البروفيسور عبد الغفار عزيزمسؤول العلاقات الخارجية للجماعة الإسلامية في باكستان صعدت روحه إلى با ريها
كانت قضيته ـ رحمه الله ـ أن يكون مسلمي القارة الهندية في سلام ولو كانوا يعيشون مع الهنود الوثنيين، ولكن الهندوس المتطرفون أبوا إلا سفك دماء المسلمين، والذي حدث في الهند أيضا حدث في بنجلاديش حيث يعاني المسلمون أشد المعاناة من الحكومات المتطرفة التي تفتقر إلى العدالة .
بنغلاديش ثالث أكبر دولة إسلامية من حيث عدد السكان- تحترق بنيران العداء السياسي، الحكومة ألقت القبض على معظم الخصوم السياسيين وبالأخص الإسلاميين منهم ومصرة على إعدامهم عبر محاكم خاصة، ومعارضة لا ترى الاعتقالات والمحاكمة وأحكام الإعدام سوى عمليات انتقام سياسي، تحاول الحكومة من خلالها تصفية الخصوم وخلق موجة العصبية السياسية لتكون ورقتها الرابحة في انتخابات العام القادم.
فما حقيقة الصراع الراهن الذى أودى إلى الآن بحياة المئات من المدنيين وأصاب الحياة اليومية بشلل شبه كامل وجعل المراقبين يخشون من نشوب حرب داخلية؟
أما اللغات المطروحة لتكون لغة رسمية لدولة حديثة الاستقلال فكانت:الأردية لكونها اللغة الجامعة بين أغلب العرقيات،والعربية لكونها لغة القرآن والإنجليزية. عندما اختيرت اللغة الأردية لغة رسمية اتهم هؤلاء القوميون أن البنغاليين مهمشون.
ولم تمر بعد ذلك حادثة أو مناسبة إلا ورفعوا عقيرتهم ليزرعوا في قلوب الشعب البنغالي أنه مهمش ومهضومة حقوقه وأن الشطر الغربي من البلاد ينهب ثرواته.
وكذلك أن الشطر الشرقي من البلاد كان يحتاج إلى كثير من العناية والحقوق ولكن أن تفتت البلاد وتقسم العباد على هذا الأساس كان أمراً لا يقره العقل.استمر هذا الشد والجذب السياسي إلى أن حان موعد الانتخابات عام 1970 وكانت فاصلة في تاريخ البلاد.
حاز فيها مجيب الرحمن أغلبية مطلقة في باكستان الشرقية كما فاز ذو الفقار على بوتو بأغلبية ساحقة في شطرها الغربي.
كان الرجلان طموحين وسعى كل منهما لأن يصبح زعيما وحاكما للبلد حتى ولو على حساب الوحدة الوطنية،دخلت الهند على الخط وأدخلت قواتها إلى باكستان الشرقية ونشبت حرب طاحنة بين البلدين. كانت أهم ورقة في يد الهند إثارة النعرات الطائفية في باكستان الشرقية والتي تطورت إلى حرب داخلية طاحنة، راح ضحيتها للأسف عشرات الآلاف من البشر.
لم تضع الحرب أوزارها إلا بعد أن أعلن الشطر الشرقي انفصاله عن باكستان وتكوين بنغلاديش. وكانت أنكى اللحظات لباكستان وأسودها على جبين القيادة السياسية والعسكرية حينما ألقى قائد الجيش الباكستاني هناك سلاحه أمام جنرال هندي في إحدى أكبر ميادين مدينة داكا. الأمر الذى أدى إلى وقوع تسعين ألف عنصر من عناصر الجيش الباكستاني أسرى حرب لدى القوات الهندية.
نعم أسرى في يد الجيش الهندي لا البنغلاديشي. تشير نيانترا سهغل -إحدى قريبات رئيسة الوزراء الهندية آنذاك- في كتابها الحديث: "أنديرا غاندي صراع مع السلطة" إلى أن الأخيرة كانت تعتبر أكبر إنجازات حياتها أنها فصلت الشطر الشرقي عن باكستان وحولته إلى بنغلاديش .
أما الطرف الثاني، فكما يقال إن الثورات المسلحة تأكل أولادها، لم تمض ثلاث سنوات إلا وقد ثار نفس الضباط البنغاليين المؤيدين لمجيب الرحمن ضد زعيمهم واغتالوه كما اغتالوا معظم أفراد أسرته ولم تنج منها إلا ابنتاه: حسينة (رئيس الوزراء الحالية) وأختها "ريحانة" (تعيش في بريطانيا كزعيمة احتياط) لقد نجتا لأنهما كانتا خارج البلاد آنذاك.
توالت فترات حكم جنرالات مجيب الثائرين ضده إلى أن اغتيلوا هم بدورهم وأصبح أهم الإرث السياسي في يد أرملة الجنرال ضياء الرحمن، خالدة ضياء زعيمة الحزب القومى البنغلاديشي (BNP).
وهنا بيت القصيد انقسمت الأحزاب السياسية البنغلاديشية إلى كتلتين أساسيتين. كتلة حليفة للهند بزعامة حسينة بنت مجيب وكتلة معارضة للنفوذ الهندي المتزايد وتتزعمها خالدة ضياء.
تبادلت السيدتان فترات الحكم في بنغلاديش، دورتان لكل منهما. وتكيل الكتلتان اتهامات مماثلة لبعضهما البعض. كل منهما يتهم الآخر بالفساد الكبير خاصة الفساد واختلاس الأموال عن طريق أفراد أسرتيهما. أما الاتهامات المغايرة فكتلة السيدة خالدة (رئيسة الوزراء السابقة) تتهم حسينة (رئيسة الوزراء الحالية) بالخنوع التام للسيطرة الهندية وعلى حساب المصالح الوطنية. كما أن حزب السيدة حسينة يتهم كتلة السيدة خالدة وخاصة حليفتها الجماعة الإسلامية بأنها ارتكبت جرائم الحرب أثناء حرب الاستقلال عام 1971.
صدور حكم الإعدام بحق أشهر مفسري القرآن الكريم في بنغلاديش فجر احتجاجات الإسلاميين, حيث تظاهر أكثرمن مليوني شخص في داكا مما أصاب البلاد بالشلل |
بدأت المحكمة أعمالها منذ سنتين ونصف السنة واستمرت المعارضة في احتجاجاتها طوال هذه الفترة. وكانت أصعب اللحظات في تاريخ القضاء البنغلاديشى في شهر ديسمبر/كانون الأول المنصرم عندما نشرت مجلة "إكونومست" البريطانية نص المكالمات بين رئيس المحكمة نظام الحق وصديقه المقيم في بلجيكا. يعترف فيها رئيس المحكمة ويؤكد على أن المحاكمة هي محاكمة سياسية بحتة وأن الحكومة تمارس عليه ضغوطاً كبيرة لإصدار حكم الإعدام ضد قيادات المعارضة.
كانت المحاكمة مسرحية أعدت أحكامها مسبقاً(مجموع وقت المحادثات 17 ساعة علاوة على 230 رسالة بالبريد الإلكتروني) ثارت ثائرة الشعب بهذه الفضيحة واضطر رئيس المحكمة نظام الحق إلى الاستقالة.
مكالمات ومراسلات القاضي المستقيل كشفت حقيقة المحكمة وفضحت الحكومة لكنها لم تغلق باب المحاكمة وعينت الحكومة رئيساً جديداً للمحكمة. خلال شهرين من تولى المسؤولية أصدر الرئيس الجديد أحكاماً تتراوح بين الإعدام والمؤبد ضد ثلاث شخصيات دينية.
أهم هذه الشخصيات الشيخ دلاور حسين سعيدي أشهر مفسري القرآن، بمجرد أن نطقت المحكمة بحكم الإعدام ضد الشيخ سعيدي بتاريخ 28 فبرايرالماضي اندلعت في ربوع بنغلاديش مظاهرات احتجاجية كبيرة.
اندفع مئات الآلاف من عامة الناس إلى الشوارع مرددين شعارات منددة بالمحكمة وبقرارها وكذلك بالحكومة. جابهت الحكومة هذه الاحتجاجات بإطلاق النار الحي على الجماهير. الأمر الذى أدى إلى قتل 170 شخصاً وجرح الآلاف في خلال أسبوع واحد.
إحدى أسباب موجة الاحتجاجات هذه ترجع إلى الشعبية الكبيرة التي يتمتع بها دلاور حسين سعيدي، إذ يعتبر أكبر وأشهر مفسري القرآن في بنغلاديش في الوقت الراهن. يحبه الناس حتى من داخل الحزب الحاكم.
منذ ذلك الوقت أصبحت الحياة اليومية في بنغلاديش شبه مشلولة. شهد شهر مارسآذارالماضي فقط خمسة عشر يوماً من الإضرابات على المستوى الوطني والإقليمي. وبتاريخ 6 أبريلالجاري كانت أكبر وأضخم مظاهرة في تاريخ بنغلاديش. إذ اجتمع أكثر من مليوني متظاهر في العاصمة داكا، قادمين من جميع أقاليم البلاد.
وقال أحدهم بكل وقاحة "لن يستطيع أحد أن ينقذ سعيدي من الإعدام حتى الله بنفسه ولو نزل إلى الأرض لينقذه لأعدمناه كذلك", اغتيل هذا المدون على يد عناصر مجهولة ولكن موجة الغضب والاحتجاج متواصلة. ذلك لأنه لم يكن وحيداً في هذه الكتابات ولأن المطالبة الأساسية له ولمجموعاته كانت إعدام القادة الإسلاميين وتحويل الدولة إلى دولة علمانية بعد حذف البسملة وحذف البنود الخاصة بالهوية الإسلامية من الدستور، والحكومة كذلك تصر على هذين المطلبين.
بذلك أصبحت المظاهرات والإضرابات التي كانت ضد المحاكمات وضد أحكام الإعدام أو لتأييدها تحول العديد منها إلى المطالبة بإسقاط حكومة حسينة واجد. في المظاهرة التاريخية بتاريخ 6 أبريل الذى دعا إليها تحالف "حفاظت إسلام" أي تحالف من أجل حفظ الإسلام، أعلن المجتمعون أنهم يمنحون الحكومة مهلة ثلاثة أسابيع لتحقيق مطالبه الستة عشر وأن جميع خياراته بعد ذلك تكون مفتوحة.
بدلاً من أن تتعامل الحكومة مع الموضوع بمحاولة إخماد النار ونزع فتيل التوتر صعدت من تهديداتها. أعلن المسؤولون الحكوميون أن ساعة الصفر لإلقاء القبض على زعيمة المعارضة خالدة ضياء باتت قريبة وأن الحكومة لن تثنيها الضغوط الداخلية أو الخارجية عن إعدام القادة المعتقلين.
وهنا تجدر الإشارة إلى أنه علاوة على المظاهرات والإضرابات الداخلية المتواصلة هناك رسائل احتجاج قوية وجهتها حكومات ودول إسلامية وعالمية عديدة إلى حكومة بنغلاديش. على رأسها رسالة شديدة اللهجة وجهها الرئيس التركي إلى نظيره البنغلاديشي.
علمانيو بنغلاديش يطالبون بإعدام القادة الإسلاميين وتحويل الدولة إلى دولة علمانية بعد حذف البسملة وحذف البنود الخاصة بالهوية الإسلامية من الدستور والحكومة كذلك تؤيدهم في هذين المطلبين. |
وبعد صدور حكم الإعدام واغتيال العشرات من المدنيين استدعت وزارة الخارجية التركية السفير البنغلاديشي لتبدي استياءها على القرار وتخبره بأن تركيا قد تعيد النظر في علاقاتها مع بنغلاديش إذا استمرت الأخيرة في مخالفاتها لحقوق الإنسان الأساسية.
كما أصدر العديد من الشخصيات العالمية البارزة مثل الشيخ يوسف القرضاوي والقادة السياسيين الكبار والبرلمانيين من جميع أنحاء العالم، بيانات منددة بسياسات الحكومة الببنغلاديشية.
وطالبت هذه الشخصيات والرموز العالمية بطي صفحة الخلافات الداخلية التي أزهقت الأرواح وأضرت باقتصاد وسمعة البلاد وقد تدفعها إلى نفق مظلم لا سمح الله.
البروفيسور عبد الغفار عزيز
ودعا عزيز إيران، التي قال إنها تروج لمخطط "خبيث"، إلى عدم التدخل في شؤون دول المنطقة.
وركز عزيز على مكانة السعودية في المنطقة "حيث يتوجه الملايين من الباكستانيين يومياً خمس مرات في صلواتهم ودعواتهم إلى الكعبة المشرفة"، واصفاً العلاقات الباكستانية السعودية بأنها "علاقات متميزة عبر التاريخ، ونرجو الله أن تتقوى وتتوسع هذه العلاقات الشاملة".
وتابع الرجل الثاني في "الجماعة الإسلامية" لصحيفة "الشرق الأوسط" القول: "إننا ندرك في باكستان المخاطر التي تحيط بنا جميعاً. جميع قوى الشر تسعى لإثارة الفتن وتقسيم المقسم، والخرائط القديمة للشرق الأوسط الجديد سر مكشوف".
وأشار إلى أن ما يحصل في سوريا والعراق واليمن "وما يروج من النعرات المقيتة هنا وهناك، ليس بمعزل عن ذلك المخطط الخبيث الذي تروج له إيران".
وفي حديثه وصف عزيز الوضع في كشمير بـ"المأساوي". وقال: إنه "يزداد سوءاً كل يوم ويسود الولاية حظر التجوال منذ أكثر من مئة يوم، ولم تهدأ الثورة الشعبية خلالها يوماً واحداً، فيما استخدمت الهند معظم أنواع الأسلحة الفتاكة وقتل من جرائها العشرات وجرح الآلاف".
من ناحية ثانية كشف عزيز أنه "بسبب الحرب على الإرهاب سلمنا 600 شخص إلى السلطات الأمريكية، سواء كانوا من القاعدة أو من غيرها، سلمناهم إلى معتقلي غوانتانامو في كوبا وباغرام في أفغانستان، وخسرنا سمعتنا، ومع هذا ما زلنا تحت التهديد الأمريكي الذي لا نأمن شره"، لافتاً النظر إلى أن أمريكا تتعامل مع باكستان بسياسة العصا والجزرة.
تعليقات