الدكتور محمد عمارة محمد عمارة "الباحث المَنهجي الموضوعي، الذي يخدم العلم، ويحترم المنهج.وقد حمل عقلية الفيلسوف، وقلب الصوفي، وانضباط الفقيه، وحماس الداعية، ورقَّة الأديب، وعزيمة المقاتل"(يوسف القرضاوي)

 


إني عاشق لرسول الله متبتل في محراب سنته وسيرته، متعلق بصفاته وشمائله، مفتون بسجاياه،واقف على أبواب  عظمته،مبهور  بالتحولات التي أنجزها في مسيرة الدين والدنيا،غيورعلى دينه،ودعوته، مقاتل دون حماه..

محمد عمارة "د. عمارة هو الباحث المَنهجي الموضوعي، الذي يخدم العلم، ويحترم المنهج،وقد حمل عقلية الفيلسوف،وقلب الصوفي، وانضباط الفقيه، وحماس الداعية، ورقَّة الأديب، وعزيمة المقاتل"(يوسف القرضاوي) 

لم يكن رحيل محمد عمارة في الثامن والعشرين من فبراير 2020 مُجرد إعلان لوفاة مُفكر إسلامي أو باحث مصريّ عُرف بالموسوعية، فالصورة التي انطبعت في أذهان الكثيرين عند سماع اسم محمد عمارة أقرب ما تكون لذلك المُناضل العجوز الذي يُناظر في محفل جماهيري، أو الكهل الذي يمسك بالقلم لتسطير حكمته، أو الشيخ الذي يجلس في مكتبته العتيقة، يرتدي نظارته الغليظة، مُحاطا بتلاميذه يُسامرهم في العِلم. 

فخلال الخمسين عاما الماضية حُفِر اسم "محمد عمارة" في الساحة الفكرية العربية، إذ كثيرا ماحضرت أفكاره في نقاشات التيارات الفكرية الإسلامية الحديثة، وقد كان حضوره إما استشهادا بفكره، أو للتحفظ على أُطروحاته، أو حتى ردا على بعض آرائه. لكنّ المتفق عليه -وعلى الرغم من هذه التباينات في الموقف ..

 د. عمارة- أن اسمه ظل حاضرا بين تيارات الفكر الإسلامي، إذ من النادر أن تؤلَّف رسالة أكاديمية عربية في تناول ما يُسمى بـ "الفكر الإسلامي الحديث" إلا وستجد ضمن مراجعها كتابا من كتب محمد عمارة 
"آخر أجيال المثقفين يمكن القول إن جيل "عمارة" قد أُتيح له عددٌ من العوامل التي لم تعد حاضرة أو متوافرة في الأجيال التي تلته، حتى يُمكننا تسمية هذا الجيل من الأزاهرة الذين شهدوا ما قبل ثورة 1952 وما بعدها باعتبارهم "أواخر المثقفين الأزهريين". 

فعلى الرغم من نشأة عمارة الأزهرية فإنه تقلّب في مسارات ودُروب شتى،من الكُتّاب والأزهر والسياسة ومصر الفتاة واليسار، ودخوله السجن، ثم اتجاهه للقومية العربية، وأخيرا مُنافحته عن الصحوة الإسلامية، والتي استقر به الحال مُنظِّرا لها منذ نهاية الستينيات وأوائل السبعينيات حتى مماته. 

وقد اجتمعت في عمارة تركيبة فريدة، فقد تحصّل على معرفته الدينية عبر التعليم الأزهري، والثقافة العربية من دار العلوم، والحركيّة السياسية المجتمعية عبر انتمائه إلى اليسار، بالإضافة إلى اطلاعه على مساحتَيْ المعارف المدنية والشرعية.

 كما أن لعمارة اشتغالا فكريا متشعّبا، ما بين تحقيق وإخراج أعمال أعلام العصر الماضي من مدرسة الإحياء والتجديد  التي تُنسب إلى الشيخ محمد عبده وجمال الدين الأفغاني، إضافة إلى الاشتغال البحثي في فِرَق الفكر الإسلامي المُبكر مثل الشيعة والمعتزلة وأعلام المنتسبين للسُّنة، في وقت لم يكن فيه اهتمام بهذه المساحات البحثية المقارنة في الدراسات العربية الأكاديمية، ثم الانشغال والتنظير حول القومية العربية، ولاحقا الفكرة الإسلامية والجامعة الإسلامية . لقد عاش عمارة في قلب المعارك التي اختارها لنفسه؛ مرابطا على ترميم ما رآه مهدورا من "ثغور الفكر الإسلامي".

 ومنذ السبعينيات، اتجه عمارة إلى الاهتمام بما سمّاه "الوعي الحضاري الإسلامي"، وكثرت كتاباته في هذا الباب لتشمل مواضيع مثل: الحضارة، والمرأة، والسنة، والقرآن، والدفاع عن الصحوة الإسلامية، مع عدد كبير من المؤلفات والمناظرات، والتي كان لها الصيت الأوسع في حينها. وقد زاد من هذا الصيت لعمارة أثناء تحوُّله من اليسار إلى الانتماء الإسلامي بعد نكسة 67 ضمن التيار اليساري الذي تحوَّل عددٌ غير قليل منه إلى الاتجاه الإسلاميّ في ذلك الوقت، حيثُ برزت أسماؤهم متشابكة معا مثل محمد عمارة وطارق البشري وفهمي هويدي، وبصورة ما عبد الوهاب المسيري، وآخرين.

 ما يعني أن التأريخ لعمارة وجيله هو ضَربٌ من التأريخ لجزء من الأفكار الإسلامية المعاصرة في تحولاتها المتعددة. لكن على الرغم من هذه التنقلات التي اتّسمت بها حياةُ عمارة، فقد حافظ حتى نهاية حياته على عدم انتمائه التنظيمي لجماعة أو تنظيم أو تيار بعينه، سواء كان عقديا أو مذهبيا، واكتفى بالانتماء إلى الخطّ الإسلامي العام، أو ما يُطلق عليه أحيانا تيار الوسطية الإسلامية. وقد أتاح له ذلك قدرا من الانفتاح على مدارس الإسلاميين وأفكارهم، وقدرا من حرية الاختيار العلمي والحركي، وهو ما يستحق أن نُسلّط الضوء عليه، ونرصد أهم المجالات التي حضر فيها د. محمد عمارة، وتطوراته الشخصية عبر مسيرته الممتدة.

المُقاتل الأخير في مدرسة محمد عبده

"الدكتور محمد عمارة ليس محتاجا إلى تسليط الأضواء عليه، بل ربما هو يعاني منها، إذ يشغل مساحة واسعة من الثقافة العربية المعاصرة بما يُقدِّمه من كتب ومقالات مهمة، وأعتقد أن سؤال عمارة الأساسي كان عن النهضة، وهي تُمثِّل النقطة المحورية التي دارت حولها سائر أعماله الفكرية، وهو ليس فقط باحثا عنها وإنما مشارك فيها".(حسن الشافعي، رئيس مجمع اللغة العربية)

على مدار أكثر من رُبع قرن، اهتم محمد عمارة بتراث مدرسة "الإحياء والتجديد"، وهو الاسم الذي يُطلق على مدرسة جمال الدين الأفغاني والشيخ محمد عبده وما تفرّع عنهما، وامتد اهتمام عمارة إلى أعلام النهضة المصرية بعموم، فأخرج الأعمال الكاملة لعدد من هذا الجيل مثل جمال الدين الأفغاني، محمد عبده، رفاعة رافع الطهطاوي، عبد الرحمن الكواكبي، قاسم أمين، علي مبارك. 

وقد كان لعمارة دراسات جادة حول هذه الشخصيات وإسهاماتها الفكرية، وقد أخذت هذه الأعمال حيزا كبيرا من كتاباته، وهو ما كَوّن له اطلاعا كبيرا على الحركة الثقافية والفكرية والسياسية في القرن الماضي، وبسبب قربه من هذه الأسماء فقد عاش عمارة مع تفاصيل هذه المدرسة، وعايش أعلامها ورموزَها، حتى أصبح اسمه مقرونا بأعلام هذه المدرسة، وتعدّى الأمر ذلك حتى أصبح يراهم الباعث للنهضة العربية الإسلامية، وأن التيارات العلمانية اختطفت هذه الأسماء إليها .

 وقد كان لدراسات د. عمارة زاوية لا تُخطئها العين، وهي رغبته في تسليط الضوء على إسلامية أفكار هذه الشخصيات وعقلانيتها في آنٍ واحد، وهو الموقف الوسط -بحسب عمارة- الذي اتخذته هذه الشخصيات بين تيارين مختلفين هما "تيار التغريب" و"تيار الجمود" وعندما اقترب عمارة من الصحوة الإسلامية في السبعينيات والثمانينيات، حاول أن يُوجِد رابطا بين الصحوة الإسلامية وجذورها في حقبة التنوير العربي تلك، والتي انتشرت في مطلع القرن العشرين. وتظهر هذه المحاولة في الثناء الكثيف والمتكرر من عمارة على أعلام هذه المدرسة وعلى الرأس منهم جمال الدين الأفغاني وتلميذه الأستاذ محمد عبده، والذي يصفه عمارة بأنه "أعظم العقول الإسلامية التي وهبت جُلّ طاقتها لتجديد الفكر الإسلامي، وجلاء ركام البدع والخرافات والإضافات عن أصول الإسلام".

جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده

وبهذه التراتبية التي صنعها عمارة كان يُرجع ظهور الحركات الإسلامية المعاصرة إلى هذه المدرسة القديمة في القرن الماضي، ويستحضر تأثر حسن البنا بأفكار الشيخ رشيد رضا، والذي كان ألصق تلاميذ محمد عبده، وهو ما جعل عمارة يعتبر أن مشروع حسن البنا امتداد وتطوير لمشروع عبده، وقد توسع في هذه الفكرة في كتابه "معالم المشروع الحضاري في فكر الإمام الشهيد حسن البنا".

 وَلّد هذا الاشتغال الفكري من د.عمارة رغبة في إحياء ما كان يسميه "التنوير" و"العقلانية" الإسلامية، والتي كان يراها في هذه المدرسة، وتبنّى الدعوة إلى الجمع بين المعارف الشرعية والمعارف المدنية، ورفض ما سمّاه "التقليد الشرعي" والذي استقر في كتب الأزهر ومناهجه منذ حقبة المماليك. وهذا الموقف من د. عمارة متّسقٌ مع مسألة تطوير التعليم الأزهري التي نادى بها الأستاذ محمد عبده نفسه حين كان مُفتيا، والتي دار حولها الصراع بين محمد عبده وبين عدد من مشايخ الأزهر فيما عُرف بتجديد المناهج الأزهرية في القرن الماضي.

 وعلى الرغم من ثقافة عمارة الأزهرية، وحفظه لدواوين الشعر العربي، ودراسته على طريقة الحواشي في الأزهر، واقترابه من تيار النهضة العربية في القرن الماضي، فإنه لم ينزوِ عن الانفتاح على الحياة الأدبية والفكرية لعصره، فقد طالع السجالات الثقافية التي زخرت بها مجلات هذا العصر ، فقرأ مجلة "الأزهر" كاملة، ومجلة "الرسالة" كاملة، وهما من أشهر المجلات الثقافية في القرن الماضي، كما حاز النسخة الأصلية من مجلة "العروة الوثقى" التي أصدرها الأفغاني وعبده من منفاهم في باريس، وهو ما كوّن لعمارة اطلاعا واسعا وفريدا على أعلام القرن الماضي وأحداثه المختلفة.

 

اليسار والمعتقل.. ما قبل الصحوة"هناك قضيتان لازمتاني في حياتي -منذ البداية وحتى هذا التاريخ- وهما: قضية الحرية وتحرير الوطن، وقضية العدل الاجتماعي الذي كان يستنفر الإنسان ليقف مع المساكين، وهذا ما جعلني أنتمي إلى اليسار".

(محمد عمارة)

 اقترب د. عمارة من اليسار المصري في الأربعينيات، وتعرف على كبار مُنظّريهم، وقد أتاحت له هذه الفترة القراءة في الأدبيات الماركسية والفكر الغربي، وهو ما أضاف إلى عماره مراكمة معرفية في مساحة مختلفة، الأمر الذي استصحبه في حياته المعرفية لاحقا، وتَمثَّل هذا التوجه في "النضال من أجل العدالة الاجتماعية"، وهو ما جعل ارتباط عمارة باليسار وانخراطه فيه من باب المناهضة للهيمنة الإمبريالية الأميركية، والدعوة إلى العدالة الاجتماعية، وهو ما لم يجعله يمتد في يساريته حتى يتبنّى الماركسية في بنيتها المادية الإلحادية، يقول د. عمارة: "مواقفي في مرحلة اليسار والمرحلة القومية ثم الإسلامية حصل فيها نضج وتطور، لكن لم تكن هناك فواصل حادة بينها. كنت يساريّا بالمعنى الاجتماعي الثوري، وليس بالمعنى العَقَدي، فلم يكن هناك إلحاد؛ لأن التجربة الروحية والتكوين الديني الأصيل عصمني من أن أُستوعَب في الفكر المادي والنظرية المادية".

 يستفيض عمارة في الحديث عن هذه الفترة فيقول: "وعندما أُلغيت الأحزاب -ومنها مصر الفتاة والحزب الاشتراكي- لم يكن أمامنا لمواجهة الإقطاع إلا اليسار، فقد كان اليسار حينها فارس القضية الاجتماعية والعدل الاجتماعي، وكان له موقف من القضية الوطنية، فقد كان ضد القواعد العسكرية والوجود الأجنبي. وكنت قد دخلت اليسار من باب القضية الاجتماعية ومن باب القضية الثورية". وفي مسيرته تلك، انخرط عمارة في الحَراك السياسي داخل الجامعة، وكان يُصدر مجلة يسارية في كلية دار العلوم، وقد فُصل من الجامعة لمدة سنة لتزعُّمه مؤتمرا وطنيّا وقوميّا، إلى أن اعتُقل نحو ست سنوات، مما أدّى إلى تأخر تخرجه إلى 1965 بدلا من 1958.

المفكر محمد عمارة في الصغر

بالتوازي مع هذه "اليسارية" إن صحّ القول، تبنّى عمارة فكرة القومية العربية، وأخذت منه حيزا كبيرا، وقد كتب في هذه المسألة أول كتبه، وتوسّعت كتاباته فيها بعد خروجه من السجن. وحتى بعد التحول إلى التيار الإسلامي بمعناه الواسع، لم يترك عمارة الدعوة إلى القومية العربية، وإنما جعلها جزءا ضمن مشروع أكبر وهو مشروع الجامعة الإسلامية الواسعة، وهو المصطلح الذي كان يستخدمه مصطفى كامل ومحمد فريد وجدي زعماء الحزب الوطني في القرن الماضي.

من اليسار إلى صحوة السبعينيات"د. عمارة عالم موسوعي في عصر ندر فيه الموسوعيون، يُذكِّرنا بسيرة العلماء والمفكرين الأجلاء من أمثال محب الدين الخطيب ومحمد فريد وجدي، وهو دقيق جدا في استخدام المصطلحات وتحليلها، يمزج في كتاباته بين القومية والوطنية والإسلامية".(عبد الحليم عويس، أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية)

إذا كان يُمكننا -بشيء من التجاوز- اعتبار سيد قطب هو المُنظِّر الأول لجيل الستينيات من الإسلاميين، فإن الأمر نفسه يمكن اعتباره مع شخصيات مثل يوسف القرضاوي ومحمد الغزالي ومحمد عمارة ومحمد سليم العوا وطارق البشري وفهمي هويدي في جيل السبعينيات، والذين اشتد حضورهم في الثمانينيات والتسعينيات ، وهو ما يعني أن د. عمارة قد تبوّأ مكانة كبيرة بين الإسلاميين الحركيين رغم غلبة اشتغاله بالأعمال والدراسات النظرية في الفترة السابقة من حياته، ليصبح من ذلك الوقت أحد أهم وألمع المفكرين الإسلاميين طوال الثمانينيات والتسعينيات وحتى الربيع العربي، وهو ما جعل عماره يُطوِّر مشروعه الخاص والذي كان يُسميه بـ "مشروع الإسلام الحضاري". 

وعلى الرغم من الفروقات بين هذا المشروع الفكري وبين مشروع جيل الستينيات، فإن هذا التيار بعيد نسبيا عن الجدل الذي استخدمته مدرسة الستينيات والمنتمية إلى الأستاذ سيد قطب وأبي الأعلى المودودي في مفرداتها مثل "الحاكمية" و"الجاهلية المجتمعية" والعزلة الشعورية، وإن اتفقت المدرستان في كثير من المضامين.

سيد قطب وأبي الأعلى المودودي

وثمة حضور آخر لَعِبه عمارة مع آخرين في هذه الفترة، وقد تَمثَّل في الكيانات الإسلامية العالمية، والتي تأسست منذ السبعينيات والثمانينيات ونشطت في التسعينيات، وكانت تحمل فكرَ ما يُسمى بـ "الوسطية" و"الإسلام الحضاري". وقد كان عمارة عضو اللجنة التحضيرية التي وضعت الورقة الأساسية لممثلي الاتجاه الإسلامي في الاجتماع الأول للمؤتمر التأسيسي للمؤتمر القومي الإسلامي، وعمل عليها معه محمد سليم العوا، وفهمي هويدي، وطارق البشري، ويوسف القرضاوي. كما كان لعمارة نشاط في "مركز الفكر العالمي"، وزادت إسهاماته في هذا الاتجاه الحضاري مع عدد من الأسماء السابقة، إضافة إلى أسماء أخرى مثل إسماعيل راجي الفاروقي، وفتحي ملكاوي، وعبد الرحمن النقيب، ورفعت العوضي، وطه جابر العلواني، وعبد الحميد أبو سليمان، وآخرين.

 ومع الوقت، زاد حضور عمارة في الفضائيات والمجلات والصحف الثقافية، وكذلك في المناظرات في فترة التسعينيات، وهو ما جعل عمارة وكأنه أحد الممثلين غير الرسميين لتيار الفكر الإسلامي في هذه المجالات مجتمعة، وقد كان لهذا الدور الذي مثّله عمارة -مع آخرين- مكانة كبيرة في تعزيز الثقافة الإسلامية عالميا.

 ومع ذلك كله، ظل عمارة محتفظا بثقافته الأزهرية، وظل على تقدير واحترام كبير من المؤسسة الدينية الرسمية حتى آخر حياته، فقد ضُمَّ إلى مجمع البحوث الإسلامية في عهد الشيخ سيد طنطاوي، ثم أصبح عضوا في هيئة كبار العلماء والتي أُسِّست بعد الثورة، وظلَّ بها عضوا حتى وفاته، رغم موقفه المعلن من الانقلاب في مصر عام 2013.

الكنيسة واليسار والتكفير.. معارك مشهودة

مع تصاعد الصحوة الإسلامية أواخر الثمانينيات برز عمارة إلى جانب الشيخين 
الغزالي (وسط) والقرضاوي في مواجهة الأطروحات العلمانية تأليفا ومناظرة (الجزيرة)
"حينما يكتب الدكتور محمد عمارة في قضية أو يتحدث فيها لا تشعر أنه كاتب يكتب 
بقلم، أو مؤلف يحبِّر الورق، أو خطيب يعتلي المنبر، أو متحدث يتكلم في ندوة، وإنما
 تشعر أنه مقاتل في معركة يحمل السلاح، ومجاهد مرابط على الثغور يحمي الذمار، فترى بارقة السيوف فيما يكتب أو يخطب".(يوسف القرضاوي)

ثار عدد من المعارك بين د. عمارة وبين البابا شنودة، وكان الإعلام القبطي يشنّ حربا من فترة لأخرى على عمارة، وقد استمر هذا الأمر حتى مماته. فقد كان لعمارة موقف شديد من البابا شنودة، إذ كان يعتبره "رأس الفتنة في مصر"، وأن الفتنة في مصر لم تنشط إلا بعدما تولّى البابا شنودة البطريركية، لأن شنودة -بحسب عمارة- يُصِرّ أن يلعب دور السياسي مع زعامته الدينية، ومَردُّ ذلك -في نظر عمارة- لانتماء شنودة القديم إلى جماعة الأمة القبطية ، والتي كانت تسعى للسيطرة على النفوذ في مصر، وهو ما جعل السادات يحكم بعزل البابا شنودة عن منصبه، قبل أن يُعيده مبارك مرة أخرى.

 وكان ذروة التصعيد بين عمارة والكنيسة المصرية حين أصدر عمارة كتابه "تقرير علمي" في عام 2009، والذي كلّفه به مجمع البحوث الإسلامية للرد على منشور تنصيري وُزِّع في القاهرة باسم مستعار (د. سمير مرقص). وكان يُفنِّد عمارة هذا المنشور التنصيري في كتابه، والذي ضمّنه أدلة على تحريف الإنجيل والتوراة، وبيان أن المسيحية ليست مذاهب متقاربة ذات عقيدة واحدة، مثل مذاهب الفقه الإسلامي، بل مذاهب متباينة، وكذلك نقد فيه عمارة عقيدة الخطيئة الأصلية والمعجزات عند النصارى.

 وعلى الرغم من هذه المعارك، فقد كان عمارة يُصِرّ أن المنهج الحضاري الإسلامي قد استوعب الأقباط في الماضي وهو قادر على استيعابهم في الحاضر، وأن المشكلة في الدور السياسي الخفي الذي يلعبه البابا شنودة، وأن مصر لم تعرف هذه الحالة مع البابا كيرلس، ولا مع الأنبا موسى، ولا الأب متى المسكين والذي يعتبره عمارة معبرا عن موقف الكنيسة التاريخي في التعايش مع المسلمين. 

محمد عمارة والبابا شنودة والكنيسة

وقد انتشرت مناظرات عمارة منذ التسعينيات حين وضع د. عمارة نفسه في موقع المنافح عن الفكر الإسلامي ضد الماركسية والعلمانية، مُتسلِّحا بخبرته السابقة باليسار المصري في سنوات انضمامه لهم، حيث أتاح له الاطلاع على أعلام الفكر الماركسي العربي والاتصال بهم مباشرة في زمالات ممتدة، وهو ما جعل عمارة على معرفة بمواطن الخلل لديهم في فهم الإسلام كما يقول عمارة نفسه. وكثيرا ما كان يُشير د. عمارة إلى هذا المعنى في كتاباته، حيث يذكر في كتابه "التفسير الماركسي للإسلام": "وإني خبير قديم بالماركسية والماركسيين لغة، وفكرا، وممارسة، وأساليب عمل، وأنماط علاقات".

 وقد كتب د. عمارة هذا الكتاب ردا على د. نصر حامد أبو زيد، وقسّمه إلى مقدمات عن "حرية الاعتقاد، والتكفير، والردة"، ثم ضمّنه قسمين "ما لا يجوز الخلاف فيه، ما يجوز الخلاف فيه". وقد ناقش عمارة ما أورده د. أبو زيد من أفكار في مؤلفاته، بناء على نقد البنية الماركسية في تحليل النص والتي ينطلق منها أبو زيد في تعامله مع القرآن، ثم عالج عمارة هذه الإشكالات من نصوص الإسلام والقرآن الكريم والتراث الإسلامي. والملاحظ في رد د. عمارة أنه لم يتطرّق إلى تكفير أبو زيد، بل أكّد أن الخلاف معه فكري بالأساس، وسببه الأساسي هو الخلاف حول كيفية فهم الإسلام، وذلك على الرغم من ميل علماء آخرين للقول بكفر أبو زيد في ذلك الوقت، وهو ما حكمت به المحكمة . ولم ينطلق عمارة في نقده لنصر حامد أبو زيد من استحضار أبو زيد للمعتزلة في قضية خلق القرآن كما انطلقت أغلب الردود الإسلامية عليه، إذ إن لعمارة موقفا غير عدائي مع الأطروحات الاعتزالية كما سيأتي.

 وقد كان عمارة يميل -بحسب تعبيره- إلى التعددية وحق التعبير عن الرأي، وعارض الحكم الذي أصدرته المحكمة بردة أبو زيد، وصرّح أن "قضية الدكتور نصر أبو زيد هي قضية فكرية، مجالها الحوار الفكري، والمختصون فيها هم المفكرون والباحثون، وليست قضية قانونية… فالدكتور نصر صاحب مشروع فكري، وأنا ممّن يختلفون مع قضاياه اختلافا جذريا، فكتاباته تدور حول تاريخية النصوص المقدسة، وأنا أرى مثل هذه الأفكار يجب أن تكون موضوعا لحوارات فكرية وموضوعية، لا مادة لدعوة وأحكام قضائية". وقد أشاد أبو زيد نفسه بهذا الكلام، واعتبره موقفا منصفا وعقلانيا من الدكتور عمارة، وقد كرّر د.عمارة رأيه هذا في مناظرته الشهيرة مع د. نصر حامد أبو زيد في برنامج "الاتجاه المعاكس".


مناظرة محمد عمارة ونصر حامد أبو زيد

 وإذا تركنا الكنيسة، وأبو زيد، وذهبنا إلى الخلف قليلا، وبالتحديد في عام 1992م، فإننا إذن مع مناظرة أخرى، وهي واحدة من أشهر مناظرات القرن الماضي، والتي دارت أحداثها في معرض كتاب 1992 بين د. عمارة والشيخ محمد الغزالي ومرشد الإخوان مأمون الهضيبي، وفي الجهة الأخرى كان فرج فودة والدكتور محمد خلف الله.

 وقد تناولت المناظرة موضوع "الدولة الإسلامية والدولة المدنية"، وبعد هذه المناظرة بشهرين اغتيل فرج فودة لدعوته المتكررة إلى المناداة بالعلمانية وترك الشريعة والتحاكم إليها [ح]، وتُعتبر هذه المناظرة إحدى أشهر مناظرات القرن الماضي، لا سيما بعد اغتيال فودة في العام الذي انعقدت فيه المناظرة.


مناظرة محمد عمارة وفرج فودة

تنازع الفُرقاء..

"وأنا أيضا يطمئنني كثيرا أنني على صراط الوسطية الإسلامية أن هناك عشرات من الكتب في التيار العلماني تهاجمني، وأيضا في تيار الغلو الديني والجمود تهاجمني، وإذا كان إنسان يُهاجَم من هذا الفريق ومن هذا الفريق، فهذا دليل على أنه ليس هنا وليس هناك، وإنما هو في وسط بين هذين الفريقين".

(محمد عمارة)

مع كل هذه المراحل التي خاض فيها محمد عمارة، فقد اقترب في بداية حياته من المعتزلة وأفكارهم، وعمل على إخراج تراثهم، وفي أطروحته العلمية عن فلسفة الحكم في الإسلام استدعى دور المعتزلة، كما حقّق رسائل العدل والتوحيد، وكتب عدة مقالات في الدفاع عن المعتزلة.[11] لكن الدكتور عمارة قد تخفّف مع الوقت من الانتساب إلى المعتزلة -وإن لم يتخذ موقفا حديّا منهم- وأصبح أقرب إلى التيار الأشعري العام، وكرّر في كتاباته أن التيار الأشعري يُمثِّل أكثر من 90% من الأمة الإسلامية.

 ثم أفرد كتابات للدفاع عن الشيخ ابن تيمية، والسلفية بمعناها التاريخي، ولم يتخذ منها موقفا عدائيا، بل تصالح معها، وعادى العلمانيين الداعين لترك الشريعة، وهو ما جعل موقف عمارة من التيارات الإسلامية المختلفة به قدر من الانتقاء والانتقال دون الانحصار على تحقيق قول بعينه، ويبدو أنه لم يُرد أن يلتزم مذهبا بعينه بين خصومه من العلمانيين، وهو موقف قريب من موقف الإمام أبي حامد الغزالي على الفلاسفة حين قال: "فأبطل عليهم ما اعتقدوه مقطوعا بإلزامات مختلفة، فألزمهم تارة مذهب المعتزلة، وأخرى مذهب الكرامية، وطورا مذهب الواقفية، ولا أنهض ذابا عن مذهب مخصوص، بل أجعل جميع الفرق إلبا واحدا عليهم، فإن سائر الفرق ربما خالفونا في التفصيل، وهؤلاء يتعرضون لأصول الدين، فلنتظاهر عليهم، فعند الشدائد تذهب الأحقاد".[12]

وبالطور الأخير الذي مال إليه الدكتور محمد عمارة بتبنّي قضايا المسلمين العامة جعلت له المكانة بين تيارات الفكر المختلفة، وجعلت التيارات من حركية إخوانية، وسلفية، وصوفية أو أزهرية، وعقلانية ونهضوية، ترى في الدكتور عمارة جزءا منها وإن خالفته في منهجه العام.

 وقد زاد من هذه الحالة المتفردة للدكتور محمد عمارة مواقفه العامة مع قضايا الحرية والعدالة الاجتماعية، وقد ظلّ الدكتور عمارة في مكانه داخل هيئة كبار العلماء في مصر ولم يغادرها، ومع ذلك ندّد بالمذابح المختلفة التي حدثت في مصر، وأصدر بيانا مرئيا بأن ما حدث في مصر انقلاب دموي على حلم الحرية الذي عاش الناس على أمله.

 ومجموع مواقف هذه الشخصية، وسيرتها الذاتية، ودفاعها عما تعتقد أنه حق، مع إتاحة الفرصة لحرية الرأي الآخر؛ هو ما يُفسِّر سبب الحفاوة الشديدة التي لاقاها عمارة في حياته، والتي استمرت بعد وفاته، حيث رثاه عامة المفكرين في العالم الإسلامي.

_________________________________________________

الهوامش

  • [أ] مدرسة فكرية ظهرت في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، وأهم أعلامها جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده، وتنوّعت إلى روافد عدة بعدهما؛ علمانية، وإسلامية، ويُعتبر د. عمارة أحد أبرز المنافحين من الباحثين المعاصرين عن هذه المدرسة.
  • [ب] يُعبِّر عن الخلافة في صورة معاصرة بلفظة "الجامعة الإسلامية"، وهي فكرة دندن حولها كثيرا عبد الرزاق السنهوري باشا، والذي وضع القانون المدني المصري، وكتب رسالته في السوربون "الخلافة وتطورها إلى عصبة أمم شرقية". وقد كان لعمارة اعتناء بتراث السنهوري باشا وجمع له كتابا بعنوان "إسلاميات السنهوري باشا".
  • [ج] هناك تنازع كبير بين مدارس الفكر المختلفة حول هذه المدرسة وما تفرّع عنها أو تولّد منها من تيارات، وللمزيد حول هذا يُمكن مراجعة:
  1. – الفكر العربي في عصر النهضة، ألبرت حوراني
  2. – الإسلام والتجديد في مصر، تشاليز آدمز.
  3. – أسس التقدم عند المفكرين الإسلاميين، فهمي جدعان.
  4. – حوارات نماء، سلطان العميري وأحمد سالم.
  • [د] وهو موضوع مقارنة حريّ طرحها في تقرير مستقل لاحقا إن شاء الله.
  • [هـ] يمكن مراجعة لقاءات الشيخ القرضاوي حول سيد قطب، وبعض تحفظاته على أطروحاته على سبيل المثال.
  • [و] جماعة مسيحية متطرفة تأسست في مصر على غرار جماعة الإخوان المسلمين، وكانت تتخذ شعار "المسيح غايتنا، والإنجيل دستورنا…".
  • [ز] نرى أن الدكتور عمارة شديد التوسع في الإعذار لدرجة قد تجعله مثار نقد من آخرين، لا سيما مع مساس بعض هذه المجالات لمساحات عقدية أو مواقف فاصلة.
  • [ح] رغم أن فودة يغلب عليه الطابع الصحفي في الكتابة وليس الكتابة العلمية المنهجية، فإن عددا كبيرا من كتبه خصّصه لهذه الدعوة، مثل: "حوار حول العلمانية"، و"الملعوب"، و"الإرهاب"، و"النذير"، و"قبل السقوط".
  • [ي] انتشرت هذه الفكرة بكثافة بعد موت د. عمارة، ويبدو أنها مجرد دعاية لتخليص حسابات قديمة معه دون الاستناد إلى أي حقائق أو دلائل حقيقية.

المصادر:

  1. محمد عمارة الحارس اليقظ، يوسف القرضاوي.
  2. راجع مقدمة محمد عمارة لأعمال الشيخ محمد عبده.
  3. المصدر السابق.
  4. معالم المشروع الحضاري في فكر الإمام الشهيد حسن البنا، محمد عمارة.
  5. يمكن مراجعة موقف العلم والعقل لمصطفى صبري في نقده لآراء محمد عبده تلك.
  6. كان يطالع ويكتب 18 ساعة وفضّل شابا الانتماء لـ"مصر الفتاة" على "الإخوان".. محمد عمارة سيرة ومسيرة، معتز الخطيب.
  7. يُمكن مراجعة كتاب: لعنة جماعة الأمة القبطية.
  8. تقرير علمي، محمد عمارة، طباعة مجمع البحوث الإسلامية.
  9. التفسير الماركسي للإسلام، محمد عمارة.
  10. يمكن مراجعة: "حقيقة تورط محمد عمارة في فتوى قتل فرج فودة!!" لعصام تليمة.
  11. يمكن مراجعة بعضها من أرشيف الشارخ للمجلات الأدبية.
  12. تهافت الفلاسفة، أبو حامد الغزالي.

بين يدي الكتاب:
يشكل كتاب "الرد على افتراءات الجابري" لمؤلفه الدكتور محمد عمارة،مرافعة حقيقة في وجه بعض "الانزلاقات" التي وقع فيها مفكرنا الكبير الدكتور محمد عابد الجابري (رحمه الله) في مشروعه الأخير "مدخل لدراسة القرآن الكريم" الذي ختم به حياته، وقد تردد الدكتور محمد عمارة في نشر هذا المؤلف لولا أن كتب الجابري بدأت تعرف رواجا منقطع النظير، حيث تلقى إقبالا من طرف العديد من المثقفين والنخب وعموم القراء، وأيضا لأن الجابري، فيلسوف عربي بل وعالمي بصم تاريخه بمشاريعه الفكرية الضخمة، ومنها "العقل العربي"، في رباعيته المشهورة.
ولعل القراءة المتأنية لمؤلف الأستاذ محمد عمارة، تبين أن الدكتور الجابري، رغم كونه علما فكريا كبيرا في سماء وطننا العربي، لكنه باقتحامه لمجال دراسة القرآن الكريم، فإنه عن قصد أو غير قصد، وقع في انتحال مناهج غريبة وغربية لتطبيقها في دراسة القرآن الكريم، مما أوقعه كما يقول ذ.عمارة في أخطاء بل وخطايا، حيث اقترح ترتيبا للقرآن غير الترتيب المتواتر، وذلك باعتماده على أسباب النزول، أو في نفيه العصمة عن الرسول( ص)، أو في قوله إن القرآن الذي نقرأه اليوم ليس هو القرآن الذي نزل على قلب رسول لله (ص)، بل سقطت منه بعض الآيات؟؟ أو في نفيه الصدق التاريخي للقصص القرآني، وغير ذلك مما سنعرض لبعضه في هذه القراءة.
ولهذا، نعتبر أن هذا المؤلف جاء ليعالج إشكالية منهجية الرد على بعض المشاريع الفكرية للدكتور محمد عابد الجابري (رحمه الله)، والتي كان الغرض منها هو سحب البساط من المفكرين المسلمين والهجوم عليهم في عقر دارهم، ومحاولة تقديم قراءة جديدة للمقدس تكون بديلا عن القراءات من الداخل.
من جهة أخرى، تتجسد أهمية هذا الكتاب، لكون مؤلفه الدكتور محمد عمارة، هو أحد الأعلام البارزين في قراءة التراث والفكر الإسلامي والحضارة وفي تفكيك بنية الاستشراق، بل يمكن القول إن هذا المفكر يمثل موسوعة فكرية، حيث أن غزارة تأليفه الذي وصل إلى أكثر من 245 عنوانا، في مجالات شتى، وهو إلى جانب ذلك يتميز بأسلوبه العلمي والموضوعي، وبسعة اطلاعه، وبطريقة عرضه للأفكار، وبقوة حججه ونصاعة أدلته... كل ذلك يضفي على هذا المؤلف قيمة علمية كبيرة، ولهذا سعينا في هذه القراءة أن نكون أوفياء في نقل أهم الخلاصات الأساسية للكتاب، مستثيرين القراء لقراءة الكتاب بأكمله فذلك أدعى للإحاطة الجيدة بمكنونات هذا الكتاب.
يقع الكتاب في أربعة فصول وخاتمة، جاءت موزعة على الشكل التالي:
1- موقف الجابري من التراث.
2- الترتيب الجابري للقرآن.
3- أخطاء لا خطايا.
4- خطايا لا مجرد أخطاء.
الفصل الأول: موقف الجابري من التراث:
يعتبر محمد عمارة أنه لفهم فكر ومشروع الراحل محمد عابد الجابري، لا بد من فهم المنطلقات المعرفية والايبستمولوجية والبراديغمات التي ينطلق منها، ذلك أن منهج الجابري في فهم التراث، يمثل الأساس والمنطلق لتفكيك فكره، ولهذا نجد محمد عمارة في هذا الفصل التمهيدي، يحيل على دراسات الجابري للتراث،"ودعوته لقراءة هذا التراث من أجل تجاوزه" أو قول الجابري : " إن الحداثة تبدأ باحتواء التراث وامتلاكه، لأن ذلك وحده هو السبيل إلى تدشين سلسلة من "القطائع" معه إلى تحقيق تجاوز عميق له، إلى تراث جديد نصنعه، تراث جديد فعلا".
وهذه القطيعة مع التراث التي يدعو لها الجابري، لا تتضمن الاجتهادات التفسيرية للمقدس، بل تتضمن المقدس ذاته، حيث يقول: اللغة والشريعة والعقيدة والسياسية، في الماضي والحاضر، هي العناصر الرئيسية التي تتكون منها المرجعية التراثية، التي قلنا: إنه لا سبيل إلى تجديد العقل العربي إلا بالتحرر منها" .
مسألة القطيعة مع التراث، تعود في جذورها الفكرية، إلى العلاقة النكدة بين العلمنة والدين المسيحي الكنسي، التي وقعت في الغرب، وأدت إلى تحويل المعتقدات المسيحية إلى مفاهيم دنيوية، تحت عنوان بارز: "دين بلا سياسة، وسياسة بلا دين". ولهذا نجد الجابري يدعو إلى اتخاذ نفس الموقف من التراث عند الغربيين، قائلا: "ينبغي تحويل العقيدة إلى رأي".
ولهذا يؤكد د. محمد عمارة على القول أن الجابري بدعوته إلى هذه القطيعة، فإنه إنما يريد نسف الأسس الفكرية والفلسفية والعقادية التي يقوم عليها البنيان التصوري لأي مجتمع، فرغم أن الحداثة الغربية، أقامت قطيعة معرفية كبرى مع موروثها الديني اليهودي والنصراني- لكنها أحيت وجددت مواريثها الإغريقية الرومانية- في الفلسفة والقانون والعلوم والآداب والفنون- وأسست نهضتها الحديثة على "كلاسيكيات" هذه المواريث... أي أنها لم تقم قطيعة مع كل مكونات مرجعياتها التراثية... أما الجابري، فإنه- وبنصوص عباراته- قد دعا إلى "تدشين سلسلة من القطائع مع العناصر الرئيسية التي تتكون منها المرجعية التراثية بما في ذلك: اللغة، والشريعة، والعقيدة، والسياسة".
وهذه دعوة لم يسبقه فيها أحد، سوى سلامة موسى، مما يعطي فكرة واضحة عن خلفيات مشروع فكر محمد عابد الجابري، ومن ثم طبيعة مقاربته للقرآن الكريم.
الفصل الثاني: الترتيب الجابري للقرآن الكريم:
قد يستغرب القارئ لفكر محمد عابد الجابري، كيف يعقل أن يصدر من مفكر من طينته، هذا الموقف: أي إعادة النظر في ترتيب آيات القرآن الكريم؟ والعدول عن الترتيب الإلهي للوحي القرآني، الذي أكدته مراجعات جبريل (عليه السلام) الذي نزل بالوحي، أي الترتيب الذي سار عليه الصحابة الذين كتبوا الوحي، وحفظوه، وجمعوا صحائفه، ثم دونوه وأذاعوه في الأمصار، وهو نفس الترتيب الذي سارت عليه الأمة بشعوبها وقبائلها وأقطارها وعلمائها ومذاهبها عبر الزمان والمكان؟؟
يقول الجابري:" إن الهدف عندنا من "الترتيب حسب النزول" هو التعرف على المسار التكويني للنص القرآني باعتماد مطابقته مع مسار الدعوة المحمدية".
ويرى الدكتور محمد عمارة أن هذه الفكرة التي ابتدعها الجابري، إنما سبقه إليها العديد من المستشرقين، أمثال "فيشير" (18َ65-1949) و"بريتسل (1893-1941) وغيرهم، لكنها باءت بالفشل، كما يقول المستشرق الانجليزي "مونتمجمري وات (1909-2006) والذي قضى عمرا طويلا في الدراسة والبحث واستنتج ما يلي : " وإذا لم يكن محمد هو الذي رتب القرآن بناء على وحي نزل عليه، فمن الصعب أن نتصور أن يقوم بهذا العمل زيد بن ثابت أو أي مسلم آخر"
وقد شرح الجابري الدواعي التي دفعته للتفكير في إعادة ترتيب سور القرآن، عندما اعتبر أن "تفسير القرآن أو تفهيمه وفق مصطلحه، إنما يكون أوفق وأوضح إذا تم وفق ترتيب حسب أسباب النزول" ( انظر كتاب :" فهم القرآن: التفسير الواضح حسب ترتيب النزول).
ويفند الدكتور محمد عمارة هذه الدعوى ويعتبرها مردودة، لأن أسباب النزول لا تمثل إلا نسبة قليلة بالنسبة لمجمل آيات القرآن الكريم. وعلاوة على هذا التهافت الذي وصل إليه صاحب أضخم مشروع فكري في الوطن العربي (الجابري)، فإن الذي يكشف ضحالة هذا الادعاء هو عدم رجوع المفكر الجابري، إلى أهم العلماء الذين اشتغلوا بعلوم القرآن، ومنهم العلامة السيوطي رحمة الله عليه.
وقد شرح د. محمد عمارة تناقض الجابري وذلك عندما انطلق من فرضية إعادة ترتيب آيات القرآن معتمدا على أسباب النزول، ثم عاد ليقول في تحليله أن هذه الأسباب قليلة ولا يمكن الاعتماد عليها، بل إنه شكك في بعض هذه الروايات لأنها تتضمن خبر الآحاد، واعتبر أن أكثرها ظنون وتخمينات".
ولعل هذا التناقض الذي كشفه د. محمد عمارة هو الذي جعله يستنتج التسرع الكبير الذي وقع فيه الجابري، إذ أراد أن يخرج كتبه في أقرب وقت دون النظر وتقليبه جيدا في مصادر العلوم وأعلامها الراسخون.
الفصل الثالث: أخطاء لا خطايا:
ميز د. عمارة  في مستهل هذا الفصل، بين الأخطاء التي يمكن أن يقع فيها أي مفكر ومجتهد، ومن ثم وجب التصحيح والحوار، وبين الخطايا الفكرية التي يستغرب من المفكر، وخصوصا إذا كان من طينة د.محمد عابد الجابري، أن يقع فيها.
وقد خصص الدكتور محمد عمارة فصلين من كتابه، الأول خصصه للشق ألأول، فيما خصص الثاني للشق الثاني.
فقد أحصى د.محمد عمارة في الشق الأول أكثر من تسعة أخطاء وقع فيها المفكر العربي محمد عابد الجابري،عندما ألف كتابه "مدخل إلى القرآن الكريم: في التعريف بالقرآن".
أول هذه الأخطاء: هو تطبيقه منهاج الوضعية المنطقية الأوربية في النظر إلى الوحي والدين والإيمان، ذلك المنهاج الذي تصور أصحابه أن للفكر غرفا معلقة، فجعلوا للوحي والدين والإيمان غرفة مغلقة لا يدخلها العقل والعلم، إذ لا علاقة- بزعمهم - بينهما. فللإيمان معايير هي التسليم والاستسلام، وللعقل معايير هي النظر والبرهان، أي أن الوحي والدين والإيمان –وفق هذا المنهاج- لاعلاقة لهما بالعقل والبرهان.
وانطلاقا من هذا المنهاج الوضعي، قال الجابري: " إن الوحي ينتمي إلى منطقة التسليم والإيمان، وليس إلى ميدان البحث والبرهان".
ولتفنيد هذه الفكرة، أكد د.محمد عمارة أنه إذا كان جوهر الدين الإسلامي، ونقطة البدء فيه هي الإيمان بالله سبحانه وتعالى، فإن طريق الإيمان هو العقل، والنظر العقلي وليس التسليم.
ولعل هذه الحقيقة التي تجاهلها الجابري، والتي يتجاهلها كل الذين ينظرون للوحي القرآني والإيمان الإسلامي بمنظار الفلسفة الوضعية الغربية، جاء الحديث عن العقل ومكانته وسلطانه وحاكمتيه في الوحي القرآني باللفظ، في تسعة وأربعين موضعا".
ولإدراك أهمية العقل ودوره المحوري في ترسيخ الإيمان في المنظومة الإسلامية، فإن د.محمد عمارة، استدعى شهادة من خارج النسق الإسلامي، وهي للمستشرق الفرنسي البروفيسور "إدوارد مونتيه" (1856-1927) الذي ترجم القرآن إلى الفرنسية، والذي قال في عقلانية الإسلام: " إن الإسلام في جوهره دين عقلي بأوسع معاني هذه الكلمة من الوجهتين الاشتقاقية والتاريخية، فإن تعريف الأسلوب العقلي rationalism بأنه طريقة تقيم العقائد الدينية على أسس من المبادئ المستمدة من العقل والمنطق، ينطبق على الإسلام كامل الانطباق".
أما الخطأ الثاني، فجاء نتيجة المنطلقات الفكرية التي ينتهجها الجابري في قراءته للقرآن، حيث اعتبر أن العبادات الإسلامية تنتمي إلى المنقول اللامعقول وليست في متناول العقل.
يقول محمد عمارة في رده على هذه الأقوال: "إن الجابري خلط بين العبادات الإسلامية وبين صورة العبادات كما آلت إليها في الشرائع الدينية الأخرى، ففي المسيحية الحالية، تحولت كثير من العبادات إلى "أسرار كنسية" لا معقولة، بل مضادة للعقل والتعقل.."
وهذا الإسقاط فيه تجني كبير على العبادات الإسلامية التي تنتمي إلى دائرة المعقول، كالصلاة والصيام والحج والزكاة، خصوصا إذا نظرنا إلى مقاصدها الكبرى، بل حتى الجوانب التعبدية التي لا يعقلها العقل الإنساني في هذه العبادات الإسلامية، لأنها فوق إدراكه النسبي، مثل عدد الركعات في كل صلاة، ومثل تقبيل الحجر الأسود..، فهي معقولة إذا نظرنا إليها كسبل لترويض المسلم على طاعة الله سبحانه وتعالى في أداء الشعائر، والتي لها حكمة إلهية لا يعقلها الإنسان، إذ الطاعة في حد ذاتها عنوان محبة الله، وهذا الجانب هامشي بينما العبادات الإسلامية في جملتها واضحة حكمها وعللها، قائمة على العقل والمعقول.
الفصل الرابع: خطايا لا مجرد أخطاء:
إذا كان الدكتور محمد عمارة قد تعرض في الفصل الثالث إلى بعض الأخطاء التي وقع فيها د.محمد عابد الجابري، في مؤلفه "مدخل إلى القرآن الكريم" فإن هذا الفصل يتناول بعض الخطايا التي سقط فيها المفكر المشهور، والتي تعد في نظر د.عمارة من المطبات الخطيرة التي ما كان على د.الجابري الوقوع فيها لو أنه بحث بشكل متأن في مظان الفقه الإسلامي وتريت قبل الحكم على قضايا جد خطيرة، كإنكار العصمة للرسول (ص)، أو في نفيه الحفظ الإلهي للقرآن الكريم، وغيرها من الخطايا التي سنعرض لواحدة منها وهي أكبرها، إذ أنكر الجابري عصمة الأنبياء والمرسلين، مع أن هذه العصمة هي عقيدة من كبريات الإيمان الديني، النابعة من الحكمة الإلهية في اصطفاء الأنبياء والمرسلين.
يقول الجابري:" ما نريد تأكيده هنا هو ضرورة التفكير في آي الذكر الحكيم بعيدا عن الأفكار المسبقة، مثل فكرة العصمة التي اكتسبت طابعا مذهبيا سياسيا في الفكر الإسلامي"
بل الخطير في الأمر هو ادعاء الجابري أن الفرق الإسلامية ، مختلفة في مسألة إثبات أو نفي العصمة.
وقد استدعى د.عمارة كل الحجج والبراهين قديمها وحديثها في تفنيد ودحض هذه الدعاوى، حيث يقول : "فالعصمة للمرسلين عقيدة من أمهات العقائد الإيمانية، لأنها تمثل ضمانة الصدق والكمال والتمام للوحي الذي بلغه الرسول، وفي هذا الوحي جماع عقائد الدين..فما جاء به الوحي الإلهي عن الألوهية، وصفات الذات الإلهية، وعن النبوات والرسالات، وعن الكتب السماوية، وعن الملائكة، وعن عالم الغيب، والحساب والجزاء..تتوقف الثقة في معالم هذه العقائد الأمهات على صدق البلاغ والتبليغ..وشرط هذه الثقة العصمة لصاحب البلاغ والتبليغ".
وفي معرضه ردّه أحال د.عمارة على علم من أعلام فقه السيرة، وهو القاضي عياض الذي ألف كتابه ( الشفا بتعريف حقوق المصطفى) والذي يعد من معالم تراث الإسلام. أو من خلال الإحالة على ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية. وفي العصر الحديث، يحيل على ما ذكره إمام مدرسة الإحياء والتجديد، الشيخ محمد عبده، الذي قال :" إن من لوازم الإيمان الإسلامي: وجوب الاعتقاد بعلو فطرة الأنبياء والمرسلين، وصحة عقولهم، وصدقهم في أقوالهم، وأمانتهم في تبليغ ما عهد إليهم أن يبلغوه، وعصمتهم من كل ما يشوه المسيرة البشرية، وسلامة أبدانهم مما تنبو عنه الأبصار وتنفر منه الأذواق السليمة، وأنهم منزهون عما يضاد شيئا من هذه الصفات المتقدمة".
هكذا أجمعت الأمة- على اختلاف فرقها ومذاهبها وعلى امتداد تاريخيها- على أن العصمة للأنبياء والمرسلين هي عقيدة إيمانية، تقتضيها الحكمة الإلهية، المنزهة عن العبث، ويتوقف عليها قبول بلاغتهم عن الله سبحانه وتعالى، كما اتفقت الأمة على أن هذه العقيدة "قد ثبتت بالشرع والعقل والإجماع"...بل رأينا المعتزلة-فرسان العقلانية الإسلامية- هم أيضا فرسان الانتصار لعصمة الأنبياء والمرسلين، عليهم الصلاة والسلام.
ولهذا يعتبر د.عمارة أن الجابري شذ عن إجماع الأمة، وسقط  في الخطيئة، عندما زعم أن العصمة ليست سوى" فكرة مذهبية مسبقة" اكتسبت طابعا سياسيا ومذهبيا في الفكر الإسلامي..ولقد قادته هذه الخطيئة وهذا السقوط إلى هذه الصورة الزائفة  والبائسة التي صور بها رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فشذ بذلك عن المنصفين من غير المسلمين، الذين جعلوا إمام أولي العزم من الرسل، إمام المصلحين، الذين جسدوا رسالتهم  السامية في أرض الواقع والممارسة والتطبيق".
ختاما، يمكن القول أن كتاب محمد عابد الجابري، "مدخل للقرآن الكريم" بأجزائه الثلاثة، يشكل تجنيا على ثوابت الأمة الإسلامية، وذلك لمحاولة صاحبه أن يسقط المناهج الغربية المتجاوزة في قراءة النص القرآني، وقد بين د. عمارة في هذا كتابه هذا تهافت هذه الدعاوى،وتوفق بشكل كبير في دحض كل هذه الدعاوى، مستندا إلى منهج علمي وموضوعي في الإحالة على أمهات الكتب الإسلامية وعلى الثرات الإسلامي الذي خلفه لنا خير سلف هذه الأمة، وأيضا حتى على ما تركه المعاصرون من أفكار ومناهج في التعامل مع القرآن الكريم، ومع مصادر الوحي، ولهذا نعتقد أن مشروع الجابري هذا خالف الصواب، واقتحم مجالا لم يكن لهذا المفكر العظيم، أن يلجه، لأنه يحتاج إلى أدوات علمية ومنهجية من داخل النسق الفكري الإسلامي، وليس من خارجه، وأكثر من ذلك الاعتماد على ما تركه المستشرقون المنصفون الذين تعاملوا مع الثرات بموضوعية عالية، وليس بمنطلقات فكرية ومنهجية متقادمة.
قصة  النهاية
رفعت مجلة «الأزهر»،في عددها الأخير،اسم الدكتور محمد عمارة، من رئاسة التحرير، واكتفت بوضع مجلس التحرير المُكون من 3 أشخاص، بينهم "عمارة"، وذلك بعد الضغوط الإعلامية الكبيرة التي تعرضت لها "المشيخة".
في يونيو 2011، كلف الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، المفكر الإسلامي محمد عمارة، برئاسة تحرير مجلة "الأزهر".
«شرفت بتولي رئاسة تحرير هذه المجلة في هذا الوقت العصيب من تاريخ الأمة، وسأسعى لاستكتاب كُتّاب جدد وفتح آفاق جديدة، وسأعمل جاهدًا لأن تكون مجلة الأزهر منبرًا للفكر الوسطي المعتدل"، هكذا قال "عمارة" في أول تصريح له عقب توليه رئاسة تحرير المجلة.
خبر تولي «عمارة» رئاسة تحرير المجلة الناطقة باسم الأزهر، لم يقف عنده أحد، سواء في الصحف أو الفضائيات، فقط كان الخبر مقلقًا للأقباط، حيث إن «عمارة» هو أكثر الشخصيات الإسلامية هجومًا عليهم، بل أصدر كتاب «تقرير علمي» جرى توزيعه مع مجلة «الأزهر» في 2009، اعتبرته الكنيسة المصرية «إساءة للمسيحية»، إذ وصف «عمارة» الكتاب المُقدس بأنه«محرف»،وأن المسيحيين «مشركون»، ما دفع «الأزهر» إلى سحب الكتاب.
الرجل الذي انتقل من«الماركسية» إلى صفوف الحركة الإسلامية، حوّل مجلة «الأزهر» إلى منبر خاص بأفكاره، وليس أفكار «الأزهر»، وواصل هجومه على الأقباط من خلال مقالاته، أبرزها المقال الافتتاحي للمجلة في عددها الأخير من أغسطس 2014، بعنوان «مستقبلنا: تضامن وتكامل أم تشرذم وتفتيت؟»، قال فيه إن قطاعات من الأقباط المصريين ساعدوا الحملة الفرنسية، وحاربوا مع الجيش الفرنسي ضد المصريين، تحت قيادة القائد الفرنسي ديزيه، وأثار المقال غضبًا في الأوساط القبطية.
كما كان للشيعة نصيبًا أيضًا من هجوم "عمارة"، ففي أكتوبر 2012 أعادت «الأزهر» نشر كتاب «الخطوط العريضة لدين الشيعة"،من تأليف الكاتب الراحل محب الدين الخطيب، وفي مقدمة الكتاب يقول "عمارة"، إن «الشيعة ليست مذهبًا أو طائفة وإنما دين، تحالف أصحابه مع الصليبيين وهولاكو والإمبريالية الأمريكية والمسيحية الصهيونية ضد المسلمين".
"عمارة" خالف بذلك منهج"الأزهر"الذي سمح بتدريس «المذهب الجعفري» لطلاب جامعة الأزهر، باعتباره منهجًا إسلاميًا، ومذهبًا من المذاهب الإسلامية الصحيحة.
ثار المصريون في 30 يونيو ضد الرئيس الإخواني محمد مرسي، ونجحوا في عزله، بينما ظل «عمارة» قابعًا على رأس مجلة «الأزهر»، ليصف ما حدث بأنه «انقلاب عسكري»، وهو بذلك يُخالف الموقف الرسمي للأزهر.
قال «عمارة» في بيان يوم 13 يوليو 2013: «بيان القوات المسلحة في 3 يوليو هو انقلاب عسكري على التحول الديمقراطي، الذي فتحت أبوابه ثورة 25 يناير»، مشيرًا إلى أن عزل محمد مرسي، باطل شرعًا وقانونًا، على حد قوله.
وأضاف «عمارة»: «الانقلاب العسكري يعيد عقارب الساعة في مصر إلى ما قبل ستين عامًا، ويضر بالقوات المسلحة؛ لأنه سيشغلها عن مهامها الأساسية في الدفاع عن حماية الوطن».
تعرض محمد عمارة لهجوم كبير من قبل وسائل الإعلام، وكتب الدكتور خالد منتصر، أكثر من مقال في صحيفة «الوطن»، يطالب شيخ الأزهر، بإقالته، أبرزهم مقال تحت عنوان «لماذا تُصر يا شيخ الأزهر على د. محمد عمارة؟».
الإعلامي إبراهيم عيسى كان هو الآخر أحد أبرز المهاجمين لـ«عمارة»، إذ اتهمه بالانتماء لجماعة الإخوان المسلمين.
وأضاف: "المفروض رئيس تحرير مجلة الأزهر هو المعبر عن أفكار الأزهر، والمُنظر، المجلة المفروض اللي تكون الجسر للثقافة الإسلامية الوسطية، لكن اللي اختاره شيخ الأزهر، واحد بيقول إن 30 يونيو انقلاب، رأيه زي رأي الإخوان الإرهابيين".
ضغوط كبيرة تعرض لها «الطيب» بسبب بقاء «عمارة» على رأس مجلة «الأزهر»، ويبدو أنه استجاب لها، حيث فوجئ قراء المجلة الأسبوع الماضي، برفع اسم محمد عمارة من رئاسة التحرير، وكتابة مجلس تحرير مكون من الدكتور محمود حمدي زقزوق، ومحمد عمارة، وعبدالفتاح العواري، وهو ما يُعني تحجيم دور «عمارة» في المجلة التي وصفت في نفس العدد جماعة الإخوان، وتنظيم «داعش»، وكتائب عز الدين القسام بـ«الفجرة الخارجين عن الإسلام».
لم تكن هذه هي المرة الأولى التي يُحاصر فيها «عمارة»، فمنذ 30 يونيو، مُنع من كتابة عموده الأسبوعي«في ظلال الإسلام»بمجلة «أكتوبر»، ومقاله الأسبوعي في «الأهرام»، كما امتنعت صحيفة «الأخبار» عن نشر«يوميات الجمعة» التي كان يكتبها، ومقاله «هذا إسلامنا» في صحيفة «القاهرة».

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حوار مع الشيخ : عثمان حاج مصطفى

أسامة خليفة ..إنتاج فيلم الطفل انطلاقا من قيمناِ لاء للإنتاج الفني، تقف على خط المواجهة، وبصدق نقول هذا، فقد كانت المبادرة إلى هذا العالم الرحب في وقت كان هَمّ الآخرين أن يقوموا بدبلجة ما يقدم، نريد من يؤمن بالفكرة

موسى ابن نصير قائد عسكري عربي في عصر الدولة الأموية. شارك موسى في فتح قبرص في عهد الخليفة معاوية بن أبي سفيان