التعليم هنا وهناك




عادل صدّيق
منذ سنواتٍ شاهدتُ حلقة تلفزيونية عن الغش المدرسي في البلدان العربية على قناة الجزيرة القطريّة ، وكان المسؤولون وقتها يخططون لتتحول القناة إلى إمبراطورية إعلامية متميزة جدا، وتستحوذ عقب ذلك على امبراطورية  صالح كامل ARTالرياضية المشفرة وتتوسع الجزيرة في القنوات الوثائقية  بل تتحول إلى منتجٍ قوي للوثائقيات؛ واطلقت الفضائية العالمية معتمدة على أكتاف أقوى المجموعات البشريّة المتميزة ..

كانت الحلقة مسحاً لظاهرة الغش العربية الشابّة من المحيط إلى الخليج لتكشف لنا أنّ الشباب العربي مؤهلٌ للغش إن كان في بلاده لأن البيئة فاشلة في استيعاب الطلاب، سواء من الأذكياء دراسيا أم من المتأخرين .

الفارق أنّ المتأخرين مغامرون، والمسألة حياة أو موت، فالغشّ مطلب ليبدي الطالبٌ لأسرته أنه ليس فاشلا دراسياً حتى لا يقطع عنه الدعم الأسريِّ، حيث يلبس ثياب الحُملان ويحملُ قلب الذّؤبان؛ بينما الذكي فمطلبه من الغش السرقة بهدوء "لا مِن شاف ولا من دري" ليحقق معدّلا أعلى بشرط أنْ يكون الغش آمنا بلا مخاطرة تسيئ لسمعته التفوقيّة، التي لا تقبل أنْ تُمس، فهو يحبّذ السرقة المأمونة للوصول لكليات القمة لينال المكانة.

بينما يختلف الأمر إنْ قام تلاميذ العربِ بتلقّي العلم في خارج الوطن تجاوزاً ـ الأوطان الممزقة واقعا ـ وكان التقرير من جنوب فرنسا حيث يعيش أبناء الجاليات العربية المهاجرة في أماكن متواضعة مع ذويهم الذين يكدحون من أجل مستقبل أفضل لهم ولأبنائهم في أوروبا  بدلا من العيش في يأس في بلاد لا تقدر الإنسان.

المدرسة فرنسية، والطلاب أكثرهم من أبناء الشمال الأفريقي بسحنات مختلفة من ناصعة البياض الثلجي ، إلى ناصعة السواد  في تلوّن مدهش وكلهم يتحدث اللغة الفرنسية بطلاقة ، ولا يكاد يُبين من العربية شيئاً .

كان اليومُ  اختبارا, والنظام أنْ يقوم الطالبُ بالإجابة في ورقة من الورق المقوى لونها أخضر، بينما  توجد ورقة  لونها أحمر ، بها نموذج الإجابة !!
أدهش المذيع الذي يقوم بتسجيل الحلقة وسأل فتاة صغيرة : لماذا تعطيك المدرسة نموذج الإجابة ؟ قالت ببراءة  هذا النموذج لأصحح أخطائي  وأقيّم على أثر ذلك، قال المذيع يمكنك أن تقومي بنقل الإجابة الصحيحة من نموذج الإجابة وتريحي  نفسك من عناء المذاكرة ؟؟

فزعت الفتاةُ  قائلةً :أغشّ نفسي ؟؟ لو فعلت ذلك في مراحل الدراسة المختلفة سأكون فاشلة، ولن أستطيع أن أجد عملا لأني غير مؤهلة لسوق العمل المتميز الذي يحتاج لقدرات متميزة .
ولن أستحق ساعتها إلا عملا في أدنى الأماكن إنْ  وُجد..

لفت نظري في الموضوع وجود هدف مادي غرسته منظومة التعليم وهو "التعليم  يساوي مكانة" وأن التخصص من أجل العمل بخلاف ما يحدث في بلادنا.
 فالشاب  يتخرج  بلا أمل لدينا أدرك هذا مبكرا أو تلقى صدمة الإدراك لا حقا؛ لأنه ببساطة غير مؤهل لسوق العمل إلا إذا قام وليُّ الأمر مبكرا بإنفاق موازٍ على الابن لإعادة تأهيله ؛ أو دفع الابن إلى ميدان العمل إبّان  تحصيله لدروسه ليتدرّب في التخصص.

وكثير من الشباب ـ للأسف ـ يدخلون الجامعة على غير اقتناع بجدواها، حيث يوجد طابورطويل للحصول على فرصة عمل، وتدخل الوساطة والرشوة لفرز المتقدمين، فالمعوِّل على امتلاك السلاحين القويين اللذين لا يقاومان وتنحية غير القادرين الذين مكانهم المتوقع إما يعملون في أعمال دنيا ـ ويتركون التخصص الذي استغرق الوصول إليه مالا ووقتا ، وجهدا وأملا لن يتحقق..
إضاءة ..

امتلأت شوارع العتبة بالباعة الجائلين منهم شاب يبيع موبيلات رخيصة، حاصل على ليسانس حقوق من جامعة القاهرة منذ عقد من الزمن، ونسي القانون.
والتقيت بآخر يعمل محامياً بسيطاً رغم تفوّقه لأنّ أباه لا يعمل في سلك القضاء الشامخ، وأدرك المتفوق أنّ العمل في هذا التخصص رهن بالقضاة وأبنائهم ولو كانوا من  ذوي الـ 50% .





تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حوار مع الشيخ : عثمان حاج مصطفى

أسامة خليفة ..إنتاج فيلم الطفل انطلاقا من قيمناِ لاء للإنتاج الفني، تقف على خط المواجهة، وبصدق نقول هذا، فقد كانت المبادرة إلى هذا العالم الرحب في وقت كان هَمّ الآخرين أن يقوموا بدبلجة ما يقدم، نريد من يؤمن بالفكرة

موسى ابن نصير قائد عسكري عربي في عصر الدولة الأموية. شارك موسى في فتح قبرص في عهد الخليفة معاوية بن أبي سفيان