الأمير عبد القادر بن محي الدين المعروف بـ عبد القادر الجزائري ولد في قرية القيطنة قرب مدينة معسكر بالغرب الجزائري هو قائد سياسي وعسكري مجاهد عرف بمحاربته للاحتلال للجزائر قاد مقاومة

 
                   

الأمير عبد القادر بن محي الدين المعروف بـ عبد القادر الجزائري ولد في قرية القيطنة قرب مدينة معسكر بالغرب الجزائري يوم الثلاثاء 6 سبتمبر 1808 الموافق لـ 15 رجب 1223 هـ هو قائد سياسي وعسكري مجاهد عرف بمحاربته للاحتلال الفرنسي للجزائر قاد مقاومة شعبية لخمسة عشر عاما أثناء بدايات غزو فرنسا للجزائر، يعتبر مؤسس الدولة .

عاش الأمير عبد القادر الجزائري في فترة حساسة من تاريخ الأمة الإسلامية بعامة، وتاريخ الجزائر بخاصة، وكان له فيها تأثير كبير، سنتناول في حلقات متسلسلة سيرة هذا الأمير، وجهاده ضد الاستعمار، ثم سجنه وهجرته إلى دمشق، متمثلين في ذلك منهجاً علميّاً يدحض الشبهات ويبين الحقائق التاريخية، وفيما يلي أولى هذه الحلقات. 

أولاً: الأمير عبد القادر ونسبته: هو عبد القادر بن محيي الدين بن مصطفى بن محمد يرجع في نسبه إلى إدريس الأكبر بن عبد الله المحصن بن حسن المثنى بن حسن السبط بن علي بن أبي طالب، وأمه فاطمة الزهراء بنت سيد الخلق محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقد كانت أسرة الأمير عبد القادر تعتز بامتداد حلقاتها إلى هذا المعدن الشريف

 ففي القرن الثامن هاجر إدريس بن عبد الله الكامل بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن علي بن أبي طالب وفاطمة الزهراء بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المغرب، هارباً من بطش العباسيين، وأنشأ دولة الأدارسة وعاصمتها فاس، ودام حكمها حتى النصف الثاني من القرن الثاني عشر. وبعد أن سكنت بعض سلالات العائلة الكبيرة الأندلس،

 انتقل أحد أجداده عبد القوي الأول في نهاية القرن الخامس عشر ـ بعد سقوطها عام (1492م) ـ واستقر بقلعة بني حماد قرب سطيف. أما جده مصطفى فقد أسس الزاوية القادرية، نسبة إلى الشيخ عبد القادر الجيلاني، بعد أن زار مدينة بغداد عام (1791م). 

واشتهرت أسرته بالورع، وكانت قدوة للناس في الجهاد والعلم، وتوفي جده مصطفى بعين غزالة، قرب مدينة درنة في إقليم برقة شرق ليبيا عام (1797م) عند عودته من الحج، ودفن في نفس المكان ومايزال قبره معروفاً حتى الآن. ولد والده محيي الدين بقرية القيطنة عام (1776م)، ودرس على يد أبيه مصطفى، وورث عنه مشيخة الزاوية القادرية، واشتهر والده بسداد الرأي، وغزارة العلم، وقاوم ظلم بايات الغرب الجزائري منذ عهد علي قارة الذي حكم من عام (1812م) إلى (1817م). وآخرهم حسن بن موسى الذي حكم من (1827م) حتى (1830م).

 ثانيًا: مولده ونشأته: ولد في (25 سبتمبر 1807م) في قرية القيطنة، وأمه السيدة بنت عبد القادر ابن خدة، وهي تنحدر من بيت علم وتقوى، من أولاد سيدي عمر بن دوحة، تلقى دروسه الابتدائية في مسقط رأسه تحت إشراف والده؛ وختم القرآن الكريم قبل أن يبلغ الحادية عشرة، وتعلم مبادئ شتى العلوم اللغوية والشرعية، ونال درجة الطالب، وكلف بتحفيظ القرآن للأطفال، وإلقاء الدروس والتفسير في الزاوية. 

ومن أجل إتمام دراسته سافر عام (1821م) إلى مدينة أرزيو الساحلية؛ التي تقع شمال مدينة معسكر، على بعد حوالي سبعين كيلو متراً، وذلك على يد القاضي الشيخ أحمد بن الطاهر البطيوي؛ الذي كان مشهوراً بغزارة العلم وسعة الاطلاع، وبعدها رحل إلى مدينة وهران إلى مدرسة العالم الفقيه أحمد بن خوجة، صاحب رائعة در الأعيان في أخبار وهران، وتوسع في المعارف اللغوية والفقهية والنحو والبيان والفلسفة والمنطق وصقل ملكاته الأدبية والشعرية، واجتهد في حضور حلقات العلم لعلماء وهران، مثل الشيخ مصطفى الهاشمي والشيخ بن نقريد، وقضى عامين كاملين في هذه الرحلة العلمية، وعاد إلى مسقط رأسه وتزوج بابنة عمه الآنسة خيرة بنت أبي طالب عام (1823م) وأقام في القيطنة معلمًا. 

وكانت له رحلات علمية للقرويين والزيتونة، وكانت البيئة التي عاش فيها بيئة إسلامية وتربوية إيمانية واجتماعية متماسكة، وفي ظلها تكونت شخصيته، وهي التي أثرت في تكوينه النفسي والجسماني والفكري والاجتماعي والسياسي، وهذا التكوين يعود إلى عوامل منها: – العامل الوراثي والبيولوجي والعقلي للأمير. – البيئة الثقافية والاجتماعية التي نشأ في ظلها وعاش فيها. لقد سمع الأمير عن ذلك التصوف من والده الذي لا شك قد حُفر في ذاكرته، وهو محاربة والده لأصحاب الطرق الصوفية الشاذة. 

فقد جاء في كتاب تحفة الزائر: أصل ابن الشريف من الكسانة قبيلة بوادي العبد قرب غريس، أخذ العلم في صغره عن سيدي محيي الدين في مدرسة القيطنة ثم رحل إلى المغرب الأقصى، ولقي الشيخ العربي الدرقاوي، وسلك طريقته وقفل راجعاً إلى وطنه، وجاء إلى حضرة سيدي محيي الدين زائراً، وفي بعض الأيام تكلم بحضرته بما يوجب تأديبه شرعاً، فأدبه سيدي الجد بالسياط واستتابه. فهذا الحادث التاريخي ليس دليلاً فقط على منزلة والد الأمير عبد القادر ومكانته الاجتماعية والدينية، إنما هو دليل على الوقوف في وجه أصحاب الطرق المنحرفة، ومحاربة البدع ومحاربة الابتعاد عن الشرع والسنة والإجماع، والأمير عبد القادر أيضاً أثناء حكمه وفي عهد دولته حارب أصحاب الطرق المنحرفة، ووقف في وجه نشر دعوتهم وفضح أمرها. 

فالطرق الصوفية في شمال إفريقيا أحد الروافد الثقافية والفكرية، وقد تعامل معها العلماء وفق المعايير العلمية القائمة على العلم والإنصاف في الأفراد والمناهج، لقد كان السيد محيي الدين والد الأمير عبد القادر من الشخصيات المهمة في التأثير على ابنه الأمير، وكان رجلاً مهاباً محترماً، ليس لكونه قادرياً كما تردده أقلام الدعاية ـ فقط ـ وإنما لكونه عالماً فقيهاً وحكيماً وشجاعًا، امتاز بالأخلاق الإسلامية، والصفات الحميدة، والنبل الكريم، وعلو منزلته العلمية، وهيبة قبيلته بني هاشم التي يمتد نسبها إلى الأدارسة وحتى عند ولاة العثمانيين كانت له منزلة خاصة، 

وكان مرهوب الجانب من قبلهم جميعًا بدافع تقدير ومحبة، فأمر طبيعي ظهور هذه الآثار الوراثية على أولاده، ومنهم الأمير عبد القادر، فقد برزت هذه الآثار على الأمير في سن مبكرة، من ذكاء ومواهب فكرية وسرعة بديهة وشجاعة ومهارة بفنون الفروسية، من ركوب الخيل والسباحة واستعمال السيف، إلى جانب نفسٍ أبِيَّةٍ وإيمان قوي ومحبة وجدانية وعقلية لخالق هذا الكون ومبدع تلك الطبيعة الغناء التي نشأ في أحضانها، فالحياة البسيطة في هذه المزرعة والمناخ السياسي الذي نشأ فيه، كان صحياً ومتماسكًا في جزء من دولة كبرى أمنت الاستقرار والازدهار للجزائر وحاربت البدع وأصحابها. 

ثالثًا: الأوصاف المعنوية للأمير عبد القادر: لقد وصف العديد من المؤرخين الأذواق والعادات والسلوك الاجتماعي لعبد القادر، منها: كان يزدري الترف في الملبس، فكانت كسوته بسيطة ولكنها نظيفة، كان غاية في التدين ويحمل دوماً مسبحة لا يقف عن التسبيح بها ذاكراً اسم الله، وكان باستطاعته امتطاء الفرس لمدة يوم أو يومين، وكان زاهداً مثالياً، كان الأكل عنده ـ على الأكثر ـ «الروينة» وهي نوع من العصيدة مصنوعة من طحين وحليب في كمية صغيرة، فلم يكن يقبل الطعام إلا لقوته وليس لذاته، في قلة الأكل وفرة للصحة هذا ما كان يقوله، وكان عفيفاً عن الأموال، وكان يمتنع من اقتطاع أي شيء من الخزينة العامة لأغراضه الشخصية، وكان يراقب موظفيه ويمنعهم من الإسراف، كما كان يحب الكتب، ويهتم بجمع المخطوطات،

 وكان يشجع الشعراء والكتاب الذين كانت أناشيدهم الملحمية تغذي إيمان المقاتلين، وكان يتذوق الشعر، وله ملكة شعرية، تدلنا أشعاره عليها، وتسجل أشعاره فترة تجديد في الشعر الجزائري، يكمن طابعها الجذاب دائماً في كونها ذات علاقة بالفعل والعمل وأنها تحمل إيمانه الوطني، اللغة، الصورة المجازية، تراكيب الأسلوب.. كلها مهدت لتجديد أدبي ينسجم مع مرحلة النضال والكفاح والجهاد والبناء. لم يكن قاسيًا بطبعه، وخيرات الأرض لم تسيطر على قلبه، وقتاله للمسيحيين لكونهم معتدين غاصبين لا لدينهم، كان يؤم جنوده للصلاة يومياً، وكان يتأمل ويتدبر في معاني القرآن الكريم الذي كان زاده الروحي ومرجعه الكبير في خطبه ومواعظه، وكان يستلهم الصلابة والثبات والصمود من إيمانه العميق والمنهج الرباني في العسر واليسر والمنشط والمكره والرخاء والشدة.  

اقرأ المزيد في إسلام أون لاين :

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حوار مع الشيخ : عثمان حاج مصطفى

أسامة خليفة ..إنتاج فيلم الطفل انطلاقا من قيمناِ لاء للإنتاج الفني، تقف على خط المواجهة، وبصدق نقول هذا، فقد كانت المبادرة إلى هذا العالم الرحب في وقت كان هَمّ الآخرين أن يقوموا بدبلجة ما يقدم، نريد من يؤمن بالفكرة

موسى ابن نصير قائد عسكري عربي في عصر الدولة الأموية. شارك موسى في فتح قبرص في عهد الخليفة معاوية بن أبي سفيان