اللهمّ إنّي أشكو إليك غُربتي ذاكرة مع خفاجي ولد عبد الحليم خفاجي في السابع و العشرين من رمضان سنة 1350هـ الموافق السادس من فبرايربقرية مرصفا.انتقل بعد ذلك إلي كفر السرايا (الفللا) ببنها حيث كان يعمل والده حسنين أفندي موظفا بالمساحة

                             

ولد عبد الحليم خفاجي في السابع و العشرين من رمضان سنة 1350هـ الموافق السادس من فبراير سنة 1932م بقرية مرصفا.انتقل بعد ذلك إلي كفر السرايا (الفللا) ببنها حيث كان يعمل والده حسنين أفندي موظفا بالمساحة .

بعد أن حصل علي الثانوية العامة التحق في بادئ الأمر بمدرسة المعلمين العليا بالأورمان بالجيزة لأن التعليم بها بالمجان، ولكن رغم كل هذه الظروف العصيبة من ضيق ذات اليد ورغبة والده في أن يستمر في مدرسة المعلمين العليا المجانية والتي توفر فرصة عمل سريعة لخريجيها.

اختار الأستاذ أن يسلك الطريق الصعب وبدأ يدرس القانون ويعمل معتمدا علي نفسه حتي يوفر مصاريف الدراسة ولا يكلف والده عناء فوق عناء .

استمر علي هذا الحال حتي حصل علي ليسانس الحقوق من جامعة القاهرة سنة 1954م . و قبل تخرجه استطاع أن يحصل علي فرصة عمل تعينه علي مصاريف الدراسة حيث عمل أمينا لتوريدات مدرسة قليوب الثانوية للبنين.

ووزع وقته بين العمل بالمدرسة والدراسة بكلية الحقوق وكان يقتنص الأوقات في تنقلها من العمل بقليوب إلي القاهرة حيث الدراسة والسكن كان يذاكر ويتابع المحاضرات بين القطارات والترامات وكان يقضي يوم الجمعة في صحن الجامع الأزهر أو في أحد المساجد الأثرية بالغورية يستذكر دروسه .

رغم كل هذه المشاغل إلا ان الأستاذ عبد الحليم خفاجي كان مهموما بمرصفا وبأصدقاء الصبا أعضاء نادي الطلبة (طلبة مرصفا) الذي أسسه مع آخرين من أبناء مرصفا في صيف 1948م وكان رئيس النادي بالانتخاب " سند قدوسة " والد الدكتور أسامة سند .

وكان حفل تدشين النادي بدار مناسبات المشايخ بمرصفا، كانت رغبة عبد الحليم خفاجي أن يربط نادي طلبة مرصفا برابطة أبناء مرصفا بالقاهرة وبعد فترة بالتحديد بعد حريق القاهرة تحول نادي الطلبة بمرصفا إلي شعبة من شعب الإخوان المسلمين بعد أن انضم الأستاذ عبد الحليم خفاجي والأستاذ رفعت القويسني إلي جماعة الإخوان ومنذ ذلك التاريخ تغير مجري حياة الأستاذ عبد الحليم فمع محنة الإخوان وخلافهم مع عبد الناصر وبعد حادث المنشية الشهير اعتقل الكثير والكثير من أعضاء جماعة الإخوان

وأصبحت أسرهم بلا مأوي وبلا عائل ينفق عليهم فقام عبد الحليم خفاجي بجمع الأموال ويقوم بتوزيعها علي بيوت الإخوان المعتقلين ليس هذا فحسب بل أصبح منزله مأوي يتخفي فيه الهاربون من رجال الأمن وكان من هؤلاء الأستاذ رفعت القويسني المحكوم عليه بعشر سنوات غيابيا، و غيره من الإخوان واستمر علي هذا الحال حتي تم القبض عليه يوم الأحد العاشر من شهر أبريل سنة 1955م بتهمة أنه عضو في جهاز التمويل لأسر الإخوان المعتقلين .

وكانت التهم الموجهة إليه هي:

إيواء الهاربين ،و تمويل أسر المعتقلين، وتوزيع منشورات تناهض النظام ، وتزوير البطاقات المدرسية .وحكم عليه بعشر سنوات و أفرج عنه في الرابع عشر من شهر نوفمبر عام 1964م ،خلال هذا السنوات العجاف تنقل فيها بين معظم سجون ومعتقلات مصر بداية بالسجن الحربي و كان ممن معه في السجن الحربي من أبناء مرصفا الأفاضل الإخوة سعد الشيخ و رفعت القويسني و عفيفي القاضي وغيرهم

ورغم انهم في مكان واحد إلا أنه لم يتمكن من لقائهم فلتتخيل عزيزي القاريء مدي المعاناة التي عاناها المصريون في تلك الحقبة الزمنية ، قضي بالسجن الحربي عامين كاملين انتقل بعدها إلي ليمان طرة وسجن الواحات ثم سجن المحاريق و سجن بني سويف وسجن أسيوط وسجن القناطر وغيرها وغيرها .

وبعد خروجه في عام 1964م صدر قرار في سبتمبر 1965 بإعادة اعتقال كل من سبق اعتقاله منذ عام 1952م واستمر معتقلا هذه المرة لمدة تزيد علي خمس سنوات .

وبعد خروجه عمل مفتشا للتحقيقات بمديرية بنها التعليمية ثم انتقل إلي ديوان الوزارة ، وبعد ذلك جاءته رسالة من الأخ الأستاذ أحمد حجاج بالكويت بداخل الخطاب تذكرة دعوة لزيارة الكويت وفيها عمل باحثا قانونيا بوزارة العدل الكويتية وبعد سبع سنوات قضاها في الكويت هاجر إلي ألمانيا الغربية (قبل اتحاد ألمانيا) واستقر بميونخ بمقاطعة بافاريا وكان ذلك في عام 1979م .

عمل بالمركز الإسلامي بميونخ حتي أصبح سكرتير المركز عندما كان الأستاذ محمد مهدي عاكفرئيسا للمركزثم أصبح رئيسا للمركز الإسلامي بيمونخ.أسس مدرسة تدرس المنهجين العربي و الألماني عام 1981م.

أسس معهدا لتعليم اللغة العربية للألمان عام 1982م. أسس مؤسسة بافاريا للإعلام النشر عام 1983م

وطاف بمعظم بلدان العالم حاملا معه آلام و آمال الدعوة الإسلامية،و من أهم الأعمال التي يعتز بها الأستاذ عبد الحليم خفاجي هو ترجمة معاني القرآن الكريم وهو ما يسميه الأستاذ الفتوح العشر .

"اللهمّ إنّي أشكو إليك غُربتي" تذكرت هذه العبارة الحزينة والتي كان يرددها الأستاذ "عبد الحليم خفاجي"، فرغم السجن الطويل الذي قضاه مظلوما هو وأخوانه المظلومين؛ في سجون "عبد الناصر" إلا أنه لم يشعر باغتراب، بل كان السجن نعمة حتى لا يرى الزيف بعينه في الحقبة الناصرية التي طغت على وعي الجماهير، وجعلت الحق باطلا والباطل حقا.

كان السجن نعمة حين كان يردد آيات من كتاب الله، أو يستمع إلى كلمات شيوخ ربانيين نالهم ما ناله،حرمان من الأهل، والصحب والأرحام، وافتقاد الوطن، حيث لم يكن في أيدي الأمناء.

لقد سلبوهم الحرية، ولكن الأرواح المحلّقة  الشغوفة بالملأ الأعلى، المؤمنة بأن الله على كل شئ قدير، وأنه القادر على أن يبعث عليهم عذابا يأخذهم ، ولكن في وقت ما بعد الإملاء ليكون العذاب عبرة وأليم شديد.

كانت غربة  خفاجي الحقيقية أن يبتعد عن مصر إلى ألمانيا، وفي ميونيخ رغم أنه كان يثني على الحرية التي لم تكن في مصر، إلا أنه كان يشتاق إلى الأرض الطيبة التي دنسها الخونة وعبثوا بمقدراتها، وغامروا بمستقبل أبنائها، وأنكروا تاريخها.

 كان يقوم على الانقلاب1952مجموعة من المغامرين صاحبوا الصالحين، حتى ساعدوهم على خلع الملك، ثم انبروا قتلا وتشريدا واعتقالا من قبل طغمة فاسدة حولت مصر إلى ملكية أخرى، أكثر من ملكية أسرة "محمدعلى"بل أشد، لقد صار نظام مصر سلطويا يقترب من الشمولية، على أساس رغبة التغيير وفرض الوصاية على من آمنوا به تكون حاضرة، ولا يعصى لهم أمر .

لم يشعر خفاجي بالغربة في السجن الطويل بل شعر بأنّ سلب الوطن هو الغربة، فحين لا أجد لي ارضا تحتضنني، وتحتضن أبنائي فتلك هي الغربة، حين أهدد في كرامتي، وشرفي ، ومعتقدي هذه هي الغربة، لقد نال أولاده جميعا وزوجته الجنسية الألمانية وسعت السلطات في ميونيخ لمنحة الجنسية الألمانية فكان يتردد ولا يتخذ الإجراءات.

سألته يوماً:لماذا لم تسع للحصول على الجنسية وهي ستعطيك حرية الحركة كمواطن ألماني ؟ قال سا خرا:" مش بالعها يا بني ويردد ساخرا :" الناس تقول علىّ الخواجة خفاجي" ؟!!..كنت أحيانا أجده ساهما شاردا، أفاجئه بالعبارة المصرية العزيزة علىّ :"وحدووووه" فينتبه :"لا إله إلا الله ".

أشعر بما كان يشعربه خفاجي، فقد عشت غريبا في الوطن وبعيدا عنه، لم أشعر أن لي وطنا كريما إلا لحظات من حياتي عبرت، شعرت فيها بالحياة، وكدر صفوي أنّي وجدت الكثيرين يتألمون، ولا يجدون القوت ولا العلاج، ولا التعليم، ولا المأوى، ولا يجدون من يسمع شكواهم.

 ويبدو أنها سياسة متّبعة في الوطن المنهوب، الأغنياء ورجال السلطة، والجهات السيادية تنهب خيرات الوطن، والفقراء لاحقّ لهم  حتى في الحياة ، فبطن الأرض خير لهم من ظهرها، لأن منظرهم لا يروق الكبار، وضحاياهم من أطفال الشوارع ، والمحرومين يكدرون سكرتهم ويدينون أهل السلطان والهيلمان.
أَشْكُو إِلَيْكَ غُرْبَتِي، وَبُعْدَ دارِي وَهَوانِي عَلى مَنْ مَلَّكْتَهُ أَمْرِي، إِلهِي فَلا تُحْلِلْ عَلَيَّ غَضَبَك، فَإِنْ .... سُبْحانَكَ لا إِلهَ إلّا أَنْتَ، اللّهُمَّ إِنَّكَ تُجِيبُ المُضْطَرَّ وَتَكْشِفُ السُّوءَ، وَتُغِيثُ المَكْرُوبَ، 
  1. حوار مع الشيوعيين في أقبية السجون .
  2. عندما غابت الشمس .
  3. قصاص لا إعدام.
  4. كواكب حول الرسول وقضية التعدد.
  5. ملك السجن .. قصة واقعية من داخل الزانزنة .
  6. دور أوروبا في مستقبل العمل الإسلامي .
  7. مختصر كتاب روض الرياحين في حكايات الصالحين .
  8. أختي المؤمنة (مجموعة رسائل عن الروح أرسلها الأستاذ إلي شقيقته بعد وفاة زوجها ) .
  9. آيات ربانية و الرد علي آيات سلمان رشدي الشيطانية .
  10. ترجمة معاني القرآن الكريم

            ويقوم علي ذلك فريق عمل من تخصصات مختلفة ويشرف عليهم جميعا الأستاذ عبد الحليم خفاجي.

          وكتب عنه الدكتور مجدي سعيد يقول:

لقد أسعدنا الحظ بالذهاب إلى مدينة ميونخ عاصمة إقليم بافاريا الألماني ذي الطبيعة الجميلة؛ وذلك لحضور عدد من الفعاليات ذات الصلة بالإعلام العلمي استغرقت اثني عشر يوما. وتقع ميونخ إلى الشمال من جبال الألب؛ حيث الطبيعة ذات الجبال، والخضرة والماء، والوجوه الحسنة.
وكان لزاما علينا خلال هذه الفترة التواصل مع عدد من وجوه الجالية المسلمة هناك على هامش ذلك التواجد، أتحسس من خلالهم أحوال جزء من أمتنا الإسلامية في بلاد الغرب..
ومن ثم كانت تلك اللقاءات مع ثلاثة من هذه الشخصيات، التي يمثل كل منها بعدا من أبعاد تلك الأحوال في زاوية منها.. مع تلك الوجوه نتجول سويا في السطور التالية.
من الاعتقال هنا إلى الدعوة هناك وفاء بعهد قطعه على نفسه هو وأخ له في الله وهما في غياهب سجون القهر والاستبداد بأن يدعوَا إلى الإسلام في أوربا، وأن يكون ذلك تحديدا في ألمانيا.. جاء أحدهما إلى أوربا بعد أن تلقى مكالمة من رفيقه بعد مرور عشر سنوات على ذلك العهد، قال له مذكرا له: "ماذا تفعل عندك؟.. أتجلس لجمع المال؟.. ألم نتعاهد على الدعوة هنا؟".
ومن ثم عزم الأستاذ عبد الحليم خفاجي على السفر إلى ألمانيا، بائعا كل ما يملك في الكويت، وسافر تحديدا إلى مدينة ميونخ لينشئ "مؤسسة بافاريا للنشر والإعلام والخدمات"، على أمل أن يسهم من خلالها في أن تشرق الشمس من هناك.. من أوربا.
الأستاذ عبد الحليم خفاجي لمن لا يعرفه هو صاحب كتاب "حوار مع الشيوعيين في أقبية السجون" وكتاب "عندما غابت الشمس"، وفيهما مذكراته التي سجلها في سجون عبد الناصر، بعد أن اعتقل مرتين؛ الأولى لمدة عشر سنوات بتهمة مساعدة أسر الإخوان على العيش في ظل غياب عائليهم، والأخرى ست سنوات بناء على قرار اعتقال كل من سبق اعتقاله.
كنت قد تعرفت عليه قبل لقائه بسنوات حينما قرأت كتابه الأول، ثم تعرفت على مؤسسة "بافاريا" من خلال ثلاثة كتب أصدرتها الدار بالتعاون مع مجلة "النور" الكويتية و"دار الشروق" المصرية بعنوان: نافذة على الغرب..
في منزله الذي يمتلكه والذي يبعد عن المركز الإسلامي في ميونخ حوالي خمس دقائق بالسيارة.. التقينا به بعد أن وجه لنا الدعوة لزيارته أنا والزميلة الدكتورة نادية العوضي، وقبل العشاء عبّر لنا عن قناعته بالقرار الذي اتخذه بالانتقال إلى ألمانيا بقوله: "إن التاريخ كائن حي"، وهو يؤمن بأن تاريخ الإسلام القادم سيشرق من أوربا.
بعد ذلك قدم لنا ما يراه أهم مشاريع الدار التي أنشئت منذ عام 1982 ، والذي أسماه بـ"الفتوحات العشر" الذي حشد له كل الإمكانات والموارد المتاحة، ومشروعه هذا هو ترجمات للقرآن مصحوبة بشروح مطولة، صدر منها: الترجمة الألمانية، والبوسنية، والروسية والإسبانية، والإيطالية، والبولندية.
صدر كل منها في مجلدات (ستة مجلدات للترجمة الألمانية على سبيل المثال)، واستغرق العمل في كل منها سنوات (بلغت عشر سنوات في الترجمة الألمانية)، بعد أن تشكلت له لجنة من عشرة مختصين.
ويحكي الأستاذ خفاجي قصصا مطولة عن المتاعب التي تعرض لها مع كل ترجمة تصدر بلغت أوجها بالتهديد بإبعاده من ألمانيا حين صدرت الترجمة الألمانية، واعتقاله من قبل القوات الأمريكية في البوسنة لمدة أسبوعين، وترحيله إلى مصر حين صدرت الترجمة البوسنية..
ومع ذلك يعيش الأستاذ خفاجي على أمل إتمام الفتوحات حتى تصل إلى عشر لغات، لكن حلمه مهدد بكابوس؛ حيث توقفت الدار عن العمل منذ ستة أشهر بعد تعرضه للديون، التي صار معها مهددا بالحجز على بيته .

حوار جريدة رابطة العالم الإسلامي

وقد أجرت معه جريدة رابطة العالم الإسلامي حوار جاء فيه:

  • متى كانت الرحلة إلى أوروبا؟ ولماذا اخترت ألمانيا بالذات؟
كانت البداية في أواخر حقبة السبعينيات وبالتحديد 1979م، وسبب اختيار ألمانيا أنها بلد يتمتع المواطنون فيها بقدر واسع من الحرية التي تتيح لهم ولغيرهم من المهاجرين فرص واسعة للاستثمار لا تستثنى من ذلك أحد فضلاً عن أن هناك علاقات قديمة بين المسلمين والألمان، وما وجدنا أطماعًا من قبل ألمانيا في الدول الإسلامية
حتى أثناء الحرب العالمية الثانية كان دخول ألمانيا مصر من قبيل حربها ضد بريطانيا، فضلاً عن أن مجال الدعوة وطبيعة الشعب الألماني أنه شغوف بالمعرفة ويبحث عن الحقيقة، وهذا سبيل جيد للتعرف على حقيقة الإسلام الذي يُعنى بنفي الجهل ومعرفة الحق وعدم التعصب للباطل، ورائدنا في ذلك قول الله سبحانه وتعالى {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِين} سورة البقرة111 هي طريقة حوار ناجحة كما أرى.
  • بداية حياتك في ألمانيا هل كانت سهلة أم صادفتك مصاعب؟
لم تكن مفروشة بالورود بل كانت الأشواك كثيرة، لم أجد البيئة التي كنت أحلم بها، لم تكن الأمور ميسرة لدرجة أني لم أجد مدرسة لأولادي تدرِّس اللغتين العربية والألمانية، وكنت أنفق من مواردي الخاصة.
  • أين عملت في ألمانيا في بداية هجرتك للغرب؟
عملت في المركز الإسلامي في ميونيخ، وفكرت في البداية أنه لا بد من إيجاد مدرسة ابتدائية ثنائية اللغة، وإذا أراد الله أمرًا يسّر له أسبابه، سعينا مع بعض الألمان المسلمين حتى تم تأسيس المدرسة، وكان أبناؤنا أول من تم تسجيلهم فيها، وكانت بجوار المركز الإسلامي.
  • هل أرضت المدرسة طموحاتك من التواجد في ألمانيا، كانطلاقة لخدمة أبناء المسلمين؟
للأسف لا؛ لأن تأثيرها كان مقصورًا على أبناء المسلمين، ولكن كان من الممكن لو كانت صرحًا كبيرًا أن تجذب الألمان، لكن هذا يحتاج لإمكانات الخيّرين وخاصة في الدول الخليجية.. لقد وجدتُ أن المسلمين في حاجة إلى دعم الجانب الثقافي عن الإسلام، والمدرسة تخدم ثقافة الصغار من أبنائنا، فضلاً عن تعريف الألمان بالإسلام.
فقررت فتح دار نشر لدعم العلاقة بين الثقافتين الألمانية والإسلامية.. حيث وجدت المكتبة الإسلامية في ألمانيا تفتقر إلى رابط الكتب التي تعرِّف بالإسلام، أو تعين المسلم على معرفة دينه، فليس لديهم كتب تتحدث عن الحلال والحرام، أو المرأة في الإسلام، أو الفقه أو التفسير وغيرها.
فكان لا بدّ أن نقيم دار النشر التي تهتم بجانب الإسلام وتوضِّح تصوُّره ومعتقده، فأصدرنا عشرات الكتب في هذا المجال حيث سدّت الفراغ الذي لم يكن يملؤه ما لدى المكتبة الإنجليزية من كتاب إسلامي؛ لوجود حاجز اللغة لدى الكثير من الألمان؛ إذ كانت المكتبة الألمانية منذ ربع قرن تفتقر إلى المؤلفات التي تتسم بالمصداقية عن الإسلام..
من يدخل الإسلام كان يعاني من عدم وجود مراجع موثوق بها في الألمانية، فيلجأ إلى الإنجليزية لسبقها في نقل الكثير من الكتب القيِّمة عن هذا الدين، دفعنا ذلك لتأسيس مؤسسة بافاريا للنشر والإعلام عام 1983م كجسر يصل بالثقافة الإسلامية إليهم، لإيجاد أواصر التعايش بين الشعوب الإسلامية والناطقين باللغة الألمانية، وحسبنا ما قال البروفسور السويسري (ثابت عيد) الأستاذ في جامعة زيوريخ عن المؤسسة: "صارت بافاريا أول دار نشر عربية إسلامية للقيام بدور فعال في تصحيح الصورة المشوَّهة للإسلام في ألمانيا".
  • ما أهم الكتب التي قمت بإصدارها عن الإسلام؟
منذ تاريخ التأسيس أصدرت بافاريا العديد من الكتب التي تهم المسلم الجديد، مثل: رياض الصالحين، الحلال والحرام في الإسلام، المرأة في الإسلام، وعود الإسلام، أختي المؤمنة، محمد في الإنجيل، الإنجيل والقرآن، أمهات المؤمنين، كتاب الله ليس كذلك، شبهات حول الإسلام، يوميات ألماني مسلم، الإسلام بين الشرق والغرب، الإسلام كبديل، زفرات البوسنة، بين شتّى الجبهات، الإسلام في عيون السويسريين، روض الرياحين، كواكب حول الرسول، دور أوروبا في مستقبل العمل الإسلامي.
  • وماذا عن القرآن الكريم، هل كانت لديك فكرة واضحة عن وضع ترجمة ليس بها ما في غيرها من التراجم؟
كان هذا هو الهاجس المسيطر علينا؛ لأننا اكتشفنا اهتمام الألمان منذ قديم بالقرآن الكريم ما لم يهتم شعب آخر به، والكارثة أننا وجدنا 43 ترجمة للقرآن، وللأسف لم تكن في المستوى.. بل قال أحدهم ممن أسلم إنها ترجمات شيطانية؛
لأنّ الذين قاموا بها كان هدفهم تحريف القرآن، وقد روي عن القس "مارتن لوثر" حين شكا بعض رجال الكنيسة إقبال الألمان على الإسلام، فنصحهم بترجمة القرآن ترجمة محرَّفة حتى ينصرفوا عنه... فشرعت المذاهب وأصحاب الديانات المختلفة في ترجمة القرآن، مثل الكنيسة، والمستشرقين، والبهائيين، والأحمديين، والقاديانيين، الكل أراد أن يترجم القرآن على هواه، وكذلك المذاهب المنحرفة شمرت عن ساعديها لهدم هذا البنيان العظيم، فكان هذا حافزًا لوضع ترجمة للقرآن الكريم اجتنبت عيوب الترجمات القصيرة.
  • ما هي مميزات الترجمة التي قامت بها بافاريا؟
أولاً من ناحية خطة العمل هذه الترجمة عملٌ جماعي توثيقي قام به عشرة من الباحثين المتخصصين، خمسة من العرب وخمسة من الألمان، ووفرت لهم كافة المراجع الخاصة بالتفسير والسيرة والحديث وأسباب النزول باللغات المختلفة وعلى رأسها لغة القرآن الكريم، وأخرجناها جزءًا جزءًا، واستبشر بها الكثيرون؛
لأنها أول ترجمة تفسيرية بلغة أوروبية تجنبت أخطاء الترجمات الأخرى وتجاوزتها، واستمر العمل على قدم وساق وبدأبٍ لثلاث عشرة سنة متصلة، ولاقت الترجمة قبولاً من المسلمين الناطقين بالألمانية، ومن غير الناطقين.
كان لا بد من وضع ترجمة غير تقليدية لتكون بديلاً ملائمًا لتتغلب على ضعف الترجمة الحرفية، وتعتمد المصادر الإسلامية من تفسير وحديث وأسباب النزول واختيار أوثق الآراء في تفسير آيات كتاب الله، فضلاً عن الاعتماد على المصادر في اللغات الأخرى.
لقد وضعوا أيديهم على ما يعاني منه المسلمون الناطقون بالألمانية والمسلمون الجدد عامة، فقد أدركوا خطورة عدم توافر ترجمة ألمانية صحيحة لمعاني القرآن الكريم، مما يفتح المجال واسعًا أمام طعنات الحاقدين.
ومن خلال مؤسسة بافاريا للنشر والإعلام في مدينة ميونخ برز إلى الوجود المشروع العملاق لترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغة الألمانية، التي أخذت على عاتقها تصحيح الصورة المشوَّهة للإسلام، وإنجاز ترجمة صحيحة ووافية لمعاني القرآن تمهيدًا لتصل رسالة الإسلام إلى الناس كافة.
لقد قام فريق العمل المكوَّن من العرب والألمان المتخصصين بهذا الإنجاز على خير وجه، وكلّف الدكتور أحمد توتونجي بالمعهد العالمي للفكر الإسلامي في أمريكا فريقًا يراجع العمل العملاق في مراحله المختلفة.
  • ما أهم المصادر التي اعتمد عليها تفسير معاني القرآن باللغة الألمانية من كَمّ المصادر الكبير الذي ذكرت?
كان الهدف ترجمة سهلة التناول والاستيعاب، وكانت المصادر التي تم اختيارها وتخضع لأصول علم التفسير هي:
  1. ابن كثير.
  2. القرطبي.
  3. في ظلال القرآن.
  4. صفوة التفاسير.
  5. تفسير الجلالين.
ومن أبرز المراجع والبحوث غير العربية التي تم الاستناد إليها:
  1. الدارابادي.
  2. المودودي "تفهيم القرآن".
  3. يوسف علي.
  4. محمد أسد.
وبعد جهد شاق خرجت الترجمة التفسيرية إلى النور في ثلاثة آلاف صفحة، ونالت القبول من الناطقين بالألمانية، فلم يقرأها أحد من غير المسلمين إلا دخل الإسلام، فضلاً عن التزكيات العلمية التي صاحبت صدورها سواء في مصر "الأزهر الشريف"، أو في المملكة العربية السعودية "رابطة العالم الإسلامي"، أو من شخصيات لها اعتبارها لتكون الترجمة المعتمدة لدى المسلمين الألمان ،وتحل محل العديد من الترجمات التي تحمل التشويه والمغالطات.
والترجمة موثقة وتورد النص القرآني باللغة العربية بجوار الترجمة الألمانية. وتم عرض العمل بعد اكتماله على مؤتمر جامعة آل البيت في الأردن، وتم اختيارها كأحسن مصدر لفهم القرآن الكريم لغير العرب، معلنين انتهاء عهد الترجمات القصيرة.


وفاته :توفي الأستاذ عبد الحليم خفاجي يوم 31/ 8/ 2013





  • تعليقات

    المشاركات الشائعة من هذه المدونة

    حوار مع الشيخ : عثمان حاج مصطفى

    أسامة خليفة ..إنتاج فيلم الطفل انطلاقا من قيمناِ لاء للإنتاج الفني، تقف على خط المواجهة، وبصدق نقول هذا، فقد كانت المبادرة إلى هذا العالم الرحب في وقت كان هَمّ الآخرين أن يقوموا بدبلجة ما يقدم، نريد من يؤمن بالفكرة

    موسى ابن نصير قائد عسكري عربي في عصر الدولة الأموية. شارك موسى في فتح قبرص في عهد الخليفة معاوية بن أبي سفيان