حوار ساخن مع : البرفيسور ثابت عيد

24-10-2007 إسلاميات
البروفيسور ثابت عيد في حوار خاص لإسلاميات:
الأقوياء فقط يفرضون احترامهم على الغرب!!

أدعو  للتواجد الحكيم  للمسلمين في الغرب
الغرب يحترم الأقوياء
معطيات الحضارة في أيديهم  فماذا نعطي نحن
يرحبون بالاستثمار ونحن شعوب مستهلكة
العرب لا يحسنون التواجد في الدول الغربية
لا بد من جماعات ضغط عربية إسلامية
    الإعلام لابد أن يكون له دور للتعريف بقضايانا



البرفيسور ثابت عيد
حوار : عادل صديق
12 شوال 1428 هـ
حين نريد التعرف على الغرب لا بد أن ندخل في أعماقه، نرى حسناته وسيئاته فلن يجدي التعريف إلا حين نكون في الداخل، نعم الغرب بلدان حضارة وعلوم متقدمة ولكن بلا روح، يعبد المادة، ويقدّس القانون، ولكن لا مانع أن يصل الإنسان إلى حافة الانهيار  وينتحر.
حصّل الرجل الغربي المادة بكل ما فيها من " متاع الغرور" ونسي أن روحه لها متطلبات يجب أن تتغذى عليها ، لم يكلف الكثير من الغربيين أنفسهم جهد البحث، وعاشوا لنهاية عمرهم لا يبحثون عن مكان الله في ذواتهم، ولكن حين نجد ذلك الإنسان قد عرف الله  نلحظ أنه يحدث انقلابا في ذاته، ويتمنى أن يعرفه كافة الناس، إنه الحس الذي كان لدى الصحابة - رضوان الله عليهم -  فيسعى للعمل من أجل نشر دين الله في العالمين، لقد عرف تاريخ ميلاده لأول مرة حين دخل  الإسلام عن قناعة وروية  لأنه خيار  مصيريّ.
لا بد من تشريح المجتمع الغربي ومعرفة أغواره حتى نستطيع التعرف عليه، وأحد الذين خبروا هذا المجتمع منذ عقود البروفيسور ثابت محمد عيد الذي قال عن الغرب :" قبل أن نشغل أنفسنا وأوقاتنا بمساعدة الغرب في إجابة سؤاله (لماذا يكرهنا العرب؟)، فلنساعد أنفسنا أولاً ونجيب عن سؤالنا ( لماذا يحتقرنا الغرب؟!)، لأننا لو عرفنا الإجابة، وبالأحرى لو علمنا معناها فعندها ليس من السهل أن نترك الفرصة للغرب ليفعل بنا أفاعليه المعاصرة التي تصب الكراهية في قلوبنا صبّا، وفي نفس الوقت تزيد من تحقيره لنا حتى وصل الأمر لقرآننا ونبينا.
والرجل له رؤية نحسب أنها صائبة هي أننا لا بد أن نقتحم الغرب سياسة، واقتصاداً، وعلماً، ومعرفاً، وتواجداً، ولا بد من استخدام كافة الوسائل لإثبات التواجد والذات، وأننا إذا احترمنا ديننا، وذواتنا وتركنا سلبيات الاستضعاف التي نحياها، والأثرة جزء منها، نجحنا، ويذكر أن العرب الموجودين في الغرب لا يفكرون إلا في ذواتهم، ورغباتهم أو في استغلال الإمكانات المتقدمة في مصالح  عاجلة وفي جمع المال ولم يكلفوا أنفسهم مجرد التفكير في دورهم في الحياة لتعريف الغرب بالمسلمين والإسلام.
ويدعو ثابت عيد إلى إيجاد جماعات ضغط في الغرب مناظرة لجماعات الضغط اليهودية الموجودة في العالم لتحقيق التوازن أمام التحديات، وتحقيق المصالح أيضاً.
وأخيراً البروفيسور ثابت عيد يعايش الغرب منذ ثلاثين عاماً، واكتوي بنار عنصريته، وشرب من علوم حضارته، وتخصص في تدريس الحضارة الإسلامية في جامعاته، والتقي وجها لوجه مع صناع الحضارة والقرار، وهو أستاذ الحضارة الإسلامية في جامعة لوزان سابقاً بسويسرا، ويعمل أستاذاً للدراسات العليا، وله مركز عيد للإعلام والاستشارات، وكان لنا معه هذا اللقاء:
القوي والضعيف
- هل جذور سوء الفهم بين الغرب والعالم الإسلامي يعود فقط إلى ميراث التصادم يبن الإسلام ودولة الروم ثم الحروب الصليبية فالاستعمار، أم ماذا؟
 ـ  بخصوص ما تعارف أن يطلق عليه "سوء فهم" بين الشّرق والغرب، أودُّ أن أقولَ إنّ البارئ ـ سبحانه وتعالى ـ خلق الكون وركّب فيه قانونًا يسير عليه. هذا القانون نعمل به جميعًا، بقصد أو بدون قصد، بوعي أو بدون وعي. أعني بالتّحديد قانون التّفاضل أو التّفضيل. فاللّه تعالى يقول في كتابه الكريم: ( قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ )[الزمر : 9] ". تلاحظون هذا في داخل الأسرة الواحدة، وفي داخل المجتمع الواحد، وفي داخل المدينة الواحدة، والبلد الواحد، وأخيرًا على نطاق عالمنا أو كوكبنا. كيف ننظر إلى مَن هم أقلّ منّا علمًا؟
العنصرية تسود بين أبناء الشعب الواحد، أعني أن سكّان الأحياء الرّاقية مثلاً ينظرون باحتقار وازدراء إلى سكّان الأحياء الشّعبية! الخلاصة أنّ الإنسان بطبيعته الّتي ركّبها الخالق فيه يميل دائمًا إلى احترام القوي، واحتقار الضّعيف سواء كان نوع الضعف هذا في المال أو في القوة أو في العلم.

- نتساءل اليوم بعفوية: لماذا يحتقرنا الغرب؟!!
- والسؤال في حدّ ذاته لا معنى له لأنّ واقع الحال يقول إنّ الضّعيف مهان، محتقر، ذليل. ماذا قدّمنا للإنسانيّة في القرون السبعة الأخيرة؟! لا شيء من معطيات التقدم.
الغربيّون اخترعوا المعطيات الحضارية التي نستخدمها بسذاجة الطّائرات، والصّواريخ، وسفن الفضاء، وآلات الأشعة، وأجهزة القياس، والسّيّارات، والدّبّابات، والحاسوب، والكاميرات، وتكنولوجيات الطّباعة، والهاتف، والتّليفزيون، والإنترنت، ومئات الاختراعات الأخرى المفيدة للجنس البشري، أمّا نحن فقد طال نومنا وامتد، لقد تمادينا في الكسل، وبالغنا في الرّاحة.
وعندما أردنا النّهوض، ابتلانا الله بحكّام يعادون العلم عداء شديدًا، لنصل إلى ما وصلنا إليه من انحطاط شديد، وتخلّف رهيب. القوي ـ وهو الغرب اليوم ـ  لا يريد ولا يهمه أن يعرف شيئًا عن الضّعيف، وهو نحن اليوم.
سبب ما بيننا وبين الغرب ببساطة أننا تخلّفنا عن قطار الحضارة منذ عدة قرون، وهم انطلقوا، وعملوا، واجتهدوا، فصاروا أكثر قوّة، وأكثر غنى، وأكثر علمًا وثقافة منّا، القوي يريد مواصلة رحلته وطريقه إلى الأمام، ولا يعبأ بمن رضي بالرّكوب في مؤخرة القاطرة.

سيطرة اللوبي على الغرب
- تشيع أقوال أن سيطرة اللوبي الصهيوني إعلامياً واقتصادياً في الغرب هي الداعم والمحرك الأول لسياسة الغرب تجاه العالم الإسلامي ولولا ذلك لكانت العلاقات أفضل .. فهل هذا صحيح؟
ـ من ناحية اللّوبي الصّهيوني في الدّول الغربيّة، لابدّ أن نشير إلى حقيقة هامّة:
بنو صهيون موجودون في الدّول الغربيّة منذ قرون طويلة. تمكنوا بدهائهم من تحويل نقطة ضعفهم إلى قوّة. فتشتتهم في أنحاء الأرض كان يمكن أن يؤدي إلى ضعفهم، لولا اتّحادهم على قضية واحدة: دولة إسرائيل. هم أصحاب قضية منذ خرجوا من الأندلس، بينما صارت أغلبيتنا العظمى بلا قضية، ولذا لا تغتروا بالأعداد المتصاعدة للجاليات العربيّة في الدّول الغربيّة هؤلاء العرب المسلمون المتواجدون بأعداد كبيرة هناك، لا صوت لهم، ولا حول، ولا قوّة.. لماذا ؟
 لأنّهم لم يتلقوا "التّربية الإسلاميّة" الصّحيحة، والعلم الإسلامي الصّحيح، والثّقافة الإسلاميّة الصّحيحة، والقيم الإسلاميّة الصْحيحة المسلمون في الغرب يعانون من الأمراض نفسها الّتي تعاني منها الشّعوب الإسلاميّة جميعًا. هم لا يسألون عن قيمة العمل، وقيمة العلم، بل يتعلقون بسخافات أمور تم البت فيها من قبل علمائنا منذ قرون طويلة ؟!
لم نرَ أحدًا فَهم أنّ الإسلام أمر بطلب العلم.
النّتيجة: يحرص الكثيرون منهم على تأدية الصّلاة في أوقاتها، لكنّه يقضي يومه في النّوم والكسل والبطالة!! أي إسلام هذا، وأي ضحالة فكر هذه؟! الفيصل اليوم عند الغربيّين هو العمل والاجتهاد. وطالما أنّ الجاليات العربيّة الإسلاميّة تفضّل السّخافات على العمل، والنّوم على الاجتهاد، فلن تصلح أحوالنا، ولو بعد ألف عام!!

ولفهم أوضح لدور اليهود في أوروبا وأمريكا رغم العداوة التاريخية بين اليهود والنصارى علينا أن نتذكر العلاقة الحميمة بين اليهود وبين القوّة.
اليهود دائمًا منجذبون نحو مراكز القوّة والحضارة، ففي عصر ازدهار الإسلام، سارعوا بعرض خدماتهم على كبراء المسلمين، وفي عصر ازدهار الحضارة الغربيّة الحديثة بعد انهيار الأندلس هرولوا بأعداد كبيرة إلى أوروبا ثم إلى أكبر قوّة في العالم الآن: الولايات المتحدة الأمريكيّة، لقد أثبتوا وجودهم هناك، وصاروا يتحكمون في قطاعات كثيرة.
ولما كان ذلك كذلك، فقد كان عليهم مراجعة علاقاتهم القديمة مع المسيحيّين لإخفاء تراث عدائهم لهم ، فماذا فعلوا؟
لقد حذفوا لفظ "المسيحيّين من الكتابات العدائية"، ووضعوا مكانه كلمات مختلفة تشير إلى شعوب قديمة اندثرت وفنت!!
إنّهم نجحوا في عقد شراكة مع المسيحيّين في العصر الحديث، مثلما نجحوا في عقد شراكة مع المسلمين في القرون الوسطى!!
ملاحظة أخرى هامّة: وهي أن اليهود تعلّموا بعد الحرب العالميّة الثّانية عدم استفزاز الآخرين. النتيجة: صار معظم اليهود اليوم لا يعلن يهوديته إلاّ في منزله!! إنّهم يعملون في الخفاء، ومن ناحية أخرى حدث اختراق هائل للكنائس الغربيّة من قبل اليهود. فأكبر شخصية مسيحيّة في فرنسا "»لوستيجر" هو في الواقع يهودي ألماني. اسمه مشتق من النّعت أو الصّفة الألمانيّة "لوستيجر" الّتي تعني: "مضحك"!! الكنيسة البروتستانتية في سويسرا يكاد يحكمها اليهود فقط!! بالطبع هذه مهارة في الاختراق، يقابلها العكس من المسلمين والعرب، لكن الإلمام بكلّ هذه الحقائق يُسهّل التّعامل معهم ومع الواقع الملموس.
نحن نتحمل المسؤولية في التخلف
- ولكن هذا معناه أنك تلقي المسؤولية في سوء العلاقة المعاصرة بين الغرب والمسلمين على كاهل المسلمين فقط وكأن المسلمين هم من فرض ظروف الصراع بين الطرفين ؟!
- بالطبع ليس كل المسؤولية يتحملها المسلمون، ولكن صحيح أيضاً أننا نتحمل الجزء الأكبر منها، خذوا مثلاً موضوع التّصنيع: سويسرا تستورد الكاكاو من الدول الإسلامية بأبخس الأسعار، وتصنّع منه الشيكولاتة، لتصدّرها بأبهظ الأسعار. ماذا فعلنا نحن بما وهبنا اللّه من مواد خام؟ لا شيء!!
هل فكّر حاكم من حكّامنا في إصدار قرار بمنع تصدير المواد الخام، قبل تصنيعها؟ بالطّبع لا، لأنّ الرؤية غائبة أصلاً. هناك ظلم سافر يحكم عالمنا هذا فيما يخصّ شراء الدّول الغنيّة المواد الخام بأسعار رخيصة، وبيعها المواد المصنعة بأسعار غالية. لكنّ ألم يقل أحد الفرنسيّين: إنّ الظّلم الواقع على أمة من الأمم هو عقاب لها على جهلها؟!! لم يرغمنا أحد على النّوم والكسل، لم يمنعنا أحد من البحث والدراسة والتنقيب وتشييد الصّناعات المتقدّمة ومنافسة أرقى دول العالم. نحن الّذين فضّلنا النّوم، واخترنا الكسل، وتمرغنا في الرّاحة. لماذا رضينا بالهوان والذّل والاستسلام، وصرنا لا نحرّك ساكنًا عندما نرى ثلاثين مليون يهودي يتحكمون في مصير أكثر من مليار مسلم؟ لماذا رضينا الذّل وصرنا نقبل بأنّ يعادل الجندي اليهودي الواحد ألف جندي عربي أو أكثر عند تبادل الأسرى؟ لماذا صرنا نقبل على أنفسنا أن يكسب الأوروبي ثلاثة آلاف أو أربعة أو خمسة آلاف دولار شهريًّا، في حين أنّ مواطنينا لا يحصلون إلاّ على مائة دولار شهريًّا؟ كلّ هذه الأمور ينبغي ألاّ نلوم عليها إلاّ أنفسنا أوّلا وأخيرًا.
وخذوا أيضاً مثال الإعلام، الشّعوب الغربيّة بحاجة إلى معرفة وجهة نظرنا مباشرة، أي يريدون سماع صوت العرب. لكن أين العرب؟ إنّهم مشغولون بالسّخافات. طالما أن لدينا الخواص والأغنياء يفضّلون تربية الخيول عن دعم القضية، ويحرصون على بناء قصور فخمة، بصنابير من الذّهب، أكثر من حرصهم على الدّفاع عن الحقوق العربيّة، ويتشدّقون باستثماراتهم في تشييد الأبنية الضّخمة والأبراج العالية، دون أن يبالوا بفقراء العرب ومعدوميهم، ويصرّون على تقبيل أيدي الحكّام، دون أن يفكّروا في مصير الأمة، طالما هذا هو حالنا، فنحن لا نستحق الحياة الكريمة أصلا!! إنّها معادلة بسيطة يستطيع أي طفل أن يحلّها!!
                           الاستثمار أقوى من الحوار
- بعض علمائنا الأفاضل سعى لتصحيح صورة الإسلام في الغرب بعقد جولات ممتدة من الحوار كانت تنتهي غالباً بالفشل فمن المسئول في هذه أيضاً؟
ـ في هذه النقطة لا جدوى فيما يقال إنّه حوار الحضارات. هذا تضييع للوقت، ونزف للطاقة. النّاس في الغرب ابتعدوا عن الدّين. بل لم يتقدّموا إلاّ بعد تطليق الكنيسة من حياتهم كليّةً. دين الغرب اليوم هو المصلحة. نحن لم نفهم هذا بعد. مازلنا نتوهم أنّ الغرب مسيحيّ!!
ألم يقل القاضي عبد الجبّار المعتزلي: عندما دخلت المسيحيّة روما تأورمت؟!! (بمعنى أنّ روما طبعت المسيحيّة بطابعها، دون أن تتمكن المسيحيّة من التّأثير على روما). ألم يقل ميكيافيلي: كلّما اقتربت من روما (حيث مقرّ الكنيسة الكاثوليكيّة)، كلّما ابتعدت عن المسيحيّة؟!! وهل استعمار الدّول الأخرى ونهب ثرواتها وقتل أبريائها من المسيحيّة في شيء؟!
نحن مازلنا نحلم بعالم مثالي لا وجود له، في حين أن الغرب لا مصلحة له في هذا الحوار أصلا. فهم في غاية السّعادة من الأوضاع الموجودة حالياً، مَن يعترض فهو إرهابي، من يقاوم، لابدّ من تصفيته بالقنابل الفسفوريّة!! مَن لا يؤيدنا، فهو ضدّنا!! فأي حوار هذا الّذي يتحدّثون عنه؟! الغرب لا يتحاور إلا مع الأقوياء، المعتمدين على أنفسهم. أمّا المستضعفين في الأرض فلا يستحقون إلا البطش والتنكيل.
الدخول للسوق الأوروبية
- رغم رؤيتك هذه حول "حوار الحضارات" إلا أنك مصرٌّ على دعوة الأثرياء العرب لاستثمار أموالهم في أوروبا وبخاصة سويسرا، فعلى أي أساس تطلق هذه الدعوة؟!
 ـ الاستثمار الذي أقصده لا يناسب كل الأثرياء العرب ولا يعني الاستثمار التقليدي الذي تعودوه، فما أقصده يحتاج أصحاب القضية منهم الذين يعرفون الإجابة جيدا عن السؤال التالي:
أيهما أذكى، وأنفع لقضيته وبلاده هل اليهودي الّذي يأتي إلى عاصمة غربيّة ويؤسس وسيلة إعلاميّة، ويوظّف خمسين صحفيًّا بمرتب شهري يصل إلى خمسة آلاف دولار للفرد؟! أم العربي الذي يأتي ليستثمر في محلات الأكل السريعة والعقارات أو يكدس أمواله تكديساً في بنوك الغرب بلا أي إنتاج؟
ثمّ ألم يقل لنا نبينا عليه الصلاة والسلام إنّ "خير النّاس أنفعهم للنّاس"؟ فمن هو الأخير للنّاس هنا؟ رجل أعمال يهودي يؤسس إمبراطوريّة إعلاميّة يوظف فيها آلاف النّاس، ويفتح بيوتًا لهم، ومن خلال ذلك يوظف فكره وينشر أيديولوجيته أم غني عربي يأبى إلا استثمار أمواله في لعب القمار، وتربية الخيول، وصيد الصّقور؟!!
إنّ استثمار المال العربي في قناة مثل الجزيرة في قوتها هو خير ما تم فعله عبر عصرنا هذا: وفّروا فرص عمل لشباب عربي يتمتع بقدر معقول من الانتماء، ووضعوا سياسة واضحة للدّفاع عن القضية العربيّة. أمّا الآخرون، فيأبون إلا نشر جهالاتهم من خلال صحافة متخلفة، يقولون إنّها صحافة عربية دوليّة، وهي في الواقع لا علاقة لها بالعمل الصّحفي المحترم، ولا تعبّر عن هموم العرب، وليس لها أي صفة دوليّة أصلا!!
وعلى فكرة، دعوتي رجال الأعمال العرب إلى الاستثمار في سويسرا لا تعني إهمال الاستثمار في الدّول العربيّة. بالعكس.
الاستثمار في سويسرا يمكن أن يكون عنصرًا مكملاً، ومعمقًا، وموسعًا للاستثمار في الدّول العربيّة. أعني أنّ رجل الأعمال العربي إن نجح في دخول السّوق السّويسريّة، ودرسه جيّدًا، فيمكنه مثلا تصدير المحاصيل الزّراعيّة النّظيفة غير المعدلة وراثياً، والتي لا تعتمد على الهرمونات، والكيماويات والسموم إلى سويسرا التي تحتاجها بشدة، هذا يؤدي إلى إيجاد فرص عمل في العالم العربي، إن استثمر العرب في السّياحة في سويسرا، فهذا من الممكن أن يؤدي إلى منافسة الغربيّين في هذا القطاع، وإلى تأسيس تواجد عربي في سويسرا.
باختصار رجل الأعمال النّاجح ينبغي عليه دائمًا أن يسعى لنقل الأفكار النّافعة إلى بلاده. دخول رجال الأعمال العرب السّوق السّويسريّة ينبغي أن يكون له أهداف متعدّدة: منها زيادة الاحتكاك بالغربيّين، ومنها فهم الحضارة الغربيّة، ومنها تقديم أكثر الصور إشراقا عن الإسلام وحضارته، ومنها نقل كل ما يمكن نقله من أفكار مفيدة إلى الدّول العربيّة. يُضافُ إلى هذا أنّ العرب مازالوا في نومة شديدة منذ خروجهم من الأندلس!!

العرب لا يعرفون شيئًا عن الثّورات الصّناعيّة الكبرى الّتي غيّرت الحياة الإنسانيّة. مازال معظم العرب يفضّل تجارة العقار!! ليس يعرف قيمة الصّناعة والتّصنيع إلا قليل من العرب. انطلاق رجال الأعمال العرب إلى سويسرا يمكن أن يؤدي إلى توعيتهم بخطورة الصّناعة، وأهمية التّصنيع. يقينًا لم يحدث أن بلغ الانحطاط بنا هذا الحدّ من قبل. فمصيبتنا أنّنا لم نكتفِ بالتّكاسل والنّوم، وترك الآخرين يعملون ويخترعون ويدرسون، مصيبتنا أنّنا صرنا أيضًا عجزة عن استهلاك ما اخترعه الآخرون!! بمعنى أنّ تصنيع الآلة أو الماكينة يحتاج إلى علم لا نملكه اليوم.
هذه النّقطة بالذّات يحلو لبني صهيون مهاجمتنا من خلالها. فهناك عدد كبير من شركات التّكنولوجيا موجود في بورصة نيويورك. هذا يحسب لهم، لا محالة، ولا مكابرة. أمّا نحن، فلا نستطيع تصنيع هذه التّكنولوجيا، ولا نستطيع استهلاكها!! خذ برامج الكومبيوتر الحديثة من شركة أدوب. هذه البرامج متوفرة في الأسواق، وصارت كبريات دور النّشر في العالم تستخدمها. لكنّ معظم العرب ـ من غير المتخصصين ـ لا يعرفون شيئًا عنها..

الدول  الأوروبية لها خصائصها
- تتركز دعوتك على سويسرا التي تعيش فيها .. فهل يمكن أن تنطبق نفس الرؤية بتفاصيل مختلفة فيما يخص طبيعة المشروعات على بقية دول أوروبا وأمريكا؟
ـ كلّ دولة غربيّة لها خصوصيتها، وتاريخها، وظروفها، وقوانينها، وأقلياتها، إلخ. وهنا ينبغي أن أوافق الصهيوني "برنارد لويس" في كتابه "اكتشاف المسلمين أوروبا"، حين يتهم العرب بعدم الاهتمام بالحضارات الأخرى، فهم لا يعرفون إلا أقل من القليل عن الدّول الغربيّة. فإن كان تصدير المحاصيل الزراعية ينفع في سويسرا فهو ليس كذلك في أسبانيا التي تصدّر لأوروبا حاصلاتها الزراعية، أما التواجد العربي في أسبانيا فيمكن أن يتمّ عن طريق الاستثمار في السّياحة، أو الصّناعة. ينبغي ألا ننسى أن الأندلس الإسلاميّة تعيش اليوم في معظمها على السّياحة، وتستفيد كثيرًا من آثار العرب هناك.

- كيف يمكنك تصور أنّ العرب لو اتجهوا إلى دول الغرب بالمشروعات التي تقترحها سوف يكسبون هذا البلد أو ذاك رغم كل أوجه العنصرية الموجهة ضدهم، ورغم إحساس هذه البلاد بضعف الحكومات العريبة وانهزاميتها؟!
ـ  ليس ينبغي تعليق فشلنا وهزائمنا على ضعف أنظمتنا العربيّة. الشّعوب أقوى من الأنظمة. الحقوق لابدّ أن تنتزع من بين فكي الأسد. خذ مثلا فضيحة "إبراهيم نافع". تركته الحكومة يسيطر على الأهرام سنوات طويلة، ثمّ ظهرت الحقائق المرعبة. لو كان عند غالب الصّحفيّين في مصر الحدّ الأدنى من المسؤولية والانتماء، لخرجوا، وتظاهروا، واحتجوا على هذا الفساد، وطالبوا بالإصلاح.
 الإصلاح يعني ضمن ما يعني: وضع قانون يفرض على أي وسيلة إعلاميّة دفع مكافأة لأي كاتب يساهم بعمل ما في هذه الوسيلة. المقياس لا يكون حسب الأسماء الرنانة، المقياس ينبغي أن يكون حسب الجودة. فلا يعقل أن يكون ثمن سخافات تكتبها بعض هذه الأسماء آلافًا من الجنيهات، بينما الصحفيون المجتهدون المخلصون نصيبهم لقيمات لا تقيم الظهر.
هذا التّخلّف ينبغي وقفه فورًا، الإصلاح لا ينبغي تركه كلّه في أيدي الحكّام. لابدّ من رفع صوتنا عاليًا. الحاكم لا يصحّ أن نتركه يفعل ما يشاء، وإلا كنّا كالماشية والأنعام، يفعل صاحبها فيها ما يشاء!!
الاستثمار في الدّول الغربيّة إن تمّ، فالأمل معقود على رجال الأعمال العرب الّذين يعيشون من أجل القضية، وليس من أجل القصور، والولائم، ومتع الحياة الفانية.
أصحاب القضية بوسعهم الانطلاق إلى دول الغرب، وتغيير الواقع المخزي في خلال سنوات قليلة. ولماذا لا؟ ألم ننجح ـ كعرب ـ في تأسيس قناة مثل الجزيرة الّتي صارت تنافس أقوى وسائل الإعلام الغربية؟ فلماذا نشكّك في قدرتنا على تحقيق نجاحات أخرى؟ ألم ننجح من قبل في قيادة الإنسانيّة جمعاء، وفي تطوير العلم الإنساني على مدى قرون طويلة؟ فلماذا نشكّك في قدراتنا، ونرضى بالهزيمة؟ لماذا نستسلم؟ ولماذا لا ننهض من سباتنا، ونتعامل مع الغربيّين والخصوم معاملة الندّ للنّدّ؟
تخاذل السّفارات العربيّة، والأنظمة العربيّة سيستمرّ، طالما أنّ الشّعوب لم تتحرّك، ولم تشكُ، ولم تعبّر عن رفضها لهذا الظّلم. لابدّ أن نطالب مثلاً بوقف تجسّس السّفارات العربيّة في الخارج على المواطنين العرب!!

زمن "الفهلوة" .. انتهى
- ما الضمانات التي يمكن أن يجدها المستثمر العربي في الغرب وأنت تدري أن قوانين مكافحة "الإرهاب" المستحدثة فيه يمكن أن تعصف بين عشيّة وضحاها بأمواله بالمصادرة أو حتى بحريته بالاعتقال وتوجيه تهمة "الاشتباه" في علاقاته بجماعات "إرهابية"؟!
 ـ  أي مستثمر عربي في دولة غربيّة، لابدّ أن يستعدّ جيّدًا لخوض هذه التّجربة، مبدئيًا هناك تنافس بين الدّول الغربيّة في جذب المستثمرين الأجانب ولكن العمل على السّاحة الدّوليّة الآن يتطلّب صفات معينة غير تلك الّتي تعوّد النّاس عليها في المشرق العربي.
اللّعب على السّاحة الدّولية يتطلّب القدرة على المشاكسة، ويتطلّب سرعة الفهم، وسرعة رد الفعل، وسرعة التّفاعل مع الأحداث، والقدرة على المساومة، والأهم من كلّ هذا هو التّسلّح بالمعلومات الضّروريّة. العلم قوّة، كما يقولون. دخول السّوق الغربيّة يتطلّب الاستعانة بأهل القانون والمحاماة هناك، لمعرفة القوانين، والحقوق، والواجبات. فليس هناك مجال للفهلوة، كما هو الحال عندنا. صحيح أنّ الخداع موجود أيضًا في الغرب، وبكثرة. لكنّ الشّطارة هنا هي تقديم عمل جاد لفرض احترام الآخرين.

الرسوم الدنمركية تتكرر يوميا
- خلال أزمة الرسوم الدنماركية وما بعدها فما نشر في السويد التمس البعض العذر للغرب بأنه لا يعرف الإسلام ومكانة سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، في حين أكد آخرون، ومنهم من يعيش هناك، أن الغرب يعرفنا أكثر مما نعرف أنفسنا وهو قصد الإساءة.. فإلى أي وجهتي النظر تميل؟
 ـ  مشكلة الرّسوم الكاريكاتيرية هذه بيّنت لنا أنّنا مازلنا في غيبوبة شديدة. فنحن نجهل حتّى ما نملكه من سلاح فعّال. بل إنّ القضية هي أنّنا لا نجيد فن الاحتجاج، الغرب يقول: إمّا الطّاعة، وإمّا الإبادة!! مَن يتجرأ على العصيان، يفرضون عليه الحصار!! هل تتذكرون آلاف الأطفال الأبرياء الّذين راحوا ضحايا الحصار على العراق؟ القانون الدّولي من المفترض أنّه يسمح للجميع بالمساواة في استخدام الأسلحة. فلماذا يحقّ لهم استخدام سلاح المقاطعة والحصار، ولا يحقّ لنا هذا فيتهموننا بالهمجية والسذاجة إذا استخدمناه؟!!
مرّة أخرى نحن المسؤولون، وليسوا هم، الإساءة الّتي حدثت تتكرّر بصورة شبه يوميّة، دون أن يعرف العرب عنها شيئًا، لأنّهم لا يقرأون ما تنشره دور النّشر الغربيّة من كتابات غزيرة يوميًّا عن العرب والمسلمين، مملوءة بالمطاعن، والتّشويهات، والسّخافات. خرج علينا بعض بني صهيون في أوروبا وقالوا إنّ هذه الإساءات هي منطقيّة جدًّا، لأنّ الغرب يؤمن بقيمة الحرية!! هذا نفاق رخيص، لأنّهم لا يطيقون من يتشكّك في حقيقة الهولوكست.
هنا أيضًا نلاحظ أنّ القوي له حقوق كثيرة، بينما لا يحقّ للضّعيف إلا القليل!! ثمّ لماذا نلومهم، ونحن الّذين تقاعسنا عن تأسيس وسائل إعلام عربية باللّغات الأوروبيّة في الدّيار الغربيّة، بينما تفوّق اليهود علينا وقهرونا في هذا المجال. ينبغي أن ندفن أنفسنا من هذا العار!!

ضيف الحوار في سطور
هو البروفيسور ثابت محمد عيد ،وُلد في مصر سنة 1957م بسبب الصبغة الدينية لعائلته فقد نشأ نشأة دينية وسياسية رحل إلى سويسرا لأول مرة في عام 1974  ووصف ما رآه هناك حيث شعر باهتمام السويسريين الكبير - مقارنة بالدول العربية - بالنظافة، وإعلان شعار العلم و العمل، ومستوى المعيشة المرتفع، وصحة المواطنين الجيدة.
في العام 1977م بدأ دراسة اللّغة الألمانية في جامعة زيورخ  ثم درس العلوم السّياسيّة، والأدب الإنجليزي، والإستشراق من سنة 1980م حتّى سنة 1985م.
 صدم من نظرة الغرب للعرب والمسلمين عندما وقع صدام بينه وبين المستشرق السّويسريّ راينرت الذي لم يسمح له بإنهاء دراسته في جامعة زيورخ لأنه مسلم!!
التحق بجامعة بيرن بنفس الدولة وبدأ دراسة جديدة شملت العلوم الإسلامية، فلسفة أديان، وفقه اللغة، وحصل على الماجستير سنة 1991.
قدم مؤلفاً عن الترجمات الألمانيّة لمعاني القرآن عام 1995 هاجم فيها مطاعن الغربيّين في القرآن الكريم، دون إغفال ذكر بعض المنتسبين للإسلام الّذين تخصّصوا في سبّ الإسلام، مثل المصري نصر حامد أبي زيد، والهندي سلمان رشدي، والسوري بسّام طيبي، والمصري المستشار محمد سعيد عشماوي.

كان السّوري بسام طيبي، المتألمن وراء تأليب أوساط الاستشراق في سويسرا ضده حتى وصل الأمر لقيام صحيفة "الفرانكفورتر ألجماينه "بنشر مقال عنيف ضده، ممهدين الطّريق لترحيله من أوروبا!! وطالبته جامعة بيرن بالاختيار ما بين الاعتذار أو ترك الجامعة فاختار الخيار الأخير وتم فصله كباحث من جامعة بيرن.

بعد سوء معاملة تعمدتها السلطات في سويسرا قام عزّ الدّين إبراهيم، المستشار الثّقافي للشّيخ زايد بن سلطان آل  نهيان - رحمه الله - ، رئيس دولة الإمارات السابق بمناصرته حيث استدعي السّفير السّويسريّ أربع مرّات إلى قصر الرّئاسة، ووجّه إليه تحذيرًا شديد اللّهجة بأنّ معاملة السّويسريّين الوحشية للمسلمين في سويسرا غير مقبولة. لكن هذا الطّريق لم يجدِ معهم نفعًا.

بعد تركه جامعة بيرن التحق - بناءا على مساعدة باحث سويسري صديق -  إلى تدريس مادة الإسلام والمسيحيّة لطلبة الدّراسات العليا في جامعة لوزرن، لعدة سنوات.

في عام 2000  أسس مؤسسة عيد للإعلام والاستشارات، بهدف المساهمة إعلاميًا في تقديم صورة صحيحة عن المسلمين، وتقديم استشارات للعرب عن سويسرا، وللسويسريّين عن العالم العربي.
صدر له أكثر من عشرة كتب، نشر منها:
1. الحيلة في التّراث العربي.
2. صورة عرب أمريكا.
3. الإسلام في عيون السّويسريّين.
4. الإسلام في التّراث الغربي.
5. إنّه ماري شيمل.
6. صورة الإسلام في الغرب.
7. العقلانيّة في الإسلام باللّغة الألمانيّة. 
8. بغية المشتاق إلى فهم عقيدة الأسلاف.
9. مَن المسؤول عن تشويه صورة الإسلام في سويسرا؟.
10. إيديولوجيّة المستشرقين الألمان المعادية للإسلام.
11. المرأة هنا وهناك.
12. عبقرية اللّغة الألمانيّة.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حوار مع الشيخ : عثمان حاج مصطفى

أسامة خليفة ..إنتاج فيلم الطفل انطلاقا من قيمناِ لاء للإنتاج الفني، تقف على خط المواجهة، وبصدق نقول هذا، فقد كانت المبادرة إلى هذا العالم الرحب في وقت كان هَمّ الآخرين أن يقوموا بدبلجة ما يقدم، نريد من يؤمن بالفكرة

موسى ابن نصير قائد عسكري عربي في عصر الدولة الأموية. شارك موسى في فتح قبرص في عهد الخليفة معاوية بن أبي سفيان