لوحة للفنان هوراس فيرني تبيّن معركة الزمالة، تحت قيادة الأمير عبد القادر يوم: 16 مايو 1843.
هو الابن الثالث لمحي الدين (سيدي محي الدين): شيخ الطريقة الصوفية القادرية ومؤلف "كتاب ارشاد المريدين" الموجه للمبتدئين وأمه الزهرة بنت الشيخ سيدي بودومة شيخ زاوية حمام بوحجر وكانت سيدة مثقفة. ولد حوالي 6 ماي وقيل 6 سبتمبر 1808 وقيل أيضا 25 سبتمبر 1808وفي روايات أخرى 23 رجب 1222 الموافق لـ 25 مايو 1807 بقرية القيطنة بولاية معسكر.
وقد ذُكر أن الأمير عبد القادر قال لتلميذه العايش: «أنا عبد القادر بن محي الدين بن مصطفى بن محمد بن المختار بن عبد القاضي بن أحمد بن محمد بن عبد القوي بن علي بن أحمد بن عبد القوي بن خالد بن يوسف بن بشار بن محمد بن مسعود بن طاوس بن يعقوب بن عبد القوي بن أحمد بن محمد بن إدريس أحد أبناء عبد الله الكامل بن الحسن المثنى بن الحسن حفيد النبي محمد ﷺ
وابن علي وفاطمة وحفيد أبي طالب بن هاشم، أنا عبد القادر بن محمد الدين وسليل النبي ﷺ المرسل والمبعوث من الله وهو نفسه بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم، إن أسالفي من الجانبين من الأشراف ساكني المدينة تفضيال، فأسلافي في الأمجاد كانوا مباشرين للنبي ﷺ"
بيئته وأسرته
تقطن أسرة محي الدين في قرية على الضفة اليسرى لوادي الحمام على مسافة حوالي 20 كلم غربي مدينة معسكر، كانت الأسرة تعيش مما تدره عليها الأراضي الزراعية التي تملكها ومن العوائد التي يقدمها الأتباع والأنصار والتي تتكون من نقود ومواد أولية مثل: الصوف بسهل غريس والقمح
وهي من سلالة الحسني القرشي سليل قبيلة لها سلطة روحية تتمتع بنفوذ واسع وقد جرت الأسرة على تقديم الضيافة لعابري السبيل والمساعدة للمعوزين، فاشتهرت بالكرم إلى جانب شهرتها بالعلم والتقوى في قبيلة بني هاشم وخارج حدود هذه القرية وكذلك كان سكان المنطقة يقصدون كبار الأسرة لفض نزاعاتهم وللتحكيم في خصوصياتهم، وقد كان محي الدين رئيس الأسرة متزوجا بأربع نساء وهن وريدة ولدت له "محمد السعيد ومصطفى" والزهراء التي أنجبت له "عبد القادر وخديجة" وفاطمة ولدت له "حسين" وخيرة أنجبت "المرتضى".
طفولته وتعليمه
كان تعليمه الديني صوفياً سنياً، أجاد القراءة والكتابة وهو في سن الخامسة، كما نال الإجازة في تفسير القرآن والحديث النبوي وهو في الثانية عشرة من عمره ليحمل سنتين بعد ذلك لقب حافظ وبدأ بإلقاء الدروس في الجامع التابع لأسرته في مختلف المواد الفقهية.
شجعه والده على الفروسية وركوب الخيل ومقارعة الأنداد والمشاركة في المسابقات التي تقام آنذاك فأظهر تفوقا مدهشا.
بعثه والده إلى وهران لطلب العلم من علمائها، حضر دروس الشيخ أحمد بن الخوجة فازداد تعمقا في الفقه كما طالع كتب الفلاسفة وتعلم الحساب والجغرافيا، على يد الشيخ أحمد بن الطاهر البطيوي قاضي أرزيو وقد دامت هذه الرحلة العلمية ما يقرب من السنتين (1237-1239 هـ) (1821-1823 م).
بعد عودته إلى بلدة القيطنة وكان قد بلغ الخامسة عشر بادر والده إلى تزويجه واختار ابنة عمه لالة خيرة زوجة له فهي تجمع بين محاسن الخلق والنسب الشريف.
رغم الانتصارات التي حققها الجزائريون في غرب البلاد، لكنهم كانوا على يقين بأن المعركة مازالت طويلة مع العدو من جهة، وأن الإقليم محتاج إلى شخص ينظم إدارته من جهة أخرى.
ولهذا عرضت قبائل وأعيان الغرب للمرة الثانية من الشيخ محي الدين الامارة بتاريخ 22 نوفمبر 1832، قائلين له «إلى متى يا محي الدين ونحن بلا قائد؟ إلى متى وأنت واقف جامد متفرج على حيرتنا. أنت يا من يكفي إسمه فقط يجمع كل القلوب لتدعيم وتماسك القضية المشتركة...» وقد أضاف أحد الحاضرين قائلا لمحي الدين «عمت الفوضى في البلاد والعدو دخل المساجد، وأحرق الكتب، وهدم الدور على أصحابها، ولابد من سلطان له سلطة شرعية، وقد اخترناك لتحمل هذه المسؤولية.»
لكن الشيخ محي الدين اعتذر مرة أخرى لكبر سنه وقال «أشكر ثقتكم ولكن أعتذر عن قبول هذا المنصب، فأنا الآن أقوم بواجبي الديني والوطني مقاتلا في سبيل الله كأي أحد منكم.» وفي ذات الوقت لم يمانع في ترشيح ابنه قائلا «إن كان رأيكم وثقتكم بولدي عبد القادر كرأيكم بي فأنا متنازل له عن هذه البيعة، فتشاوروا فيما بينكم، وإذا عقدتم العزم فموعدنا في سهل غريس تحت شجرة الدردارة صباح الاثنين 27 نوفمبر 1832.» وهذا ما حدث بالفعل فقد تمت مبايعة الأمير عبد القادر في نفس المكان وفي نفس الموعد، بايعوه بالإمارة ولقبوه ب «ناصر الدين» وكانت هذه البيعة الأولى.
وبعد البيعة الأولى، وقعت بيعة ثانية (البيعة العامة) في قصر الإمارة بمعسكر في 4 فيفري 1833.
بداية مقاومة الأمير عبد القادرلما تمت مبايعته نادى للمقاومة، فهرعوا إليه من كل حدب وصوب، كان ناصر الدين يقوم بعمل مزدوج؛ توحيد صفوف الشعب ومحاربة الفرنسيين، ومن أجل ذلك لعب دور القائد العسكري فقاوم الفرنسيين، ولعب دور القاضي فحلّ المنازعات بين القبائل، ولعب دور السياسي فألف بين الصفوف المتفرقة.
بدأ الأمير عبد القادر هجوماته العسكرية ضد الجيش الفرنسي ابتداء من يوم 4 فيفري 1833، وفي حقيقة الأمر أن الأمير عبد القادر كان يحارب على جبهتين في آن واحد؛ فمن جهة كان يحارب فرنسا، ومن جهة كان يحارب القبائل المتمردة ويحاول أن يوحد الصفوف ويعيد الأمر إلى نصابه، لأن الأمير كان يدرك أن نجاح مقاومته من فشلها متوقف على الولاء والطاعة واحترام قرارات دولته، خاصة وأن فرنسا كانت تراهن على فشل العرب في تنظيم أنفسهم وصفوفهم للنضال والمقاومة.
و في هذا الصدد يقول شارل هنري تشرشل «لقد آمن عبد القادر إيمانا عميقا بضرورة الاتحاد المطلق بين مواطنيه، لكي يحقق لهم استقلالهم المشترك، لقد قرر أن يقارع بسيفه الذين يشكون أو يحاولون أن يقاوموا سلطته.»
تعليقات