أطماع ألمانيا في العالم الإسلامي قديما
- الحصول على الرابط
- X
- بريد إلكتروني
- التطبيقات الأخرى
ألمانيا والعالم الإسلامي على مفترق طرق
اللافت هنا أنه لا يمكن مقارنة حال ألمانيا بدول استعمارية ذات سياسة خارجية معالمها ثابتة على مدى فترات زمنية طويلة كبريطانيا وفرنسا؛ لأن السياسة الخارجية الألمانية تجاه العالم الإسلامي لم تسر يوما على نسق ثابت، إذ تبدو واضحة حينا، مرتبكة أحيانا أخرى. والسبب هنا طغيان عوامل التأثير الخارجي على العامل الداخلي -الذي تقوده ثنائية الصناعة والطاقة- وبالتالي على القرار السياسي.
مقاربات الماضي تظهر توازن الخطاب الألماني الذي كان يخاطب الأنظمة والشعوب الإسلامية معا، بالمقارنة مع تركيزه اليوم على الأنظمة وابتعاده عن الشعوب، وهو خطاب يؤخذ عليه وضع العديد من حركات المقاومة في خانة الإرهاب، في وقت يُتهم فيه الألماني بالتعاطف مع حزب العمال الكردستاني رغم تصنيفه إرهابيا |
خروج الكنيسة من دائرة صنع القرار السياسي وتنافس ألمانيا وجيرانها عززا ارتباط الألمان والعثمانيين لاحقا بعلاقات وثيقة وصلت لدرجة التحالف أحيانا، مما ساعد على سقوط عدو مشترك هو الإمبراطورية الروسية بين براثن الثورة البلشفية عام 1917، فقد شكلت الإمبراطوريتان العثمانية والألمانية عائقا صلبا في العمق الأوروبي حال دون وصول إمدادات الإنجليز والفرنسيين (خلال الحرب العالمية الأولى) إلى حليفهم الإمبراطور الروسي.
ودفع التنافس الاستعماري المحموم مع بريطانيا وفرنسا ألمانيا للوقوف بقوة مع فكرة الوحدة الإسلامية أيام السلطان العثماني عبد الحميد الثاني، وفق ما اعتبره خبير العلاقات الألمانية الإسلامية د. عبد الرؤوف سنو "تلاعبا بالورقة الإسلامية إلى حد إعلان إمبراطور ألمانيا صداقته للمسلمين في العالم، متحديا نفوذ فرنسا وبريطانيا ببلاد الشام، ليعود على الألمان بمنافع اقتصادية ضخمة".
مقاربات الماضي تظهر توازن الخطاب الألماني الذي كان يخاطب الأنظمة والشعوب الإسلامية معا، بالمقارنة مع تركيزه اليوم على الأنظمة وابتعاده عن الشعوب، وهو خطاب يؤخذ عليه وضع العديد من حركات المقاومة في خانة الإرهاب، في وقت يُتهم فيه الألماني بالتعاطف مع حزب العمال الكردستاني رغم تصنيفه إرهابيا.
لذا لم يكن تصريح الرئيس الألماني السابق كريستيان وولف بأن الإسلام جزء من النسيج الذي يتكون منه المجتمع الألماني خارج السياق، ومع ذلك استقال الرجل من منصبه إثر تداعيات ضجة مستغربة؛ قصر فيها مهاجموه من وسائل الإعلام والساسة جذور ألمانيا على المسيحية واليهودية!
هناك ارتباك في السياسة الألمانية عندما يتعلق الأمر بالإسلام تحديدا، مما يطرح السؤال: أين تقف ألمانيا من الإسلام؟ والمواقف لا التصريحات تقدم الجواب. سياسيا وإعلاميا تقف ألمانيا اليوم في موقف هو أقرب للعلمانية الفرنسية اليمينية المتشددة، منه للعلمانية السويدية والكندية المنفتحة المتسامحة |
المفارقة أنه بعد سنوات قليلة، ومع ضغط قطاع الصناعة لاستيعاب اللاجئين السوريين كأيد عاملة على غرار العمالة المغربية الوافدة بعد الحرب العالمية الأولى، والتركية الوافدة بعد الحرب العالمية الثانية؛ تعدل الخطاب، وتسابق جل مهاجمي وولف -ومنهم المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل– للإدلاء بنفس ما صرح به الرجل دون ضجيج إعلامي هذه المرة.
سمحت ألمانيا في السنوات الأخيرة بتعليم اللغات العربية والتركية والبوسنية والتربية الإسلامية في المدارس الحكومية إن توفر عدد كاف من الراغبين فيها.
ومع ذلك سيّست بعض الولايات هذا الملف معلقة إياه فترة المسيرات ضد الانقلاب العسكري التركي، بحجة أن مؤسسة ديانت التركية بألمانيا -المساهمة ببرامج التربية الإسلامية- مؤيدة للديمقراطية التركية.
نجاح تركيا في تقديم نموذج ديمقراطي عصري يحترم القيم الإسلامية، وصوتها المسموع عالميا، وسعيها منذ عقود للانضمام للاتحاد الأوروبي؛ يضع العلاقة الألمانية التركية في صلب علاقات ألمانيا مع العالم الإسلامي.
فبعدما كانت الدولة العثمانية هي العمق الإستراتيجي لألمانيا الإمبراطورية نحو المياه الدافئة ومصادر الطاقة وأسواق الهلال الخصيب والهند والصين شرقا؛ يفضل الشريك الألماني تركيا اليوم ضعيفة مفككة، بسقف إستراتيجي لا يعدو فوهة مدفع في وجه الأطماع الروسية جنوب شرق أوروبا، أو صنبورا يُقفل دون جحافل اللاجئين غربا. ولعل تغير خريطة تحالفات ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية هو ما أفرز تغير النظرة تجاه تركيا من حليف إلى تابع، رغم شراكة الطرفين في حلف الناتو.
عدم تنوع مصادر الغاز واعتماد ألمانيا على الغاز الروسي -الذي أظهرته الأزمة الأكرانية كورقة ابتزاز- نقطة ضعف. ومن دروس تلك الأزمة أهمية الاعتماد على حليف قوي تصل أوروبا من خلاله إلى مصادر الطاقة وأسواق الشرق، وهنا تبرز أهمية الشريك التركي الجيوسياسية.
وفي هذا الصدد؛ أثبتت الأزمتان العراقية والسورية حاجة ألمانيا والأوروبيين لرؤية مغايرة تراعي المصالح الإستراتيجية على المدى الطويل، أساسها أن الحفاظ على أوروبا مستقرة بمصادر طاقة متنوعة مقدم على المكاسب الآنية المتحققة من إطالة تدمير الشرق عبر تجارة أسلحة، تشكل مكوناتها الألمانية الدقيقة أهمية بالغة.
تبدو ألمانيا اليوم أحوج من أي وقت مضى لإستراتيجية جديدة في سياستها الخارجية، قادرة على منحها ثقلا سياسيا أكبر على المسرح العالمي يتناسب مع ثقلها الاقتصادي، وبدونها تظل مهمة الدفاع عن مصالحها الاقتصادية -كثاني أكبر مصدّر في العالم بعد الصين- بالغة الصعوبة وعرضة للابتزاز |
ومثلما لم تقدم المظلة الأميركية لأوروبا الحماية من التوغل الروسي شرق أكرانيا، لم يحل انسياق الجميع خلف الرغبة الأميركية في إدامة تدمير العراق وسوريا وأفغانستان دون العصف باستقرار أوروبا تحت وطأة موجات اللجوء، وحملات الكراهية والتحريض التي صعدت باليمين الأكثر تطرفا بشكل يهدد بانهيار الاتحاد الأوروبي ذاته، ويهدد برحيل النخب الحاكمة المندفعة وراء الجموح الأميركي نفسه؛ تلك النخب التي رفضت العرض التركي بإقامة مناطق آمنة للمدنيين من القصف.
وهو العرض الذي أثبتت الأيام أنه مصلحة أوروبية في المقام الأول، والدليل هو موجات النزوح التي اجتاحت أوروبا في أعقاب مجازر الإبادة السورية والعراقية معمقة أزماتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية، ناهيك عن تحالف اليمين الشعبوي الأوروبي مع الغريم الروسي، وبداية تفكك الاتحاد الأوروبي بالخروج البريطاني، واستكمال الحصار الروسي لأوروبا على صعيد الطاقة بوضع اليد على غاز المتوسط جنوبها.
وفي المقابل لم يجن من وقف من الأوروبيين مع الانقلاب العسكري التركي سوى استقرار النظام السياسي التركي، مقابل فشل العقوبات الأوروبية على روسيا، مع بحث الأتراك عن مصالحهم في الشرق كما في الغرب.
صحيح أن التنافس الاستعماري الذي خرجت منه ألمانيا خاسرة في حربين عالميتين، ترتبت عليه استحقاقات كشهادة حسن سلوك تبدد مخاوف المنتصرين، وصحيح أن سياسة ألمانيا الخارجية محكومة -في بعض جوانبها- بالتبعية لحلفاء اليوم أعداء الأمس كالطرف الأميركي.
التحدي الآخر يرتبط بعلاقات ألمانيا بالعالم الإسلامي تحديدا، وهو إعادة تعريف المصالح الحيوية المشتركة للطرفين على المدى البعيد، على قاعدة تعايش حضارات -بدلا من صراع حضارات تقرع طبوله مواقف الساسة والإعلام- والعمل على بلورة رؤية شاملة تؤطر العلاقات المشتركة بشكل يراعي التغيرات الطارئة على مسرح الأنظمة الآنية وشعوبها المتململة الثائرة هنا أو هناك، وحركات المقاومة المعبرة عن تطلعات شعوبها، بعيدا عن المناقشات العقيمة من قبيل خطر أردوغان وحماس وأحرار الشام والأكاديميات السعودية في الغرب.
ولا بد هنا من تسمية الأشياء بأسمائها؛ فدعم أنظمة دكتاتورية أو انقلابات عسكرية، واستقبال القتلة -كزعيم الانقلاب المصري- لا يليق بأي بلد أوروبي يمنح دستوره الشعب حق الثورة إن تهدد النظام الديمقراطي للدولة، وإن محاصرة أسباب اللجوء من الجنوب إلى الشمال بمساعدات تنموية ألمانية في مجتمعات عالم ثالث محلية، لا تستوي مع نهب منظم بالجملة يمارسه حلفاء ألمانيا الاتحادية.
السياسة الألمانية وأزمة اللاجئين
تعد جمهورية ألمانيا الاتحادية إحدى الوجهات الرئيسية لأغلب اللاجئين في العالم، فقد بلغ عدد طلبات اللجوء إليها حتى نهاية يونيو/حزيران الماضي نحو ٢٠٣ آلاف طلب، يشكل اللاجئون السوريون نحو الربع منهم، بينما تعود نصف الطلبات للاجئين من دول البلقان.
وفي حين تتوقع الدولة الألمانية أن تصل طلبات اللجوء هذا العام إلى ثمانمئة ألف طلب، لم تشمل الميزانية المرصودة للاجئين هذا العام أكثر من ثلاثمئة ألف لاجئ، الأمر الذي شكل ضغطا هائلا على موارد الدولة بكافة أشكالها، فمشهد اللاجئين النائمين في الحدائق العامة في برلين لم يكن مألوفا في ألمانيا قبل الآن، مما دفع الحكومة إلى تحويل العديد من ملاعب كرة القدم والمدارس إلى صالات استقبال لهم.
كما قام عدد من الشركات الألمانية بتقديم المساعدات العينية والمالية للاجئين، كشركة باير للأدوية ومجموعة شبرينغر، في حين وضعت شركة سيمنس مقراتها غير المأهولة في ميونخ تحت تصرف الحكومة من أجل إيواء اللاجئين، كما يجري النقاش الآن بشأن تحويل صالات معرض دوسلدورف الشهير إلى مقر مؤقت للاجئين.
الكثير من المتابعين لا يستطيعون تقبل فكرة أن ألمانيا تسهل إجراءات قبول اللاجئين لأسباب إنسانية بالدرجة الأولى؛في فرنسا هاجمت مارين لوبان السياسات الألمانية وقالت إن ألمانيا تريد تحويل هؤلاء اللاجئين إلى عبيد وتشغلهم بأجور متدنية |
كما أن اقتراب فصل الشتاء أجبر الحكومة الألمانية على اتخاذ إجراءات عاجلة، حيث لا يمكن للاجئين المبيت في الحدائق أو الخيام غير المعدة بشكل جيد عندما يبدأ شتاء ألمانيا البارد؛ فقد قامت الحكومة الألمانية هذا الأسبوع بتخصيص مبلغ مليار يورو كمساعدة عاجلة للاجئين من أجل بناء وتجهيز ١٥٠ ألف وحدة سكنية مناسبة للشتاء قبل نهاية العام الجاري.
كما تم تخصيص ستة مليارات يورو جرى رصدها من الميزانية الاتحادية لعام ٢٠١٦ إضافة إلى ثلاثة مليارات جرى تخصيصها سابقا، حيث سيتم صرف نصفها للولايات الألمانية والمجالس المحلية مباشرة من أجل تأمين الخدمات والمرافق اللازمة للاجئين.
ولعله من حسن حظ اللاجئين أن الاقتصاد الألماني يمر بحالة جيدة جدا مقارنة بالدول الأوروبية المحيطة، حيث تشهد ألمانيا هذا العام أقل نسبة عاطلين عن العمل خلال الـ 25 سنة الماضية، الأمر الذي يسّر للحكومة مواجهة هذه المصاريف المالية الضخمة، فقد حاول وزير الاقتصاد الألماني سيغمار غابرييل بعث رسالة تطمين لدافعي الضرائب عندما صرح بأنه "لن تتم تغطية هذه المصاريف من ضرائب جديدة، فالاقتصاد الألماني قوي وقادر على تجاوز هذا التحدي".
وقبل ذلك، صرح وزير الداخلية السلوفاكي إيفان متيك بأن بلاده "لن تقبل المهاجرين المسلمين؛ لأنهم لن يشعروا بالاستقرار أو أنهم في وطنهم".
في حين اتبعت فرنسا وبريطانيا سياسة انتقائية في استقدام اللاجئين تسعى لاستقطاب النخب حصرا. وعلى النقيض من ذلك، أصدرت الحكومة الألمانية حزمة جديدة من القوانين تهدف إلى تيسير حياة اللاجئين الجدد وتسهيل اندماجهم في المجتمع الألماني وفي سوق العمل.
فابتداء من شهر أغسطس ٢٠١٥، يمكن لكل لاجئ وصل إلى ألمانيا بعد عام ٢٠١١ الحصول على الإقامة الدائمة بعد مرور ثلاث سنوات على لجوئه بغض النظر عن الأوضاع السياسية في البلد الأصل، كما أنها غضت النظر عن العمل باتفاقية "دبلن" بالنسبة للاجئين السوريين، والتي تنص على إرجاع طالب اللجوء الذي وصل ألمانيا إلى أول دولة أوروبية دخل إليها.
الكثير من المتابعين لا يستطيعون تقبل فكرة أن ألمانيا تسهل إجراءات قبول اللاجئين لأسباب إنسانية بالدرجة الأولى؛ ففي فرنسا هاجمت زعيمة الجبهة الوطنية الفرنسية مارين لوبان السياسات الألمانية، وقالت إن ألمانيا تريد تحويل هؤلاء اللاجئين إلى عبيد وتشغلهم بأجور متدنية.
في حين تناقلت صفحات التواصل الاجتماعي العربية العديد من التفسيرات التي تتنوع بين الاعتقاد بوجود مؤامرة تستهدف إفراغ سوريا من معارضي الأسد، والاعتقاد بحاجة ألمانيا للمهاجرين من أجل تعويض التناقص الديموغرافي لديها. مع العلم أنه لو أن هدف استقبال اللاجئين اقتصر على سد العجز السكاني لكان من الممكن للحكومة الألمانية أن تفتح باب الهجرة المنتقاة وتختار أفضل الكفاءات من الصين والهند والدول العربية وأوروبا الشرقية. بالإضافة إلى ذلك فإن أوروبا كلها تعاني من الشيخوخة بما فيها الدول التي ترفض استقبال اللاجئين.
دوافع ألمانيا متعددة، فهي تتعامل مع موضوع اللاجئين كأزمة داخلية بالدرجة الأولى، فبعد وصول مئات الآلاف من اللاجئين إلى أراضيها تسعى للحيلولة دون تحول وجودهم في المستقبل إلى أزمة أكبر نتيجة عدم اندماجهم في المجتمع أو تشكيلهم مجتمعات موازية ومنغلقة |
قد يحقق قرار تسهيل شؤون اللاجئين مصالح متعددة للدولة الألمانية، كما أن قرار عدم استقبالهم -كما تفعل الدانمارك أو بريطانيا- أو استقبال النخب منهم فقط يدرأ أيضا مخاطر عديدة؛ فهناك مخاطر أمنية واجتماعية ومصاريف مالية ضخمة ينطوي عليها قرار استقبال لاجئين من ثقافات وبيئات أخرى بأعداد كبيرة، فالنسبة الغالبة من اللاجئين تحمل معها أزماتها وصراعاتها، مما ينقل الصراع والخلاف للدول المضيفة.
والحقيقة أن دوافع الحكومة الألمانية متعددة ومتقاطعة؛ فهي تتعامل مع موضوع اللاجئين كأزمة داخلية بالدرجة الأولى، فبعد وصول مئات الآلاف من اللاجئين إلى أراضيها تسعى السياسات الألمانية للحيلولة دون تحول وجودهم في المستقبل إلى أزمة أكبر نتيجة عدم اندماجهم في المجتمع أو تشكيلهم مجتمعات موازية ومنغلقة، كما تسعى أيضا للتعامل مع اللاجئين على أنهم فرصة يمكن استثمارها من أجل دعم سوق العمل والحفاظ على المستوى الاقتصادي المتقدم في ألمانيا.
فعلى سبيل المثال، في مقابلة أجرتها صحيفة الشبيغل مع "يانينا كوغل" عضو مجلس إدارة شركة سيمنس الألمانية ومسؤولة شؤون العمال فيها الذين يبلغ عددهم ٣٤٠ ألف موظف، أجابت عن سؤال: "هل تحتاج ألمانيا مهاجرين؟" قائلة "حتى عام ٢٠٣٠ سيعاني سوق العمل الألماني من نقص في الكفاءات المؤهلة يقع بين مليونين وسبعة ملايين شخص مؤهل حسب طريقة ومنهجية تصنيف الكفاءة والتأهيل.
في جميع الأحوال سينعكس ذلك على الاقتصاد الألماني بتناقص في الدخل القومي يقدر بعدة مئات المليارات"، و"ألمانيا بحاجة إلى حزمة تشريعات تسهل دخول الكفاءات إلى ألمانيا".
وفي حالات الهجرة المرافقة للحروب، كما هي الحال في سوريا والعراق اليوم، تكون الهجرة مرتبطة بالطبقة الوسطى في المجتمع، فهي ليست هجرة الشرائح الفقيرة التي تبحث عن حياة أفضل، وإنما هي هجرة كفاءات وأصحاب مؤهلات علمية ومهنية تبحث عن بيئة آمنة كي تبدأ حياتها المنتجة من جديد.
قد تكون النتائج كارثية على البلد الأصل، حيث إنه سيفقد كفاءاته القادرة على إعادة إعماره، في حين أن البلاد التي ستستقبل هؤلاء اللاجئين يمكن لها الاستفادة منهم في حال أحسنت إدماجهم في المجتمع وفي سوق العمل. فألمانيا -على سبيل المثال- تؤمن للاجئ فترة تتراوح بين سنتين وثلاث سنوات من أجل تعلم اللغة واكتساب المؤهلات اللازمة للدخول في سوق العمل.
وحتى في حال عودتهم إلى بلادهم بعد انتهاء الحرب فإنهم سيشكلون جسرا للتواصل والتعاون الاقتصادي والثقافي بين بلادهم وألمانيا، فمن الطبيعي أن يستوردوا لبلادهم التكنولوجيا والآلات الألمانية التي تدربوا عليها.
من ناحية أخرى، فرغم تباين المواقف الحزبية تاريخيا من قضية اللاجئين، فإن التحالف الحزبي الحاكم -الحزب الديمقراطي المسيحي- الذي تنتمي له المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والحزب الديمقراطي الاشتراكي، لم يجد صعوبة في إيجاد صيغة تفاهم للتعامل مع أزمة اللاجئين، ربما دفعه إلى ذلك قلة الخيارات المتاحة أمامه لدى التعاطي مع الدفق البشري الواصل إلى بلادهم، وأيضا تقاطع المصالح في ما بينهما عندما يتم النظر إلى مسألة اللجوء على أنها فرصة يمكن استثمارها.
كما أنه لا يمكن إهمال دور منظمات المجتمع المدني ومجموعات العمل الأهلي التي شكلت ضغطا كبيرا على الحكومة الألمانية من أجل تسهيل شؤون اللاجئين. إلا أن هذا لم يمنع ظهور العديد من الأصوات المعارضة لسياسة الحكومة الحالية المتساهلة مع الأجانب، آخرها كان ماكس شتراوبينغر، وهو أحد السياسيين من حزب الاتحاد الاجتماعي المسيحي الذي يشارك في الحكومة الحالية عبر شراكته مع الحزب الديمقراطي المسيحي؛ فقد طالب شتراوبينغر بإعادة السوريين إلى بلادهم، في حين يعمل حزبه على إعداد خطط جديدة للتعامل مع اللاجئين بحزم أكبر، إلا أن هذه الأصوات ما زالت لا تشكل تيارا واسعا حتى الآن.
حتى مع افتراض أن الحكومة الألمانية تسعى من خلال سياسات اللجوء المتساهلة لخدمة عجلة الاقتصاد على المدى البعيد، فإنه لا يمكن تفسير التعاطف الشعبي والمبادرات الأهلية والمدنية لدى عموم الشعب الألماني إلا بالدافع الإنساني المجرد |
وفي الختام، لا بد من الإشارة إلى أن نسبة كبيرة من الشعب الألماني يرى في خدمة اللاجئين واجبا إنسانيا وضريبة رفاهية يجب أداؤها لمن لا يمتلك العيش في بلد آمن، خاصة أن الشعب الألماني تعرض لأزمة اللجوء والنزوح في ما مضى.
فقد أنتجت أزمة اللاجئين الحالية ظاهرة جديدة وجديرة بالانتباه، وهي المبادرة الشعبية العارمة لمساعدة الوافدين الجدد، حيث انتشرت في أغلب المدن الألمانية مبادرات محلية تقوم بتوزيع الطعام والشراب والملابس وحاجات الأطفال على اللاجئين الواصلين للمدن الحدودية أو مراكز اللجوء، كما تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي عشرات الصور لمواطنين ألمان يرفعون لافتات ترحب باللاجئين الجدد.
امتازت المبادرة الألمانية عن مثيلاتها في أوروبا بالانتشار الواسع والزخم العالي، حتى أن العديد من مراكز اللجوء اعتذرت عن تسلم المساعدات من الناشطين لعجزها عن إدارة الكميات الضخمة المرسلة إليها.
كما قامت أغلب الصحف المحلية بدعم هذه المبادرات والتشجيع عليها. فعلى سبيل المثال، قامت صحيفة "بيلد" الشهيرة بإطلاق مباردة "نحن نساعد"، كما قامت صحيفة "دي تسايت" بنشر بعض القصص من حياة اللاجئين باللغة العربية.
وحتى مع افتراض أن الحكومة الألمانية تسعى من خلال سياسات اللجوء المتساهلة لخدمة عجلة الاقتصاد على المدى البعيد، فإنه لا يمكن تفسير التعاطف الشعبي والمبادرات الأهلية والمدنية لدى عموم الألمان إلا بالدافع الإنساني المجرد، وهو ما يدفع للتفاؤل في مستقبل تتقارب فيه الشعوب وتتفاهم رغم اختلافاتها الثقافية والعرقية، ويطوي صفحة العداء التاريخي الذي يقسم العالم إلى دارين متحاربتين.
منطقة | فترة | مساحة (حوالي) | البلدان الحالية | |
---|---|---|---|---|
غرب أفريقيا الألماني | 1896–1918 | 582٬200 كم²[19] | الكاميرون نيجيريا تشاد غينيا جمهورية أفريقيا الوسطى غانا توغو | |
جنوب غرب أفريقيا الألمانية | 1884–1918 | 835,100 كم²[19] | ناميبيا | |
غينيا الجديدة الألمانية | 1884–1918 | 247,281 كم²[20][21][22] | بابوا غينيا الجديدة جزر سليمان بالاو ولايات ميكرونيسيا المتحدة ناورو جزر ماريانا الشمالية جزر مارشال ساموا | |
شرق أفريقيا الألماني | 1891–1918 | 995,000 كم²[19] | بوروندي كينيا موزمبيق رواندا تنزانيا أوغندا | |
إجمالي | 2,659,581 كم² |
تضم ألمانيا شعوبًا من مختلف الأعراق والجنسيات والديانات، وتشكل الجاليات اﻹسلامية فيها أكبر الجاليات على صعيد أوروبا،حتى فاق عدد المساجد في عام 2008، 200 مسجد وآلاف بيوت العبادة، ليؤمها المسلمون في أوقات الصلاة والأعياد والاحتفالات الدينية.
وتتميز المساجد في ألمانيا بالحداثة والتطور والرقي في كل المدن الكبيرة منها والصغيرة.
بدأت علاقة ألمانيا باﻹسلام عبر ملوك اﻷندلس، وخلال الحروب الصليبية، وبدأ اتصالها بالإسلام عن طريق الاستشراق. وقام "يعقوب كريستمان" أشهر المترجمين آنذاك، بتأليف كتاب عن علم اللغة العربية التي درسها و أسس لها كرسيًا خاصًا في جامعة هيلبرغ عام 1590.
تأثّر الشاعر "غوته" باﻹسلام وفلسفته وترجم العديد منها، وازداد عدد المستشرقين بعد ذلك مما سهل دخول العلوم الإسلامية وآدابها إلى ألمانيا، وباﻷخص بعد تحالف السلطنة العثمانية مع اﻷلمان، مما سمح للأتراك المسلمين بالعيش جنبا إلى جنب مع الألمان.
وساعد التجار والعمال المسلمون في انتشار اﻹسلام في ألمانيا، مما أدى إلى اعتناق بعض منهم للإسلام، وبعد الحرب العالمية الثانية، احتاجت ألمانيا إلى العمالة الوافدة لبناء مؤسساتها، وكان أكثرهم من اﻷتراك الذين هاجروا من روسيا في بداية الستينيات، ويشكلون نصف المسلمين فيها.
ومن ثم توافدت إليها جاليات مسلمة من البوسنة والمغرب وإيران وأفغانستان. ويشكل اﻷتراك نسبة 5 بالمئة من عدد سكان ألمانيا الذي يبلغ قرابة 82 مليون نسمة.
بدأ بناء المساجد في ألمانيا قبل انتهاء الحرب العالميه الثانية، وهدم معظمها إبان الحرب. ومن أهم مساجد ألمانيا:
مسجد معسكر هالبموند لاجر
هو أول مسجد بني على أرض ألمانيا، في عام 1915في مدينة فونسدورف قرب برلين - ولاية براندنبورغ، وقد أقيم لأسرى الحرب المسلمين، وهو من الخشب. تهدم بعد 10 سنوات بسبب بنائه الهش.
مسجد فيلمر سدوروف
أقدم مسجد في ألمانيا بعد مسجد المعسكر، بني في برلين سنة 1924.
مسجد فاضلة عمر
بني بعد الحرب العالميه الثانية في عام 1957، في مدينة هامبورغ شتيلنجن.
مسجد يافوز سلطان سليم
من أكبر المساجد الألمانية، حيث يتسع لقرابة 2500 مصلي. تم بناؤه في عام 1995،على الطراز العثماني في مدينة مانهايم - يونجبوش بولاية بادن فورتمبرغ.
مسجد الفاتح
يعد ثالث أكبر المساجد اﻷلمانية. بُنِيَ في عام 1999، في مدينة جروبيلينجن بولاية بريمن، ويتسع لقرابة 1300 مصلي.
المسجد اﻷحمر
أقام اﻷمير كارل تيودور مبنى يرمز للتسامح الديني والتعايش المشترك بين المسيحيين والمسلمين، في حديقة قصره في فورتمبيرغ بولاية بادن، وأمر ببنائه على شكل مسجد إسلامي كبير تعلوه منارتان رمزا للإسلام، وﻹعلان مواقيت الصلاة، واستخدم في القرن الثامن عشر وحتى نهاية القرن العشرين كمسجد للصلاة.
مسجد المركز في كولون
أشرف على بنائه اتحاد الجمعيات الإسلامية التركية في ألمانيا، وبني في عام 2009 على مساحة كبيرة تصل إلى 16 ألف و500 متر مربع، ويتسع ﻷكثر من 1500 مُصَلٍّ، ويجمع بين الحداثة والطراز العثماني ولُقِّبَ بالتُّحفَة المعمارية. وهو مُلفت بارتفاع منارتيه إلى 55 مترا وكلف بناؤه 15 مليون يورو.
المسجد اﻷكبر في برلين
يعتبر الأحدث بين المساجد اﻷلمانية إذ بني في منتصف عام 2010 في برلين، على مساحة تصل إلى 5000 متر مربع ليتسع ﻷكثر من 2000 مصلي على الطراز العثماني. وقد ساهمت الجاليات الإسلامية بتبرعات لبنائه الذي كلف 10 ملايين يورو.
مسجد عمر في برلين
بُنِيَ في عام 2008، في ضاحية كرويتسبرغ. تُحيط به المآذن من كل الجهات وهو قريب من الطراز العثماني.
تعليقات