علي عزت بيغوفيتش..رئيس برتبة فيلسوف وسفير المسلمين في أوروبا من معتقل سياسي لمحرر لبلاده.

الرئيس على عزت بيجو فيتش


علي عزت بيغوفيتش.. رئيس برتبة فيلسوف وسفير المسلمين في أوروبا من معتقل سياسي لمحرر لبلاده.

علي عزت بيغوفيتش (18 محرم 1344 هـ / (8 أغسطس 1925 - 23 شعبان 1424 هـ / 19 أكتوبر 2003) (بالبوسنية: Alija Izetbegović، ويُنطق: ǎlija ǐzedbegoʋit͡ɕ)، أول رئيس جمهوري لجمهورية البوسنة والهرسك بعد انتهاء حرب البوسنة والهرسك. هو ناشط سياسي بوسني وفيلسوف إسلامي.

مؤلف لعدة كتب أهمها "الإسلام بين الشرق والغرب". ولد في مدينة بوسانا كروبا البوسنية لأسرة بوسنية عريقة في الإسلام، واسم عائلته يمتد إلى أيام الوجود التركي بالبوسنة، فالمقطع بيگ في اسم عائلته هو النطق المحلي للقب "بك" العثماني، ولقبه عزت بيغوفيتش يعني علي بن عزت بك.

تعلم في مدارس العاصمة سراييفو، وتخرج من جامعة سراييفو تخصص القانون، وعمل مستشاراً قانونياً لمدة 25 سنة، ثم اعتزل وتفرغ للبحث والكتابة. نشأ علي عزت بيغوفيتش في وقت كانت البوسنة والهرسك جزءاً من مملكة يوغسلافيا التي تحكمها أسرة ليبرالية، ولم يكن التعليم الإسلامي جزءاً من المناهج الدراسية.

 وكان علي عزت، وهو لا يزال شاباً، واعياً بأهمية أن يتعرف على دينه الإسلام ويقرأ فيه قراءة مستفيضة، فاتفق مع بعض زملائه في المدرسة أن ينشئوا نادياً مدرسياً أو جمعية للمناقشات الدينية سموه ملادي مسلماني أي الشبان المسلمين، والتي تطورت فيما بعد، فلم تقتصر في نشاطها على الاجتماعات والنقاشات وإنما امتدت إلى أعمال اجتماعية وخيرية، وأنشأ بها قسماً خاصاً بالفتيات المسلمات. 

استطاعت هذه الجمعية أثناء الحرب العالمية الثانية أن تقدم خدمات فعالة في مجال إيواء اللاجئين ورعاية الأيتام والتخفيف من ويلات الحرب، وإلى جانب هذه الأنشطة تضمنت برامج الجماعة برنامجاً لبناء الشخصية، وقد تأثرت الجمعية بأفكار أخرى جاء بها بعض الطلاب البوسنيين الذين تعلموا في جامعة الأزهر.

وحينما احتلت النازية الألمانية مملكة يوغوسلافيا وأحالتها لجمهورية فاشية، قاطعت جمعية الشبان المسلمين النظام الفاشي، وضايق هذا الفعل النظام فحرمها من الشرعية القانونية، وفي جمهورية يوغوسلافيا الاشتراكية الاتحادية السابقة تحت زعامة قائدها القوي جوزيف بروز تيتو كان بيغوفيتش معارضاً بارزاً، وسجن عدة مرات في عهد تيتو، وكان كثيراً ما يتهم من قِبل أطراف صربية وكرواتية بأنه من داعمي الأصولية الإسلامية. 

تسلم بيغوفيتش رئاسة جمهورية البوسنة والهرسك من 19 نوفمبر عام 1990 إلى 5 أكتوبر 1996 بعد التوقيع على اتفاقية دايتون، ومن ثم أصبح عضواً في مجلس الرئاسة البوسني من عام 1996 إلى عام 2000، يعد علي عزت بيغوفيتش من الموقعين في عام 1995 على اتفاقات دايتون للسلام التي أنهت الحرب ووضعت أسس تشكيل رئاسة حكومية ثلاثية الأطراف تضم المسلمين والصرب والكروات في البوسنة والهرسك تحت مسمى مجلس الرئاسة البوسني.

من التاريخ 

النشأة
كانت عائلة بيغوفيتش مكونة من الأبوين "مصطفى" و"هبة" عزت بيغوفيتش، بالإضافة لخمسة أبناء: ابنين (علي الابن الأكبر) وثلاث بنات. 
كانت أسرة بيغوفيتش تنحدر من مسلمي البوسنة السابقين الأرستقراطيين الذين فروا من بلغراد إلى البوسنة والهرسك في عام 1868، وذلك بعد انسحاب قوات الجيش العثماني من صربيا، وكان جده يخدم كجندي في بلدة أسكدار التركية، فتزوج من امرأة تركية اسمها "سيديكا هانم".

 وانتقل الزوجان فيما بعد إلى مدينة بوسانا كروبا البوسنية، وأنجبا خمسة أطفال، وأصبح الجد في وقت لاحق رئيساً لبلدية المدينة، وفي فترة رئاسته أنقذ أربعين صربياً من تنفيذ حكم الإعدام فيهم على أيدي السلطات النمساوية المجرية بعد اغتيال غافريلو برينسيب من الأرشيدوق لولي عهد الإمبراطورية النمساوية المجرية فرانس فرديناند، والذي سمي تاريخياً باغتيال سراييفو وذلك في 28 يونيو عام 1914.
 وكان والد عزت بيغوفيتش محاسباً، وخدم في الجيش النمساوي المجري على الجبهة الإيطالية خلال الحرب العالمية الأولى، وتعرض لإصابات خطيرة تركته في حالة شبه مشلول مدة لا تقل عن عشر سنوات، وأعلن الإفلاس في عام 1927.
 
في العام التالي من الإفلاس انتقلت العائلة إلى العاصمة سراييفو، حيث تلقى علي عزت بيغوفيتش التعليم العلماني. وعندما بلغ سن الرابعة عشر تأثر عزت بيغوفيتش بالكتابات الشيوعية، وبدأ إيمانه في الاهتزاز، وكانت الدعاية الشيوعية في أوجها في يوغوسلافيا قبل اندلاع الحرب العالمية الثانية.

 كانت تلك الدعاية الشيوعية قد تولدت كرد فعل ضد الفاشية، والتي كانت في وقتها تعيش عصرها الذهبي، كان علي عزت بيغوفيتش في بداية نشأته التعليمية يحضر مدرسة البنين الأولى (مدرسة قواعد اللغة) حيث كان الشيوعيون بشكل خاص نشطين في ذلك الوقت، المدرسة اشتهرت بكونها مدرسة شيوعية، حيث أن بعضاً من أساتذتها ينتمون إلى الفكر الشيوعي، وبالتالي وقع عدد من المنشورات الشيوعية في يديه حيث لم يكن بمنأى عن رسالتهم.

 وبدأ يتكون لعلي عزت بيغوفيتش عقلين متضادين، وذلك بين مشاكل العدالة الاجتماعية والظلم من جهة وبين الإيمان بالله من جهة أخرى، ومع ذلك وحتى الوهلة الأولى أثارت الشكوك بيغوفيتش من خلال حقيقة أن الدعاية الشيوعية صورت الله بأنه شخص سيء وأن الدين هو عبارة عن أفيون الشعوب، وخلافاً لذلك يبدو أن بيغوفيتش كان يعتقد أن الرسالة المركزية هي الإيمان بأشكاله المختلفة، وأنه يجب أن يعيش حياة تستشعر المسؤولية الأخلاقية.

وبعد سنة أو سنتين من التردد الروحي والفلسفي عاد علي عزت بيغوفيتش لإيمانه بقوة متجددة وبطريقة جديدة، وفي وقت لاحق من حياته صرح -أنه على ما يبدو له- أن ثبات إيمانه كان في الواقع نتيجة شكوك الشباب التي راودته، ولم يعد الإيمان الذي يحمله ذاك الإيمان الذي كان قد ولد عليه، ولم يعد ذاك الإيمان التقليدي الذي كان قد ورثه، ولكن هو الإيمان الذي اكتسبه واعتمده من جديد، ولم يكن أبداً ليخسره مرة أخرى.

 على الرغم من أن علي عزت بيغوفيتش في وقت لاحق من حياته وفي كتاباته في المسائل الدينية قال إنه وباستمرار يعيد النظر بدراسة الإيمان، وقال: «الكون من دون الله بدا عبثاً بالنسبة لي»، وفي الوقت نفسه قرأ بيغوفيتش الأعمال الكلاسيكية للفلسفة الأوروبية قبل سن التاسعة عشرة من عمره، وكان لديه قاعدة متينة في كتابات جورج فيلهلم فريدريش هيغل وباروخ سبينوزا وإيمانويل كانت التي كان لها تأثير خاص على رجل فضولي شاب.

وفي عام 1943، وفي ذروة الحرب العالمية الثانية، كانت عائلة عزت بيغوفيتش مثل معظم جيرانهم يعانون من آثار الحرب، وكانوا أكثر عرضة للجوع والفقر من أي وقت سبق. في نفس السنة احتُلت سراييفو من قِبل الكروات، الذين فرضوا على السكان أحكاماً نازية قاسية، كان يتوجب على علي عزت بيغوفيتش في تلك الفترة أن يلتحق بالخدمة العسكرية، ولكنه لم يفعل.

 وفي نظر السلطات أصبح مشروعاً نموذجياً للمراوغ، وكان يتوجب عليه أن يبقى مختبئاً طوال عام 1944، وعندما أصبح هناك مخاطرة كبيرة جداً في بقائه في سراييفو هرب إلى مسقط رأسه في مدينة بوسانا كروبا وبالتحديد في وادي سافا، في تلك المنطقة لم يكن يوجد أي من الجيوش، لا أنصار ولا ميليشيات إسلامية ولا قوات كرواتية، ومع ذلك فإن حقيقة أن علي عزت بيغوفيتش لم يحمل السلاح لا يعني أن عزت بيغوفيتش كان غير ملتزم بالنضال، على العكس من ذلك فقد سعى هو وعدد قليل من أقرانه للتعبير عن وجهات نظرهم السياسية من خلال إنشاء جمعية الشباب المسلمين.

وكانت المحاولة الأولى لتسجيل الجمعية في ظل القوانين في تلك الفترة في شهر مارس من عام 1941، وليس من المستغرب أن تفشل محاولة تسجيل الجمعية؛ ففي أبريل من عام 1941 هاجمت ألمانيا يوغوسلافيا، وكانت الأولوية الوحيدة لبيغوفيتش هي البقاء على قيد الحياة، والغريب أنه في خضم الحروب والنزاعات الحاصلة إلا أن الجمعية واصلت نشاطها، وركزت بشكل رئيسي على السياسة الخارجية والمسائل الروحية.

 كان مهتما المسائل المتعلقة بالعالم الإسلامي المعاصر، واعترف هؤلاء المسلمون الشباب المؤسسون للجمعية أن الحالة السياسية في العالم الإسلامي هي حالة رديئة وغير مستدامة، بينما الإسلام هو فكر العيش الذي يمكن ويجب تحديثه دون أن يفقد أياً من جوهره، وكانوا أيضاً يدركون جيداً أن معظم الدول الإسلامية كانت تحت الحكم الأجنبي، سواء من خلال وجود عسكري أو من خلال رأس المال الأجنبي.

كلية القانون جامعة سراييفو
وإن لم تكن المنظمة قد تشكلت رسمياً إلا أنها أصبحت أكثر شعبية من أي وقت مضى، بين تلاميذ المدارس الثانوية والطلاب، واستمرت في العمل والنشاط طوال الحرب العالمية الثانية، وكان صدام علي عزت بيغوفيتش الأول مع الجمعية في عام 1944، عندما شكلت الجمعية تحالفاً مع جريدة الحجاز ورابطة الأئمة، كما أنه في كثير من الأحيان لم يكن يتفق تماماً مع طرح جريدة الحجاز، وذلك بسبب التفسير الصارم للإسلام التي كانت تنتهجه الجريدة، والنتيجة التي استنتجها على حد تعبيره في مذكراته: كانت السبب في منع تطور الفكر الإسلامي في الداخل والخارج.

مرضه ووفاته
بعد انتهاء فترة ولاية مجلس الرئاسة البوسني في العام 2000، قرر علي عزت بيغوفيتش اعتزال الحياة السياسية وذلك لسببين: الأول بسبب الضغوط الدولية التي تعرض لها لمواقفه الدينية المحافظة ولاعتباره أحد زعماء الحرب في البوسنة والهرسك، والثاني: بسبب تدهور حالته الصحية، لكنه بقي رئيساً رمزياً لحزبه الذي خلفه سليمان تيهيتش في رئاسته. وعلى مدى السنوات الثلاث التي تلت انتهاء ولايته كعضو في مجلس الرئاسة البوسني زادت معاناته من مرض القلب، ما جعله يخضع لجراحة في المملكة العربية السعودية، وعلى رغم تحسن صحته، إلا أن النوبات ظلت تنتابه وتسبب له حالات إغماء.

الوفاة
ضريح علي عزت بيغوفيتش في سراييفو.
توفي علي عزت بيغوفيتش في 23 شعبان 1424 هـ / 19 أكتوبر 2003 عن عمر 78 عاماً، في مستشفى ساراييفو المركزي الذي دخله في السادس من سبتمبر عام 2003 نتيجة إصابته بحالة إغماء أدت إلى سقوطه أرضاً أدى إلى كسور في أربعة من ضلوعه. 

وكان تدهور حالته الصحية قد استدعى نقله إلى قسم العناية الفائقة في المستشفى قبل عشرة أيام من وفاته، نتيجة ضعف في أداء القلب ونزيف دموي في الرئتين، ما أدى إلى وفاته في الساعة 2:25 من بعد الظهر بتوقيت البوسنة 12:25 ظهراً بتوقيت غرينيتش، وأعلن نبأ الوفاة رسمياً سليمان تيهيتش العضو المسلم في مجلس الرئاسة البوسني الذي نعى الزعيم البوسني الراحل، وأبلغ الصحافيين أن مشاورات تجرى مع عائلته في شأن مراسم الجنازة، وكان آخر زعيم أجنبي زار بيغوفيتش قبل يوم من وفاته هو رئيس الوزراء التركي (حينها) رجب طيب أردوغان الذي جاء إلى ساراييفو خصيصاً لتفقد حاله الصحية


رسائل السجن

"كانت تلك الأيام ينتظرني فيها ما يقارب ثلاثة عشر عاماً من السجن، وعندما كان الموت هو الأمل الوحيد أخفيت هذا الأمل بداخلي مثل سر كبير لا يعرفه أحد غيري، ولا يستطيعون هم تجريدي منه، فإن هروبي العاطفي كان في تلك الرسائل لست متأكداً بأن أولادي يعرفون أو أنهم سيعرفون يوماً ماذا عنت تلك الرسائل بالنسبة لي، كنت أشعر في اللحظات التي أقرأها فيها أنني لست إنساناً حراً وحسب، وإنما إنسان أهداه الله كل خيرات هذه الدنيا"

علي عزت بيجوفيتش

- مقطع من رسالة سابينا إلى والدها علي عزت بيجوفيتش في تجسد المعاناة ٣٠ أيلول (سبتمبر)‏"ما لا يروق لي هو شعوري بأن ذلك التفاؤل الذي لازمني أصبح يتضاءل شيئًا فشيئًا وأشعر بالخوف أكثر من الرجاء. ولكن الرجاء أو الأمل هو الطريقة الوحيدة للبقاء على قيد الحياة لذا يجب أن لا أفقد الأمل."

- مقطع من رسالة سابينا إلى والدها علي عزت بيجوفيتش في ٣٠ أيلول (سبتمبر) ١٩٨٥

سابينا ٢٦/ ٨/ ١٩٨٥م:
لو أنك تعرف كم هزَّني في الصباح ساعي البريد عندما أحضر رسالتك،كنا قد شربنا القهوة للتو، عندما قرع أحدهم الجرس، وهذا لا يحدث دائمًا لأننا عادة نكون خارج البيت والباب دومًا مفتوح، أعتقدتُ أنه أحد الضيوف من سكان البناية، وذهب “كوبر” لفتح الباب، [فأصخت سمعي] ثم قال لي [وهو في الممر].. سابينا.. بابا. واعتقدت للحظة أنك أنت [من يقف] بالباب، وتسمَّرتُ على المقعد، ثم أطل والرسالة في يده!

لا أعرف من أين تأتيني هذه الأفكار، لكن [الأمر] في تلك اللحظة بدا وكأنه واقع.

ليلى ٣١/ ٣/ ١٩٨٧م:والدي العزيز
….
إنني أخشى -عندما تتلاشى الحياة- أن أندم، وأنني حملتها محمل الجد!!

كتبت سابينا رسالة لأبيها في سجنه : سابينا 19/9/1983م اليوم الثالث من أيام العيد، وبهذه المناسبة أتمنى لك القليل من الحزن والكثير من الأمل، أنت تعرف كيف يبدو العيد بدونك، مع وجود طعام الوالدة والحلويات، لكن الأمور لا تبدو كما كانت من قبل. إننا نحاول أن نسمعك ونعيش كالعادة، لكن ذلك صعب، لأن الشوارع والبيوت لا تبدو كما كانت من قبل. "‏"من الأفضل أن تكون مجنونًا قليلًا، على أن تجنّ من الغضب إلى الأبد."

- من رسالة ليلى إلى والدها علي عزت بيجوفيتش



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حوار مع الشيخ : عثمان حاج مصطفى

أسامة خليفة ..إنتاج فيلم الطفل انطلاقا من قيمناِ لاء للإنتاج الفني، تقف على خط المواجهة، وبصدق نقول هذا، فقد كانت المبادرة إلى هذا العالم الرحب في وقت كان هَمّ الآخرين أن يقوموا بدبلجة ما يقدم، نريد من يؤمن بالفكرة

موسى ابن نصير قائد عسكري عربي في عصر الدولة الأموية. شارك موسى في فتح قبرص في عهد الخليفة معاوية بن أبي سفيان