دارفور: مسلسل لإنهاك دولة أرهقتها النزاعات
عادل صديق :
شهر جمادي الأولى 1428 هـ
رؤى متفاوتة، والغلبة للأقوى ولمن ينفّذ الأجندة الغربية كما يريدون،
هكذا يرى المراقبون المسألة السودانية، فلم تكد تولد الفكرة "الوحدوية"
الوهمية، وتقاسم الثروات مع الجنوبيين، حتى برزت الإثنيات؛ بل قضايا الاضطهاد لذوي
الأصول الأفريقية من ذوي الأصول العربية، وكان الهدف إعادة رسم ملامح الدولة
السودانيه ذات العمق بالنسبة لدولنا العربية.
الكثير من أبناء السودان يحملون أفكاراً عن دولة تحوي الجميع، وتتسع لكافة التوجهات وا كثير من أبناء السودان يحملون أفكاراً عن دولة تحوي الجميع، وتتسع لكافة التوجهات والأعراق - وهذا ما حدث مع الجنوب بالمفاوضات التي أقرت التنمية واقتسام الثروة، وإن كان الاتفاق أعطى فترة انتقالية للجنوبيين لخمس سنوات ثم يتخيرون الحكم الذاتي، أو الفيدرالية، أو الوحدوية! بالطبع الخيارات جردت الحكومة من الكثير الهيبة - تحت الوصاية الدولية - والدولة مضطرة للتسليم - رضيت أم أبت - بالقرار الدولي أو التدخل الدولي، وإن تكررت مرات الرفض المعلن، وبعد ذلك التفاهم ..
دار فور و التصعيد الدولي
قضية دارفور التي تستدعى هذه الأيام، وتصور على أنها مسألة عرقية، تستهدف فيها القبائل ذات الأصول العربية القبائل الأفريقية في تلك المنطقة، هي عنوان آخر من عناوين اللعب على حبال الإثنيات لمزيد من الضغط وإعادة رسم ملامح دولة عربية مثل السودان. السودان العمق العربي في أفريقيا السوداء يتعرض لضغوط كبرى، فما إن جاءت اتفاقية نيفاشا لتعطي الجنوب حقه في تقرير مصيره بعد عدة سنوات، حتى اشتعلت الجبهة الغربية في دارفور لمزيد من الإخضاع والإضعاف وذريعة للتدخل تأتي تحت شعار الإبادة العرقية.
إنها نموذج صارخ لهذا التوظيف رغم كل تلك التنازلات التي قدمتها حكومة البشير إلا أن الضغوط الغربية تتوالى عليها من أجل قبولها بقوات اممية ربما كانت الجسر الذي تعبر عليه فكرة الفيدرالية السودانية لاحقا حتى الدويلات المستقلة وهكذا.
بين الجغرافيا والتاريخ
دارفور جزء من الصحراء الأفريقية، تخلو من الأنهار الدائمة عدا الأودية الموسمية والتي سرعان ما تجف، والأمطار في جنوب وغرب دارفور لمدة خمسة أشهر في السنة تبدأ من شهر يونيو وتنتهي في أكتوبر. وتقل الأمطار كلما اتجهنا إلى شمال دارفور حيث تنتهي حدود الولاية بالصحراء الكبرى.
ولدى دارفور حدود دولية مع ثلاث دول هي: ليبيا، وتشاد، وجمهورية أفريقيا الوسطى وتضاريسها الجغرافية تعكس العديد من السمات الأساسية لهذا الإقليم. فمناطق حشائش السافنا الوسطى الصالحة للزراعة المطرية. وتحد هذه المناطق من الشمال والجنوب أراضي الرعي الشاسعة، أما المناطق الشمالية فإنها تنفتح باتجاه الصحراء التي تحولت تاريخيا إلى طريق رئيسي لدارفور نحو العالم الخارجي بينما كان الجنوب ينفتح نحو المناطق المكتظة بالسكان، والى الشرق منها يقع إقليم كردفان الذي يشكل مع دارفور وحدة جغرافية طبيعية دعمت وحدتها عندما حكم الإقليم كردفان في الفترة ما بين عام 1785 إلى 1821م.
وتسكن الإقليم عرقيات إفريقية وعربية؛ من أهمها "الفور" التي جاءت تسمية الإقليم منها، و"الزغاوة"، و"المساليت"، وقبائل "البقارة" و"الرزيقات". وتمتد جذور بعض هذه المجموعات السكانية إلى دول الجوار، خاصة تشاد وجمهورية أفريقيا الوسطى، وهو إقليم صحراوي قوام حياته الرعي، تفتقر الولايات الثلاث لكافة مقومات المدن، والكهرباء فيها كثيرة الانقطاع. وتسكنها قبائل مسلمة ذوات أصول عربية وغير عربية، يعمل أغلبها بالرعي بنسبة 60%. أما الزراعة فهي بدائية وفي حدود ضيقة، وأغلب الأعمال - حتى البناء - يعتمد فيها اعتماداً كليا على المرأة. ولأبنائهما تاريخ طويل من الصراع حول الأراضي وحقوق الرعي مع الرعاة من القبائل العربية, فإن هذا الصراع لم يظهر بصورة واضحة حتى السبعينات بفضل وجود آليات تقليدية لحل المنازعات, وجدت نتيجة القوانين الموروثة من عهد الإدارة المصرية(1898 -1956). (1
وكانت دارفور في السابق مملكة إسلامية مستقلة تَعاقب على حكمها عدد من السلاطين، كان آخرهم السلطان "علي دينار"، ويحكم في ظل حكومة فيدرالية يحكم فيها زعماء القبائل مناطقهم، وكانت هذه الفيدراليات مستقلة تماما حتى سقطت في الحقبة التركية.
وقد اتجه أهل دارفور خلال الزحف التركي الذي استمر نحو 10 سنوات لأسلوب المقاومة، وشكّل الأمراء والأعيان حكومات ظل كانت مسؤولة عن قيادة جيش دارفور الموحد الذي كان يشن عمليات المقاومة ضد الجيش التركي. كما شهد الإقليم عدة ثورات؛ من أشهرها ثورة السلطان هارون التي دحرها غوردون باشا في العام عام 1877م، وثورة مادبو بمدينة الضعين، وثورة البقّارة. وعند اندلاع الثورة المهدية سارع الأمراء والزعماء لمبايعة المهدي ومناصرته حتى نالت دارفور استقلالها مجددا، ولكن لم يدم الاستقلال طويلا حيث سقط الإقليم تحت حكم المهدية عام 1884م الذي وجد مقاومة عنيفة طيلة عهد حكم المهدي الذي دام ما يزيد على الثلاث عشرة سنة حتى سقطت المهدية عام 1898، فعاد السلطان علي دينار ليحكم دارفور.
السكان
يبلغ عدد سكان إقليم دار فور نحو6.7 مليون نسمة، وجميع سكانه مسلمون "سنّة"، وقد انقسم الإقليم منذ عام 1994م إلى ثلاثة أقاليم متجاورة ومختلطة الأعراق وهي الغرب والشمال والجنوب، و تبلغ نسبة الجماعات الإفريقية نحو60% بينما تبلغ نسبة العرب ال- 40 % الباقية. ويقطن في الريف 75% من سكان دارفور، بينما يمثل الرعاة الرحل حوالي 15%، والباقون يقيمون في بعض المدن، مثل الفاشر، ونيالا، وزالنجي.
انضمت منطقه دارفور إلى السودان عام 1916 وهذا لا يعني أنها لم تكن تابعة للسودان قبل ذلك، حيث إنها خضعت للعهد المصري من خلال الزبير باشا ود رحمة في الفترة من 1884 إلى 1898، ثم دانت للدولة المهدية من 1884 إلى 1898، وبقيت مستقلة كفترة انتقالية قصيرة في الفترة من 1898 إلى 1916 تحت حكم السلطان علي دينار إلى أن عادت للخضوع للحكم الثنائي منذ عام 1916 وحتى استقلال السودان عام 1956.
الجانب الاجتماعي
التنوع الثقافي أهم ما يميز المجتمع في دار فور وهو مستمد من التراث الإفريقي المصبوغ بالنكهة الإسلامية، فيما يتعلق بطرق التعارف والزواج ومختلف العادات والتقاليد التي تنظم الأوضاع الاجتماعية بين كافة القبائل المختلفة التي نجح الإسلام في وضع إطار لتعايشها جميعا، بالرغم من الاختلافات العرقية والمذهبية التي تتميز بها قبائل الإقليم التي يصل عددها إلى أكثر من 30 قبيلة أغلبها ينتمي إلى أصل إفريقي بينما ينتمي بعضها إلى جذور عربية.
وبصرف النظر عن الجذور التي ينتمي إليها الشخص، فإن الجميع يحرصون على الولاء للقبيلة التي ينتمون إليها ويتوارثون عاداتها وتقاليدها جيلا بعد جيل، حتى أصبح الانتماء للقبيلة مقدما على الانتماء للدولة السودانية نفسها، وتختلف بعض العادات من قبيلة إلى أخرى في دارفور حسب ما لدى كل قبيلة من تراث وعادات موروثة؛ فمثلاً بعض القبائل العربية الرعوية ترفض تزويج بناتها خارج أبناء القبيلة، خاصة أن هؤلاء الرعاة تتسم حياتهم بالتنقل والترحال الدائم بحثا عن المرعى والماء، بينما قبائل أخرى تحرص على أن ترتبط بعلاقات مصاهرة مع قبائل عربية أخرى، والزواج والنسب أفضل وسيلة لتوثيق الروابط بين القبائل، لكن الأكثر شيوعًا هو زواج أبناء القبائل العربية من الفتيات ذات الأصول الإفريقية، وهناك زعماء لقبائل إفريقية متزوجون من عربيات، ونفهم من ذلك أن العلائق بين العرب والأفريقيين كانت مترابطة لدرجة كبيرة، وأن الخلاف الذي اشتعلت نيرانه مؤخرا كان لأسباب خارجية، أكثرها سياسي، وخاصة أن المنطقة شهدت تجمعات من الدول المجاورة تغذيها جهات خارجية، وتمدها بالمال والسلاح، وفي الطرف الآخر يوجد تجمعات سودانية بنفس الطريقة، وهذه التجمعات لزمت الولاء للجهة التي قامت باحتضانها وتمويلها لتكون جدارا بشريا حدودياً.
ومن الصعب تحديد الانتماء القبلي في حالة الزواج المختلط؛ حيث يتميز أبناء "الفور" بشدة سواد البشرة، والأنف الصغير المفلطح، وهم أقرب من الزنجية، بينما أبناء القبائل العربية فلهم بشرة سوداء فاتحة في بعض الأحيان، والأنف التقليدي الشائع في السودان، ومع ذلك لن تخطيء العين أن شابًّا قمحي اللون كان ضمن قوة شرطة في مدينة "نيالا"، فتصورت أنه ينتمي لجذور مصرية، لكنه تفاجأ أنّه من قبيلة "الفلاّتة" الإفريقية، بينما من أهل أبناء الجنوب، من له أصول عربية وقد تكون والدته من قبيلة "البرقد" الإفريقية ووالده من "بني هلبة"
إذن الاختلاط كان هو السمت الدائم لسكان دار فور فكما ذكرنا أن خليطا من القبائل العربية والأفريقية جعلت من المنطقة فسيفساء رائعة، عاشت زمنا طويلا سويا يتقاسمون العيش معاً، وإن دبت بينهم بعض الشحناء بسبب المرعى يوما فسرعان ما كان زعماء القبائل يحتوون الخلاف بحكمة الشيوخ، والعودة على جانب حسن الجوار.
الجانب التعليمي
التعليم جانب هام من جوانب التنمية، وهو يرتبط بالتنمية وجوداً وعدماً، فكلما وجهت الإمكانات للتنمية نال التعلم حصته غير منقوصة، ولكن الأهم من ذلك أن يكون التعليم ملبيا لحاجات الإنسان، والمكان من تخصصات، ولم تعدم ولاية دار فور التعليم لا في فترات الاحتلال، ولا الاستقلال، ولكن كان ينتعش التعليم، ورخفت نوره حسب الميزانة التي ترصد، وحسب الأمن المتاح.
التعليم العام والتعليم العالي خرجاً حشوداً من الخريجين. أما خريجو التعليم العام الذين لم يواصلوا تعليمهم فلم ينالوا محو أمية وظيفية تؤهلهم لأعمال فنية ولم يجدوا مشروعات استثمارية تستوعبهم. والذين نالوا تعليما عاليا إذا لم يكونوا من أتباع النظام لم يجدوا فرصا في الخدمة العامة. كثير من هؤلاء استقروا في المدن والعاصمة وآخرون طلبوا حق اللجوء السياسي في أركان العالم الأربعة وصاروا ألسنة احتجاج صارخ حيثما استقر بهم النوى. "إن من يتلقى قسطاً من التعليم يطمح تلقائيا لحياة افضل لا توفرها له سبل الاكتساب التقليدية. أما الذين نالوا تعليماً عالياً ولم يجدوا الفرص المناسبة فإن كثيرا منهم اتجه للعمل السياسي الراديكالي.
الوضع السياسي
تحولت القضية من عرقية إثنية إلى حركة سياسية، ومن قضية داخلية سودانية إلى قضية إقليمية ودولية. وسوف أحصر تناولي للقضية عند مواقف القوى السياسية الرئيسية في السودان والتي أبدت قلقا وانزعاجاً كبيراً من أحداث دارفور، انعكس في الحيز الذي شغلته الأحداث هناك في أدبياتها وفي مؤتمراتها عند التجمع الوطني الذي يجمع كل الطيف السياسي وحزب الأمة بقيادة الصادق المهدي والمؤتمر الشعبي الذي يقوده د. حسن الترابي.
أصبحت مطروحة في جانب منها كقضية صدام عرقي وقبلي مسلح. وتحت وطأة التدخل السياسي والعسكري من جانب الدولة اتخذت شكلا من أشكال العنف ومن ثم الاستقطاب الحاد بين العناصر الإثنية المكونة للإقليم مما بات يهدد بتفجر الموقف في كل دارفور. الاستقطاب الحاد والعمل المسلح من جانب الدولة قاد إلى بروز كيانات سياسية مسلحة ممثلة في تنظيمين رئيسيين هما حركة تحرير السودان وحركة العدل والمساواة.
ولكن على الإجمال كانت القوى السياسية يسطر عليها المصالح السياسية، وتتبنى جميعا المشكلات السياسية، فإذا كان الأمر لها تعرضت لانتقادات حادة من المناوئين ومن القوى والأحزاب الأخرى، ففي السودان جميعا مشكلات مستعصية من عدم استثمار مقدراته، وذهاب دخل الدولة للنهوض بالمدن على غرار دول العالم الثالث، والانشغال بالحروب الداخلية، ومحاولة السيطرة حربا أو سلما على الجبهات التي تهدد الاستقرار، وعدم الرضا الخارجي على السودان مما يؤدي لضغوط دولية بإيعاز من أمريكا.
أما الأحزاب الداخلية الرئيسية فهي فئات نخبوية كانت تعيش غالب قياداتها في الخارج، أو تعيش في الداخل تحاول إيجاد تكتلات مسلحة للضغط على الحكومات من قبل الأطراف سواء الجنوب الذي ينعم بتسوية مع الحكومة، أو الشرق الذي سعت الحكومة لإيجاد خطوط تواصل مع أريتريا التي كان لها يد في إثارة القلاقل لدى شرق السودان.
فقد عاش السودان في ازمات متعاقبة بسبب إقليم دار فور، مع السعي الدولي للتدخل، والرفض المقابل من قبل الحكومة، وازدياد الضغوط مما يؤدي إلى تنازل وئيد، وتحميل القوات الدولية على الاتحاد الأفريقي أخيراً.
أظهرت القوى السياسية على الساحة السودانية - أثناء ذلك - اهتماما بدار فور كمادة للتحدث عنها، أو على أجندة العمل الوطني الذي ينادي به الجميع، والذي تنادي به القوى الدولية ذاتها، مع التغاضي عن أسباب الأزمة الرئيسية من تواجد فاعل فرنسي أمريكي، وتدخلات، ودعم للمتمردين وكل ذلك عبر الحدود ليظل دار فور في غليان دائم.
كانت هناك محاولات لإيقاف الخلاف بين دول الجوار " تشاد - السودان " من قبل ليبيا، ولكن تعثرت الاتفاقات، ولم تفعل ثم كان الاتفاق التصالحي الذي رعاه العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز في الرياض الخميس في 3 مايو 2007 بين الرئيس السوداني "عمر البشير" والتشادي "ادريس ديبي"
يفترض أن يضع حدًا للتوتر في العلاقات بين البلدين، والذي نص على احترام كلٍ من الطرفين سيادة الآخر وعدم التدخل بشؤونه الداخلية، وذلك تحت عنوان " اتفاق ثنائي لتطوير وتعزيز العلاقات بين جمهورية السودان وجمهورية تشاد"، هذا اللقاء يعد تتويجاً للمصالحة السودانية التشادية.
لقد تبنت الأحزاب يوما دار فور كصدام عرقي إثني، ثم حصل الانقلاب في تبني القضية التي تحولت بقدرة قادر إلى مطالب سياسية، وشراكة في المقدرات - على غرار ما حدث مع جنوب السودان، ومن قضية داخلية سودانية إلى قضية إقليمية ودولية. لقد القوى السياسية قلقا وانزعاجا كبيرا من أحداث دارفور، انعكس في الحيز الذي شغلته الأحداث هناك في أدبياتها وفي مؤتمراتها عند "التجمع الوطني" الذي يجمع كل الطيف السياسي و"حزب الأمة" بقيادة الصادق المهدي و"المؤتمر الشعبي" الذي يقوده د. حسن الترابي والذي انتقل من المشاركة إلى صفوف المعارضة.
التجمع الوطني
في أجندة التجمع الوطني الديمقراطي الذي يضم القوى المعارضة للحكومة السودانيية ففي يوليو 2005 شاركت "حركة تحرير السودان" من دارفور لأول مرة في اجتماعات التجمع وكانت المطالب متمثلة في إنهاء الحرب وإحداث التحول الديمقراطي وخلق نظام لامركزي ينقل السلطة من المركز إلى الولايات بصورة تنتهي معها ظاهرة "التهميش" الذي يعد سببا مباشرا يذكي نار الحرب وطالب الجميع ب- "تسوية سياسية عادلة وعاجلة للأزمة" اعتمادا لبروتوكول نيفاشا.
المؤتمر الشعبي
يرى المؤتمر الشعبي بزعامة الدكتور "حسن الترابي" أن الحكومة تبنت خطة تنقل بموجبها الآلة العسكرية من الجنوب بعد توقيع اتفاق السلام إلى دارفور ومناطق الصراع الأخرى "المناطق المهمشة" في غرب السودان وشرقه، وترى من ذلك "لامبالاة وعدم جدية". كما يوجه المؤتمر الشعبي نقدا شديدا للحكومة ذاكرا أن السياسة القمعية التي سلكتها الحكومة في علاج القضية هي التي أدت إلى هذا الواقع المأساوي. وتكاد تتطابق مطالبه لحل الأزمة مع بقية الأحزاب في التجمع وحتى حزب الأمة، وذلك من زاوية المطالبة بالحريات السياسية وإشراك القوى السياسية الأخرى في حل القضية والإصلاح والتعويض للمتضررين... ويقول د. خليل إبراهيم رئيس حركة العدل والمساواة التي تعد من روافد المؤتمر الشعبي بحسب تصنيف القوى السياسية السودانية، في هذا الصدد إنهم حركة ضد التهميش وهيمنة مجموعات بعينها على السلطة والثروة في البلد ، وإنهم كحركة يقفون مع وحدة السودان.
حزب الأمة ودارفور
ولا يكاد حزب الأمة يختلف عن بقية الأحزاب والقوى السياسية من حيث إدانته للوضع المتردي ورفضه أسلوب العنف والتصعيد العسكري وتأييد الإصلاح الجذري. ويختصر حزب الأمة المطلوب عمله لمواجهة الوضع بدارفور في عدة نقاط أبرزها دعوته للاعتراف بالأخطاء السياسية من الخلل في التوازن التنموي وتسييس الجهاز الإداري الأهلي وتحويلهما إلى ذراع حزبي وأمني، وكذلك التفريط في مسألة التسليح والتدريب مما أدى إلى الانفلات الأمني، وعدم التصدي للفساد كظاهرة. ويدعو حزب الأمة إلى التسليم بحقائق موضوعية مثل الحقوق المشروعة للمزارعين والرعاة مع ضرورة الحياد وكفاءة الإدارة المدنية والأهلية، ويذهب لحد الدعوة إلى إعفاء حكام الولايات الحاليين وتعيين ولاة جدد من ذوي الكفاءة، والدعوة إلى مؤتمر جامع يمثل كل القوى السياسية التي كانت ممثلة في الجمعية التأسيسية المنتخبة عام 1986 وكذلك القوى التي أفرزتها المقاومة المسلحة للنظر في قسمة السلطة المركزية كأساس للتوازن لكل السودان. هذا إلى جانب كيفية إزالة آثار ثقافة العنف ومشروع نزع السلاح وإعادة الانضباط، ووضع خارطة استثمارية تعالج صراع الموارد.
الجانب الاقتصادي
كان بروز سلطنة "الفور" التي استمر وجودها فترة طويلة مما أدى إلى منح الإقليم سمة خاصة عبر تاريخه تمثلت في وجود وحدة سياسية برزت من خلال ظهور بيئة ثقافية اجتماعية ميزته عن باقي أقاليم السودان رغما عن اختلاف أعراقه.
وقد ظل إقليم دارفور يعاني من الإهمال طوال فترات الحكم الاستعماري البريطاني والحكومات الوطنية بجميع إشكالها المدنية منها والعسكرية، فقد تعامل البريطانيون بحذر مع دارفور وعملوا على تهميش الإقليم وعزله من خلال ما كان يعرف بسياسات المناطق المغلقة وذلك خشية انتشار روح التمرد والنزعة الاستقلالية التي كانت تسوده حيث شهدت دارفور عدة انتفاضات حينها.
ولم يكن وضع دارفور أفضل خلال عهد الحكومات الوطنية حيث فشلت النخب السياسية المدنية والعسكرية في معالجة قضايا الإقليم، وغاب عن سياساتها أي تصور تنموي أو اهتمام بتطوير البنية التحتية له، وقد صحب هذا الإهمال حدوث التدهور البيئي الذي ضرب دارفور كجزء من التدهور العام البيئي الذي أصاب منطقة السهل الإفريقي. ومما زاد الأمر صعوبة الزيادة المتنامية لسكان الإقليم ولرؤوس المواشي، مما قاد إلى بروز كارثة بيئية خطيرة ظلت مستمرة منذ أوائل سبعينات القرن الماضي، والى يومنا هذا، وبالطبع لا يجب إلقاء اللوم على حكومة البشير التي تعاني من حصار اقتصادي، وتدخلات خارجية من الجنوب، والشرق والغرب، وأجندة جاهزة بتفتيت أرض السودان إلى دويلات على غرار ما يحدث في العراق.
وقد أدت الظواهر الطبيعية مثل الجفاف والتصحر إلى حدوث هجرات واسعة من شمال الإقليم الصحراوي، واندفاع القبائل الرعوية إلى وسط وجنوب دارفور، ونتج عن تدفقات الهجرة هذه اختلال عميق ألقى بأعباء جديدة على البيئة المحلية، فقد اضطرت القبائل الرعوية إلى دخول حدود القبائل الأخرى المستقرة التي تعتمد على الزراعة، وترتب على ذلك حدوث احتكاكات تطورت إلى معارك راحت العديد من السلطات ضحايا لها. (
وبالطبع كان للصراع الدائر بين الحكومة والجنوب دور كبير في هذا الخلل، فقد كانت مقدرات الدولة خلال أكثر من عقدين من الزمن موجهة ميزانية الحرب مع القبائل الجنوبية، مما أثر على الجانب التنموي في السودان ككل، وتنحي المعارضة السودانية باللائمة على الحكومة التي عانت من حصار اقتصادي طيلة فترة الحرب ن ومحاولة إرساء النظام.
النزاع بين السكان
سجل تاريخ دار فور الحديث عشرات النزاعات داخل القبائل وفيما بينها. هذه النزاعات شملت 22 قبيلة وعقدت لحلها مؤتمرات الصلح. أحصى زهير محمد بشار انعقاد 39 مؤتمر صلح في الفترة 1924م - 2003م.. هذه النزاعات تؤكد قوة العصبيات القبلية وشدة تأثيرها في العلاقات بين المواطنين. المؤتمرات التي عقدت تناولت الخلافات الإدارية - وسلطات الإدارات الأهلية - والعداوات الثأرية بين القبائل - والخلافات حول المصالح المعيشية.
كانت هناك نزاعات تقليدية على الموارد الشحيحة خاصة في المناطق الشمالية في دار فور التي تعرضت لجفاف تسبب في نزوح كثير من القبائل الشمالية جنوبا وكان أهم نزوح في هذا المجال نزوح القبائل الأبالة إلى مناطق جبل مرة ونزوح قبائل الزغاوة إلى جنوب دار فور. أراضي جبل مرة تتوافر فيها المياه والمراعي طول السنة ولكنها حوا كير لقبيلة الفور وهم يزرعونها. الرزيقات الشمال وبطونهم: الماهرية - المحاميد - العريقات - العطيفات - الزبلات - شطية، نزحوا إلى مناطق حول جبل مرة حيث نازعوا أهلها من الفور كما نزحوا غربا نحو الجنينة حيث نازعوا أهلها من قبيلة المساليت .
أما قبائل الزغاوة فتمتهن الزراعة وأجبرها الجفاف للنزوح جنوبا في أراضي يسكنها الرزيقات الجنوب وهناك وقعت نزاعات بلغت حد الاقتتال في العام 1996م، وأيضا قبائل الزغاوة التي تمتهن الزراعة وأجبرها الجفاف للنزوح جنوبا في أراضي يسكنها الرزيقات في الجنوب وهناك وقعت نزاعات بلغت حد الاقتتال في عام 1996م كان هذا قبل النزاعات، وموجات القحط، والتنقل الدائم شيئاً متاحاً، حيث يتشاركون في كل شيء، ولكن الوضع يختلف الآن، ولعله لا يستمر طويلا حتى تعود الوتيرة إلى سابق عهدها. (
جذور الصراع
ظاهرة النهب المسلح ظهرت على أيدي جماعات من أصل قبيلة الزغاوة الذين شردهم الجفاف. وجماعات من أصل عربي شردها الجفاف وركزت على مناطق جبل مرة. سطو مسلح تمارسه جماعات من أصل تشادي وحيثما يضعف الأمن والنظام في تشاد تتأثر المناطق المجاورة سلبا في أمنها ونظامها. كما أن آثار الحرب الليبية التشادية - حدثت محاولة ليأذن السودان في عملياتها الحربية ولكن الحكومة السودانية لم توافق على ذلك مما سبب بعض التوتر في العلاقات. ولكن مع ذلك فإن بعض آثار تلك الحرب المؤسفة امتدت نحو دار فور.
كما أن تدفق بعض قبائل دول الجوار نحو إقليم دار فور، هؤلاء هاجروا للإقليم وأحدثوا بهجرتهم كثيرا من المشاكل ودخلوا طرفا في النهب المسلح كما دخلوا طرفا في النزاع بين أصحاب الحوا كير من القبائل السودانية والوافدين عليهم. هذا التدفق بدأ منذ الثمانينات، وأحصى يوسف تكنة في عام 1997م دخول 27 قبيلة من العرب مربيي الماشية من خارج السودان واستقرارهم في منطقة الجنينة وحدها. (4
وفي التاريخ كانت النزاعات قائمة وكلها على مصادر المياه أو الخلافات القبلية، ولكن الآن تدخل الخلاف السياسي، فكثير من أبناء القبائل ينتمون لتكتلات سياسية أو جزبية أشعلت نيران الخلاف الذي لم يكن معقدا قديماً، وظهرت في الإقليم العديد من القوى التي تحرض بإيعاز داخلي أو خارجي على حمل السلاح، وأصبحت كلمة شيوخ القبائل
غير فاعلة كما كانت قديماً.
إذن الأزمة لم تبدأ في صيف 2003، كخلاف بين ذوي الأصول العربية، والأصول
الأفريقية بل تعود لثلاثة عقود، والمسؤول الحقيقي عن إثارة الأزمة في الإقليم منذ انقلاب مايو 1969، هي الحكومات منذ عهد الرئيس السابق جعفر محمد نميري الذي كان متأثرا بالأفكار القومية الاشتراكية حينها وعمد إلى تفتيت الإدارة الأهلية القبلية
القديمة في دارفور، منذ استقلال السودان1956م.
السودان اليوم يمثل الدولة الأكبر مساحة في أفريقيا، وتسكنه ديانات وقبائل متعددة. وإقليم دارفور وحده يمثل خمس مساحة السودان وفيه أكثر من 30 قبيلة وأكثر من 14لغة ولهجة محلية. والسودان كأي بلد أفريقي يعاني من المشكلات القديمة التي عانتها بلدان أخرى وهي: انعدام التنمية، ونقص الموارد الطبيعية، والتصحر، والجفاف الكبير الذي يقود قبائل كبيرة إلى الهجرة من منطقة إلى أخرى وإلى الصراع مع بعضها البعض على المراعي أو على الأرض. ويلخص الخبراء ثلاثة مظاهر للأزمة في شرق ووسط أفريقيا، أولاها: غياب الحقوق السياسية والاجتماعية لبعض الفئات الاجتماعية على أساس ديني أو عرقي إلى الدرجة التي يمكن اعتبار هذه الفئات معزولة تماماً عن البلد الذي تعيش فيه، ثم يتم استغلالها من قبل حركات تمرد تبني خطابها الأيدلوجي والحركي على استعادة الهوية الدينية أو العرقية أو القومية لتلك الفئات المهمشة. وأخيراً، يتم تحريك هذه الفئات الاجتماعية وأغلبها فئات اجتماعية بسيطة - فلاحين ورعاة - وتجنيدها في حرب - ذات بعد عرقي أو اجتماعي - طويلة المدى. (
ولا يملك سكان المنطقة إلا معرفة قليلة بخصوص ما يحدث، فحين اندلعت الأزمة ظن الكثيرون أنها مواجهة عسكرية ما بين الحكومة ومجموعة من الثوار المسلحين والذين تمولهم جهات خارجية أجنبية بهدف إسقاط الحكومة أو استقلال الإقليم.
كان النقد موجها تجاه الحركات المسلحة كبيراً خصوصاً وأن الأخبار وقتها كانت تردد مشاركة بعض العسكريين السابقين في الجيش السوداني، ولكن الأمور أخذت منحنى مختلفاً حين دارت الشبهات حول ارتباط حركة العدل والمساواة بالمؤتمر الشعبي - حسن الترابي - ، وكان الخوف يساور الكثيرين في أن يتخذ الترابي من أزمة دارفور أداة للعودة للسلطة بالخرطوم على حساب شريكه السابق حزب المؤتمر الوطني الحاكم. أما الحكومة فكانت ترفض الحوار والتفاوض مع المجموعات المسلحة في دارفور - أبرزها جيش تحرير السودان وحركة العدل والمساواة - ، وظلت الحكومة ترفض تصوير الصراع بوصفه تمرداً إقليمياً، بل كانت تسميه ب- "اعتداءات قطاع الطرق"، ثم حين ازدادت حدّة الصراع أطلقت عليه وصف "الحرب القبلية" في غرب السودان، وحاولت الحكومة مراراً ربط التمرد بأجندة داخلية وخارجية بدءاً من اتهام الحركة الشعبية لتحرير السودان - التي عقدت معها اتفاقية سلام لإنهاء الصراع في الجنوب - والمؤتمر الشعبي، وانتهاء باتهام تشاد وإريتريا وإسرائيل والولايات المتحدة جميعاً بالاشتراك بمخطط عام لتقسيم السودان. (
بعض من يعتقدون في نظرية المؤامرة يرون أن التدخل الغربي بالإضافة لإسرائيل التي تعمل أصابعها في الخفاء كمرتزقة ينوبون عن أمريكا ليحول أولئك دون صفقة بترولية بين السودان والصين، لأن دخولها إيذان للدخول في مناطق نفوذ محرمة تسعى أمريكا من خلالها للسيطرة على النفط في المنطقة، بالطبع - في المنطقة العربية - دعم القوميون واليساريون العرب هذه المزاعم تحت ذريعة أن الدول الغربية تريد التدخل في السودان للحيلولة دون إتمام صفقات النفط الصينية - السودانية، ومحاصرة توسع الاستثمار الصيني الزاحف على أفريقيا.
أما الإسلاميون فكان موقف بعضهم في البداية دعم حركة التمرد، ولكن حين دب الخلاف ما بين الترابي وزعامات الإسلام السياسي حول فتاواه المثيرة للجدل مؤخراً وتقاربت حركة العدل والمساواة مع حركات مسلحة إثنية علمانية أخرى، انقلبوا ضد التمرد وأيدوا مزاعم الحكومة السودانية بنية أمريكية لتقسيم السودان واحتلاله بعد العراق، وكذلك انضمت إيران في تحالف مثير للجدل مع السودان ضد مساعي مجلس الأمن لحفظ الأمن في الإقليم. وحين توالت أخبار المذابح في دارفور أنكر بعض الإسلاميين ذلك وادعوا أنها مبالغات الجماعات التبشيرية المسيحية واللوبي اليهودي في أمريكا الذي يسعى لاستغلال الأزمة، ولكنهم في المقابل لم يسألوا عن الضحايا، بل طالب البعض منهم بفتح جبهة جهادية هناك فيما لو قدمت قوات الأمم المتحدة لحماية الإقليم .
الجنجويد في الصراع
نشأت مليشيا الجنجويد التي تتهم بأنها الذراع العسكري للقبائل العربية، أو أن الحكومة السودانية هي التي أقامت تنظيمهم ودعمتهم، ثم عندما كثرت تجاوزاتهم من قتل وتشريد للقبائل التي استوطنت المنطقة تبرات منهم خشية الاتهام بدعم العنف، أو كانت في الأصل تحالفا عربيا للحد من نفوذ الشماليين بدارفور وهو أمر دأبت تلك القبائل العربية على نفيه، كما تنفي الحكومة السودانية علاقتها بهم، لكن بعض المراقبين يردون نشأة الجنجويد إلى الحرب التشادية - التشادية في حقبة الثمانينات حين واجه الرئيس التشادي الحالي "إدريس ديبي" خصمه "حسين حبري"، فجنّد كل طرف بعض المليشيات من أبناء القبائل العربية القاطنة بشرق تشاد فبرزت مليشيا الجنجويد.
(7ينقسم الجنجويد إلى قسمين: قسم أصغر بشمال دارفور يتكون من عدة مليشيات تابعة للقبائل العربية أو الأبّالة وهي التي تمتهن تربية الإبل. وتذكر بعض المصادر أن جنجويد الشمال استباحوا مدينة كتم في أغسطس 2003. ويتركز القسم الأكبر من الجنجويد بجنوب دارفور وهم من أبناء القبائل العربية المعروفة بالبقارة أي التي يغلب عليها تربية البقر ويقدر عددهم بأكثر من 5 آلاف مسلح. يتحصنون بجبل كرقوا بأقصى جنوب غرب دارفور.
وتتهم مليشيا الجنجويد بأنها شاركت إلى جانب قوات الجيش السوداني في حملاته على القوات المدعومة من الخارج - وهو ما تنفيه الحكومة وتدعيه المعارضة - في الحملة ضد المهندس "داؤود يحيى بولاد" - من قبيلة الفور - وقد قاد تمردا عام 1991 متعاوناً مع جون قرنق زعيم الحركة الشعبية ومنشقا عن الجبهة القومية الإسلامية بزعامة حسن الترابي، وقد قمعت حملته وأسر وقتل.
إذن ما بين الادعاء والنفي تبقى الحقيقة غائبة، ولكن الواقع أن دورهم كان كبيراً بالاشتراك مع الميليشيات المدعومة من الخارج في إثارة القلاقل التي راح ضحيتها مئات آلاف من القتلى والجرحى والمشردين الذين يتوزعون على الدول المجاورة، ويشكلون عبئا على المناطق الحدودية، وما يثيرونه من مشكلات مستعصية على مصادر المياه، والدعم الإغاثي الذي لا يزال محدوداً، والتردد من قبل الحكومة السودانية التي ترفض تدخلاً غربياً لحماية الجهود الإغاثية، وأن هذا فيه مساس بسيادتها وتجيير عمل الحماية لقوات الاتحاد الإفريقي التي ارتدت زيّ القوات الدولية.
التأثير الديني
ويدين سكان دارفور رغم الاختلاف العرقي والثقافي الذي اشرنا بالإسلام وقد تأسست في الإقليم تاريخيا مجتمعا مستقلا منذ فترة بعيدة وقامت فيه ممالك مزدهرة من أهمها سلطنة الفور التي استمرت في الوجود منذ القرن الخامس عشر الميلادي، وسقطت في أواخر القرن التاسع عشر نتيجة الحملات التركية وبعدها ضغوط قوات المهدية. ثم عادت سلطنة إسلامية 1898 واستمرت حتى سقوطها النهائي في عام، 1916 ثم المصري الذي كان في واقع الأمر تحت السيطرة البريطانية . (
تأثر إقليم دارفور بالإسلام والثقافة الإسلامية قبل دخول المستعمرين؛ فأقيمت المدارس الدينية لتعليم القرآن والشريعة الإسلامية، وتم إرسال العديد من أبناء الإقليم إلى الدراسة في الأزهر الشريف؛ حيث خصص "رواق دارفور" منذ تلك الفترة، ويذكر التاريخ عن السلطان علي دينار أنه كان يكسو الكعبة المشرّفة سنويا، ويوفر الطعام لأعداد كبيرة من حجاج بيت الله الحرام، فيما يعرف ب-"قدح السلطان علي دينار" أو "أبيار علي"، ومن مظاهر الحياة الإسلامية أن تجد كثيرا من الخلاوي التي تهتم بالتعليم الديني، وتحفيظ القرآن وتجد الخلاوي تجمع العرب والإفريقيين رغم المعاناة التي يحياها الجميع.
ولكن تظل المعاناة من تأثير الاضطرابات تصيب الجميع ومنهم أهل القرآن وحفاظه، وعمار الخلوات وناشري الإسلام في أصقاع إفريقيا المختلفة، من أهل دارفور العزيزة الذين يجمع بينهم الإسلام، ويوحدهم اللسان العربي المبين على اختلاف أصولهم القبلية ذات التاريخ والفضل والشرف كما شهد بذلك وفد الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الذي يسعى لإصلاح ذات البين هناك.أصابع التنصير
يجب ألا يقف العالم موقف المتفرج طويلا على أبشع صور الموت جوعاً والاغتصاب للنساء، والقتل المنظم للرجال، من قبل جماعات الجنجويد، والقوات المتمردة في صراعها مع الحكومة السودانية، في ظل عدم وجود الإرادة السياسية والشجاعة الكافية لاتخاذ قرار حتى لا يتكرر ما حدث في رواندا مرة أخرى في حقبة التسعينات من مذابح كانت بين بروندي ورواندا" اللورد ألدرالدرديس ، بهذه الكلمات كان هذا النداء الغربي " الرحيم "عن دارفور التي تعاني، لندرك مدى أهمية "دارفور" التي كان يرجى لها أن تسهم في المد الإسلامي في أفريقيا، ولكن تدخلت عوامل عدة لتحول دون ذلك، فالتواجد الأجنبي لا حدود له، وكله يعمل تحت مظلة الأمم المتحدة، وهناك كمٌ كبير من الكنائس تعمل في الإقليم التي يشكل 20 بالمائة من مساحة السودان، ومما يجدر ذكره أن كافة سكان الإقليم من المسلمين.
ووسط مؤشرات تقسيم السودان وإن كانت الحكومة تسعى لمبادرات سلام على غرار ما حدث مع الجنوب، وإن كانت بروتوكولات الاتفاقات جعلت التفكك هو الأرجح، فالكثيرون من المفاوضين عن المناطق السودانية التي تعاني النزاع "جيء بهم" ولديهم أفكار مسبقة لفرضيات كثيرة على رأسها الحكم الذاتي أو الانفصال عن جسم الدولة عاجلا أو آجلا، لقد كان الحفاظ على وحدة السودان أضعفها، وأوسطها علاقة فيدرالية ما، وهذا ما يحدث أيضا في العراق، وما يسعون لفعله في القرن الأفريقي.
والوسائل في ذلك كثيرة نرى أن أقواها أثرا تقديم المساعدات الإنسانية" غذائية - علاجية - تعليمية - تنموية " من قبل الكنائس المختلفة، وبأساليب "غزو ناعم" ، فقد دأبت أمريكا على ضغطا على مجلس الأمن لإدخال قوات أممية للسودان، وسعت لتهويل ما يحدث من تداعيات للصراع الذي لا يزال مشتعلا، وهو تسعى طوعية هيئات محايدة لإثباته متعاونة مع الحكومة السودانية، ولا تنكر الحكومة وجود تجاوزات خطيرة، بل تعاملت معها بإحالة الجناة إلى القضاء السوداني، مع رفض الحكومة تسليم هؤلاء الجناة للمحاكمة خارج السودان لما في ذلك من المساس بسيادة الدولة.
كان التدخل في الشأن السوداني لأهداف إستراتيجية - كما ذكر الدكتور "محمد الأمين دفع الله" مسؤول صندوق إعمار جنوب السودان سابقاً - أن التدخل الأجنبي الذي تسعى أمريكا ودول أوروبية للقيام به في دارفور تحت غطاء الأمم المتحدة له أهداف أخرى تتمثل في السعي لتنصير هذه المنطقة الاستراتيجية والسيطرة على مقدراتها. فأمريكا تريد أن تستعبد العالم الإسلامي - كما ذكر " الأمين " وتريد ايضا أن تفصل العالم المسلم الإفريقي عن باقي القارة الإفريقية خوفاً من انتشار الدين الإسلامي في المنطقة وساعدتها الصهيونية العالمية.
وأكد الدكتور "الأمين" أنه لا يوجد أي داع لهذا التدخل الأممي، وإن كانت قبلت السودان قوات أفريقية تحت مظلة الأمم المتحدة لدعم حماية المعونات، لأن النزاع في دارفور يعد قضية داخلية، والسودان يسعي مع جيرانه وأصدقائه لحلها عن طريق الحوار - كما استجاب لدعوة خادم الحرمين لإرساء اتفاق سلام في مايو 2007 مع الدولة الجارة تشاد - وكما حدث من قبل في حل قضية الجنوب التي تعقدت لأكثر من عشرين عاماً والتي كانت أشد تعقيدا أكثر من قضية دارفور.
تنبع غرابة قضية دارفور أن المشكلة تفاعلت بطريقة غير مفهومة وسريعة وبشكل مريب، ويدلل على ذلك التسارع في القرارات كما صرح "جون دانفورث" مندوب واشنطن لدى الأمم المتحدة عقب صدور قرار مجلس الأمن الذي تُبُني بغالبية 13 صوتاً في العام 2004 م للقرار الذي قدمته الولايات المتحدة وبريطانيا والذي أمهل الحكومة السودانية مدة 30 يوماً لتسوية أزمة دارفور، وإلا واجهت عقوبات دولية في حال عدم الوفاء بالتزاماتها خلال المهلة الزمنية المذكورة والحشد الدولي التي تتبارى فيه أمريكا، وفرنسا وبريطانيا عن طريق تشاد وتبارى المسؤولون في أوروبا وأمريكا في التصريحات والقدوم على المنطقة والإدلاء بما في جعبتهم، وتجييش الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة لإيجاد موطئ قدم لها.
المراقبون انقسموا: لماذا يحدث ما يحدث؟ هل ما يجري بالفعل من قبيل الإغاثة والتعاطف مع مشكلة إنسانية، أم هو جزء من مخطط الشرق الأوسط الكبير؟..... هل هو تنافس على الثروات من نفط ويورانيوم وغيره، أم هي رغبة منظمات تنصيرية تريد تغيير عقيدة منطقة سلمت قيادها للإسلام منذ قرون طويلة؟ ولكن هناك أيضاً من يفسر ما جرى على أنه ميدان آخر للتنافس الفرنسي الأمريكي على مناطق النفوذ والثروات في أفريقيا، هذا السؤال يشغل بال كثير من المحللين، وقد عبر عن هذه الحيرة وزير الخارجية السوداني "مصطفى عثمان إسماعيل"، وإن كان لا يميل إلى القول بأن هناك تدخلا دوليا بقيادة أمريكية في السودان .
ولمعرفة حقيقة التهديدات الأمريكية والدور الأمريكي في هذه الأزمة لا بد من تتبع أهداف السياسة الأمريكية في العالم، ومن ثم الاستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط واستراتيجيتها في أفريقيا؛ حيث تتقاطع الاستراتيجيتان في السودان، ومن ثم يمكن عن طريق ذلك محاولة استكشاف القوانين التي تجري عليها الأمور في هذا البلد، كما يمكن محاولة تتبع مسار المشكلة مستقبلاً.
هناك بعد استراتيجي غربي صهيوني ويعمل الجميع على تنفيذه، ويجد الآن ضالته في حال ضعف العالم الإسلامي والعربي، والانفراد الأمريكي بحكم العالم، مع مساندة الدول التي تسمى ب- "العظمى" لتنفيذ المخطط الصهيوني.
وليست مفاجأة أن تتسلل منظمات التنصير إلى مناطق الأزمات ومنها دار فور، تحت غطاء طلقات الرصاص وأعمال العنف المتبادل بين متمردي الإقليم - والراغبين بإيعاز غربي في فصل جزء من الجسد السودان الذي يشكل خُمس مساحته - وبين القوات الحكومية السودانية، وبدأت تركيز جهودها، خاصةً في مخيمات اللاجئين الذين شردتهم الحرب، حتى إن عدد منظمات التنصير في الإقليم وصلت إلى نحو 30 منظمة، تعمل تحت ستار المنظمات الإنسانية.
وقد أعلنت منظمة Caritas "كاريتاس" العالمية الكاثوليكية صراحةً أنها تستهدف 125 ألف مسلم في دارفور، وهو الإقليم الذي لا توجد به كنيسة واحدة، ونسبة المسلمين فيه 100%.
وزعم "دونكان ماكلارين" - أمين عام المنظمة أن هناك مليون شخص في "دارفور" معرَّضون للموت، وفي حاجة إلى الحماية، وهذا العدد الضخم يعد صيداً سهلاً لمنظمات التنصير، واعترفت "هيئة المعونة النرويجية الكنسية" بأنها ترعى أكثر من 45 ألف لاجئ من دارفور، في ثلاثة معسكرات في تشاد، وبالطبع يخضعون لسيل من الأفكار التنصيرية. وبالطبع هذا التوجّه سافر تتضح فيه نبرة التحدي المعتادة، وتحت ستار العمل الخير، بخلاف ما تعلنه "السياسات الناعمة" .
تعليقات