#الشهيد_جمال_خاشقجي_لم_يمت
عرفته في العام 1990 لأول مرة، مع شرفاء محترمين في (جريدة المدينة) حين عملت بها لخمس سنوات، وكان
يرأس مجلس إدارتها الشيخ أحمد صلاح جمجوم ـ رحمه الله ـ ، كنت أسعد برؤيته حين ألقاه في تواضعه وسمته، وتوطدت العلاقة بيننا في ثقة.
كان يرسل لنا مقاله حين يكون موجوداً للاطلاع عليه، كان يثق في رأينا، وعند إنشغاله كان يرسله بالفاكس(ويكتب عليه إسمي وأتلقاه منه لأراجعه حين يكون مهموماً بالهمّ السياسي الذي لم نكن نعرفهُ من قبل. في وقت لم يكن الأنترنت متاحا للجميع)
لم نكن نعرف سرغيبته أحيانا عن الجريدة، وحرصه أن يستمر مقاله حين يكون غير متواجد، وأدركنا أنه شخصية فوق العادة، أو مستشارا مميزا لآل الفيصل! وخاصة تركي الفيصل رئيس الاستخبارات السعودية.
كان يعمل معنا في جريدة المدينة عدد من الشخصيات"رئيس التحريرعبد الله العمري" و"محمد محجوب"وشخصيات أمنية سيئة الذكر،وشخصيات محترمة بعضهم من السودان، كان سيئو الذكر متواصلين مع الأمن ولاعمل لهم إلا ذلك ويوقع أحدهم على صفحات الجريدة دون أن يعلم المحتوى،مجرد كُتاب تقاريرلأمن الدولةـ لكل ما يصدر في الجريدة، بل ينظر للصفحة ويوقع عليها.
التقينا بشخصيات مصرية زاملناها وربطت
بيننا وبينهاعلاقات وثيقة مثل الأستاذ:"عادل
القاضي"رحمه الله،والأستاذ نزار قنديل و"مصطفى عبدالرازق"و"مجدي الجلاد" الذي صارمن الشخصيات المتحولة بعدما تقرب من نجيب ساويرس .مجدي الجلاد ما وطئت قدمه أرض مصر حتى عمل في"المصري اليوم" ثم "الوطن"ونسي كل من اقترب منه. وعند وفاة صديقنا "عادل القاضي" جاء من أجل العزاء وسرعان ما ترك الجنازة .
من المصادفات طلب الأستاذ عادل القاضي أن أعمل معه في"الوفد" بعد ما كنت في"اليوم السابع"وطلب منيّ تقريرا متميزا لمعرفة سر نجاح المنظومة لديهم في"اليوم السابع"خالد صلاح" الذي وصف ديكتاتور اليوم السابع.
بعدما استقام الأمر لنا في (الوفد)أتصل بي الأستاذ "نزار قنديل"وراسلني بكتاباته ـ ويعمل الآن في العربي الجديد،الآن مع أخيه وائل قنديل في موقع وقناة "العربي الجديد"والأولَيان كانا يعملان في"جريدة الوفد المصرية" قبل العمل في تحرير"جريدة المدينة"،وعدنا بعدما انتهى التعاقد أثناء فورة السعودة.
لم يكن هناك رئيس تحرير للجريدة في فترة طويلة، كان الأستاذ"جمال خاشقجي"
قائما بمقام رئيس التحرير لمدة ستة أشهر تقريبا،ومن ثمرات
العلاقة التي ربطتنا معه قمنا ببناء جسر من الثقة بيننا وكنا نقرأ الواقع، ونقوم بدورالناصح.
الاستاذ "جمال خاشقجي" كان حريصا على أنْ "أقرأ" كل كلمة
يكتبها،وأراجعه فيها إنْ لزم الأمر، بل وصل الأمر أن نغير فقرات من مقاله حين نشيرعليه بذلك، لأننا
كنا على إدراك بأن أي كلمة حُرّة من الممكن أن يدفع ثمنها غالياً،ولا نريد أن يقع في مهاترات أمن الدولة السعودية رغم أنه كان أقوى
كثيرا من الأمنيين الذين يتربصون أي هفوة.
"جمال" كان حريصا على دقة كلماته،وحين أقرأ مقاله،وأدرك ملاحظة أو اندفاعا سياسيا قاتلا ـ في بلد يعاني ـ الانغلاق، ويفتقد حرية الكلمة، كنت أسدد وأقارب حين أجد عبارة غامضة أو"حمّالة أوجه" أنبهه فيه بلا خوف، كان ـ رحمه الله ـ ليّنا
في التعامل مع المصريين بوصفهم أنّ لهم السبق في الجانب الإعلامي.
وأيضا سعدنا بشخصية كنا نكنّ لهاالاحترام كأخٍ كبير ووزيرسابق ونكنّ له الاحترام لأنه دفعنا إلى الإعلام الحديث
وهو"الشيخ أحمد صلاح جمجوم رحمه الله"،الذي دعا إلى تحديث الجريدة"جريدة المدينة"وبضرورة
التعامل مع أجهزة الحاسوب من قبل المحررين وليس فقط لقسم "الجمع التصويري" الذي كان يعدّ العاملون فيه أباطرة الجريدة وكانوا جميعا
من المصريين، في الحقيقة الذي الذي دربنا على التعامل بالكمبيوتر هو الصديق عادل عبد المقصود ، والمهندس محمد عليوة
دفعنا إلى التعامل مع الضيف الأثير"الكمبيوتر"لأول مرة، وإدخال الصور مع النصوص بسهولة ويسر بلا حاجة من المونتاج،واستقدمت الجريدة
مجموعة متميزة من الفنيين والصحفيين المتميزين
لتدريب الجميع على أن يكونوا أفرادا محترفين من ذوي القدرات المتعددة ومنهم المهندس/ عادل عبد المقصود الذي كان له الفضل في ميكنة العمل باحترافية على غرار
الصحافة العالمية الوافدة .
جمال خاشقجي
ـ الإسلامي ـ الذي يسع عقله وقلبه "العالم الإسلامي" الموحد، كان لا يزال منتدبا من قبل آل ـ الفيصل كمستشار إعلامي لـ "تركي الفيصل" رغم تواجده في الجريدة ـ وكان خاشقجي بالنسبة لهم حلاّلاً للعُقد وبمثابة المندوب السامي وأمين سرّالحكم والسياسة السعودية والعليم بمشكلات الحرب الأفغانية.
جمال ـ مثل الكثيرين ـ كان على علم بالحشود التي تأتي من البلدان الإسلامية من أجل دعم الحرب الافغانية بأكبرعملية نقل Transfer للجهاديين من ساحل المحيط الأطلسي إلى الخليج العربي لخوض الحرب ضد الروس في أفغانستان، كانوا يحشدون في مخيمات
في وسط مدينة جدة وكان "أسامة بن لادن" أميرالمجاهدين
بمدينة جدة يدعمهم تمهيدا لنقلهم عبر
الطيران السعودي وغيرالسعودي إلى مدينة بيشاورالحدودية الباكستانية، وكل ذلك تحت أعين الاستخبارات السعودية والأمريكية.
لم تكن هناك أسرار إلا ما تسرب إلى البعض أن جهات عربية توحدت للإجهاز على الجهاديين الذين يعيشون في هذه الدول لأنهم من"غير مرغوب فيهم، وافضل طريقة أن يذهبوا إلى المحرقة الافغانية ليريحوا ويستريحوا.
جمال كان له عقلية ذكية فوق العادة، وأدرك مبكرا أن أمريكا تريد شيئا مبهما خافيا غير نقل هذاالعدد الكبير من شباب الجهاديين ـ حسني النية ـ من دول متعددة، والذين كانوا يحبون استقلال بلادهم ومستعدون أن يضحوا بأنفسهم من أجل أن تكون دولهم مستقلة.
أما أمريكا فبعد الحشود وكسر شوكة الاحتلال السوفييتي والدماء التي سالت والتي كانت تؤمّل أن كون أفغانستان محرقة للجهاديين فنجا منهم الكثيرون، فقد كانت تريدهم رمادا للحرب، ذهاباً بلا عودة .
والجهاديون يشكلون دائما إزعاجا لأمريكا حتى في بلدانهم،واكتشفنا أن أمريكا تريد أوطانا عربية ممزقة مستأنسة يديرها "نواطير"من عملائها من قبلها حتى تستطيع
نهب ثروات الدول العربية والأفريقية بلا رقيب ولا حسيب.
كانت أمريكا تسعى في إيجاد "الاستعمار الجديد للعالم" ونهب ثرواته في استعمار جديد، فلابد أن تكون أمريكا سيد العالم بلا منازع،سيد العالم برمته فابرمت اتفاقا بين الحكومات التي صنعها الغرب لاستنزاف مقدرات الدول (العرب إسلامية)، فقام بالاجتماع مع حكام العرب للتخلص من الجهاديين بذريعة الجهاد في أفغانستان!.
ووافق "نواطير"الدول العربية جميعا على أن تخلو بلادهم من خطر الجهاديين، وعلى رأسهم السادات،وهواري بومدين، والحبيب بورقيبة، والقذافي،والملك الحسن الثاني، ورؤساء الدول الأفريقية التي يتركز فيها الجهاديون، والشاذلي بن جديد وكان رأس الحربة المطيع الذي يسهل ويشهل نقل هؤلاء هو:
"الملك فهد بن عبد العزيز".
في المرحلة التالية حين التقيت بالأستاذ جمال خاشقجي مفاجأ لي حين عملنا معا في "الشبكة العربية للنشر والتوزيع"، والتي كانت في شارع حراء وكان يديرها الأستاذ بهاء ابو غزالة،وانتدبني"الأستاذ نزار قنديل"من أجل إدارة مجلة "الإغاثة" التابعة لرابطة العالم الإسلامي .
في الحقيقة كانت السعودية الواجهة التي تمرر صفقات العمليات القذرة Dirty Work مع أمريكا قبل 11 سبتمبر ومنذ تأسيس المملكة رسميا وتنصيب "الملك عبد
العزيز آل سعود"،وباعتراف"تركي الفيصل"حين كتب في جريدة الشرق الأوسط
ثلاث مقالات عقبَ اتهام أمريكا للسعودية
بأنّ معظم الذين قاموا بتفجيرات برجي التجارة العالميين هم من الجهاديين
السعوديين ..
وذكر"تركي الفيصل"أنّ المملكة كانت تقوم بالعمليات اللوجستية لصالح أمريكا إبّان الحرب الباردة في المناطق التي بها نفوذ سوفييتي أو قواعد عسكرية سوفييتية، حيث كانت
ترسل في الحقيبة الدبلوماسية الأسلحة والروبلات الروسية لزعزعة الأوضاع في
البلدان التي تخضع للتواجد الروسي.
واعترف الأمير طلال بن عبد العزيز بأن نشأة المملكة كان برعاية بريطانية،وكانت تدعم آل سعود بالمال حين كانوا في فترة لم شتات الجزيرة العربية إلى كيان واحد طوعا أو كرها.
أما سعود الفيصل وزير الخارجية السعودية فكان يستشير جمال عند الحاجة ـ حسب علمي ـ ،وكذا خالد الفيصل، الذي صار أميرا
لمنطقة مكة المكرمة"أي كان جمال خاشقجي مستشارا وسفيرا ـ فوق العادة ـ من قِبل "النظام السعودي" لرحلاته المكوكية
إلى "إسلام أباد، بشاور" للوصول إلى كابول، وغيرها من الدول المستقلة عن الاتحاد السوفييتي.
كان خاشقجي رجلا موثوقا به في انتدابه وكتاباته من
قبل السعودية، وكان سعود الفيصل وزير الخارجية حينذاك، وأخوه تركي الفيصل رئيس
الاستخبارات هما من يعمل معهما ـ جمال خاشقجي ـ فكان أمين السر والمستشار الأمين . وأتذكر حين تفكك الاتحاد السوفييتي "ميخائيل جورباتشوف" إلى عدة
دول عقب الحرب السوفيتية في أفغانستان 26 ديسمبر 1991،عقب إصدار مجلس السوفييت الأعلى
للإتحاد السوفييتي الإعلان رقم 1 والذي أُعلِن فيه الاعتراف باستقلال الجمهوريات السوفيتية
السابقة.
وتم بعدها إنشاء رابطة الدول المستقلة لتحل
محل الاتحاد السوفييتي فاختار الأستاذ جمال خاشقجي عنوانا قويا عن استقلال الشيشان وأنجوشيا
المسلمتين اللتين كانتا تحت نير الاتحاد السوفييتي كما نشيت على جريدة المدينة.
جمال كان أمينا على أسرار النظام السياسي،
ولم يكن عرابا لفكرة، كان إسلاميا
معتدلا، وليس منتميا إلى جماعة أو فكر
أصولي، وليس منتميا بالذات للإخوان
المسلمين، وإن كان له نهج مقارب لفكرهم بوصف الإخوان كوادر متميزة تعيش في السعودية بعد تهجيرهم من مصر.
قام الكثيرون من الإخوان بمساندة النهضة السعودية كمستشارين،وأساتذة جامعات ومتخصصين في التنقيب عن الثروات، وتوسيعات الحرمين الشريفين،أي كان لهم قصب السبق في النهضة السعودية بعدما اعتقل الكثيرين منهم منذ الخمسينات في مصر إبان الحقبة الناصرية .
وللحقيقة جمال رأيته محبا لدينه، ومعتقده وإن أفصح عن سوءات التبديل والتغيير في القيم حتى لدى آل
الفيصل، وخاصة الذين عملوا بالدبلوماسية التي كانت في عهد "الملك فيصل" تقترب من النظافة النسبية، وكانت الاستخبارات في مفهوم الملك فيصل رحمه الله جمع وتحليل المعلومات.
وحسبكم أن تقرأوا مذكرات الاستخباري السعودي "أحمد باديب" ذئب الاستخبارات السعودية القذرالذي كان يعمل مع"سعود الفيصل" لتعلموا كيف يعمل الكبار في الدبلوماسية القذرة بعد موت الملك فيصل رحمه الله .
وطويت الصفحة الأخيرة
نصحه آل الفيصل بالرحيل 2017 حين تولى الملك سلمان الحكم، وابنه الأرعن محمد بن سلمان الذي كان يوصف بالداشر، فلا مكان له هناك
الآن، فرحل الرجل وكانَ يكتب آراءه باحترام وحيادية، وكانت له العديد من المداخلات،
حتى أغراه الكثيرون بتطمينات للعودة إلى السعودية وزيارة لإجراءات عقد زواج من خطيبته من"خديجة جنكيز"الشابة التركية التي كانت تنتظره أمام السفارة السعودية ولكنه ولم يعد.
لقد دخل سفارة بلاده ولم يخرج منها حيا لأنه يحمل"الصندوق الأسود"أعني أسرار الدولة السعودية، وكم من سفيه يقف على سدة السلطة، وكانت جريمة خاشقجي هي الكتابة والقلم والأرشيف الحي الذي كان ينبض في رأسه (القلم، والكلمة) وما أخطر هذين السلاحين على السياسيين، وكان ينعىَ على النظام في أرض الحرمين من إعتقال أكثر الناس شرفاً وحباً لأرض الحرمين.
هكذا كان جمال خاشقجي يعمل، ولذلك قتل شريفا مخدوعا،مظلوما، بعيدا عن أرض الحرمين، ولم تشبه شائبة تكسُّب، ولا غسيل أموال،ولا مداهنة سلطان كان يقول لآل الفيصل كلمة حق وإن لم تستسغها عقولهم وذائقتهم، وكان الواجهة الموثوقة المعروفة لآل سعود، بل المعبِّر عن رأي النظام بلا مداهنة، فقط الحقائق هي التي كانت تتكلم .
التقيت بصديقي جمال آخر مرة في إسطنبول في ندوة تفجير الاتفاق النووي الإيراني وسط عالم مضطرب،7مايو 2018.
.......................................
عنه رحمه الله
كان يعمل مراسلا في صحيفة سعودي جازيت 1987، للشرق الأوسط العربية ،وعرب نيوز ، والحياة اللندنية .
أسهم في تغطية الحرب الأفغانية وحرب الخليج الأولى 1990 ـ 1991
في العالم 1999 عمل نائبا لرئيس التحرير بصحيفة عرب نيوز
ــــــــــــــــــــــــــ
تعليقات