،إيمانيات كان يحيا بها في تفاؤل رغم الشدائد.

هاجر "خفاجي" هو وأسرته إلى ألمانيا عام 1979 وعمل في المركز الإسلامي في مدينة ميونيخ إبّان إدارة المستشار علي جريشة ـ رحمه الله ـ ،وفي العام التالي أسس مدرسة تدرّس المنهجين العربي والألماني ومبادئ الدين الإسلامي في العام 1981م وأنشأ معهدا لتعليم اللغة العربية للألمان عام 1982م.

كان ـ رحمه الله ـ دقيق الملاحظة حين اكتشف أنّ الألمانَ شعبٌ واسع الاطّلاع، لفت انتباهه أن الشاب يدخل "المكتبة" وينظر لعنوان الكتاب،ثم يقرأ المقدمة، ويتصفح الفهرست،وربما لفت نظره عنوانٌ ما، فيقرأ الفصل أو بعضا منه، ويغلق الكتاب، ويأخذ النسخة المغلـّفة التي سيشتريها، وينصرف،كان المشهد المتكررهو الذي دفع "عبد الحليم خفاجي"إلى أن يتفرغ لتأسيس أول دار نشر إسلامية في ألمانيا 1983"داربافاريا للإعلام والنشر".

بدأت الدار جهودها بالتوزيع،وفي ترجمة الكتب التي تهم المسلم الألماني،ولم يهمل خفاجي الترجمة من اللغة الألمانية إلى العربية؛ حتى يثري المكتبةالعربية بأفضل ما يقدم الفكر الغربي مثل:"الإسلام بين الشرق والغرب" للرئيس "على عزت بيجوفيتش" رئيس جمهورية البوسنةالأسبق"،و"بين شتّى الجبهات" للدكتورمراد هوفمان السفير السابق لألمانيا في المغرب،وكتاب"الله ليس كمثله شيئ" للمستشرقة الألمانية زيجريد هونكة وغيرها والذي ترجم مرة أخرى بعنوان:"الله ليس كمثله شئ"

كان القرآن الكريم هاجسا يؤرق خفاجي، كان ينتقي بعض تراجم القرآن حتى اكتشف أنه يعرض نسخة محرفة ترجمها القديانيون،وأنّ هناك باللغة الألمانية 43 ترجمة محرفة للقرآن الكريم، فقرر أن يقوم بعمل "يسّر الله له أسبابه" أن يترجم القرآن الكريم إلى الألمانية، واختار فريقَ عمل"عصبة أولي قوة"،10أفراد نصفهم من الألمان المسلمين، والنصف الآخر من العرب،وكرّس الجهد لإنتاج تفسير لا يقل في مُخرجه عن كبريات كتب التفسير دقة وتأثيراً، فأتمه في أجزاء،ثم طبعها في مجلدات بلغت خمسة مجلدات.

وحين شهد المخلصون نجاح التفسير أرادوا نقله إلى اللغات الأخرى من النسخة الألمانية الأم ورأى التفسيرَالنور بالألمانية،والروسية،والبوسنية، والبولندية،والأسبانية، وأخيرا الانجليزية التي حال المرض بينه وبينها منذ 6 سنوات،وكان يتمنى أن يحقق حلما بأن تكون هناك 10تفسيرات بعشر لغات"الفتوح العشر".


رحم الله  ـ تعالى ـ عبد الحليم خفاجي كان يحلم أن ترى ترجمات أخرى النور؛ الفرنسية، اليابانية ، الصينية، والإيطالية،ولكن لم تسعفه الأعمارُ أن ينجزها، ونأمل ممن يبحث عن الخيرـ بصدق ـ أن يصل ما انقطع من طموح الرجلُ في حياته، كنت أمزح معه قائلا:"يا عمّنا يكفيك فتح واحد واترك لغيرك شيئا، فيقول:لا والله دعوت الله أن يأتيني مُلكا لا ينبغي لأحد، وأظن أنّ الله استجاب،أظنه كان موقنا بعظيم الأجر له على اجتهاده.

كنت أقول له مداعبا:"وإن شاء الله تتقدم 10من الحورالعين كل حورية تحمل نسخة من تراجم القرآن لزيارة الرسول في الجنة..وتدقّ انت الباب فيفتح لك رسول الله بابه مرحبا.. فتهديه هذه الهدية، ويسير وراءك مسلمون لاحصرَ لهم أسلموا حين قرأوا التفسير المفسر بلغاتهم، فيقول خفاجي:"إن شاء الله"، قلت في نفسي: لعلّ همّة الرجل ونيته  تسبق عمله وتحقق رجاءه، ولعلّ الله يحيي بهذا العمل قوما كثيرين؛بالإيمان على بصيرة..رحمك الله يا أبا مراد ..وأسكنك  فسيح جناته ..




[1]"ما يفعل أعدائي بي؟! أنا جنتي وبستاني في صدري،سجني خلوة،وقتلي شهادة،وإخراجي من بلدي سياحة وفاة عبد الحليم خفاجي ..القيادي الإسلامي بألمانيا[1]  إسلام توفيق نشر في بوابة الحرية والعدالة يوم 31 - 08 - 2013 توفي اليوم السبت عبد الحليم خفاجي، أحد قيادات ومفكري الإخوان المسلمين التاريخيين، بعد صراع طويل مع المرض قابله بالصبر والرضا.

وكان د.خالد حنفي - رئيس هيئة العلماء والدعاة في ألمانيا - قد نعى الفقيد قائلا: "عرفت الفقيد وعايشته يملك روحا ونفْسا تقهر الهم والألم، لا تفارق البسمة وجهه، يسعى دائما لتفريج الكروب عن الناس، يحب الدعابة والمرح، ويوصل رسائله أثناء مرحه".

وأضاف د.حنفي: "قدم للمكتبة الإسلامية عدة كتب، من أهمها: حوار مع الشيوعيين، وكواكب حول الرسول، وقد امتحن بالسجن سنين طويلة، وأسس في ألمانيا دارا للنشر قدم فيها أهم ترجمة للقرآن بالألمانية، وغيرها من الكتب العربية والألمانية".

ولد عبد الحليم خفاجي- رحمه الله- في فبراير 1932م بقرية مرصفا بمحافظة القليوبية قبل أن ينتقل إلى مدينة بنها، حيث كان يعمل والده حسنين أفندي موظفا بالمساحة.

وبعد أن حصل على الثانوية العامة التحق في بادئ الأمر بمدرسة المعلمين العليا بالأورمان بالجيزة؛ لأن التعليم بها بالمجان، ولكن رغم كل هذه الظروف العصيبة من ضيق ذات اليد ورغبة والده في أن يستمر في مدرسة المعلمين العليا المجانية والتي توفر فرصة عمل سريعة لخريجيها، اختار أن يسلك الطريق الصعب وبدأ يدرس القانون ويعمل معتمدا على نفسه حتى يوفر مصاريف الدراسة ولا يكلف والده عناء فوق عناء.

استمر على هذا الحال حتى حصل علي ليسانس الحقوق من جامعة القاهرة سنة 1954م، وقبل تخرجه استطاع أن يحصل على فرصة عمل تعينه على مصاريف الدراسة حيث عمل أمينا لتوريدات مدرسة قليوب الثانوية للبنين.

وزع - رحمه الله - وقته بين العمل بالمدرسة والدراسة بكلية الحقوق، وكان يقتنص الأوقات في تنقله من العمل بقليوب إلى القاهرة، حيث الدراسة والسكن، كان يذاكر ويتابع المحاضرات بين القطارات والترامات، وكان يقضي يوم الجمعة في صحن الجامع الأزهر أو في أحد المساجد الأثرية بالغورية يستذكر دروسه.

تحول نادي الطلبة بمرصفا الذي أسسه إلى شعبة من شعب الإخوان المسلمين بعد أن انضم خفاجي ومعه "رفعت القويسني" إلى جماعة الإخوان المسلمين، ومنذ ذلك التاريخ تغير مجرى حياته، فمع محنة الإخوان وخلافهم مع عبد الناصر وبعد حادث المنشية الشهير اعتقل الكثير والكثير من أعضاء الجماعة!.

وبعد خروجه قام خفاجي بجمع الأموال وقام بتوزيعها على بيوت الإخوان المعتقلين، ليس هذا فحسب، بل أصبح منزله مأوى يتخفى فيه الهاربون من زبانية النظام الناصري، وكان من هؤلاء رفعت القويسني المحكوم عليه بعشر سنوات غيابيا، وغيره من لإخوان،واستمر على هذا الحال حتى تم القبض عليه يوم 11 أبريل سنة 1955م بتهمة أنه عضو في جهاز التمويل لأسر الإخوان المعتقلين!.
وبعد خروجه في عام 1964م صدر قرار في سبتمبر 1965 بإعادة اعتقال كل من سبق اعتقاله منذ عام 1952م، واستمر معتقلا هذه المرة لمدة تزيد على خمس سنوات.
وبعد خروجه عمل مفتشا للتحقيقات بمديرية بنها التعليمية، ثم انتقل إلى ديوان الوزارة، وبعد ذلك جاءته رسالة من الأخ الأستاذ أحمد حجاج بالكويت، بداخل الخطاب تذكرة دعوة لزيارة الكويت، وفيها عمل باحثا قانونيا بوزارة العدل الكويتية، وبعد سبع سنوات قضاها في الكويت هاجر إلى ألمانيا الغربية (قبل اتحاد ألمانيا)، واستقر بميونخ بمقاطعة بافاريا، وكان ذلك في عام 1979م .

عمل بالمركز الإسلامي بميونخ حتى أصبح سكرتير المركز، عندما كان الأستاذ محمد مهدي عاكف رئيسا للمركز .ثم أصبح رئيسا للمركز الإسلامي بميونخ، وأسس مدرسة تدرس المنهجين العربي والألماني عام 1981م، وأسس معهدا لتعليم اللغة العربية للألمان عام 1982م.

أسس مؤسسة بافاريا للإعلام والنشر عام 1983م، وطاف بمعظم بلدان العالم حاملا معه آلام وآمال الدعوة الإسلامية.
ومن أهم الأعمال التي يعتز بها خفاجي هو "ترجمة معاني القرآن الكريم  لست لغات".

 كما تضم قائمة مؤلفاته: حوار مع الشيوعيين في أقبية السجون،وعندما غابت الشمس،وقصاص لا إعدام، وكواكب حول الرسول، وقضية التعدد، وملك السجن، قصة واقعية من داخل الزانزنة، ودور أوروبا في مستقبل العمل الإسلامي، و"مختصر كتاب روض الرياحين " في حكايات الصالحين، وأختي المؤمنة (مجموعة رسائل أرسلها إلى شقيقته بعد وفاة زوجها)، وآيات ربانية، و"الرد على آيات سلمان رشدي الشيطانية".



تعليقات

‏قال Loay Elshamy
أحسنت العرض والرثاء للراحل العظيم
وهناك جوانب أخرى من شخصيته العظيمة رحمه الله لعل بعض محبيه يكتب عنها

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حوار مع الشيخ : عثمان حاج مصطفى

أسامة خليفة ..إنتاج فيلم الطفل انطلاقا من قيمناِ لاء للإنتاج الفني، تقف على خط المواجهة، وبصدق نقول هذا، فقد كانت المبادرة إلى هذا العالم الرحب في وقت كان هَمّ الآخرين أن يقوموا بدبلجة ما يقدم، نريد من يؤمن بالفكرة

موسى ابن نصير قائد عسكري عربي في عصر الدولة الأموية. شارك موسى في فتح قبرص في عهد الخليفة معاوية بن أبي سفيان