الصاوي شعلان نابغة لم يعرف قدره

 

                                "الصاوي شعلان" الأعمى الذي رأى كل شيء!

 لم تكن محنة فقد البصر؛ محنة تتوقف بسببها حياة المرء، كما لم تكن كارثة تقضي على حياة المبتلين بها من أصحاب النفوس الطموحة؛ حتى وإن شعر صاحبها بألم التهكم وسخرية الآخرين.

وقد صور شاعر النيل حافظ إبراهيم بأصدق تعبير، كيف أن هؤلاء العميان ضربوا في كل جانب من الحياة بأبلغ نموذج للنجاح، وقهر العاهة، فقال:
كم رأينا من أكمهٍ لا يجارى
وضريرٍ يرجى ليوم عبوس
لم تقف آفة العيون حجازا
بين وثباته، وبين الشموس
عدِمَ الحِسَّ قائدا فحداه
هدي وجدانه إلى المحسوس

وصدق من قبله ابن عباس رضي الله عنهما -بعد أن فقد بصره- فيما أنشد له الجاحظ من شعر يقطر بالعبقرية والتفرد:
إن يأخذ الله من عيني نورهما
ففي لساني وسمعي منهما نور
قلبي ذكي وعقلي غير ذي دخلٍ
وفي فمي صارم كالسيف مأثور
وحديثنا ينصبُّ الآنَ على الشيخ الصاوي علي شعلان (1901- 1982م) الذي فقد بصره صغيرا؛ فأصرعلى النبوغ،ومواصلة رحلة العلم، فأتم حفظ القرآن الكريم، في كُتَّاب قريته "سبك الأحد"، مركز أشمون بمحافظة المنوفية بمص،ثم التحق بالأزهر الشريف، واجتاز المرحلة النهائية من التعليم الثانوي بسرعة لفتت الأنظار إليه، «حتى تحقق له، بجهد خارق، وإرادة حديدية الحصول على هذه الشهادة في عام واحد، وكان ترتيبه الأول على دفعته. 

ثم حصل على شهادة "العالمية" وكان -أيضاً- الأول على القطر المصري" كما يقول أحمد مصطفى حافظ، في كتابه "شعراء ودواوين" الصادر عن هيئة الكتاب بالقاهرة.
وتطلعت نفسه للاستزادة، فاتجه بفكره وقلبه نحو الجامعة المصرية لتحصيل الثقافة الحديثة؛ فالتحق بمعهد الدراسات الشرقية، ونال الدبلوم العالي، وأتقن طريقة "برايل" للخط البارز.
 وأمكنه إتقان عدة لغات هي: الإنجليزية، والفرنسية،والألمانية،والتركية والفارسية،والأردية،وانكبّ على استيعاب ذخائر هذه الآداب؛ فترجم الكثيرمن قصائد شكسبير،وسعدي الشيرازي،وإقبال، وجلال الدين الرومي، والعطار،وطاغور،ونذرالإسلام شاعر البنغال.
وذات مرة أتيح لكوكب الشرق أم كلثوم الاطلاع على رائعته"حديث الروح"التي ترجمها من شعر إقبال، والتي شدت بها، متعجبة من مقدرته الخارقة على جعل الشعر المترجم كأنه من بنيات أفكاره، والتي يستهلها بقوله:
حديثُ الروحِ للأرواحِ يسريِ
            وتدركه القلوبُ بلِاَ عنَاءِ
هتفتُ به.. فطارَ بِلا جنٍاحٍ
            وشقّ أنينُهُ صدرَ الفضاءِ
ومعدِنُه تُرابُِّي.. ولكنْ
          جَرتْ فِي لفظهِ لغةُ السماءِ
وعن ترجمة شعلان لإقبال وإعجابه بها، يقول العلامة عبدالوهاب عزام: "الذي قرأ شعر إقبال بالأردية، وعانى ترجمة الشعر نظما، يعجب كل الإعجاب بمقدرة المترجم".

قال عنه العلامة حسين مجيب المصري: "كان آية من آيات الله في دقة الفهم والذكاء، والمقدرة على إتقان اللغات، وروعة الترجمة، في ثوب عربي مبين"!
وللصاوي شعلان دور بارز في الحركة الوطنية، والنضال ضد المحتل؛ فقد كان من خطباء ثورة 1919م، وكان له وزنه وشهرته، بحنجرته القوية الهدارة. وكان الأستاذ العقاد يناديه بقوله: "يا خطيب الأمة".

ويعد شعلان من أوائل من عرفوا الناس الأمور الدينية والثقافية في محطات الإذاعة الأهلية في العشرينيات والثلاثينيات من القرن العشرين، وبعد إنشاء محطة الإذاعة المصرية الرسمية كان من السابقين للحديث فيها.

وطالما حدثته نفسه الطموحة لتذليل العقبات أمام المكفوفين؛ فسعى جاهدا لتأليف لجنة لكتابة "القرآن الكريم" بطريقة برايل، كأول عربي يفكر في هذا الأمر،ورَأس اللجنة، وكان أكبر إنجازاته على الإطلاق هو "طبع المصحف الشريف كلهِ بطريقة "برايل"، بالطريقة المذكورة، التي أفاد منها الملايين".
مع هيلين كيلر!
وعندما زارت الكاتبة الأميركية المشهورة هيلين كيلر-الصمّاء البكماَء العمياءَ لجمعية النورلرعاية المكفوفين بالقاهرة؛ حياها شعلان بقصيدة للدلالة على قدرة الخالق جلّ وعَلا فقال:
رُب عينٍ لم تبُصرْ النــــور يوما
        أرسلَ الكونُ مِنْ هُداها، الشُّـعَاعَا
رُبّ أذنٍ لـــمْ تـــسمعَ القـولَ لكـِنْ
       حـــيّرت مــِـن بيانِهـا الأســـمَــاعَا
هـــلْ رأيــــتُم "هيـلين" تـقتـِحــُم
      السبـــعين سنا، ولا تمل الصـراعـا؟
وتجوب الأقطار كالنـجم فـي الـنور
       وكالــعـطــر في الــربيــع مـــذاعـا
ولم يكتف الصاوي شعلان بذلـك، ولم يقف طموحه عند هذا الحد، فقد سجل أطروحته للدكتوراه بجامعة القاهرة، في الخمسينيات، بعنوان "نظم ألف بيت من مثنوي جلال الرومي، مع التحليل والدراسة"، وبعد أن أنجزها، واجتمعت اللجنة العلمية لمناقشتها، ترك الشيخ الصاوي شعلان القاعة، وآثر الانسحاب في هدوء؛ لخلاف حاد بينه وبين أستاذه، ولم تشفع الوساطات لثنيه عما عقد العزم عليه، تماما كما صنع محمود محمد شاكر (أبو فهر) في الربع الأول من القرن الماضي،عندما اختلف مع أستاذه طه حسين؛ فاعتزل الحياة والجامعة!

واكتفى هذا العبقري بالعمل واعظا في مصلحة السجون، وقام بتدريس اللغة العربية في المعهد العالي للموسيقى العربية،وتعليم المناهج التاريخية بالمركز النموذجي للمكفوفين بالزيتون بالقاهرة، وأشرف على رياسة تحرير مجلة "المصباح"، واشترك في عدد من الجمعيات الخيرية، كجمعية مكارم الأخلاق، التي عمل رئيسا لتحرير مجلتها ولجنتها الدينية. 

وأحيل إلى المعاش في عام 1963م، وهو بوظيفة مدير عام الوعظ والتعليم بمصلحة السجون، وأهدته مصر وسام الاستحقاق من الطبقة الرابعة، ومنحته محافظة القاهرة شهادة تقدير عام 1972م. 

وللشيخ شعلان مؤلفات، منها: كتاب "والآن ماذا نصنع يا أمم الشرق"، الذي ترجمه عن إقبال، وكتاب "مختارات من مثنوي جلال الرومي" لم يطبعا حتى الآن! وله ديوان شعر بعنوان "ينابيع الحكمة" أصدرته هيئة الكتاب المصرية، ومايزال ديوانه "من وحي الإيمان" داخل مخازن الهيئة نفسها، يشكو الإهمال! وأثناء زيارته للاهور، مر بقبر محمد إقبال، فجاشت نفسه بأبيات خالدة، قال فيها:
عـجـبتُ لنجمٍ مشــرقٌ وهـُـو غَائبُ
        ومــحتـجبٍ، مازالَ يبـــــدوُ ويظهرُ
ولم أرنجـــــما قــطُّ بعـد احــتجابـه
        يزيد ضيــاء في العـــــــــيون ويبهرُ
سل الجوهرَالمكنونَ فيِ بَاطنِ الثـّرى
       متى عادَ للأصدافِ.. قبلك جــوهرُ!

ولد محمد إقبال عام 1877 وتوفي عام 1938 وهو اكاديمي وشاعر ومحامي وسياسي. ترجع شهرته الى مواقفه السياسية الداعية الى فصل الباكستان عن الهند أكثر مما ترجع الى مكانته كأديب أو مفكر. 

يعرف في باكستان بإسم (العلاّمه إقبال) وأنه الملهم لحركة فصل باكستان عن الهند , وهو يتكلم لغة باكستان الرسمية الأوردو كما انه يتحدث الفارسية بطلاقة وكتب بها الكثير من أشعاره

له معجبون بشعره في كل من باكستان والهند وبنغلاديش وسريلانكا كما يعجب به العديد من كتاب العالم خصوصا ً في الشرق الأوسط ويعدونه فيلسوفاً اسلاميا ًومفكراً معاصراً مثل:
 مصطفى المنفلوطي وأحمد أمين ومصطفى صادق الرافعي وعمر بهاء الدين الأميري
ظهر كتابه (أسرار معرفة الذات) عام 1915 باللغة الفارسيه مثلما ظهرت له بالفارسيه كتب اخرى مثل (أسرار فناء الذات) و (رسالة المشرق) و (زبور العجم) أما بلغته الأوردو فظهر له كتاب (ماذا نفعل يا امم الشرق) و (الكليم موسى) و (الفتوحات الحجازيه) اضافة الى ذلك كتب المقالات والخطب باللغتين الأورديه والإنكليزيه تضمنت مواضيع في التقاليد والمجتمع والدين والسياسه
عام 1922 قلده ملك بريطانيا جورج الخامس لقب (سير) حين كان يدرس الفلسفه والقانون في بريطانيا فأصبح عضواً في جمعية مسلمي كل الهند فإستغل هذه المناسبه ليلقي خطابا ً يدعو فيه الى إنشاء دولة اسلامية مستقله في شمال غرب الهند وكان ذلك عام 1930
في العديد من دول جنوب آسيا يعد إقبال (شاعر المشرق) و (مفكر باكستان) و (حكيم الأمه) أما حكومة باكستان في ما بعد فقد عدته (شاعراً وطنيا ً) وأصبح يوم مولده عطلة رسميه , غير أنه لا يملك من هذه الألقاب غير كونه واجهه للصراع الأمريكي البريطاني للسيطره على شبه القارة الهنديه عن طريق التقسيم شأنه في ذلك شأن محمد على جناح الذي أصبح أول رئيس لباكستان وعلى الجانب الآخر يقف كل من غاندي ونهرو في الهند.

جميعهم ما هم غير ادوات لتقسيم بلد تعايش فيه المسلمون والهندوس لقرون دون ان تحصل بينهم المشاكل , لكن هذه المشاكل ظهرت حالما بدأت الولايات المتحده الأمريكيه تبحث عن موقع لها في جنوب آسيا وبالتحديد في شبه القارة الهنديه فكان التقسيم بحجة الصراع الهندوسي الإسلامي غير أنه ولحد اليوم توجد مئات الملايين من المسلمين تعيش في الهند ومثلها مئات الملايين من الهندوس تعيش في باكستان

عام 1905 سافر الى انكلترا ودرس في جامعة كمبريدج فحصل على بكالوريوس في الأدب عام 1906 وشهادة في المحاماة عام 1907 بعدها انتقل الى ألمانيا ليدرس الدكتوراه في الفلسفه من جامعة ماكسميليان في ميونخ عام 1908 وكتب في ذلك أطروحه بعنوان : تطور الميتافيزيقيا في بلاد فارس

تأثر إقبال بكل من غوته ونيتشه كما أثرت فيه أشعار جلال الدين الرومي المكتوبه بالفارسيه وبدأ من خلال نظرته السياسيه الداعيه الى فصل باكستان عن الهند بدواعي دينيه يفكر في (التاريخ المشرق للإسلام) ويركز في كتاباته عليه تلك الكتابات التي ينشرها الى الأمه .

وبدأ يزور الجوامع والحضرات الصوفيه من أجل التهيئه لدعوته السياسيه من خلال الدين حيث يعتبر والى اليوم هو المؤسس العقائدي لدولة باكستان وتسمى اليوم بإسمه الكثير من الكليات والمعاهد والمستشفيات والمطارات في باكستان


خلال الحرب العالميه الأولى قويت علاقته بدعاة فصل باكستان عن الهند مثل محمد على جوهر ومحمد علي جناح وكان ينتقد حزب المؤتمر الهندي الذي اعتبره منقاداً الى الهندوس وأن الجماعات الإسلاميه فيه إنقسمت بين مؤيد لبريطانيا بقيادة محمد شافي وبين من يدعو الى الإنفصال بقيادة محمد علي جناح

عام 1926 انضم الى المجلس التشريعي في اقليم البنجاب وساند داعية الإنفصال محمد علي جناح وتعاون مع كل الطوائف الإسلاميه في الهند لتشكيل ما يشبه جبهه اسلاميه تنادي بالإنفصال
أصبح محمد اقبال الراعي الأول لصدور صحيفة (طلوع الإسلام) وهي صحيفه تاريخيه دينيه ثقافيه مخصصه لمسلمي الهند , وقد لعبت هذه الجريده دورا ً مهما في حركة انفصال باكستان

في السنوات الأخيرة من عمره ضعف بصره لدرجة أنه لم يستطع التعرف على أصدقائه بسهولة، وكان يعاني من آلام وأزمات شديدة في الحلق أدت إلى خفوت صوته مما اضطره إلى اعتزال مهنة المحاماة لكنه لم يتوقف عن ممارسة نشاطاته السياسيه وعن التأليف وكتابة الشعر

توفي محمد اقبال في نيسان 1938 بينما مشروعه في فصل باكستان عن الهند تأخر اعلانه حتى تم إقرار قانون استقلال الهند في 15 أغسطس 1947 وبذلك حلت الإمبراطوريه الهنديه وتحولت الى 3 جمهوريات هي الهند وباكستان وبنغلاديش

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حوار مع الشيخ : عثمان حاج مصطفى

أسامة خليفة ..إنتاج فيلم الطفل انطلاقا من قيمناِ لاء للإنتاج الفني، تقف على خط المواجهة، وبصدق نقول هذا، فقد كانت المبادرة إلى هذا العالم الرحب في وقت كان هَمّ الآخرين أن يقوموا بدبلجة ما يقدم، نريد من يؤمن بالفكرة

موسى ابن نصير قائد عسكري عربي في عصر الدولة الأموية. شارك موسى في فتح قبرص في عهد الخليفة معاوية بن أبي سفيان