حياة الفنان عبد الله غيث مابين المسرح والسينما

 


قال الحسيني غيث إن والده الفنان عبد الله غيث لم يحاول استغلال علاقته مع الرؤساء وكبار السياسيين في حل أزمة مسرحيته «الحسين شهيدا»، والتي تم منعها لأسباب سياسية ودينية على حد قوله. 

وكشف في حواره  أن أبناء الرئيس عبد الناصر وجيهان السادات كانوا يحرصون على حضور العروض المسرحية للفنان عبد الله غيث. 

مضيفاً أن الفنان العالمي أنطوني كوين أشاد بوالده في فيلم «الرسالة» وطلب من المخرج مصطفى العقاد أن يتم تصوير النسخة العربية أولا- على عكس المعتاد- حتى يستلهم الإحساس العربي من أداء عبد الله غيث. 

واعترف الحسيني بأن ملحمة أدهم الشرقاوي بصوت محمد رشدي كانت أفضل، مشيرا إلى أن عبد الحليم حافظ قبل الغناء بصوته دون الظهور في الفيلم حبا في والده وابن بلده.

 كما كشف ابن الفنان الكبير أن والده ينتمي للأشراف وأن جذوره ترجع لمنطقة الجزيرة العربية. وأكد على أن المرض هاجم الفنان عبد الله غيث أثناء عمله بمسرحية «آه يا غجر» ومات بعدها بـ15 يوما دون أن يعلم شيئا عن خطورة حالته الصحية.

ينتمي الفنان عبد الله غيث إلى جيل الرواد الفنانين، حيث أثرى الحياة الفنية بالعديد من الأعمال الناجحة والجماهيرية، منها: «المال والبنون» و«الثعلب» و«ذئاب الجبل» و«أدهم الشرقاوي» و«الرسالة» و«عصر القوة» و«ديك البرابر». واتسم بأدائه المميز والرصين في أعماله خاصة على خشبة المسرح وهو يؤدي الأدوار التاريخية، وكان أبرع من قدم المسرح الشعري لإتقانه الشديد للغة العربية، وهو ما تجلى في روعة أدائه بمسرحية «الوزير العاشق» و«الحسين شهيدا» والتي سببت له صدمة كبيرة لمنعها من العرض بعد أن بذل هو وزملاؤه جهودا كبيرة في فترة الإعداد لهذا العمل الكبير.

حول المسيرة الفنية للفنان الكبير عبد الله غيث وأهم المحطات في حياته، التقت «المجلة» ابنه البرلماني السابق ورجل الاقتصاد الحسيني عبد الله غيث، فكان هذا الحوار...

 بالفعل عائلة غيث تنحدر جذورها من منطقة الجزيرة العربية وهي منتشرة في مختلف الأنحاء سواء داخل مصر في جميع محافظاتها، أو في المنطقة العربية، ومنها في فلسطين وليبيا وهم يجتمعون في المناسبات من جميع أنحاء مصروهي عائلة كبيرة وممتدة، كما أنها تنتسب للأشراف أيضا.

* إلى أي مدى أثرت هذه النشأة ذات الأصول العريقة على شخصية الفنان عبد الله غيث؟

- طبعا كان لهذا الأصل تأثير كبير على شخصيته وطباعه فقد كان يحب الأعمال الجادة جدا ذات القيم الإنسانية كما جعلته مغرما بالتاريخ. وقد أثرت هذه النشأة على هوايته فعشق السباحة والرماية وركوب الخيل وهي هوايات عربية إسلامية أصيلة وكان متفوقا جدا في الرماية وفي الفروسية كما امتلك مجموعة من أفضل وأغلى الخيول العربية الأصيلة التي تشتهر بها محافظتنا محافظة الشرقية، وقد اعتاد على ركوب الخيل من طفولته وورثت عنه عددا كبيرا من الخيل لكني لم أستطع رعايتها فاضطررت لبيعها لمن يستطع الإعتناء بها. وقد أفاد والدي من هذه الهوايات في إكسابه مهارات خاصة لا تتوفر لغيره من الفنانين إلا نادرا ولذلك كان المخرجون يسعدون بالعمل معه لأن مهاراته تمنحهم حرية في التصوير والتركيز عليه بالكاميرا دون الاضطرار لتقطيع المشاهد كما يحدث عند الاستعانة بـ«دوبلير» أو بديل بالنسبة للفنانين الذين لا يجيدون الفروسية، وقد ظهر ذلك واضحا في أعمال مثل «أدهم الشرقاوي»، و«الرسالة» وغيرها من الأعمال الشهيرة التي شارك فيها. كما تأثرت شخصيته وأخلاقه بهذه الهوايات فتحلى بأخلاق الفارس، وكان يحرص على العطف على البسطاء ولا يحب المتغطرسين رغم أنه من عائلة كبيرة وثرية وهي أمور ذات صلة بأصوله الريفية الأصيلة.

* هل ساهم عمل شقيقه الأكبر الفنان حمدي غيث بالفن في مساعدته على اللحاق به وجذبه للتمثيل؟

- أعتقد أن عشق الفن وهوايته كانت لدى الشقيقين معا من الصغر وعندما التحق عمي حمدي بمعهد التمثيل وأكمل دراسته في فرنسا قبل أن يعود أستاذا بالمعهد بدأ يجتذب والدي لأنه يعلم موهبته جيدا لأنه لا توجد وساطة في الفن وما قدمه الفنان عبد الله غيث من أعمال كبيرة عبر تاريخه الفني يؤكد موهبته كفنان كبير. وعندما توفي جدي كان والدي عمره سنة تقريبا وكبر تحت رعاية شقيقه الأكبر عمي حمدي الذي كان بمثابة الأب فعلا في حياته، رغم أن فارق السن بينهما لم يكن كبيرا ولا يتجاوز ست سنوات تقريبا.

 * هل أثر اليتم المبكر على شخصية والدك الفنان عبد الله غيث؟

 - هو لم يشعر بهذا اليتم لوجوده في عائلة كبيرة ومترابطة وميسورة الحال وفي ظل احتضان العائلة له، خاصة مع طبيعة الحياة الريفية في بلدنا الشرقية، التي تشع الدفء العائلي ولا تعطي الفرصة لمن يفقد والده أن يشعر باليتم.

 * هل فعلا تسبب الأخوان غيث في مشكلة كبيرة في صباهما بالريف بسبب انتحالهما لشخصيتي مفتشي تموين ببلدهما بدافع عشق التمثيل؟!

- كان عمي ووالدي معروفين بعشقهما للفن والتمثيل وكانا يمارسانه في البيت أمام أفراد الأسرة وأذكر أنهما ذات مرة كادا يرتكبان مصيبة عندما انتحلا صفة مفتشي تموين وتظاهرا على محلات القرية وأثارا الخوف لدرجة أن البعض سارع بالتخلص من بعض المواد التموينية خوفا منهما، ولما تدخل عمي الكبير- وكان عمدة البلد- وبحث في الأمر اكتشف الحقيقة! وطبعا هما تصورا أنهما تصرفا من موقع مسؤوليتهما!!

* ألم تمانع العائلة ذات الأصل الديني الشريف أو تتبرم من عمل الشقيقين حمدي وعبد الله غيث في مجال الفن آنذاك؟

- لا. إطلاقا لم يكن هناك أي اعتراض من العائلة على دخول عمي ووالدي مجال التمثيل لأنهما توجها من البداية توجها جادا جدا وكانا مغرمين بعمالقة المسرح أمثال يوسف وهبي وزكي طليمات كما كانا بعيدين تماما عن الهزل وعاشقين للغة العربية والشعر مما أضفى على هوايتهما الفنية نوعا من الوقار.

* هل كانت البداية بالسينما أم المسرح؟

- بدأ والدي في المسرح وقدم فيه روائع المسرحيات ويعد من أعظم رواد المسرح الشعري في الوطن العربي وقد شهد له الفنان يوسف وهبي وقال: «إن خليفتي على المسرح هو عبد الله غيث».

* ما أكثر الأعمال المسرحية التي كان يعتز بها الفنان عبد الله غيث؟

- بالطبع كان يحب مسرحية «الحسين ثائرا وشهيدا» وهو عمل تم دمجه مسرحيا بواسطة الكاتب عبد الرحمن الشرقاوي، وعلى الرغم من أنها لم تسجل وتم وقف عرضها إلا أنه كان يحبها جدا وكانت لها مكانة خاصة عنده.

* ألهذا السبب أطلق عليك والدك اسم «الحسيني»؟

- هو اسم أطلقه (على اسم جدي) فوالدي اسمه عبد الله الحسيني غيث، وكان ذلك قبل مسرحية «الحسين» فقد ولدت قبلها بسنوات كثيرة.

* على ذكر مسرحية «الحسين شهيدا وثائرا».. أثارت هذه المسرحية ضجة كبرى وجدلا واسعا بين مؤيد ومعارض حتى منعت من العرض على المسرح. فما هي ملابسات وكواليس هذا المنع؟ وكيف واجه الفنان عبد الله غيث هذه الأزمة؟

- بالفعل كان هناك اعتراض من الأزهر بسبب تجسيد شخصية دينية وتصرف الفنانون والمخرج كرم مطاوع بشكل ذكي وقاموا بدعوة الأزهر للبروفة وبالفعل حضر شيخ الأزهر ومجموعة كبيرة من علمائه وجلسوا في الصفوف الأمامية بالمسرح القومي، والعجيب أنهم تأثروا كثيرا بالمسرحية وبأداء الفنانين ووالدي الذي أدى دوره بشكل باهر، ولم تكن لهم سوى بعض ملاحظات خاصة بأن لا يكون الحوار مباشرا وأن توضع قبل كل جملة عبارة: 

«قال الحسين» بحيث يكون البطل راويا للحدث، وقد امتثل المخرج لهذه الملاحظات ورغم ذلك لم يسمح بالعرض! وهو ما تسبب في إحداث صدمة كبرى للمثقفين لأن هذا العمل كان أكبر دعاية ونموذج على تلاحم الثقافة والفن والفكر والدين.

وأذكر أن الفنانة سناء جميل حينما شاهدت العرض بكت بشدة وفاجأتني بجملة لا أنساها أبدا، وقالت: «إن شخصية الحسين لا تقل عن شخصية السيد المسيح» وهي شهادة من فنانة مسيحية ولو كان تم عرض وتسجيل هذه المسرحية لكان لها تأثير إيجابي كبير وقد شارك فيها عمالقة الفن والمسرح، منهم الفنان يوسف وهبي الذي شارك بدور صغير وهو دور وحشي ومعه الفنانة أمينة رزق بالإضافة لكل نجوم المسرح القومي آنذاك. 

وقد حاول المخرج كرم مطاوع أن يعوض الفنانين عن المجهود الرهيب الذي بذلوه في هذه المسرحية فقام بتخصيص شهركامل لبروفات جنرال مفتوحة للجمهور كنوع من الحيلة الفنية لتمكين أكبر عدد ممكن من مشاهدة المسرحية وكانت المفاجأة أن مقاعد المسرح كلها كانت محجوزة بالكامل وكان الجمهور يضطر للوقوف في الممرات حرصا على متابعة عرض البروفة كما كانت باقات الورود تحيط بالمسرح القومي بمنطقة وسط القاهرة من كل جانب من المعجبين والفنانين والنقاد تعبيرا عن إعجابهم بالعمل والإشادة به.

 * برأيك هل تعتقد أن قرار منع مسرحية الحسين كان دينيا أم سياسيا؟!

- سياسيا ودينيا معا!

* لماذا؟

- ما فهمته أن المملكة العربية السعودية كان لها دور آنذاك وإن لم أكن متأكدا من هذه المعلومة، وبطبيعة الحال انسجم موقف الأزهر مع مواقف الدول الإسلامية ومن ثم تم وقف عرض المسرحية!

* هناك ما يدعو للدهشة هو أن تلك المسرحية كانت عملا تاريخيا مرتبطا بأحداث دينية إسلامية وحظيت باهتمام الفنانين والمفكرين بل وعلماء الدين وأكدت أن الفن وسيلة من وسائل تقديم الفكروالتاريخ بشكل راقٍ، ومع ذلك تم رفضها، أليس غريبا؟!

- لا شك أن هناك تناقضا كبيرا وقتها لأنه بينما لا يتم التصدي للأعمال الهزلية والخارجة والإباحية والمناظر غير اللائقة، نجد في نفس الوقت من يمنع عرض عمل بهذه القيمة وله هذا التأثير حتى على غير المسلمين. 

وأنا أرى أنه إذا كانت هناك سلطة منع على الكل فإنه من باب أولى أن تمنع الأعمال الخارجة وليس الأعمال الجادة التي تحمل قيما ومضمونا فكريا! يعني مسرحية «الحسين ثائرا وشهيدا»

 كانت عملا شعريا رائعا لكاتب كبير هو عبد الرحمن الشرقاوي وبطولة عبد الله غيث ونخبة من عمالقة المسرح القومي في مصر وإخراج فنان كبير ومثقف هو الفنان كرم مطاوع، وهو عمل كان بمثابة دعوة للدين من خلال الفن متمثلا في المسرحية فكيف ترفضه الجهات الدينية؟! ولذلك أستشعر التناقض في هذا المنع خاصة وأن وجود مثل هذه الأعمال الجادة يحدث توازنا مع المعروض من الأعمال الهزلية بدلا من ترك الساحة خالية لهم.

* وماذا عن دوره في فيلم «أدهم الشرقاوي» هذه الشخصية المثيرة للجدل بين وصفها بالبطولة والإرهاب؟

- والدي كان يعشق هذه الشخصية بشدة لدرجة أنه أطلق اسم أدهم على شقيقي حبا في أدهم الشرقاوي وذلك حتى قبل أن يجسد الشخصية في الفيلم الشهير وعندما عرض عليه الدور رحب به وكان سعيدا جدا به ولم يجد أي صعوبة في أدائه بل أداه ببساطة ويسر لأنه كان فارسا ورياضيا.

* وماذا كان موقفه عندما وصف البعض أدهم الشرقاوي بالإرهابي واعتبره خارجا على القانون وليس بطلا؟

- بالفعل كان هناك من يزعم هذا الوصف على أدهم الشرقاوي لكنه في النهاية بطل لسيرة شعبية كانت تمجده كزعيم ثائر على الظلم، وقد منحه الموال الشعبي قوة ومذاقا خاصا.

* هل توافق أن ملحمة أدهم الشرقاوي بصوت محمد رشدي كانت أفضل منها بصوت عبد الحليم حافظ؟

- بالطبع أوافق، لأن هناك انسجاما بين صوت رشدي وغنائه وبين الطابع الشعبي لسيرة أدهم الشرقاوي. لكن المخرج حسام الدين مصطفى اختار عبد الحليم لأسباب إنتاجية استغلالا لشهرته كنجم كبير في إنجاح العمل، كما أن عبد الحليم نفسه وافق على المشاركة بصوته فقط في العمل كنوع من المجاملة لوالدي وقال له: «إنني لم أغن في أي عمل بدون ظهور صورتي كبطل سوى في فيلم أدهم الشرقاوي من أجل عبد الله غيث» ويرجع ذلك لكونهما من أبناء نفس البلد وهي الشرقية وكانا يحبان بعضهما كثيرا.

* من المحطات العالمية في مسيرة الفنان عبد الله غيث فيلم «الرسالة»، كيف تم اختياره للفيلم ومشاركته للنجم أنطوني كوين بطل النسخة الأجنبية من الفيلم؟

- لا شك أن فيلم «الرسالة» كان تجربة مهمة جدا بالنسبة لوالدي وقد حاز فيها على إعجاب الفنان العالمي أنطوني كوين وأنتم تعرفون أن الفيلم كان يصور من نسختين إحداهما باللغة العربية والأخرى باللغة الإنجليزية وجرت العادة أن يتم تصوير النسخة الأجنبية أولا ولكن ما حدث في فيلم «الرسالة» كان العكس لأنه بعد تصوير عدد من المشاهد بهذه الطريقة فوجئ المخرج مصطفى العقاد بأنطوني كوين يتدخل ويطلب أن يبدأ التصوير بعبد الله غيث وقال إنه يتعلم من أدائه العربي للمشهد ويستلهم إحساسه ويشعر به. 


وفعلا سار التصوير على هذا المنوال للنهاية، ومن يشاهد الفيلم يلاحظ وجود فارق في أداء أنطوني كوين وارتفاع مستواه في المشاهد التي تمت بعد إجراء ذلك التعديل حيث كانت تبدو بأداء «أميركاني» على طريقة «الكاو بوي» بينما تغير أسلوبه بعد أن انتظر أداء والدي للمشهد أولا. وقد أشاد والدي باهتمام أنطوني كوين بمثل هذه الأمور وقال إنها تعني كونه فنانا عظيما لأنه يهتم بدقة الأداء ومصداقيته على الشاشة.

* لماذا لم تتكرر هذه التجربة أو نرى الفنان عبد الله غيث في السينما العالمية؟ وهل جمعت الصداقة بينه وبين والدك؟

- تكررت التجربة بعد «الرسالة» مرة واحدة، ولكن بالصوت فقط في الدبلجة العربية لفيلم «عمر المختار» وكانت هي المرة الأخيرة التي جمعت والدي بالفنان أنطوني كوين، وبعدها لم يلتقيا، لأنه لم يكن هناك مجال كما أن اللغة كانت حائلا دون انطلاق والدي للسينما العالمية ولكن ولعه باللغة العربية والشعر كان قويا جدا مما رسخ خطواته في الأعمال العربية الكبرى سيما التاريخية والدينية وخاصة على خشبة المسرح داخل حدود المنطقة العربية ويمكن القول إن الشعر وعشق اللغة العربية هما الهواية الرابعة لعبد الله غيث بعد السباحة والفروسية والرماية.

 * هل جاء اهتمامه الكبير بالمسرح على حساب أعماله السينمائية؟

- بالفعل قدم والدي عددا قليلا من الأعمال السينمائية مقابل عدد مهول من المسرحيات، ومع ذلك فإن أفلامه التي شارك فيها حققت نجاحا كبيرا منها «أدهم الشرقاوي»، و«الحرام»، و«ديك البرابر».

* وماذا عن أعماله التلفزيونية؟

- قدم عددا كبيرا من المسلسلات منذ بداية التلفزيون وترك بصمة في كل عمل، ومثلما برز كنجم كبير في الأعمال التاريخية فإنه تألق أيضا في المسلسلات الاجتماعية وخاصة التي أداها باللهجة الصعيدية مثل «ذئاب الجبل» لأنه كان يعشقها ويتقنها بشدة وكان الصعايدة يحبونه كثيرا في هذه الأعمال وكان هو سعيد بهذا الأمر لما عكسه من مردود جميل لأعماله سواء على الشاشة الكبيرة أو الصغيرة.

* ما حقيقة أن أبناء الرؤساء والسياسيين كانوا يحرصون على حضور مسرحياته؟

- بالفعل كان أبناء الرئيس جمال عبد الناصر يحرصون على التواجد في المسرح لحضور مسرحياته باستمرار خاصة الروائع العالمية المترجمة، كما كانت السيدة جيهان السادات، رحمها الله، تحضر عروض والدي على المسرح وقد بكت في مسرحية «الوزيرالعاشق» تأثرا بها وبأحداثها.

* هل معنى ذلك أنه كانت هناك علاقة قوية بين والدك وبين السياسيين وعائلاتهم؟ وهل كان قريبا من الرئيس السادات الذي جسد شخصيته في مسلسل الثعلب؟

- لم يكن قريبا فقط من الرئيس السادات بل من كل الرؤساء بمن فيهم رؤساء الدول العربية وكلهم كانوا يحبونه بصدق.

* ألم يحاول الاستفادة من هذا التقارب في إجراء اتصالات عليا لحل أزمة منع عرض مسرحية «الحسين»؟

- لا أستطيع الإجابة عن هذا السؤال لأني لا أعرف! لكن ربما لم يحاول لأنه لم يكن يحب أن يطرق الأبواب رغم علاقته الجيدة جدا بالسياسيين وحبهم الشديد له. وبالمناسبة هناك أعمال كثيرة لوالدي تم تصويرها في الدول العربية خارج مصر وكانوا يطلقون عليه في تترات المسلسلات نجم الوطن العربي وكان له أصدقاء كثيرون من أنحاء العالم العربي وكانوا يزوروننا باستمرار.

* هل حقا أرسل له الرئيس القذافي مبعوثا خاصا لعرض علاجه بالخارج على نفقته؟

- نعم.. هذا حقيقي، لقد فوجئت وأنا برفقة والدي في مرضه الأخير بالمستشفى بزيارة وفد من ثلاثة أشخاص من مكتب «المتابعة العربي الليبي» آنذاك، وأخبروني أن الرئيس القذافي أرسلهم لعرض نقل والدي لأي مكان في العالم لعلاجه وتوفير طائرة خاصة ومجهزة طبيا وكان ذك نابعا من صداقة نشأت مع الإخوة الليبيين منذ وقت فيلم «الرسالة» الذي تم تصوير أجزاء كبيرة منه داخل الأراضي الليبية، وطلبت منهم الانتظار حتى أعرض الأمر على الطبيب فلما أخبرته رفض لتأخر الحالة لأنه لم يبدأ العلاج إلا بعد أن وصل المرض لمرحلة متأخرة وانتشر في الجسم. فقد كان والدي الفنان عبد الله غيث يكره الذهاب للأطباء كثيرا.

* كيف تلقى خبر مرضه وكيف كان رد فعله عندما علم بحالته وانتشار المرض بجسده؟

- لم نخبره بأي شيء، فقد حرص الطبيب على عدم إخباره بالحقيقة المؤلمة ولكنه صارحني بأن والدي في مرحلة متأخرة وكنت حريصا على عدم إخباره مراعاة لحالته النفسية، ولم يستمرالمرض طويلا لأنه توفي بعد أسبوعين فقط من ظهور أعراض المرض عليه وقبلها كان يقف طبيعيا على خشبة المسرح في مسرحية «آه يا غجر» مع عفاف راضي، وذات يوم انتهى من عرض المسرحية وشعر بالألم فتم نقله إلى المستشفى مباشرة.

* ألم يحاول معرفة سبب مرضه أو ألمه؟

- هو لم يكن يعرف سبب مرضه ولم يكن يشكو أو يتكلم معنا عن تفاصيل مرضه حتى لا يشعرنا أنه يتألم وكان يتحامل على نفسه حتى لا يتألم أمامنا. وأظن أنه قد يكون شاعرا بحقيقة مرضه ومع ذلك عندما كنا نسأله عن أخبار صحته في المستشفى كان يرد دائما بأنه بخير حتى لا يشعرنا بشيء. وكنت أكتشف أنه كان يتألم بشدة من حديثي مع الممرضات ولم أكن أشعره أنني أعلم بآلامه احتراما لرغبته في التكتم عليها!

* هل كانت له وصية معينة قبيل رحيله؟

- لا. هو لم يترك وصية.

* ألم تفكر في تكملة مسيرته الفنية خاصة مع التقارب الكبير في الملامح بينك وبين؟ أم أنه كان يرفض فكرة عمل أولاده في مجال الفن؟

- لقد عرضت علي أدوار فنية فعلا في حياة والدي، وكانت مفاجأة لي لأنني لم أدرس بالمعهد ولم أكن أفكر في هذا الأمر، وبينما كنت أدرس بالسنة الثالثة بكلية التجارة اتصل المخرج صلاح أبو سيف بالبيت ليعرض علي دورا مهما في فيلم «حمام الملاطيلي» وكان الدور الذي قام به الفنان محمد العربي. ولكني لم أكن موجودا وقتها في القاهرة فأمر والدي الأسرة بعدم إخباري بالأمر، وظل المخرج صلاح أبو سيف منتظرا حضوري لمدة أسبوع لعمل «تيست كاميرا» وطبعا لم أحضر بسبب إخفاء الأمر عني.

* لماذا تصرف والدك بهذا الشكل ورفض إخبارك بعرض المخرج صلاح أبو سيف؟

- كانت له وجهة نظر خاصة في هذا الشأن وهي أن أنتهي من دراستي أولا والحصول على شهادتي الجامعية وبعدها يكون لكل حادث حديث، لأنه كان يخشى أن يؤدي دخولي المجال مبكرا إلى إهمال دراستي، لكنه لم يكن يرفض عملنا بالفن بل كان أشد حرصا على أن لا يتعطل مستقبلنا الدراسي.

* ألم يطرح الموضوع ثانية بعد تخرجك؟

- لا، لم يفتح الموضوع ثانية لأنني دخلت إلى مجال بعيد تماما وهو عالم الاقتصاد ثم التحقت بالبرلمان واللجنة الاقتصادية بمجلس الشعب وأصبح لي طريق مختلف. 


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حوار مع الشيخ : عثمان حاج مصطفى

أسامة خليفة ..إنتاج فيلم الطفل انطلاقا من قيمناِ لاء للإنتاج الفني، تقف على خط المواجهة، وبصدق نقول هذا، فقد كانت المبادرة إلى هذا العالم الرحب في وقت كان هَمّ الآخرين أن يقوموا بدبلجة ما يقدم، نريد من يؤمن بالفكرة

موسى ابن نصير قائد عسكري عربي في عصر الدولة الأموية. شارك موسى في فتح قبرص في عهد الخليفة معاوية بن أبي سفيان