لوتس عبد الكريم: الصداقة والفن أنقذا الملكة فريدة من الانتحارعبدالكريم و هى صديقه مقربه للملكه فريده : أن ما احزن الملكه السابقه ليس أنهم صادروا مجوهراتها و لكن لأن مصر لم تستفد بها

 



صداقة منحت الملكة الفنانة السكينة وقضت على وحدتها وعُزلتها في السنوات الخمس الأخيرة من عمرها، وأضفت على حياة الكاتبة لوتس عبد الكريم البهجة والأنس والونس لفترة وصفتها بأنها أجمل أيام حياتها.

منذ اللقاء الأول تعارفت روحاهما فائتلفتا، وصنع حب الفن لغة خاصة بينهما، فكان يصعب رؤية إحداهما من دون الأخرى. اعتادتا زيارة المعارض الفنية والندوات الثقافية معا، اعتادتا السفر معا. كانتا لا تفترقان حتى تُوفيت الملكة فريدة عام 1988 لتترك دنيا لوتس خاوية من الونس، فلا تجد الأخيرة إلا زيارة مرسم فريدة الذي كان يوجد في فيلا لوتس بالمعادي فتجده خاويا إلا من رائحة ألوان فريدة، وأوراق الرسم التي أرسلت لجلبها من أمريكا، ثم تذهب إلى شقتها الصغيرة فى سرايات المعادي فلا تجد سوى صورها مع فاروق بالزى الملكي على إحدى المناضد تجاورها صورها مع بناتها وأحفادها وحُليّها الفضية بعدما لم يتبق لها من جواهر سوى الخاتم الملكي. رحلت فريدة وبقيت سيرتها فى وجدان صديقتها لوتس التي فعلت ما بوسعها، كي تظل فريدة حية في الذاكرة.

صافي ناز ذو الفقار أو الملكة فريدة الزوجة الأولى للملك فاروق لمدة عشر سنوات (1938—1948 ) ووالدة بناته الأميرات الثلاث: فريال وفوزية وفادية.

ولدت في الإسكندرية 1921 م . والدها يوسف ذو الفقار باشا وكيل محكمة الاستئناف المختلطة، وجدها على باشا ذو الفقار محافظ العاصمة السابق. والدتها زينب هانم كريمة محمد سعيد باشا رئيس الوزراء لأكثر من فترة.

عقب طلاقها مارست  الملكة فريدة الفن التشكيلي بحكم تأثرها بخالها الفنان محمود سعيد، وأقامت عدة معارض فنية فى عواصم أوروبية وعربية. كانت تتقن أربع لغات: العربية والفرنسية والتركية والإنجليزية. خرجت من مصر 1963 حيث عاشت بين لبنان وسويسرا وفرنسا، ثم عادت إلى مصر 1982 لتواصل إقامة معارضها الفنية.

لوتس عبد الكريم: صاحبة ومؤسسة مجلة شموع التي رأس تحريرها الكاتب أحمد بهاء الدين، وهي من مواليد الإسكندرية، خالها أمين عثمان باشا وزير المالية في العهد الملكي. تخرجت في قسم الفلسفة بجامعة الإسكندرية وحصلت على الماجستير في العلوم الاجتماعية من جامعة لندن والدكتوراة في الفلسفة من السوربون. عاشت في عدة عواصم أوروبية وآسيوية ولها عدة مؤلفات: عن مصطفى محمود، محمد عبد الوهاب ويوسف السباعي وإحسان عبدالقدوس ويوسف وهبى كما كتبت أربعة كتب عن الملكة فريدة.

عن صداقة عمر وذكريات عديدة دار حوارى مع د. لوتس عبدالكريم:

- كيف بدأت سيرة الصداقة بين الملكة والكاتبة؟

اللقاء الأول كان مصادفة في باريس، كنت مصاحبة لزوجي، وكانت هي تقيم أحد معارضها. تحدثت إليها لبضع دقائق وكنت منبهرة لأنني أقف أمام ملكة مصر السابقة برغم أنها كانت شخصية بسيطة جدا. وتكررت المصادفة مجددا في البحرين، وبعد بضع سنوات وبينما كنت أسير في المعادي إذا بي أرى سيدة عبر النافذة، وعندما دققت النظر إليها فوجئت بأنها الملكة، فدعوتها لزيارتي في الفيلا الخاصة بي بالمعادي، وفى اليوم التالي أتت لزيارتي فقالت لي: الفيلا كبيرة عليك، اسمحى لي أن أقيم مرسمي في بدروم الفيلا، وأن أحوله إلى قاعة للفن التشكيلي، فوافقت على الفور ثم عرضت عليها أن أخصص لها جناحا في الطابق الثالث. وبذلك كانت قاعة خاصة الشموع أول قاعة للفن التشكيلي في مصر.

وشيئا فشيئا توطدت العلاقة بيننا.. كنا نتحادث هاتفيا كل صباح لنرتب جدولنا خلال اليوم، ونحدد زياراتنا للمعارض الفنية والندوات الثقافية.

- لكن ما نقاط التماس التي صنعت أواصر تلك العلاقة؟

 جمع حب الفن بيننا. والفنان لا يستطيع أن يعيش مع أي شخص.

- وأوجه الاختلاف؟

كنت اجتماعية، وكانت هى تميل إلى الوحدة ولا تحب الاختلاط ، فما مرت به من تجارب مؤلمة جعلها تخشى الاقتراب من الناس، وكانت تنصحني دوما بعدم الحديث على سجيتي مع الآخرين. فقد كانت نقية وتربت تربية جيدة. وبسبب هذا النقاء وبقدره كانت صدمتها في الناس.

- هل كانت تحب زيارة أي من الأماكن التي عاشت بها حين كانت ملكة على مصر؟

على الإطلاق، كانت تريد الابتعاد عنها كلية، وعندما نذهب إلى الإسكندرية تطلب مني عدم الاقتراب من المنتزه أو قصر التين، لأن الذكريات كانت تعذبها.

- ألم تفكر مطلقا في كتابة مذكراتها؟

لقد عرضت عليها عدة دول عربية وأجنبية الكثير من الأموال، كي تتحدث عن أسرار الملك فاروق وسنواتها معه. وبرغم أنها كانت فى أمس الحاجة إلى المال فقد رفضت، وكانت تقول: (إذا تكلمت فسوف أجرح الكثيرين).

- لكنها بالتأكيد كانت تفضي إليك ببعض ما يجيش في صدرها من ونس الذكريات؟

لم أكن أسألها احتراما لخصوصيتها، ولأنني لست فضولية، وكانت تحترم ذلك في شخصيتي. ولكن كانت تحب الحديث معي وتحكي لي بعضا ممّا فات.

- هل حدثتك إذًا عن تفاصيل خلافها مع فاروق؟

نعم كانت المشكلة عدم إنجابها وليا للعهد، وكانت كلما أنجبت فتاة ثار فاروق وهاج وماج، وفى المرة الثالثة حدثت بينهما جفوة رهيبة، استسلمت بعدها للمهدئات، ودخلت فى نوبات اكتئاب.

وفي سنواتها الأخيرة كنت أطلب منها ألا تتناول المهدئات، فكانت تقول لي: لا تتأخري أنت ونيفل ـ وهو صديقنا البريطاني ـ عن زيارتي، وسوف أتوقف عن تناولها فأنا أتناولها لأتغلب بها على الوحدة.

- هل أعربت بالفعل عن ندمها لطلاقها من فاروق؟

لقد ندمت أشد الندم وقالت: إنها تسرعت في اتخاذ هذا القرار الناجم عن صغر سنها، وعن نصائح المغرضين الذين أوغروا صدرها وأوعزوا لها بالطلاق. لكنها برغم كل شيء ظلت تحب فاروق حبًّا جمًّا، وبرغم عروض الزواج الكثيرة فقد رفضت الاقتران بغيره. وبعد الثورة عرض عليها جمال سالم الزواج فنهرته، ورفضت أن تفعل مثل أميرات أخريات وافقن على الزواج ببعض رجال عبد الناصر ليحتفظن بأموالهن وجواهرهن.

- إذا كانت تحبه هذا الحب لماذا لم تعد إليه خصوصا بعد طلاقه من ناريمان؟

لقد عادت إليه بالفعل، وعاشت معه فترة، وهو أمر لا يعرفه الكثيرون. وتم ذلك بعقد زواج رسمي، ففريدة لم تحب سوى فاروق، وقد حزنت لوفاته أشد الحزن. وكانت دوما تصطحبني لزيارة قبره في مسجد الرفاعي، وكانت تطلب مني انتظارها بعيدا، ثم تعود بعد الزيارة محمرة العينين من البكاء.

وكانت لا تتحدث عنه إلا بكل خير، وترى أنه ظُلِم، مؤكدة أنه لم يعرف الخمر فى حياته، ولم يكن زير نساء كما حاولوا تصويره، وأنه كان طفلا يحتاج إلى العناية.

- وماذا عن علاقتها بوالدة زوجها الملكة نازلي؟

كانت العلاقة بينهما سيئة، وكان لدى الملكة فريدة يقين بأن نازلي كانت تحيك لها السحر، وأن هذا السحر سبب طلاقها من فاروق وابتعاد بناتها عنها، وسبب اعتلال صحتها. بل لقد ذهبنا إلى الصعيد لأحد المعروفين بالاتصال بالجان، ليصنع لها حجابا يبطل به سحر نازلي، ولما عدنا اتصلت بي مذعورة تقول: إن الحجاب ذاب فلم تستحم به، وفي الصباح وجدتها قد رسمت لوحة بها وجوه مخيفة من قلب العتمة، وقالت لي: إنها قضت ليلتها تفرغ طاقة الرعب بداخلها في تلك اللوحة التي أسميناها (القوى المجهولة).

- وماذا حكت لك عن إجراءات مصادرة أموالها؟

عندما جاءتها لجنة المصادرة قدمت لديهم كل ما لديها من مجوهرات، بل عندما وجدت بعد رحيلهم بروشا اتصلت بهم ليأتوا ويأخذوه. وحكت لنا وصيفتها نبوية صالح متولي أنها قدمت تيجانها وعددها سبعة عشر تاجا مرصعة بالأحجار الكريمة على صينية، ظنا منها أنهم سيقومون بتوثيقها ثم إعادتها، ولكنهم أخذوا كل شيء. كذلك صادروا تفتيش الفريدية الذي كان فاروق قد أوقفه لها منذ 1940، وقصر الطاهرة الذي كان هدية من فاروق ومسجلا باسمها.

- من المؤكد أن هذا أوغر صدرها ضد نظام 23 يوليو؟

لم تتحدث بسوء عن نظام 23 يوليو الذي ظلمها وقهرها. برغم أنهم استولوا على أموالها برغم طلاقها من فاروق، وبرغم أنها ليست من أسرة محمد علي، وقد روت لى أنها شاهدت زوجة أحد السياسيين وهى ترتدي مجوهراتها، في حين بيعت بقية الجواهر بأبخس الأثمان في سويسرا. لقد احتجزوها في مصر ومنعوها من مغادرة البلاد ستة أعوام كاملة، وعندما طلبت السفر لرؤية بناتها، قاموا بمصادرة قصرها بالهرم الذي كان والدها قد بناه لها بعد طلاقها من فاروق. وبعد سنوات بيع هذا القصر لثري خليجي بثمن بخس (نحو ثمانية آلاف جنيه إسترليني) وهو مبلغ لا يساوي ثمن الفيلا والأرض والمفروشات.

واضطرت إلى تأجير شقة متواضعة في حلوان دون ثلاجة أو بوتجاز، فرحلت إلى باريس، وهناك ساعدها شاه إيران بثمن شقة، لكنها اضطررت إلى بيع ملابسها قطعة قطعة حتى تجد قوت يومها. واتصلت بالسادات فسمح لها بزيارة مصر، والحصول على شقة محترمة بالجيزة على النيل.

لكنها حين ذهبت إلى السيدة جيهان السادات رفضت تسليمها الشقة، فعادت فريدة ثانية إلى باريس، ولم تعد إلا بعد أن راسلت الرئيس مبارك ورحب بها، وقدم لها ثلاثين ألف جنيه فاشترت الشقة الصغيرة فى المعادي وسيارتها اللادا الصغيرة. وكانت والدتها تنام على أريكة متواضعة مكسوة بالكليم. وحين زارها حفيدها ساشا كانت تفرش له ملاءة على الأرض وتضع له مجموعة من الثياب كمخدة.

- ألم تُصبها تلك الحياة المليئة بالمعاناة بالندم على حياة الترف داخل القصور؟

كانت تقول: (الملك والتاج يزولان لكن الفن خالد مادامت الحياة) لقد تركت حياة القصور من أجل كرامتها، بعد أن هجرها فاروق واستجاب لشلة الفساد بالقصر.

- دعينا نتوقف عند علاقتها ببناتها ؟

كانت العلاقة سيئة للغاية، فقد كن يحملنها مسئولية سقوط عرش والدهن، وأن طلبها للطلاق من فاروق سبب سقوط العرش وزوال ملكهم، وكذلك كان كل أفراد أسرتها يتهمونها الاتهام نفسه، ويرون أنها مسئولة عن ضياع أموالهم ومركزهم الاجتماعي. لذا عندما خرج فاروق من مصر اختارت البنات الثلاث الذهاب معه. وحين ذهبت فريدة لزيارتهن بعد ما سمح لها الضباط بعد ست سنوات كاملة، لم تتعرف إليها البنات مما أثر في نفسية فريدة كثيرا. وظلت العلاقة هكذا طوال العمر، وهو ما سبب لها الإحساس الدائم بالوحدة. وفي سنواتها الأخيرة كانت تقول: إن فادية ابنتها الصغرى هى الأقرب إليها وكان حفيداها من فادية علي وشامل أقرب الأحفاد إليها.

- إن كمّ الظلم الذي تعرضت له هذه السيدة كان كفيلا بأن يصيبها بالجنون؟

لم ينقذ فريدة من هذا المصير سوى الفن والصداقة. فقد منحها الفن القدرة على مواصلة الحياة، وذات مرة قالت لي: لولا الفن لانتحرت منذ زمن طويل، وفي سنواتها الخمس الأخيرة كانت علاقتنا الوطيدة وصداقتنا معينا آخر لها.

- ألم يكن لها أصدقاء آخرون؟

لم يكن هناك سوى صديقنا البريطاني نيفل بيرد، وهو فنان إنجليزي وأستاذ موسيقى مقيم في مصر، وكان (نيفل) وحيدا يعاني من اكتئاب وطيب القلب ونقيا ومهذبا فاقترب ثلاثتنا، وكان خبيرا فى كل شيء حتى الطهي، وقد عاد إلى بريطانيا بعد وفاة فريدة وإن ظل على اتصال بي، ولا يوجد لها أصدقاء آخرون حتى إننا فوجئنا ذات مرة بباقة ورد يوم عيد ميلادها فتعجبنا، ثم اكتشفنا أنها من الفنانة تحية كاريوكا.

وكانت تربطها علاقة وطيدة بالكاتبة د. نعمات أحمد فؤاد التي كانت إحدى كاتبات مجلتي (الشموع) وكانت د. نعمات تحترم الملكة فريدة وتقول: (جلست على عرش مصر فهى قطعة من مصر، ولابد من أن تعامل كملكة حتى آخر يوم في حياتها). وكانت الملكة فريدة هي من طلبت من الدكتورة نعمات أن تكتب عن النيل وكل التعديات من شبرا وحتى حلوان. وبالفعل كانت الدكتورة نعمات تمشي بسيارتها على طول النهر وتتوقف لتسير قليلا ثم تعاود ركوب سيارتها.

- إذًا الملكة كانت مهتمة بما يجري في مصر؟

للغاية، وكانت تناشد كبار الكتاب ممن يقومون بزيارتها مثل مصطفى أمين وأنيس منصور ود. نعمات أحمد فؤاد الكتابة عن مظاهر الفوضى والفساد، وكانت ترى أن مصر بلد عظيم تُحاك ضده المؤامرات.

كانت تسير في الشوارع فتزعجها أضواء النيون، وذهبنا يوما إلى أحد مسارح وزارة الثقافة فوجدت السلالم غير نظيفة، فطلبت منى الانصراف فورا.

كانت تقرأ الصحف وتتابع كل ما يكتب أحمد بهاء الدين ومصطفى أمين وصلاح منتصر، وكانت تحب مشاهدة (العلم والإيمان) لـ د. مصطفى محمود.

- وكيف كان المحيطون يتعاملون معها؟

كان العديد من الكتاب الموالين لنظام عبد الناصر غير راضين عن علاقتي بالملكة، وكانوا عندما يلتقونها يتعاملون معها بجفاء، وكانت تعلق بأنهم للأسف لا يعلمون شيئا عن فترة الحكم الملكي. وفي رحلة لنا بالأقصر تعامل معها أحد موظفي الأمن ساخرا قائلا لها: ملكة مين؟.

وكانت تحب أن تخاطب بلقب (جلالتك)، وغضبت عندما اقتربت منها إحداهن وقالت لها: (إزيك يا مدام).

- ألم يجعلها ذلك تشعر بالحنق وتكره الحياة فى مصر؟

على الإطلاق، لقد كانت عاشقة لمصر، وتحب الريف وتصوره كثيرا فى لوحاتها، وكانت ترى أن مصر هى النيل والريف والصعيد والحواري، وكثيرا ما كنا نذهب إلى أحد مطاعم الفول والطعمية الشهيرة. كانت تحب الفول وتراه ألذ من اللحوم.

كانت تعشق مصر، وكانت أول من ذهب إلى السفارة المصرية في باريس معبرة عن فرحتها بانتصار مصر على إسرائيل في حرب أكتوبر.

- أعلم أن الملكة فريدة تأثرت بخالها الفنان محمود سعيد الذي رسم لوحة شهيرة لها وأسماها (ابنة أختي) وكذلك تأثرت بابن عمتها الفنان سعد الخادم، فكيف كانت ترى دور كليهما فى حياتها؟

كانت تحبهما كثيرا وتحكي كيف كانت تتردد على فيلا خالها فى الإسكندرية، وكيف تأثرت بفنه، وكذلك سعد الخادم. ثم صقلت هذه الموهبة، وتعاليم محمود سعيد بالدراسة فى متحف اللوفر.

وأقامت عدة معارض في باريس وجنيف وبلغاريا وتكساس ثم أقامت معرضها الأول في القاهرة 1980 .

- هل كان بيع لوحاتها يوفر لها حياة كريمة؟

لا بالطبع، فقد كانت اللوحات آنذاك رخيصة نسبيا يتراوح سعرها بين 1000-3000 جنيه، لكن بعض الأصدقاء المصريين والعرب كانوا يساعدونها بطريقة مستترة احترما لها وحفاظا على كرامتها، فكان الكاتب مصطفى أمين يحضر معه أشخاصا لشراء لوحاتها.

وكانت تخجل من الحديث حول المال، وتترك لى مسئولية البيع والشراء ولا تناقشني، وكان أهم شيء لديها ألا تُجرَح كرامتها، لذا عندما قامت سيدة عربية بزيارتها بالاتفاق معها على شراء لوحة، ثم أرسلت السائق لشرائها رفضت الملكة فريدة هذا التصرف بشدة، وأعادت السائق بثمن اللوحة.

- كيف كانت شهورها الأخيرة مع المرض؟

بدأت رحلة الملكة مع المرض حين اكتشفنا أنها مصابة بلوكيميا الدم، والحقيقة أنها كانت تخشي العقاقير، وحاولت اللجوء إلى العلاج بالأعشاب. ثم اكتشفنا أنها مصابة بالكبد الوبائي. وقد بذلت د. نعمات أحمد فؤاد جهدا مضنيا كي تتولى الدولة علاجها، وطالبت بأن يكون ذلك سرا احتراما لملكة مصر السابقة. وقد حدث وعولجت الملكة على نفقة الدولة ولكن للأسف تم الإعلان عن الأمر.

- هل تتذكرين اليوم الأخير لكما معا؟

كنت أجلس إليها في شقتها الصغيرة بالمعادي بعد عودتها من رحلة العلاج في سويسرا، كانت خائرة القوى تماما، وفهمت أنها جاءت لتدفن فى مصر. جلست إليها ففاجأتني بأنها تريد طبق ملوخية بالأرانب، فأحضرته لها وأخذت أطعمها بيدي. كان هذا آخر طلب لها فقد دخلت في غيبوبة، وبعدها بيومين نقلت إلى المستشفى ولم تمكث قليلا حتى تُوفِّيت.

- هل تركت لك وصية؟

على الإطلاق.

هل ما زال لديك المزيد مما لم تكشفي عنه بشأن حياة الملكة فريدة؟

لديّ الكثير، لكن هناك ما لا يجب أن يقال أو يكتب احترامًا لخصوصيتها.

صداقتهما بحسابات الوقت لم تستغرق سوى خمس سنوات، لكنها بحسابات الألفة والانسجام الروحي قد تمتد إلى سنوات...ملكة مصر السابقة فريدة حبيبة الشعب، الفنانة التشكيلية... الكاتبة الدكتورة لوتس عبدالكريم  دارسة الفلسفة وصاحبة مجلة (شموع). 

فى عام 1984 عثر فى إحدى خزائن بنك مصر على مجوهرات للعائله المالكه كانت قد رهنتهم زوجه أحد رجال حركه 52 مقابل قرض ب 15 مليون دولار و لم تسدد قيمه القرض و بعد وفاتها فتح البنك الخزنه ليكشف الغطاء عن محتوياتها و هى مجوهرات للعائله المالكه بما فى ذلك تاج الملكه فريده .

هذه ليست الحادثه الوحيده و لكنها حادثه مسجله ...
تروي الدكتورة الفنانة لوتس عبدالكريم و هى صديقه مقربه للملكه فريده : أن ما احزن الملكه السابقه ليس أنهم صادروا مجوهراتها و لكن لأن مصر لم تستفد بها ، فقد باعوا جزء كبير منها فى سويسرا بسعر بخس لطمعهم و جهلهم بقيمتها التاريخية و الجزء المتبقي اخدوه هم لدرجه انها فى إحدى المناسبات فوجئت بأن زوجه أحدهم كانت ترتدي عقد من الماس كان ملك للملكه و صادروه منها.
عندما حدث حركه يوليو 52 كان قد مر على طلاق الملكه فريده أو صافيناز ذو الفقار من الملك فاروق أكثر من ثلاثة أعوام ، و كانت تعيش في قصرها الذي بناه لها والدها في الهرم .

لكن مجلس قياده الثوره عندما قرر مصادرة أملاك العائلة المالكة قرر مصادره أملاك الملكه السابقه أيضا و منها الخاصة الفريديه التى تبلغ 1700فدان و قصر الطاهره الذي أهداه فاروق لها ، و كان يمكن أن يكتفوا بهذا و لكنهم صادروا قصر الهرم و أموالها فى البنوك و جميع مجوهراتها و عندما اكتشفت أن هناك بروش ناقص احضرته و أعطته لهم و قد صور هذا فى مشهد من فيلم رد قلبى .

و لم تعد تملك شئ فأجرت شقه صغيره فى حلوان ، أنهم لم يصادروا الأموال و الأملاك فقط بل إنهم كانوا يريدون مصادرتها هى شخصيا عندما طلب( ج. س.) منها الزواج و عندما رفضته تحول الموضوع الى مطارده و مما روته أنها عاشت أسوأ ايام حياتها بسبب رفضها له، منعت من السفر لمده خمس سنين و كم الشائعات التي كانت تطلق عليها و تشويه سمعتها ..

ما أنقذها من هذه الحياة البائسه هو الفن. الموسيقى و لوحاتها التى كانت عندما ترسمها تخرجها من هذا الواقع الأليم و التي كانت تبيعها و تنفق على حياتها المتواضعة من ثمنها .
أنها ليست قصه ملكه فقط و لكنها ومضات تكشف لنا عن تاريخ لم نعيشه.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حوار مع الشيخ : عثمان حاج مصطفى

أسامة خليفة ..إنتاج فيلم الطفل انطلاقا من قيمناِ لاء للإنتاج الفني، تقف على خط المواجهة، وبصدق نقول هذا، فقد كانت المبادرة إلى هذا العالم الرحب في وقت كان هَمّ الآخرين أن يقوموا بدبلجة ما يقدم، نريد من يؤمن بالفكرة

موسى ابن نصير قائد عسكري عربي في عصر الدولة الأموية. شارك موسى في فتح قبرص في عهد الخليفة معاوية بن أبي سفيان