خير أطلّ فهل من مجيب ؟
بقلم:عادل صديق
رمضان شهر للخيرات، ويأبى
أن يبدأ دون التأهب والاستعداد له من محبي الخيرات المتعددة بترك العادات التي كانت قبله، والانقطاع لبداية جديدة
مع خير ضيف ينتظر، وما ذلك إلا لمكانته، فطول العام جعلنا ننسى عظيم الأجر،ـ إلا
الصالحين ـ أصحاب اللهم بلغنا رمضان ـ أما
نحن فننشغل بالدنيا وقلّما نجا أحد من ذلك.
فالكسب والانشغال بالرزق
جعلت من المحتم أن نغتسل قبل أن نتعطر(كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون)
فلننظر لهذه الآية لنلحظ طمسا كبيرا للحسنات منذ دخول شهر شوال، وبدء العادات
الحياتية في تملك قياد النفس لتشغل النفسُ الأمارةُ النفسَ المطمئنّة .
لا بد أن نعيد النظر
فيما كان منا ونتذكر الهدْي الذي كان عليه نبينا متمثلا (قل أن كنتم تحبون الله
فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم), فنحن مقبلون على شهر القرآن الذي نزل
في مثل شهرنا هذا ( شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى
والفرقان).
ولنتتبع الكلمات (هُدى
للناس وبيّنات من الهُدى والفرقان) ففيها إرشاد، وإيمان وتوضيح وفصل بين الحق
والباطل، ومن اللمحات التي أوردها ابن كثير أن رمضان نزلت فيه الكتب السماويّة على
الانبياء، صحف إبراهيم في أول ليلة منه والتوراة لستٍِ ليال خلون منه، والإنجيل في
الليلة السادسة عشر، والقرآن في الليلة الرابعة والعشرين، والزبور في الليلة
الثانية عشرة والشاهد بركة الشهر .
ويأتي سر الطاقة
التي تحلّ علينا في هذا الشهر، التي يمكن
إجمالها في بركة الجماعة، واجتماع عبادات متعددة، واستشعار الكسب في الحياة الدنيا
والآخرة، فالإنفاق في الخيرات يخلفه الله في الدنيا، وبركات لياليه في القيام،
ومنها ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر،فصيامه فريضة، وقيامه
تطوع، خصال الخير بأجر الفريضة، وأداء الفريضة كسبعين في غيررمضان، وهو شهر الصبر،
والمواساة.
(كتب
عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون ) وكلمة لعلّ فيها رجاء أنْ
ينصلح حالُ الإنسان ولا يفرّط في مسألة
التقوى، والتقوى وقاية وحذر، والتقوى ورع وخوف من غضب الرحمن، وكشأن العبادات
جميعا لها ثمرات فالصلاة تنهى عن الفحشاء
والمنكر، والزكاة إصلاح لحال الضعفاء وطهرة للنفس الإنسانية والمال من الشح الخ.
والبركة تأتي في التغييرالعظيم،
والأجر العميم الذي يأتي مواكبا لأيامه ولياليه، ومدح الله القرآن بأنه انزله ـ
سبحانه ـ هدى لقلوب العباد ممن آمن به وصدّقه واتّبعه ( وبينات من الهدى
والفرقان )، فهو يهدي دواخل الإنسان، ويرشد ضلال النفوس ويوضح مستغلق الأمور
ويفرق به بين الحق والباطل.
ولا نعجب ـ إن كان
ذلك كذلك ـ من الحرب على الإسلام والسعي الحثيث من الاستعدادات الكثيرة لتفريغ
الصيام من معناه 18 مسلسلا تعرص على النايل سات، ومغامرات رامز ، وأطباق اليوم ،
والمسابقات وعلى خجل وسط كل ذلك تجد فتاوى رمضانية نمطية تغيرت فقط أشكال مقدميها
وحلقات التوك شو، وضيوف الليالي الرمضانية من ممثلين وسياسيين وفنانات وفنانين .
والتقوى حاجز أو
مانع أو وقاية بين العبد وما يغضب الله ،
والتقوى أيضا استشعار لرقابة الله واطلاعه على الإنسان ويمكن أن نلخصها "أن
يراك الله حيث أمرك ، ويفتقدك حيث نهاك"، ونستقيد من قول الأمام علي المأثور
رضي الله عنه :" الخوف من الجليل ، والعمل بالتنزيل ، والرضا بالقليل
والاستعداد ليوم الرحيل"
علينا أن نتخلص من
الموبقات المهلكات المضيعات في هذا الشهر" فـمن لم يدع قول الزور والعمل به
فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه "
المسلم
في رمضان يدع المباحات، يدع الطعامَ والشراب وهما قوام الحياة وهما مباحان في الأصل،
ويدع أهله وهم مباحون له في الأصل، فلأن يدع المحرمات من باب أولى، فكيف يوازن مسلم
يدع الطعام والشراب ويغتاب وينم ويطلق بصره ويمضي رمضان كمناسبات اجتماعية، سهرات ولقاءات
ومسلسلات وحفلات وسهر حتى قبيل الفجر، وهو يظن أنه يحسن صنعا،﴿قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ
بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا
وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً ﴾ كما قال الشيخ راتب النابلسي.
وإن ننسى فلا ننسى
أكبر جمع للمعتكفين ومن بدء شهر رمضان في العام الماضي في ميدان رابعة، والنهضة
حيث جمع الميدانان أتقى وأنقى من أنجبت
مصر، واصطفى الله الآلاف من الشهداء، كأنّ الله نظر إلى القلوب فاختار أنقاها،
وأورعها، وأسرعها استجابة له ليكونوا في معيته.
لا أظن أن تكون مساجد هذا العام ستكون ملأى بالمصلين كالعام السالف، فالانقلاب اخذ مصر بعيدا عن الإسلامية، وعسى الله أن يخيب ظني بأن يكون هناك أمل في تغييرغير متوقع .
تعليقات