قراءة في كتاب "صناعة الشباب "عنوان ملفت، ومثير للتساؤل،ويذكرنا الاسم أيضا بـ "صناعة الفقيه"، ولكن عبقرية الاختيار في "صناعة الشباب" أنه لم يسبق أحد إلى العنوان
صناعة الشباب
عنوان
ملفت، ومثير للتساؤل،وراءه ألف سؤال، والكثير من الفضول، ويذكرنا الاسم أيضا بـ
"صناعة الفقيه"، وبـ "صناعة النجوم" في المجال الإعلامي وغيرها
من المصطلحات، ولكن عبقرية الاختيار في "صناعة الشباب" أنه لم يسبق أحد إلى
العنوان، وإن كنت أستشعر الاقتباس من كتاب الله من القول الحكيم (وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ
مَحَبَّةً مِّنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي) 39ـ سورة طـه
وإن كان العنوان
لأول وهلة يعطي إيحاء بالتنمية البشرية، وكيفية التفوق في تسخير قواهم التي وهبها الله
لهم في وقت يحتاج الناس لإمكاناتهم وجهودهم.
وصناعة
الشباب للمؤلف "الدكتور محمد سعيد حوّى"، ابن العالم الجليل سعيد حوى ـ رحمه الله ـ وضع
يده على جرح الأمّة في كتابه الذي بين أيدينا " صناعة الشباب"، فالأمة فجعت
في أعزّ ما تملك، لتصير أمة بلا مستقبل كما يراد لها ـ إن لم يتداركها الله برحمته
ـ ويسارع الدعاة إلى الله والعلماء؛ ليس هؤلاء فقط بل واجب كافة المخلصين في هذه الأمة
لرأب الصدع، وردّ كيد الخائنين .
فقد
فجعت في شبابها على أثر التذويب الممنهج لشبابها
يدير رحاه الإعلام الموجّه أو الموالي للعولمة، وتسويد ثقافة الأقوى، أو كما يقول الكاتب
والإعلامي إدريس الكنبوري:" نعيش في وضع المستقبل والمتلقي للطرح الإعلامي التغريبي،
لا في وضع المرسل والباعث، إننا نتلقى البث الإعلامي ولا نصدّره، وفي وضع كهذا تتزايد
فرص "الاختراق الثقافي".
وتضيق مساحة الرؤية لدى جيل الشباب العربي، ويصبح
للإعلام المعاصر الدور الأكبر في تشكيل وعي هذا الجيل، خصوصا في غياب البدائل الكفيلة
بحفظ التوازن لديه، بين الارتباط بالهوية، والانسياق خلف البهرج الإعلامي الحديث"
أو كما يقول الدكتور ناصر العمر الداعية الإسلامي عن عولمة كل شيء لدينا ، وتأثر الشباب
بالذات :" فنجاح مروجي ثقافاتهم واقتصادياتهم وسياساتهم بل وحروبهم، كان من أعظم
أسبابه نجاحهم في عولمة إعلامهم ".
ومصطلح
العولمة Globalizationـ في
ترجمته ـ يحاول الغربيون أن يقنعوا أبناء العالم الثالث ـ والمسلمون منهم ـ بضرورة
التقارب بين الشعوب، وهذا شعار حسَنٌ نادى به القرآن (
يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا
وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ
عَلِيمٌ خَبِيرٌ) 13ـ سورة الحجر، فأنّ العالم يتقارب في هذا العصرـ مكانا وزمانا
ـ ، ومن الضروري أنْ يحدث تفاهم ولغة حوار تقنع أبناء العالم الثالث بأنه لابد للبشرية
أن تكون يدا واحدة، تتمتع بالقدر الأكبر من الحرية والمساواة، والكثير من أحلام وطموحات
أبناء العالم الثالث الذين لديهم إحساس بالدونية ويتمنون أن يكونوا في عداد هذا العالم
الحلم نظرَا لأنهم في ذيل ركب الحضارة.
وهذا شيء حسن ولكن العولمة مصطلح مهذَّب لسيادة
ثقافة الآخر بوصفه قائدا ليكون العالم بأسره بفهم وفكر واحد، إن كانت لا تلغي مورث
الشعوب المستضعفة الثقافي حيث يعدّ هذا التراث
جزءا من التاريخ، لكن لا يكون الموروث مبادئ تسعى للتواجد على أرض الواقع أو تعوق الهدف
الأكبر "عالم واحد" الشعار البرّاق يستهوي الكثيرين.
ولكن هذا القبول ـ من وجهة النظر الغربية ـ حَـتمٌ
لا يقبل التغيير رضينا أم أبينا، فلابد من تغليب الثقافة الجديدة الوافدة على الثقافة
الذاتية المحلية وقد ظهر المصطلح بتعبير يُـراد منه أن يكون العالم قرية واحدة كأثر
لثورة الاتصالات في السبعينات،وحينها تم بث صورة الكوكب الأزرق (الأرض) التي التقطت
بواسطة الأقمار الاصطناعية، ليتطور عقب ذلك المصطلح مشيراً إلى الأسواق العالمية الجديدة
للبضائع ورأس المال.
ويكتسب السوق العالمي ديناميكية جديدة تفتح أفاقاً واسعة لكافة
القطاعات، ومن المؤكد أنه يؤهلنا لقبول السيطرة على حياتنا كلها، ويكون ذلك مصحوبا
بثورة الاتصالات والمعلومات التي حوّلت العالم إلى قرية إعلامية صغيرة.
إذن هي السيطرة المقنّعة على المقدرات، ولن يكون
هذا إلا بإعادة تشكيل العقل العربي المسلم ليكون مؤهلا لقبول كل ما يريده الآخر!، وصناعة
ذهنية الشباب منذ الصغر تسهّل هذا التوجٌّه، ولن يكون ذلك إلا عًبر الهيمنة الإعلامية،
والذين يقودونها الآن هم الذين يتكلمون بلساننا ويوجهون هذه السياسة المنساقة نحو الغرب
بقيمه وللأسف وسائل الإعلام في بلادنا تقود هذا الهدف، ونلحظ أن البدائل المتاحة لا
تفي بالغرض لا كمّا ولا كيفا، وكانت البداية أمريكية ومنها انتشرت في كافة بلدان العالم.
ويقف
الدكتور محمد سعيد حوّى على الثغر داعيًا إلى الحفاظ على ذخر الأمة فيقول في مقدمة
"صناعة الشباب" : لطالما نتحدث أن الشباب أمل المستقبل، وقادته ووعد الخير والبناء، فإذا سلم لنا شبابنا سلمت لنا الأمة ،
وتأملنا بمستقبل واعد وغد مشرق، تلك مسلمات لا نطيل فيها ، طالما كررناها؛ لكن السؤال المهم
: ماذا نعرف عن هؤلاء الشباب من حيث خصائصهم وحقوقهم، ومسلكياتهم ؟ ماذا عن أهدافهم
وتطلعاتهم ؟ وكم نحن متفاعلون مع هذه الأهداف والتطلعات؟ تحقيقا لما كان صائبا منها، وتصويبا لما يحتاج إلى تصويب.
ويحيط بذلك كله ما يتعرض له الشباب
اليوم من مشكلات وتحديات ، منها ما يتصل
بصياغة شباب اليوم في أفكارهم ، وقيمهم
وسلوكهم، ومنها تحديات تتصل بهموم الشباب وتأمين مستقبلهم ليقوموا بدور
أكبر على الوجه الأمثل".
قد
أدرك المؤلف الداعية التطلعات الدّنيا
لدى شباب العالم الإسلامي دون التطلعات العليا، لقد اكتشفنا أنّ الكثير من شباب العالم
الإسلامي صارت لهم تطلعات لم يردها الله لهم، أو شغلوا بالسعي وأرادتها الحكومات لصالحها.
فلا يهم أن يكون الشباب صالحا مصلحا، ولا يهم
أن يكون عالما عاملا، ولكن المهم أن يكون مواليا، طائعا للسلطان منساقا إلى الجهة
التي يريدها لهم، أن يكون مجرّد صوت انتخابي، ثم يغرق في التخدير الإعلامي حتى الدورة
الانتخابية التالية، فيحشد تارة أخرى. فشباب الأمة هو المستهدف، لأن أعداءنا قد عقدوا
العزم على ألا تقوم للأمة قائمة.
ولأن الشباب كل المستقبل،
وعتاد الأمم في السلم وحين البأس، وهوالذين سيحملون تبعات المستقبل، وبهم تنهض الأمم، ويتحقق الحلم لمستقبل أفضل، وهم الامتداد
والبقاء، وهم الفسيلة التي تغرس اليوم لتثمر غدا، وبهم ستحفظ المكتسبات بقدر ما بذل من جهد في بنائهم أو كما عبر بعض الباحثين
بأنها"صناعة الشباب" ويا لها من صناعة !.
والكتاب من ستة فصول ـ 206 صفحات ـ صدر عن دار السلام للطباعة
والنشر والتوزيع والترجمة بالقاهرة
تعليقات