ذكريات فضيلة توفيق توفيق الشهيرة بـ"أبلة فضيلة" استلمت تتويجها في راديو مصر من الإعلامي بابا شارو
توفيت الأستاذة فضيلة توفيق الشهيرة بـ"أبلة فضيلة" June 4 ـ 2017 عن عمر يناهز 88 عاما رحمها الله ـ تعالى ـ وهي التي استلمت تتويجها في راديو مصر من الإعلامي بابا شارو، كانت تعيش في وجداننا ينتظرها الأطفال وأنا واحد منهم،ومتى؟ :في كل صباح يا ولاد يا ولاد .. تعالوا تعالوا .. علشان نسمع أبلة فضيلة راح تحكيلنا حكاية جميلة ..
حقيقة تسيطر على وجدان الأطفال،ولازلت أحب الراديو منذ صغري، فأنا سماعي المزاج، وأحب الخيال الذي أقوم بتجسيده وعملقته إن شئت، وأنا في الطريق بعدما كبرت سني.
كان هناك منافس لأبلة فضيلة على إذاعة الشرق الأوسط من القاهرة هو الاستاذ "حسن شمس" ولكن أفل صوته، ولم يكن على مستوى جذب الأطفال،كنت أبحث عن أبلة فضيلة ولم أجدها، وإذا بي يفجعني خبر رحلتها إلى خالقها ..
وبقيت ذكرى ميلاد الإذاعية الكبيرة المعروفة بـ"أبلة فضيلة"،قصة حب مع مستمعيها الأطفال، وأبيتُ إلا أن أكتب عنها.. وكانت رحمها الله أتمت عامها التاسع والثمانين.
وأبلة فضيلة توفيق شخصية مؤثرة فى كثيرمن الأجيال،عن طريق أشهر برنامج للأطفال بالإذاعة المصرية، فى الوطن العربى كله، حيث تميزت بصوتها وأدائها الجميل والبسيط لوصوله مباشرة إلى قلب وعقل الأطفال، خلال سردها الحكايات والقصص التعليمية لهم، لتجذب الملايين منهم، وتساعد الآباء بشكلٍ إيجابى، على ترسيخ القيم والمبادئ التربوية لدى أبنائهم، ومنذ ذلك الوقت أصبحت"أبلة فضيلة" أشهر مقدمة برامج أطفال.
بدأت السيدة التى ارتبط صوتها فى عقولنا بالحكايات والقصص، وننطق اسمها وكأنها أحد أفراد العائلة، مشوارها الإذاعي كمذيعة ربط، عام 1953،وبأحد أيام عملها قابلت الرائد الإذاعي "محمد محمود شعبان"والشهير بـ"بابا شارو".
فقالت له: "أتمنى أن أعمل كمقدمة برامج للأطفال، فأجابها بابا شارو،أنه هو من يتولى العمل على هذا الملف الإذاعي وحده"،
ثم بعد ذلك بدأت بتقديم النشرة الإخبارية بالإذاعة، حيث تطورت إمكانيتها وخبراتها على يد الإذاعي الكبير "حسني الحديدى"، والذي هو الذي كان أشهر مذيعي نشرة الأخبار بالإذاعة المصرية.
وفي العام 1959،تحقق حُلمها بالعمل على أشهر برنامج للأطفال، بمصر،والوطن العربى، وهو ما يعرف بـ"غنوة وحدوتة"، والتى استضافت خلاله شخصيات كثيرة ومن أبرزها، الكاتب الكبير نجيب محفوظ، والروائى أنيس منصور،والدكتور فاروق الباز، والفنان محمد عبد الوهاب، والشاعر كامل الشناوي، والملحن سيد مكاوي، والمطرب عبد الحليم حافظ، والدكتور يحيى الرخاوي.
ومن أشهر حكايتها للأطفال،"كوب اللبن"،"بنت الفلاحة"،"الكتكوت الصغير"،"أرنب وتعلب"،"المقشة الصغيرة"،"أبيض وأسود"،"شغل بابا"،"كراسة الرسم"،"القطة مشمشة".
للطفولة فضائل متعددة تجعل حتى أصحاب الطفولة المعذبة يحنون إلى طفولتهم و يتمنون العودة إليها، ومن هذه الفضائل، فضيلة الاستماع إلى" أبله فضيلة في غنوة و حدوتة " وكثيراً ما يضبط الكبار أنفسهم متلبسين بالاستماع إلى صوتها الذي يعيدهم إلى أقرب نقطة من رحم الأم .
و أبلة فضيلة هي شقيقة الفنانة القديرة محسنة توفيق وقد أحسن الله على الأختين بالعديد من الهبات ومنها هبة الصوت،. و في حين اختار لصوت محسنة التأثير بالحزن، جعل الحنان و المرح صفة لصوت فضيلة توفيق في مُركّب غريب من رقة الأمومة و شقاوة الطفولة .
الرقة جعلتها تبتعد عن دراسة الطب، لأنها لا تقوى على رؤية الدماء، وكانت أمنيتها أن تدخل كلية الآداب ولكن معارضة الأهل قادتها إلى الحقوق التي تخرجت منها عام 1915 و بعد فترة تدريب قصيرة اكتشفت أن هروبها من دماء الجراحة في الطب أوصلها إلى دماء العنف من خلال القضايا التي ستترافع فيها أمام المحاكم، فتقدمت للعمل بالإذاعة عام 1952 ونجحت في الامتحان،و التقط الرواد العظام كنز الطفولة المكنون في صوتها فألحقوها بالعمل مع"بابا شارو" في برامج الأطفال، و في عام 1958 بدأت بتقديم ركن الأطفال بمفردها .
و بالشقاوة الكامنة في صوتها استطاعت أن تجتذب قلوب ملايين الأطفال الذين شعروا أن المذيعة التي تخاطبهم طفله مثلهم؛ لا تمتازعليهم بشيء سوى أنها سبقتهم في الوصول إلى الحياة .
ومن أطرف ما قابلته أبلة فضيلة أنها تلقت رسالة ذات يوم من زميل دراسة يقول فيها : ” إذا كانت أبلة فضيلة التي أستمع إليها هي"نفس زميلتي" فضيلة توفيق فإنه لا يملك إلا الشعور بالأسف من أجلها،لأنها تضيع ليسانس الحقوق مع شوية عيال،و لم تتأثر بهذه الرسالة لأنها كانت قررت أن تجعل الأطفال قضية حياتها .
ورغم أن هذه الأم الحقيقية الحساسة هى الأكثر استحقاقا للقب" ماما "إلا أنها لم تقرر الاستيلاء على أطفال الآخرين فاكتفت بلقب" أبله" بدلا من"ماما"التي تستخدمها جليسات الأطفال المتنكرات في صورة مذيعات .
و قد عشنا سنوات طويلة ـ على عادتنا في حب إهدار الإمكانيات ـ دون أن نحاول الاستفادة أكثر بالكنـز الذي يتمثل في هذا الكم الضخم و الفذ من مواد الأطفال الجميلة و المقنعة التي قدمتها أبلة فضيلة دون أن نحاول الاستفادة منها بشكل أوسع ، كأن نعيد إنتاجها في أفلام كارتونية تنطق بتعليقها .
و الآن بعد أن أصبح لدينا قناة متخصصة للأسرة و الطفل يبدو هذا المشروع أكثر إلحاحا لتحصين أطفالنا ضد غزو المتلاعبين بالعقول من منتجي البرامج الأجنبية ..
و لابد أن نفعل ذلك ليبقي صوت أبلة فضيلة رصيدا من الحنان من حق الأجيال القادمة أن تتمتع به..
تعليقات