كيف بدأت حملة فريزر على مصر وماذا كان مصير أفرادها؟جاءت حملة فريزر على مصر بعد تغيرات وتطورات كبيرة جدًا قد جرت على أراضيها، ونقصد بهذه التطورات سقوط الوالي العثماني في مصر على يد المماليك بقيادة الألفي بك
جاءت حملة فريزر على مصر بعد تغيرات وتطورات كبيرة جدًا قد جرت على أراضيها، ونقصد بهذه التطورات سقوط الوالي العثماني في مصر على يد المماليك بقيادة الألفي بك والبرديسي، وقد ساعدهم في ذلك القائد محمد علي والذي سرعان ما أنقلب عليهم وأخذ الحكم منهم، وقد كان هذا بموافقة من الشعب المصري الذي رأى في محمد على الرجل الأصلح لقيادة البلاد وإنقاذها من عثراتها، ولذلك وبعدما راسل المماليك بريطانيا لمحادثة الباب العالي في إقصاء محمد علي عن الحكم وعودة المماليك إلى البلاد رد المصريون عليه برفضهم هذا وحرصهم على تثبيت محمد علي في حكمه، عامة لم يمر عامين على تولي محمد علي باشا حكم مصر حتى أرسلت بريطانيا بمساعدة روسيا حملة بحرية إلى مصر تحت قيادة البريطاني فريزر، وقد تمكنت هذه الحملة بغير قصد منها من إجراء بعض التغيرات في خريطة سير مصر فيما بعد، وهذا ما ستناوله في مقالنا هذا بشيء من التفصيل مع توضيح خط سير الحملة ومصير أفرادها، فلا تذهبوا بعيدًا.
كانت الأوضاع في مصر مشجعة تمامًا لمجيء حملة فريزر حيث كانت هناك اضطرابات كثير في شتى الأرضي المصرية، فالمماليك يحاربون سعيًا للوصول إلى السلطة ومحمد علي يحاول الحفاظ على سلطته بكل قوة، وقبلها كان الوالي العثماني لا يراعي شئون البلاد ويفرض الكثير من الضرائب، ولا يعطي الجنود الألبان رواتبهم في الجيش، فتم إقصاء هذا الوالي عن الحكم وجاء بعده والي أخر لم يستمر سوى بضعة أيام حتى أطيح به هو الأخر، وحكم المماليك بعد ذلك مدة قليلة بمساعدة محمد علي الذي سرعان من أنقلب عليهم وعزلهم عن المشهد، فقد قام محمد علي بالانقلاب على المماليك نظرًا لعدم رضاء الشعب عنهم وتولى هو حكم البلاد. وبكل صراحة كان نية محمد منذ فترة كبيرة هو الوصول إلى الحكم أي أن الأمر لم يكن من قبيل الصدفة أو بسبب الأحداث الجارية في البلاد، فقد كان محمد علي مخططًا لكل ذلك ونيته القضاء على خصومه واحدًا تلو الأخر من دون تدخل منفردًا منه، وهذا بالفعل ما تم له ولانت جميع أراضي الدولة المصرية ماعدا الإسكندرية التي كانت تابعة رأسًا للقسطنطينية.
حملة فريزر على مصر في اليوم السادس عشر من شهر مارس عام 1807 جاءت حملة فريزر إلى مصر، وهي عبارة عن حملة بريطانية يتراوح عددها بين الخمسة آلاف والنصف إلى سبعة، وقيادتها كانت من نصيب القائد البريطاني الكبير ألكسندر ماكنزي فريزر والذي كان يبلغ من العمر خمسين عام تقريبًا وقت مجيء الحملة، حيث تلقى فريزر قادة الفوج ثلاثة وسبعين مشاة أمر من القيادة البريطانية محواه سرعة التوجه إلى مصر مع مجموعة من الكتائب الأخرى، وقد حددت له طريق الدخول وهو من خلال البحر الأبيض المتوسط وبالتالي ستكون واجهته الأولى عند الدخول هي مدينة الإسكندرية، ومن الجدير بالذكر أن القوات البريطانية التي كانت في هذه الحملة عددها كما ذكرنا يتراوح بين الخمسة آلاف ونصف إلى سبعة، محملين على اثنان وأربعين سفينة بحرية ومعهم أكثر من عشرين آلة حربية أهمها المدافع، وقد كانت مصر في هذا الوقت تحت حكم الوالي محمد علي باشا ولكن الإسكندرية لم تكن تحت سيطرته بالشكل الكامل وهذا ما كان عامل تطور كبير في هذه الحرب البسيطة.
ما هي أسباب حملة فريزر ؟ تقسم أسباب حملة فريزر على مصر إلى نوعين خارجي وداخلي أما الخارجي فهي المشاكل والخلافات التي جرت بين الدولة العثمانية وبريطانيا وحليفتها روسيا، فبناء عليه قررت بريطانيا بالتعاون مع روسيا لضرب مصر أهم ولايات الدولة العثمانية وأكثرها خطورة، وأيضًا هناك سبب خارجي ثان وهو حماية المصالح البريطانية في الهند، فقد رأت المملكة البريطانية أنه لابد من حماية مصالحها الضخمة جدًا في الشرق وتحديدًا الهند، ولكي تصل بريطانيا بتجارتها للهند لابد من مرورها على مصر وبالتالي رأت ضرورة بسط سيطرتها على مصر حتى تسهل عملية التنقل من وإلى الهند.
بعد ذلك لدينا السبب الداخلي وهو مناشدة المماليك للقوات البريطانية حتى يساعدوهم في الوصول إلى الحكم على حساب محمد علي باشا، فقد كانت تجري معارك شديدة بين محمد علي حاكم مصر والمماليك بقيادة الألفي بك والبرديسي، وذلك لأنهم كانوا على رأس السلطة قبل صعودها من قبل محمد علي مما ترتب عليه ثورات وقمع وقتل، فأتفق المماليك مع بريطانيا أن ترسل قواتها إلى مصر حتى ترفعهم على عرش السلطة مقابل بعض الامتيازات والأموال، ومن أجل كل ذلك جاءت حملة فريزر إلى مصر.
خريطة خط سير حملة فريزر على مصر نأتي هنا للحديث عن خط سير الحملة فقد وصلت أولًا إلى مدينة الإسكندرية التي كان يقودها حينها أمين أغا وقامت بفرض حصار عليها دام لمدة أربعة أيام فقط وأسفر عن دخول القوات البريطانية إلى قلب الإسكندرية، فقد كان مجيء الحملة في السادس عشر من مارس واحتلالها للإسكندرية كلها في العشرين من نفس الشهر مع خسارة بسيطة جدًا، بعدها لم يجد فريزر مساعدات من قبل المماليك فقرر أن يرسل حملة مصغرة إلى رشيد بمحافظة البحيرة حتى يفتحها وتأتي له المساعدات المملوكية، ولكن من سوء حظ فريزر أن حملته فشلت فشل كبير وأيضًا لم تأتي إلى المساعدات المملوكية، فأرسل حملة أخرى لقيت حتفها أيضًا مثل سابقتها وأيضًا لم يساعدهم المماليك، حتى علم محمد علي باشا بالأحداث فجاء مسرعًا وضرب الحصار على الإسكندرية، فقرر فريزر التصالح مع محمد علي والخروج بسلام من مصر، مع تبادل الأسرى بين الطرفين بشكل سلمي، وبذلك تنتهي حملة فريزر على مصر في التاسع والعشرين من سبتمبر عام 1807.
على بك السلانكلي في الوقت الذي جاءت فيه حملة فريزر على مصر كان حاكم رشيد هو علي بك السلانكلي والذي تمكن بمساعدة أهالي المدينة وشيوخها في صد الحملة وردعها، حيث أرسل القائد البريطاني فريزر حملة في يوم واحد وعشرين مارس كان الهدف منها فتح مدينة رشيد، وكانت الحملة البريطانية هذه مكونة من ألف وستمائة جندي تقريبًا في حين كان علي بك السلانكلي معه سبعمائة جندي فقط، وعاون هؤلاء الجنود الكثير من الأهالي وعلى رأسهم الشيخ عمر مكرم الذي كانت لمقاومته دور بارز في هذه الحرب، ويذكر أن علي بك السلانكلي قام بعمل خطة محكمة حيث أوهم الحملة البريطانية أن المدن لن تقاومهم وسوف تسلم لهم عند دخولهم. ولذا كانت المدينة هادئة تمامًا عند دخولهم وبالفعل تجول البريطانيون بكل سلامة وراحوا يبحثون عن مكان للاسترخاء من عناء الطريق الطويل الذي قطعوه من الإسكندرية حتى رشيد، وأثناء راحتهم هذه أشار علي بك إلى المؤذن في المسجد حتى ينادي “الله أكبر حي على الجهاد” وكانت هذه هي العلامة المتفق عليها بين الجميع لبدء الحرب، فبعدما سمعوا هذا النداء خرج المصريون على حين غفلة وشنوا هجوم ساحق من الأعلى والأسفل أسفر عنه موت حوالي مائتين من الإنجليز وجرج ضعفهم وأسر مائة وعشرين، ففر الإنجليز مسرعين إلى الإسكندرية وبذلك أنتصر المصريون في هذه الحرب الصغيرة التي غيرت مجرى الحملة بأسرها.
أسباب هزيمة الإنجليز وخروج الحملة بعدما تلقت حملة فريزر هزيمة ساحقة في مدينة رشيد عادت تجر أذيال الهزيمة إلى الإسكندرية، وسرعان ما جاء حاكم مصر محمد علي وضرب الحصار على مدينة الإسكندرية حتى يستسلم البريطانيون، وبالفعل أستسلم الإنجليز وعقدوا اتفاقًا مع محمد علي محواه خروجهم بسلام من مصر وتبادل الأسرى بين الطرفين، وكانت أسباب استسلام البريطانيون هي عدم مساعدة المماليك لهم حيث عقدوا اتفاقًا مع محمد علي يقضي بعدم مساعدة العدو، وأيضًا بسبب الهزيمة الثقيلة التي تلقتها جيوش الإنجليز في مدينة رشيد مرتين، وأخيرًا عقد معاهدتي تيليست بين فرنسا وروسيا مما جعل بريطانيا وحيدة بدون حليف. فقد كانت بريطانيا قبلها متحالفة مع روسيا لضرب مصر أهم ولايات الدولة العثمانية، ولكن بعدما تحالفت روسيا مع فرنسا أصبحت بريطانيا وحيدة وهذا ما جعلها تخشى القضاء على الدولة العثمانية فتقف وحيدة أمام هاتين الدولتين، وحينها سيكون من الممكن اقتسام أملاك الدولة العثمانية بين الجميع وسيطرة روسيا على الأهم فيها نظرًا لقربها من الأراضي العثمانية، ونظرًا لكل ذلك رأت بريطانيا إنهاء هذه الحرب وعودة حملتها إلى أراضيها حتى تقف في مواجهة هذا التحالف الجديد.
تمر، اليوم، الذكرى الـ214 على وصول الحملة الإنجليزية على مصر بقيادة فريزر إلى مدينة رشيد، وذلك فى 30 مارس عام 1807م، وهى حملة عسكرية للبحرية الملكية والجيش البريطانى أثناء الحرب الأنجلو - عثمانية (1807-1809) ضمن تداعيات الحروب النابليونية للاستيلاء على الإسكندرية فى مصر بغرض تأمين قاعدة عمليات ضد الدولة العثمانية فى البحر المتوسط.
وبحسب موقع مشروع "ذاكرة مصر المعاصرة" التابع لمكتبة الإسكندرية، شنت إنجلترا حملة عسكرية على مصر بقيادة الجنرال فريزر فى مارس 1807م، وكانت إنجلترا قد اتفقت مع محمد بك الألفى أحد زعماء المماليك على أن يؤيدها وينسق التعاون معها، لإنهاء حكم محمد على باشا وإرجاع المماليك للسلطة تحت الوصاية البريطانية.
واستطاعت الحملة الاستيلاء على الإسكندرية فى مارس 1807م، لكنها لم تنجح فى الاستيلاء على رشيد نتيجة لمقاومة أهالى رشيد، فأرسل فريزر إلى المماليك يطلب منهم المساعدة لكنهم لم يستطيعوا مساعدته بعد أن تفرقت كلمتهم ومات زعيمهم محمد الألفى، فرأى فريزر أنه من العبث مواصلة القتال فتحصن بالإسكندرية، وأرسل إلى محمد على يطلب الصلح فى مقابل أن يجلو عن الإسكندرية فى تلك الأثناء كان محمد على يستعد للزحف على الإسكندرية.
ووفقا لعدد من المؤرخين، فى هذه الأثناء، بينما كان محمد على يقود حملة ضد البكوات المماليك فى صعيد مصر (هزمهم فيما بعد بالقرب من أسيوط)، سمع بوصول البريطانيين. ونظراً لخوفه الكبير من أن ينضم إليهم البكوات، خاصةً أنهم كانوا فى أقصى الشمال من موقعه، أرسل على الفور رُسلًا إلى خصومه. يعدهم بالامتثال لجميع مطالبهم إذا توجب عليهم المشاركة فى طرد الغزاة، فوافقوا على هذا المقترح وسار كلا الجيشين نحو القاهرة على ضفتى النهر.
سار محمد على بجيشه من معسكره فى إمبابة متوجها إلى الرحمانية ومنها إلى دمنهور فى 12 أغسطس عام 1807م، وهناك التقى بالجنرال شربروك الذى فوضه فريز لإبرام الصلح بين الطرفين المصرى والبريطانى.
وبعد مفاوضات قصيرة عقد الطرفان معاهدة دمنهور فى 14 سبتمبر عام 1807م والتى بمقتضاها جلت القوات البريطانية عن الإسكندرية، ثم أقلعت السفن البريطانية بما تبقى من جنود الحملة إلى صقلية، وضمت الإسكندرية إلى محمد على بفرمان سلطانى بعد أن كانت تتبع مباشرة السلطان العثمانى وحاكمها يعين من قبله.
تعليقات