صافيناز كاظم: النخبة ضيّعت مبارك والمتحولون موجودون رغم تغيير لهجتهم
حوار
: عادل صديق:
الأحد : 12
يونيو 2011
صافيناز كاظم كاتبة صحفية وسياسية
شهيرة رحلتها مع الكلمة طويلة، كانت تحرق أحيانا، وتلسع كثيرا، وكانت رغبتها في
التغيير هي الدافع وراء الكلمة، وإصلاح الوطن كان هدفا لايغيب، لم تتردد في محاربة
الحكم متمثلا في النظام السابق بسلاح الكلمة، فعدا عليها جنوده بالسجن والإيعاز
لأذنابه بالتضييق عليها، ومنعها من إطلاق الصرخة في وجه "سيد القصر"
حاولوا كسر قلمها ، فرحلت وإذا بها في أتون من القهر وتكميم الأفواه فعادت لتروي،
إلى جانب أشياء أخرى فى تفاصيل الحوار التالي..
كان هذا الحوار عقب ثورة يناير ، ونشر
في بوابة الوفد، والشخصية الأستاذة
صافيناز
ـ مع أجواء الثورة ـ أم نوارة ـ هل
تشعرين ببطولة ابنتك حين شاركت في خلع مبارك؟
أنا أشعر بالفخر والاعتزاز تجاه شباب
مصر العظيم الذى ظلم كثيرا وأهدر حقه كثيرا، وأضافت أن نوارة وأمثالها هم من عرفوا
إعلاميا لكنى أقصد الشباب الذين خرجوا ولم يستفيدوا إعلاميا من ثورة 25 يناير.
الثقافة فطرة يولد بها الإنسان حتى الأميين تجد منهم الشعراء والحكماء، مشيرة إلى
أن الثورات المصرية على مر العصور كانت نتاج الظلم والقهر والقمع.
ـ هل ترين أن الثوار من الممكن أن
يخفقوا في تحقيق آمال الشعوب كما حدث في 23 يوليو ؟
فى ثورة يوليو الشعب لم يخسر،والثورة
كانت مغلفة بانقلاب عسكري، وكان كل الشعب المصري فرحا بما أنجز، والكل كان مؤيدا
للجيش الذي انقلب على الملك لكن ما حدث بعد ذلك هو الخديعة، ولى كتاب عما حدث اسمه
"الخديعة الناصرية" فالكل وقتها من مثقفين وعامة شعب حتى سيد قطب المفكر
الإسلامي كان وقتها يسميهم "الفتية الذين آمنوا بربهم"، والكل كان
يستبشر خيرا بهم ولم يكره هذا سوى الإقطاعيين، وأنا أعيب على من يقول اضرب بيد من
حديد على هؤلاء الثوار الأحرار الجدد الذين يطالبون بحقوقهم.
ـ ما هي وصفة العطّار للوقاية من
الإخفاق الثوري؟
"ولينصرن الله من
ينصره" الناس الذين كانوا بالتحرير مؤمنون كانوا يصلون من أجل أن ينصرهم
الله، ولم لا وقد استجاروا بالله وهم عزّل بلا سلاح، وكما أن الإخفاق امتحان
وابتلاء كذلك النصر امتحان وابتلاء، وأنا أتعجب من النخبة التى كانت من وقت قصير
تؤيد الرئيس السابق وانقلبت وتشن الآن حربا ضروسا ضد الثورة والثوار.
وفي عهد عبد الناصر عندما كره الناس
العهد الملكي، وكما قال وقتها "سيد قطب" ذهب الانجليز الحمر وأتى
الانجليز السمر.فقد عاملونا معاملة قاسية، فما المبرر للقبض على المثقفين وقتها،
وأنا لى مقولة شهيرة وهى:" إن الإنجازات لا تبرر المظالم" فمهما عمل
الحاكم الجائر من إنجازات لا يغفر ذلك له مظالمه ناهيك عن نكسة 67 والعار الذى لحق
بنا، وبعده جاء السادات وانقلب على عبد الناصر فى 15 مايو وأخذ ينادى بالحرية
والديمقراطية، وبعدها وجدنا أن عربات أمن الدولة أخذت "تلمنا" وتعتقلنا.
ـ لاحظنا أن هناك العديد من أهل الفن
كانوا أوفياء للنظام السابق لآخر نفس، ووجدنا متحولين يجلسون على كل الموائد؟
فى البداية أنا أصفهم بقتلة الثوار،
وأنا دائما أقول رجل مؤمن فى قصر فرعون يكتم إيمانه، ففى قصر فرعون كان هناك من
يؤيد سيدنا موسى، وكذلك الآن نجد من يدّعى أنه مع الثورة والثوار عنهم ببعيد، ونحن
لم نكن مغفلين عن أمثالهم الكل يعلمهم، فهؤلاء ليسوا بمتحولين لكنهم فقط يغّيرون
لهجتهم، وكذلك الوزارة التى شكلها "عصام شرف" فيها كثير من الوجوه غير
المألوفة وقد نبهناه لهذ،ا لكنني لدى ثقة ربما أنه يريد بها شيئا ما، فوجود هذه
الوجوه فى الوزارة لو لم ننتبه إليها فهذا سيؤدى للانهيار.
الكثيرون كانوا يريدون التغيير في
غمضة عين؛ هل يمكن علاج فساد عميق الجذور بهذه السرعة؟
هذه الثورة ثورة شعبية بتدعيم الجيش،
ومن الطبيعي فى مثل هذه الحالات أن يكون القانون بطيئا لكن ليس مفرطا، والناس
المخطئة يجب أن تؤخذ بالقانون بعيدا عن "العين الحمرا واليد الحديدية"
لأنها كسر للعدالة، فالحزم شيء والتهديد شيء آخر، ونحن لدينا مبدأ فى الإسلام وهو
"لا حد بعد ابتلاء".
هل من الممكن أن تتغير طباع المصريين
بعد الثورة ؟
الشعب لاقى ظلما كثيرا وذاق المر،
فالإنسان منا منذ يصبح حتى يمسي محروم من الخدمات العامة والوسائل التى تقدم له،
فتارة مشتت ما بين صرف صحي وفاتورة كهرباء ناهيك عن مجانية التعليم وهو يدفع
الكثير فيه، فهذا الشعب اتضحت صفاته وأخلاقه فى ميدان التحرير كان مسالمًا بسيطاً
متنازلاً يريد حرية وكرامة، لا يهمه طعامه فكان من الممكن أن يجوع ويصوم.
لماذا وجدنا تغيرًا سلبيًا لدى العامة
في غياب الأمن ؟
لا أنا أرفض ذلك لأن الغياب الأمني
موجود من قبل، بمعنى أن هناك ضابطا ظالما كان يعذّب الناس، فنحن لسنا بحاجة إليه،
ومثله الذي يرى البلطجي ولا يقبض عليه، وعندما أرادوا أن يعاقبوا الشعب المصري
بقطع التليفونات والنت عنه، أخرجوا البلطجية حتى يروّعوا الناس وكذلك فى حادث
كنيسة القديسين وتأليف الداخلية لقصة مفبركة واتضح فى النهاية أنهم الذين فعلوا
ذلك، لأن هؤلاء أناس لا يستطيعون العيش في هدوء بدون فتن.
نلحظ تفاعلك مع الثورات التي اشتعلت
في العالم العربى .. هل لأن المصائب تجمع المصابين؟
المقاومة عندما تقوم على الظلم لماذا
لا نفرح لها وبها، فثورة تونس فرحت بها كثيرًا وكذلك ثورة التحرير، وثورة اليمن و
أي ثورة شعبية ضد الظلم، وكيف أن هذا الشباب مستعد أن يضحى بروحه فى سبيل نيل
حريته، لكننا نخشى فى النهاية من انقلاب الثورة، مثلما حدث عندما تسلم محمد على
الحكم وأخذ ينفى العلماء وقرب إليه المتملّقين.
كان أنور السادات أفضل من مبارك ـ على
الأقل أنه في فترته الأولى القصيرة ـ لماذا كان هجومك عليه كاسحًا ؟
لم يكن هدا أفضل من مبارك .. فى عهد
السادات اعتقلت لأول مرة عام 73 لأنني كنت أطالب بالحرية، ومنعت من الكتابة، وفى
عام 75 اعتلقت أنا والشاعر فؤاد نجم وكانت نوارة وقتها سنّها 14 شهرا وأخذتها معي،
في الوقت الذي كانت فيه جيهان السادات تمتدح المرأة.
السادات كان قاهرا، فحرب 73 صنعها
أناس حقيقيون لكنهم لم يأخذوا حقهم منها، فالسادات كان يريد الضحك على عقول الشعب
المصري بالانتصار وبعدها يسلم مصر فريسة للعدو الصهيوني لا فهو ليس قائدا.
كان الانتقاد كثيرًا لمبارك فلماذا لم
يجمع البيض في سلة واحدة ويقوم بالانتقام ضد كل ذي صوت مرتفع؟
مبارك فى البداية كان يسمع لمن
يحتاجه، لكنه لم يكن سياسيًا لأنه لم يعمل بالسياسة، ومن معه هم من أوقعوا به
فأمثال "فتحى سرور" و"على الدين هلال" و"مفيد شهاب"
ماذا كان دورهم وهم بمثابة العلماء، بالإضافة إلى تكبر "أحمد نظيف"
ولهجة التعالي على الشعب المصري كل هذه الأمور فضحتها ثورة يناير.
لقد أُهدر حق مصر وسرق منها وجهها
الحقيقي وذلك للسياسة التى كانت متبعة، وكانت هناك كتب عديدة قد صدرت في ذلك الوقت
تنبّه بما سيحدث في مصر، لكنهم لم يدركوا ذلك نظرا لتعجرفهم، وأنا أعيب على النخبة
التي ذهبت إليه يوم 2 أكتوبر وجلسوا وقتا طويلا معه ولم يكلموه عن اعتصامات العمال
وهموم الشارع المصرى، ومبارك ذنبه فى رقاب هؤلاء.
لماذا القيادات التي تحكمنا يصدق
عليها خيبة أمل راكبة جمل؟
هؤلاء لم يكونوا قيادات لمصر، مصر سلب
تراثها العلمي والثقافي والحضاري، هؤلاء يسمون قيادات تزييف فقط لا غير.
عارضتِ كامب ديفيد وعارضتِ السادات ..
هل دفعت الثمن؟
أنا لم أحرم من شيء ودائما أقول
"الحمد لله الذى أكرمنى بالصدق فى زمن الفساد والاستبداد"، وكنت أصلى
وأقول "قل أعوذ برب الفلق من شر ما خلق" فما سعيت يوما لمنصب من المناصب
مثلما فعل غيري، ففي الوقت الذي كانوا يتقاضون الملايين كان راتبى 585 جنيها لا
غير، كنت أخاف على نفسى من الفتن والتملق.
حصلت على ماجستير النقد المسرحي 1966
واكتفيت بالصحافة وكان من الممكن أن تكوني أكثر شهرة، هل حققت لك الصحافة ما كنتِ
تريدين؟
أنا ظللت 12عاما لم أكتب فيها من
عام71 حتى عام 82 فنشأ جيل كبير، وبدأت استعيد اسمى ولم اشتهر من الصحافة، لكن حدث
ذلك التليفزيون عن طريق الظهور فى البرامج العامة.
الكتابة المرفوضة صنّفت الأستاذة
صافيناز في"المشاغبين" فكسرت أمينة السعيد قلمك في الهلال ما هي الأسباب
بعيدًا عن مخالفتك لسياسة الهلال؟
أنا منعت من الكتابة فى الهلال عن
طريق يوسف السباعى وقال وقتها لى: أنا أرفض تكوين خلايا فى المجلة فأخذت إجازة
بدون مرتب وسافرت إلى العراق وفصلتنى وقتها أمينة السعيد عام 79.
ألمس أن لك رسالة تعيشين من أجلها لكن
لا تتضح للآخرين لمعاركك المتعددة ...فما هي رسالتك؟
أنا رسالتى واضحة ومفهومة للجميع ومن
لا يعلمها هو من يريد ذلك، ومواقفى كذلك لم أغيرها.
المسرح السياسي له دور كبير في إيقاظ
الوعي ورغم ذلك "زي قلته"، بل كان صمام أمان للنظم الديكتاتورية التي
كانت تحكمنا..ما مدى صواب وخطأ هذا ؟
المسرح السياسى لم يكن صناعة مصرية
إنما هو محاكاة للمسرح الذي ظهر في أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، فهو مسرح
منقول وقد برع فى هذا النوع كرم مطاوع، وهناك ممثلون لا يصلحون لأن يكونوا منظّرين
أو مفكرين ومن الأفضل لهم أن يمثلوا فقط.
الوسط الثقافي ـ المنتفع ـ يخاف من
آثار الثورة وتوابعها؟
هذا الوسط هو بمثابة منطقة مصورة
وموجود بها أناس بعينهم لكنهم ليسوا واجهة مصر ومنهم فاروق حسنى الذى كان تحت قدم
سوزان مبارك، ومن بعده جابر عصفور نهاية بعماد أبو غازى وليس لهم حديث إلا لا نريد
دولة دينية لكن مدنية فهذا المحيط الثقافي الموظف لا يخصنا فى شيء فثقافة مصر لها
جناحان لا يحدُهما أحد
تعليقات