تعليق على مقال أحلام مستغانمي "دافعوا عن وطن هيفا وهبي"
أحلام مستغانمي عملاقة تعيش في واقع ليل الأقزام المظلم وتريد العودة للأصول، والفخر بما يستأهل الفخر لا بالذي يفرض علينا من خلال الميديا الإعلامية التي تشكل العقول بطريقة شائهة.
إنها في حالة
من اليأس الوطني؛ تبحث عن المُثل التي لا تزال تتفلت من بين أيدينا ومن خلفنا ، الشباب الذي يعيش التيه تتلقفه مراكز البحث في الغرب ليستفيدوا من نبوغه، ويبقى لنا المفتونون بالأضواء والفنون
الهزيلة، وهواة الغناء بالجسد ممن يدفع بهم إلى الواجهة .
مقال
مستغانمي " دافعوا عن وطن هيفا وهبي" يثير تساؤلا
إلى متى سنظل في خبل الغثاء الذي أريد لنا أن نعيشة ، وكانت أوطان المسلمين هي
التي تصدّر الفكر والعلوم التجريبة التي بنى عليها العالم الجديد حضارته، وحسبا أن
نتأمل معرض إسهامات المسلمين في الحضارة في لندن "اسهامات
المسلمين في ألف اختراع واختراع"لندرك ذواتنا وتعود بنا ذاكرتنا إلى مجد
أضعناه .
لقد
أسهم الاستعمار وصبيان الاستعمار في نهب خيرات البلدان المشرقية لتعمل
آلة التصنيع في الغرب، ولم نسعد بالتنوير الذي كان شعارا يرفع في دول الاستعمار
يمنوننا به وبأنهم جاءوا إلى الشرق بالحضارة والنور وكذبوا.
لقد تغيرت
الأوضاع بطريقة متعمدة ، وذلك مقصود لذاته حتى لاتبقى لنا مُثُل ولا هُوية ..إلا
الفن الهابط، الذي لا يغني ولا يسمن من جوع..
الأسماء
الخالدة التي دافعت عن حرية بلادها وكرامتها والتي ضحت ، وكنا نبكي لما
عانت تحت وطأة الغرباء وهم يسعون إلى الحرية تم استبدال بها نجوما
مصنوعة لم تقدم للوطن شيئا، وكنا نود أن نرى علماء ومفكرين وساسة كبار، ومخترعين
يتحدّون اختراعات العالم .
لقد أصبحنا
سوقا استهلاكية يقذف إليها ما لفظته مصانع من هنا وهناك من صناعات
استهلاكية لا يقبلها العالم.. لنستخدمها ـ كفقراء يرضون بالرخيص قليلا
ثم يضاف ما اشتروا لأكوام القمامة في بلادنا التي لا نقدر على التصرف فيها، ولا
تدويرها ولو بعد حين .
أصبح لدينا
نجوم تأفل بعد حين؛ لتولد نجوم أخرى، ولا تترك للوطن سمعة تستأهل أن نفخر بها
..النجوم الأرضية المصنوعة ـ كذبا ـ هي التي تبقى لأنّ الآلة الإعلامية
ومَن وراءها يريدون ذلك ..إنه زمن الرويبضة أن يعلى من شأن الأسافل وأعوان الطغاة
المتجبرين، وسارقو الأوطان ومقدراتها ..
وتتلاشى صورة
الراسخين في العلم، والبانين للحضارة، والسائرين على درب الجهاد، ومعلمي الناس
الخير.
أكاد أجزم أنّ
أيادى خفية تسعى لقهر وقبر هذه الأمة التي أعطت يوما الأمم من خيرما لديها
وحضارتها، حين كانت أمة عزيزة، أعطتهم الفكر، والثقافة ، والفلسفة وأصول العلم
التجريبي والعلوم النظرية ثم شغلونا بالحروب، والاحتلال والانتقام حتى لا تقوم لنا
قائمة؛ إلا إذا كانت القائمة على دربهم وتعمل لصالحهم، وتفني مقدرات الخريطة
العربية بل الإسلامية، لنظل في ركابهم.
تأملت قليلا
في |صبيان الغرب" الذين لا تخلوا منهم بلد من بلداننا رضعوا منذ نعومة أظفارهم عادات الغرب وتصوراته وثقافته
وفنونه، ولم يكلفوا أنفسهم الاطلاع على ثروات قابعة في المكتبات للاطلاع على
الموروث الحضاري ـ على الأقل لعقد مقارنة بين ما نملك وبين الوجبات الجاهزة التي أعدّها المستشرقون المتطرفون ـ وتكون هذه الثروات الحضارية شهادة
على ما قدمناه من معين حضاري غنيّ عبر لأوروبا عبر الأندلس ـ وحين نطرح هذا أمامهم
ينظرون باستهجان وبلاهة في آن، كأننا قفزنا من العصور المظلمة التي كانت في أوروبا
قبل النهضة .
ليتنا نعي النجوم الزاهرة حقيقة، وما صنعت من إرث حضاري ونسلط عليها الأضواء، والنماذج
الصالحة التي يستقطبها الغرب لتفوقها، لتوضع في مراكز البحث ويغدق عليها من عطايا
الغرب لتظل في فلكه ما حيت، وأيضا الذين قدموا الأرواح لدحر العدوان، والمرابطين ضد الانقلاب، ومن يواسى الجراح النازفة ..هؤلاء النجوم بأيهم
اقتديتم اهتديتم .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نص مقال
دافعو عن وطن هيفا وهبی
..
بقلم: أحلام مستغانمي
وصلتُ إلى بيروت في بداية
التسعينات، في توقيت وصول الشاب خالد إلى النجوميّة العالميّة. أُغنية واحدة قذفت
به إلى المجد كانت أغنية "دي دي واه" شاغلة الناس ليل نهار.
على موسيقاها تُقام الأعراس، وتُقدَّم عروض الأزياء، وعلى إيقاعها ترقص بيروت ليلاً، وتذهب إلى مشاغلها صباحاً.كنت قادمة لتوِّي من باريس، وفي حوزتي مخطوط "الجسد"، أربعمائة صفحة، قضيت أربع سنوات في نحتها جملة جملة، محاوِلة ما استطعت تضمينها نصف قرن من التاريخ النضالي للجزائر، إنقاذاً لماضينا، ورغبة في تعريف العالم العربي إلى أمجادنا وأوجاعنا.لكنني ما كنت أُعلن عن هويتي إلاّ ويُجاملني أحدهم قائلاً: "آه.. أنتِ من بلاد الشاب خالد!"،
على موسيقاها تُقام الأعراس، وتُقدَّم عروض الأزياء، وعلى إيقاعها ترقص بيروت ليلاً، وتذهب إلى مشاغلها صباحاً.كنت قادمة لتوِّي من باريس، وفي حوزتي مخطوط "الجسد"، أربعمائة صفحة، قضيت أربع سنوات في نحتها جملة جملة، محاوِلة ما استطعت تضمينها نصف قرن من التاريخ النضالي للجزائر، إنقاذاً لماضينا، ورغبة في تعريف العالم العربي إلى أمجادنا وأوجاعنا.لكنني ما كنت أُعلن عن هويتي إلاّ ويُجاملني أحدهم قائلاً: "آه.. أنتِ من بلاد الشاب خالد!"،
واجداً في هذا الرجل الذي
يضع قرطاً في أذنه، ويظهر في التلفزيون الفرنسي برفقة كلبه، ولا جواب له عن أي
سؤال سوى الضحك الغبيّ، قرابة بمواجعي. وفوراً يصبح السؤال، ما معنى عِبَارة "دي
دي واه"؟ وعندما أعترف بعدم فهمي أنا أيضاً معناها، يتحسَّر سائلي على قَدَر
الجزائر، التي بسبب الاستعمار، لا تفهم اللغة العربية!
وبعد أن أتعبني الجواب عن "فزّورة"
(دي دي واه)، وقضيت زمناً طويلاً أعتذر للأصدقاء والغرباء وسائقي التاكسي، وعامل
محطة البنزين المصري، ومصففة شعري عن جهلي وأُميتي، قررت ألاّ أفصح عن هويتي
الجزائرية، كي أرتاح.
لم يحزنّي أن مطرباً
بكلمتين، أو بالأحرى بأغنية من حرفين، حقق مجداً ومكاسب، لا يحققها أي كاتب عربي
نذر عمره للكلمات، بقدر ما أحزنني أنني جئت المشرق في الزمن الخطأ.
ففي الخمسينات، كان
الجزائري يُنسبُ إلى بلد الأمير عبد القادر، وفي الستينات إلى بلد أحمد بن بلّة
وجميلة بو حيرد، وفي السبعينات إلى بلد هواري بومدين والمليون شهيد ... اليوم
يُنسب العربي إلى مطربيه، وإلى الْمُغنِّي الذي يمثله في "ستار أكاديمي"
...وهكذا، حتى وقت قريب، كنت أتلقّى المدح كجزائرية من قِبَل الذين أحبُّوا الفتاة
التي مثلت الجزائر في "ستار أكاديمي"، وأُواسَى نيابة عنها... هذا عندما
لا يخالني البعض مغربية، ويُبدي لي تعاطفه مع صوفيا.
وقبل حرب إسرائيل الأخيرة
على لبنان، كنت أتابع بقهر ذات مساء، تلك الرسائل الهابطة المحبطة التي تُبث على
قنوات الغناء، عندما حضرني قول "ستالين" وهو ينادي، من خلال المذياع،
الشعب الروسي للمقاومة، والنازيون على أبواب موسكو، صائحاً: "دافعوا عن وطن
بوشكين وتولستوي".
وقلت لنفسي مازحة، لو
عاودت إسرائيل اليوم اجتياح لبنان أو غزو مصر، لَمَا وجدنا أمامنا من سبيل لتعبئة
الشباب واستنفار مشاعرهم الوطنية، سوى بث نداءات ورسائل على الفضائيات الغنائية،
أن دافعوا عن وطن هيفاء وهبي وإليسا ونانسي عجرم ومروى وروبي وأخواتهن .... فلا
أرى أسماء غير هذه لشحذ الهمم ولمّ الحشود.
وليس واللّه في الأمر نكتة.
فمنذ أربع سنوات خرج الأسير المصري محمود السواركة من المعتقلات الإسرائيلية، التي
قضى فيها اثنتين وعشرين سنة، حتى استحق لقب أقدم أسير مصري، ولم يجد الرجل أحداً
في انتظاره من "الجماهير" التي ناضل من أجلها، ولا استحق خبر إطلاق
سراحه أكثر من مربّع في جريدة، بينما اضطر مسئولو الأمن في مطار القاهرة إلى تهريب
نجم "ستار أكاديمي" محمد عطيّة بعد وقوع جرحى جرّاء تَدَافُع مئات
الشبّان والشابّات، الذين ظلُّوا يترددون على المطار مع كل موعد لوصول طائرة من
بيروت.
في أوطان كانت تُنسب إلى
الأبطال، وغَدَت تُنسب إلى الصبيان، قرأنا أنّ محمد خلاوي، الطالب السابق في "ستار
أكاديمي"، ظلَّ لأسابيع لا يمشي إلاّ محاطاً بخمسة حراس لا يفارقونه أبداً ..
ربما أخذ الولد مأخذ الجد لقب "الزعيم" الذي أطلقه زملاؤه عليه!
ولقد تعرّفت إلى الغالية
المناضلة الكبيرة جميلة بوحيرد في رحلة بين الجزائر وفرنسا، وكانت تسافر على
الدرجة الاقتصادية، مُحمَّلة بما تحمله أُمٌّ من مؤونة غذائية لابنها الوحيد،
وشعرت بالخجل، لأن مثلها لا يسافر على الدرجة الأُولى، بينما يفاخر فرخ وُلد لتوّه
على بلاتوهات "ستار أكاديمي"، بأنه لا يتنقّل إلاّ بطائرة حكوميّة خاصة،
وُضِعَت تحت تصرّفه، لأنه رفع اسم بلده عالياً!
هنيئا للامة العربية
تعليقات