الدكتور محمد المسيري العالم والإنسان العلامة الذي يرفع العقيدة على رؤوس الأشهاد
العلامة محمد المسيري الذي يرفع العقيدة على رؤوس الأشهاد |
من المقولات التي لا يمكن للعدو الصهيوني مواجهتها مقولة العربي او الفلسطيني. فاعترافه بوجود العربي هو اعتراف ضمني يكذب أيديولوجيته من أساسها ولذا نجد الصهاينة يبذلون قصارى جهدهم في أن يزيلوا الوجود الفلسطيني تماماً لا من الوجود وحسب، وإنما من وجدانهم ووجدان الآخرين.
ويتبع الصهاينة. مناهج عديدة للوصول لهذا الهدف. فيسمون العربي بأنه متخلف (وبالتالي لا حقوق له)، أو أنه لا هوية محددة له (وبالتالي يمكن توطينه في أي مكان) أو أنه لا وجود له (ولذا قالوا عن فلسطين الآهلة بالسكان والتي كانت تعد من أزحم بقاع العالم: أرض بلا شعب، أي أرض خالية).
وكل هذه المناهج كانت تصلح للتعامل مع الفلسطينيين عن بعد، ولكن بعد حرب 1967 اختلت الأمور، وكان علي العدو الإسرائيلي أن يتعامل مع الفلسطينيين، وكان عليه أن يقاتل ضدهم وأن يحاول التصدي لمظاهراتهم وأن يهرب من رصاصاتهم، وأصبح من الصعب عليه أن ينادي بأنهم لا وجود لهم، وإلا بما يفسر تلك القلاقل التي يثيرها هذا العربي الغائب، ولذا لجا العدو، شأنه شأن كل المستعمرين، إلى تقسيم الفلسطينيين إلى أقلية مناضلة "سريرة" يسميها بالإرهابيين أو المتسللين أو المتشردين أو أتباع المنظمة (ولا يسمونهم قط بالفدائيين أو المدافعين عن الحرية)
هناك أغلبية طيبة خيرة طيعة مستسلمة تستمع إلى أوامره وتنصاع لها. ويجب أن تنتبه إلى أن مثل هذه التقسيمات الساذجة بل والواضحة البلاهة ليست من قبيل التدليس على الآخرين وحسب ولا من قبيل خداع الرأي العام العالمي، بل هي قناعة إسرائيلية حقيقية، تحدد سلوك العدو وتفسر العديد من برامجه الفاشلة.
ويظهر في الصحف الإسرائيلية من آونة لأخرى أنباء توحي بأنه "تم أخيرا السيطرة على الموقف سيطرة تامة" أو "أن المقاومة قد اجتثت تماما من جذورها" أو أن "أهل الضفة قد بدأوا يظهرون الثقة في القيادة الإسرائيلية الحكيمة الرشيدة" وقد امتلأت الصحف الإسرائيلية بأنباء عن نجاح غزو لبنان وعن أن القوات الإسرائيلية قد حققت ما تصبو إليه (وهم يسمون غزو لبنان "عملية سلام الجليل" ، وهكذا يصبح الفلسطيني الذي يدافع عن حقه إرهابيا، والصهيوني الذي يستولي على أرض الآخرين مدافعا عن السلام).
ومن أطرف الأمثلة على هذا الاتجاه التصريح الذي أدلى به الجنرال بنيامين بن اليعازر (الذي يشغل وظيفة "منظم الأنشطة في يهودا السامرة، أي الضفة الغربية) (الجيروساليم بوست 4 نوفمبر 1983) بأنه لاحظ أخيرا علامات وقرائن على ما سماه اتجاها مترددا أو حذرا نحو البرجماتية بين عرب الضفة والقطاع.
والبراجمانية تعني في نهاية الأمر التكيف مع الأمر الواقع وتقبله، والأمر الواقع هو القهر الإسرائيلي. وكي يرتدي مسوح الموضوعية قال الجنرال الصهيوني أن الوضع الآن مختلف عما كان عليه بين عامي 1978 و 1981 (حينما كان يشغل منصب الحاكم العسكري في الضفة الغربية).
وقد حاول الجنرال تفسير التغير الذي حدث بأنه يعود إلى هزيمة المنظمة في بيروت وانقسامها في طرابلس وإلى انشغال الدول العربية كل بمشاكلها ومصالحها. ثم أضاف أن 55% من كل الفلسطينيين في المناطق المحتلة وُلدوا بعد 1967 ولا يعرفون الأردن ورمزهم الأساسي هو منظمة التحرير، و40% منهم يذهب للمدارس والجامعات وقد سألته الجريدة كيف ينوي أن يكسب قلوب هؤلاء الشبان المرتبطين بالمنظمة، فكان رده متواضعا إذ قال إنه لن يحاول بطبيعة الحال أن يحولهم إلى مؤيدين للصهيونية وإنما سيساعدهم على حل مشاكلهم المحلية بأن ينشئ عددا أكبر من البنوك وأن يؤسس شركة استثمارية ولا داعي للحديث عن القضايا السياسية العريضة!
وهكذا ستحل إسرائيل المسألة الفلسطينية بتحويل انتباه الشباب الفلسطيني إلى أمور المال والدنيا بدلا من قضايا الوطن والأرض.ولا يعدم الصهاينة أن يجدوا من يتعاون معهم ويؤازرهم ويقدم لهم العون والنصح والاستشارة.
فالولايات المتحدة الأمريكية التي تود التوصل إلى حل سريع ودائم وشامل للمشكلة الفلسطينية عن طريق تقوية قبضة الاحتلال الإسرائيلي وعن طريق فرض الكيان الصهيوني كأمر واقع نهائي وجدت أن من الضروري مد يد المساعدة للجنرال بنيامين بن اليعازر ولذا تمت دعوته لزيارة الولايات المتحدة ليجتمع مع وزير الخارجية الأمريكية وكبار موظفي الوزارة ليبحث معهم عن كيفية تحسين مستوى معيشة العرب في الأراضي المحتلة (أي مزيد من البنوك)
_________________________________________________________________________
تعليقات