يوجد شيئ أكبر مني ومنك
المؤامرة في كل مكان. يستيقظ المؤمن بنظرية المؤامرة عند الصباح،ولا شيء جديد تحت الشمس،هو يُعرف كيف يسير العالم ومَن يحكم قبضته عليه ومَن يقف وراء الأحداث الكبرى والصغرى.
الفضائية... إن
ها نظريمؤامر
الأخبار التي يقرأها كل يوم تصب في خانة واحدة: المؤامرة. لا شيء يحدث خارج المؤامرة. هي معبر إلزامي للأحداث، ولا يمكن أن يحدث شيء خارج إرادة مَن ينفّذ المؤامرة.
المؤمنون بنظرية المؤامرة ينتشرون في كل أصقاع الأرض. لا ينحصرون بدول حكمتها أنظمة عسكرية، أو اشتراكية أو شيوعية فقط. يمكنك لقاء عشاقها أينما ذهبت.
المؤمن بنظرية المؤامرة يعيش دائماً في قلق من أن يُخدَع، لذا فهو دائم اليقظة لكشف المؤامرات في كل مكان. يبدو مثل محقق بوليسي يربط الخيوط بعضها ببعض ليصل إلى الخلاصات، ولكن رغم هذه الإثارة التي قد تحيط بحياته، فهو يعيش في فيلم يعرف السيناريو فيه مسبقاً ويعرف النتيجة سلفاً، ما يحوّل حياته إلى مجرد حياة كئيبة لا تأثير له على أحداثها، وهو مجرد متفرج غير قادر على تغيير مجرى الأحداث أو التفاعل معها كواقع.
مؤخراً، مع اندلاع الانتفاضة الشعبية في لبنان، اعتبر المناهضون لها أنها ليست سوى مؤامرة خارجية تُحاك ضد البلاد وبعض الأطراف المحلية، واشتهروا بعبارة "في شي أكبر مني ومنك عم يصير" التي استخدموها في الأحاديث والنقاشات لتبرير مواقفهم.
الخرافات لم تختفِ
اعتقد البعض أن الكثير من الخرافات والأساطير ستختفي مع انتشار الإنترنت واستخدامه على نطاق واسع. اعتقدوا أن ثورة المعلومات ستقضي على كل النظريات اللاواقعية والتي لا أساس لها من الصحة. حسناً. كانوا على خطأ.
على العكس من ذلك، ساعدت منصات التواصل الاجتماعي أكثر في انتشار نظريات المؤامرة، وأصبح لأي كان القدرة على نشر النظرية التي يُريد، ويمكنه إعداد فيديو عن نظريته لتصل إلى ملايين الناس حول العالم.
في جولة بحث سريعة على الإنترنت، يمكن الوصول إلى عشرات نظريات المؤامرة. على موقع يوتيوب مثلاً، يمكن مشاهدة مئات، وربما الآلاف، من مقاطع الفيديو التي تتناول نظريات المؤامرة، وهي متوافرة بلغات كثيرة، أبرزها الإنكليزية، كما أنّك يمكنك الوصول إلى هذه النظريات ومتابعتها باللغة العربية.
نظرية المؤامرة ترتكز على عدد من العناصر، هذه أبرزها:
محرّك للأحداث:
بالنسبة إلى مطلقي نظريات المؤامرة والمؤمنين بها، العالم مكان مغلق ومنظّم. هناك دائماً مَن يحرّك العالم ويقف وراء الأحداث. هناك دائماً مَن يقف خلف المشهد الذي نراه، وبالتالي لا بد من وجود منظمات خفيّة، حكومات ظل، وأشخاص نافذين لديهم خطط سرّية للعالم.
العالم ليس مكان فوضوي بالنسبة إليهم. هو عالم ذو بعد واحد ولا يحتمل أن يكون غير ذلك. لذا، لا بد من أنّ هناك مَن يقوم بتحريك الأحداث.
منطقة عازلة:
لا يرون العالم كمكان فوضوي ومعقد. لا يريدون اكتشاف الاحتمالات المختلفة التي تحملها الحياة. المؤامرة هي فضاء نظري-"فكري" لا ينتهي. هي سردية يرى الفرد الواقع من خلالها، لأن الواقع معقد جداً وفوضوي، وهو صعب على الفهم أحياناً، وأثقل مما تتحمله حواسنا. هكذا تأتي نظرية المؤامرة، كمنطقة عازلة، بين الشخص والواقع لتصبح هي نافذته على العالم.
نظرية المؤامرة هي آلية نفسية تريح المؤمن بها وتجعل العالم مكاناً مألوفاً له.
تأليف النظرية:
تعتمد عادة نظرية المؤامرة على جمع عدد من الوقائع والأحداث ووضعها في سياق سردي محدد. أغلب النظريات ترتكز على خليط من الوقائع والمعلومات غير الدقيقة والتي لا أساس لها من الصحة. لذا، تبدو أغلب نظريات المؤامرة منطقية، ولكن كلما قمت بتفنيد "الحقائق" التي ترتكز عليها ستجد أنّها هشة.
الشعور بالضعف:
بالنسبة إلى المؤمن بنظرية المؤامرة لا يمكن القيام بشيء في هذا العالم لأن هناك قوى كبيرة وخفية تحركه. لا يمكن مواجهة تلك القوى ولا الحد من تأثيرها لأنها نافذة، ما يعني أن المؤامرة ستستمر ولن يوقفها أحد، وبالتالي لا مهرب من الاستسلام للواقع كما هو. ما يريح المؤمن بها هو أنه كشف المؤامرة ويعرف خيوطها، لذا، من ناحية، هو غير قادر على مواجهتها لأنها كبيرة جداً وتقوم بها منظمات سرية ذات نفوذ، ومن ناحية أخرى، هو يعرف تفاصيل المؤامرة. هكذا، يقف المؤمن بها على خيط رفيع محاولاً التوازن دون السقوط، ولكن الحياة تحدث خارج نظرياته.
وهي أشبه بالمعلبات الغذائية الجاهزة دون الخوض في فهم الوجود وأبعاده
أنواع نظريات المؤامرة
تنقسم نظريات المؤامرة إلى عدة أنواع، أغلبها تقع تحت هذه التصنيفات:
ـ الماسونية تحكم العالم
ـ الأرض مسطحة وليس كروية
ـ الشخصيات التي لا تموت
ـ المخلوقات الفضائية أسست الحضارة البشرية
ـ 11 أيلول/ سبتمبر عمل داخلي وليس هجمات إرهابية
الماسونية تحكم العالم:
قد تعتبر أشهر نظرية مؤامرة عرفتها البشرية. تتحدث عن منظمة خفية تملك كل أصحاب الثروات في العالم، وتسيطر على كل الحكومات، وتقف وراء الثورات الكبرى أينما قامت. عادة، عندما يتكلم المؤمن بهذه النظرية، يستخدم صيغة الغائب لوصف الماسونيين. يقول "لن يسمحوا لنا بالتقدم التكنولوجي"، "يريدوننا أن نبقى كذلك"، "يحركون الثورات في عدد الدول". وعادة، ترتبط هذه النظرية بالأحاديث السياسية، لأنه يجب على العالم أن يكون محكوماً من قبل جهة ما، والعالم لا يمكن أن يجري خارج إرادة الماسونية، برأي معتنقيها.
هذه النظرية ترتكز على رموز معيّنة منها العين والهرم وغيرها، وكل مقاطع الفيديو التي تتناول هذه النظرية ترتكز على إيجاد هذه الرموز في كل مكان لتؤكد أن الماسونية قابضة على هذا العالم البائس.
الأرض مسطحة وليست كروية:
مؤخراً، عاد النقاش حول كروية الأرض، من خلال نظرية تقول إن الأرض مسطحة، بعد أن أغلق هذا النقاش منذ وقت طويل. هذه النظرية لها أتباع كثر وهي تنتشر بشكل كبير لدرجة أنها تحتل جزءاً من النقاشات العامة في الإعلام والثقافة الشعبية.
جزء أساسي من هذه النظرية يعتبر أنّ وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا) تقف وراء نظرية كروية الأرض وهي تخفي حقيقة أن الأرض مسطحة عن شعوب العالم، وكل الصور ومقاطع الفيديو التي نراها هي مجرد فوتوشوب وخدع بصرية. ليس من الواضح تماماً لمَ قد تقوم "ناسا" بذلك، ولكن عند سؤالهم عن "ما دوافع ناسا؟"، الجواب ليس واضحاً. وإن وُجد، فهو مجرد تبرير آخر للمؤامرة.
الشخصية التي لا تموت:
أنت مخطىء إنْ كنت تعتقد أن ألفيس بريسلي مات. مغرر بك إنْ كنت تعتقد، كأي شخص آخر، أن صدام حسين قتل، أو أدولف هتلر انتحر، أو أن أسامة بن لادن اغتيل. كل هؤلاء، وغيرهم من كبار الشخصيات، لم يموتوا. هم في مكان ما على قيد الحياة. لا بد أنك ألتقيت بأحد هؤلاء الذين يؤمنون بهذه الأفكار. هذه النظرية تنطلق من أن الشخصية "البطولية" لا تموت حتى ولو شاهد الجميع الجثة. هو جزء من تأليه الشخصيات. حتى ولو أّن المؤمن بهذه النظرية لا يؤيد "الشخصية التي لا تموت" فهو يُقرّ بأنه لم يمت. الشخصيات العظيمة لا يداهمها الموت. هي تنتقل إلى مكان آخر.
نظرية المؤامرة تجلب اليقين للمؤمنين بها، وتبعدهم عن الشك. تفسر لهم الفوضى الموجودة في كل مكان، وكلما ازدادت هذه الفوضى، سنسمع نظريات مؤامراتية أكثر غرائبية
المخلوقات الفضائية أسست الحضارة البشرية:
هذه النظرية تعتقد أن الأهرامات لم يبنِها البشر، بل مخلوقات فضائية جاءت إلى الأرض وشيدتها. ترتكز هذه النظرية على أن البشر لم يملكوا التكنولوجيا اللازمة للقيام بهذه المهمة، على اعتبار أن تكنولوجيا اليوم متقدمة بما يكفي لبناء الأهرامات، بعكس الحال في الماضي، والتفسير الوحيد لذلك هو قدوم مخلوقات فضائية أكثر تطوراً من البشر لتقوم بذلك.
طبعاً، لست في موقع نفي وجود كائنات فضائية، لأن الكون واسع جداً ولسنا محور الوجود، وتبقى فرضية وجود حياة أخرى في مكان ما في هذا الكون كبيرة، وهي احتمالية تفتح أمامنا أسئلة كثيرة. الاعتقاد باحتمالية وجود كائنات فضائية أخرى في هذا الكون، يختلف عن الاعتقاد بأن هذه الكائنات قامت ببناء الأهرامات وغيرها من المواقع.
"11 أيلول" عمل داخلي محلي:
هجمات 11 أيلول/ سبتمبر هي الحدث الأبرز الذي شكل العقد الأخير من المشهد العالمي. مجموعة من الجهاديين الإسلاميين خطفوا عدة طائرات وقادوها باتجاه برجي التجارة العالمي في نيويورك الأميركية ومبنى البنتاغون. البعض لا يستطيع التعامل مع هذا الحدث كما هو. لذا، كان من الأسهل الخروج بنظرية تقول إن هذه الهجمات لم تقم بها مجموعة جهادية إسلامية، بل هي عمل استخباري داخلي من صنع حكومة الظل في الولايات المتحدة ليكون لها حجة لشن الحروب في الشرق الأوسط والاستيلاء على النفط.
هذه النظرية لا تريد التعامل مع الحدث وتبعاته وآثاره، وهي تأتي كمنطقة عازلة لرؤية الواقع. كل الأحداث الكبرى في التاريخ الحديث، مثل هجمات 11 أيلول، توجد نظريات مؤامرة حولها تختلف عن الواقع.
أشبه بالمعلبات الغذائية
أخيراً، الإيمان بنظرية المؤامرة هو خيار شخصي. هذه النظريات تسهل على المؤمنين بها التعامل مع الواقع المعقد، وهي أشبه بالمعلبات الغذائية الجاهزة دون الخوض في فهم الوجود وأبعاده. مهما بلغت نظرية المؤامرة من عمق فهي تبقى أحادية البعد وتبقى على السطح في رؤية العالم. تناسب هذه النظرية العقل الكسول.
عالمنا اليوم بالغ التعقيد. العالم القديم يحتضر وينهار إلى غير رجعة، ونحن ندخل عالماً جديداً ملامحه ليست واضحة بعد. كثيرون لن يغوصوا في فهم ما يحصل، ولن يحاولوا الإجابة على أسئلتهم من خلال الواقع، بل يعتمدون على نظرية ما تمنحهم أجوبة مرضية للاستمرار في الحياة دون أن يغيروا معتقداتهم أو الأفكار التي تربوا عليها.
نظرية المؤامرة تجلب اليقين للمؤمنين بها، وتبعدهم عن الشك. تفسر لهم الفوضى الموجودة في كل مكان، وكلما ازدادت هذه الفوضى، سنسمع نظريات مؤامراتية أكثر غرائبية.
تعليقات