وصف مصر قام به رجل واحد صحت رجولته هو "زهير الشايب" لأول مرة أعرف أن الذي ترجم كتاب"وصف مصر" من ثمانية أجزاء عن اللغة الفرنسية



           زهير الشايب.. نذر حياته لترجمة موسوعة «وصف مصر».. وبعد رحيله أصبح فى طىّ  النسيان


ظننت جهلاً أن فريقا من المترجمين كان وراء هذا العمل الكبيرالذي تمخض عن الحملة الفرنسية، التي سعت إلى التعرف على خبايا مصر، من ناحية، واستعمار دولة لها قدرها في التاريخ(هي مصر مقبرة الغزاة) واستطاعت خلال سنوات الاستعمار، والمقاومة له أن تتعرف، وتسرق مقدرات مصر،وإن كشفت عن مكنون مصر الكنانة.

رصدت الحملة مع علمائها تاريخ مصر، أوبعضا من مكنونه، وتمخض عن ذلك الحسنة الإيجابية الوحيدة، (وصف مصر) أما الباقي  فكان أشلاء ودماء، وكنت دائما  أنعت الاستعمار الفرنسي بأنه من أسوا المستعمرين والأكثر دموية من حيث كمّ القتلى والمصابين، والتصدي لعلماء الأزهر وطلاب علم،بل الدخول إلى الجامع الأزهر بخيولهم وأطلقوا النار على المقاومين الأبرار.

واهديت نسخة هامة من الكتاب الذي كشف لنا الكثير من خبايانا الإيجابية، وأيضا من سرقات الحملة الفرنسية ، وسفكهم لدماء المصريين ودخلوا بالاحذية،والخيول الأزهر الشريف. 
لأول مرة أعرف أن الذي ترجم كتاب"وصف مصر" من ثمانية أجزاء عن اللغة الفرنسية هو النابغة"زهير الشايب" الشاب الأديب الذي أخذ على عاتقه ترجمته بعدما توقف المشروع رسميا، لأن مشروع الترجمة للأسف يمر بمراحل صعبة وخاصة إن كان السفهاء، وأصحاب النفوذ الذين يحبون أن يظلوا في الصورة،وأن يقوم الشرفاء بالعمل المضني، وياخذونه لقمة سائغة، وينسبون العمل لهم ويقدمون لجهلاء الرؤساء،على أساس  انهم أصحاب الفكر. 

لكن الأسوأ أن يغمط جهد"زهير الشايب"من قبل المجلس الأعلى للفنون والآداب الذي نسب  لنفسه، ومحاسيبه العمل الكبير الذي..وكانت فضيحة الفضائح ،المشكلة أن المجلس الاعلى للفنون والآداب تشكيلة من المحاسيب يديره وزير الثقافة وحين ينتدبُ "زهير الشايب" نفسه لـ"وصف مصر"لابد ان يمنى بالسخرية، وخاصة أن كتاب "وصف مصر" يلزمه فريق فريق عملٍ متخصص،وكثير من العاملين  في المجلس لم يكونوا مؤهلين لهذا العمل وتعثر المشروع في دهاليز المجلس فقرر زهير أن يحمل على عاتقه شرف الترجمة من الفرنسية إلى العربية وكتب على  المجلدات "إهداءً لمصر .
صمم الشايب  على أن يخوض التجربة وحده..
احكـى يا شــــهرزاد : زهير الشايب : الخلود فى كتاب
لماذا  تخفق سبل الأصلاح في بلادي ، ولماذا لا يوضع كل فرد حسب قدراته، ولماذا نجد المتسلقين هم الذين ينالون الرضا ،وتسلط عليهم  الأضواء، بينما الشرفاء يعانون أشد المعاناة .
لم أكن أعرف أن الأستاذ أنيس منصور لديه هذه  النفسنة تجاه الناجحين، بل كان يظن نفسه أستاذا للجيل، وهم له تبعٌ،وخاصة حين أدرك أن"زهير الشايب" قام بعمل عظيم وهو تعريب "وصف مصر"الكتاب الكبير في قيمته، وعندما أهدى نسخة من الكتاب لأنيس منصور، ابتسم له ابتسامة صفراء، وبعدما ترك "الشايب "علق بقوله أنيس منصور:ولد هلفوت صحيح .
حقيقة بعدما سمعت هذا تهاوت أصنام الناصرية، والساداتية،والمباركية، والسيساوية وكل أصنام خدعنا فيها، ويحبون جميعا أن يسرقوا عرق الشرفاء. 
 وبعد أسبوعين..ترشح الشايب بعد منعه من الكتابة لجائزة الدولة التشجيعية تقديرا  لجهوده  في ترجمة وصف مصر .
العجيب أن السادات أعجب بكتابات زهير الشايب رغم أن انيس منصور غمطه حقه وقوة عمله وعلى لسان أنيس منصور بعدما  وصفه أنيس منصور يبدو أن  أنيس  رضع الوضاعة من التنظيم الطليعي ـ وأنْ لم  أجد مصدرا موثوقا ، فقد كان التبليغ عن صاحب الرأي في التنظيم  الطليعي ديدناً لهم حتى يصل إلى مبتغاه، حتى وإن  اصاب صديقه ، وأكيله وأصدق الأصدقاء ،وهكذا كان وضع  الثورة 23 يوليو ورجاله.

كالعادة يعيش العظماء فى صمت ويرحلون فى صمت، لكنهم يتركون وراءهم أعمالاً مجيدة تستحق تخليد أسمائهم، وإذا كان ما قدمه الكثير من العظماء والمبدعين فى تاريخ مصر يستحق الإشادة والتكريم ووضعهم فى مكانة بارزة فإن ما قدمه الأديب والمترجم الراحل زهير الشايب من ترجمة لموسوعة وصف مصر-التى وضعها العلماء المرافقون للحملة الفرنسية فى ٢٠ مجلداً - يستحق تكريماً خاصاً ومكانة متميزة تليق باسمه وإنجازه.

لكن يبدو أن حظه العثرـ حتى بعد رحيله ـ  كحظه فى حياته حيث أصبح فى طيّ النسيان، حتى إن الكثيرين لا يكادون يعرفون عنه سوى اسمه المطبوع على غلاف أجزاء الموسوعة التى قامت مكتبة الأسرة بنشرها خلال السنوات الماضية، وباستثناء كتابات وكلمات رثاء من أصدقائه ومحبيه ونعى نقابة الصحفيين الذى نشر فى أعقاب رحيله عام ١٩٨٢م لم يعد أحد يتذكره.
ويكفى أن ذكرى رحيله السابعة والعشرين حلت يوم الأحد ٣ مايو دونما إشارة من وسائل الإعلام أو تحرك أى جهة ثقافية لإحيائها أو تذكير الناس بعطائه فى مجالات الترجمة والصحافة والأدب.

ولد زهير الشايب بقرية البتانون بالمنوفية عام ١٩٣٥م وحصل على دبلوم المعلمين الخاص من معهد شبين الكوم عام ١٩٥٧ وانتسب فى الوقت نفسه بكلية الآداب جامعة القاهرة ليحصل على الليسانس عام ١٩٥٩ وأتقن اللغة الفرنسية فضلاً عن امتلاكه ناصية البيان فى اللغة العربية وهو ما أهله ليصبح رمزاً بارزاً فى الترجمة والأدب،

إلا أن الظروف اضطرته للعمل بالتدريس فى مصر وسوريا والتحق بعدد من الوظائف الحكومية وأخيراً عمل بالصحافة فى مجلة أكتوبر وبقسم الخارجى فى جريدة الأخبار، وهو من كتاب الرواية والقصة القصيرة واختير أميناً للجنة التربية بالمجلس الأعلى للثقافة وعضوا بمجلس إدارة اتحاد الكتاب لعدة دورات وحصل على جائزة الدولة التشجيعية عن ترجمته لموسوعة وصف مصر عام ١٩٧٩ التى ترجم ٩ أجزاء منها ونشر ٤ أجزاء على نفقته الخاصة قبل أن تتولى دور نشر الخانجى ومدبولى والشايب -التى أسستها أسرته - ومن بعدها هيئة الكتاب طباعتها،

كما حصل على وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى وله مؤلفات كثيرة منها مجموعة قصصية بعنوان "المطاردون" وحكايات عن عالم الحيوان، المصيدة، ورواية "السماء تمطر ماء جافا" التى تجسد مرحلتى الوحدة والانفصال بين مصر وسوريا، كما ترجم العديد من الكتب منها فصول من التاريخ الاجتماعى للقاهرة العثمانية لأندريه ريمون، وكتاب مارسيل كولمب عن تطور مصر فى الفترة من ١٩٢٤ - ١٩٥٠، فضلاً عن كتاب الحياة الاقتصادية فى مصر فى القرن الثامن عشر تأليف صامويل برنار، ومسرحية "موتى بلا قبور" تأليف جان بول سارتر، وهى ترجمات اعتمد عليها الكثير من الباحثين فى مجالات التاريخ والاجتماع والأدب.

ومن أبرز الكتابات عنه بعد رحيله ما جاء فى مقال عادل البلك فى مجلة أكتوبر إنه عاش حياته بهدوء العلماء وصمت المتصوفين، وقالت عنه نعم الباز فى الأخبار إنه استطاع فى زمن قياسى وبجهد مضن أن يترجم كتاب "وصف مصر" ويعيد تبويبه ويخرج منه كنوزاً ظلت دفينة لفترة طويلة ونظم منه عقداً جميلاً لا يفتقد للحس الفنى، وكان نعى نقابة الصحفيين له جامعاً مانعاً حيث جاء فيه أن نقابة الصحفيين تنعى واحداً من أنبغ شبابها وفارساً من أشرف الفرسان فى ميدان الكلمة المؤمنة الصادقة.

عانى زهير الشايب كثيراً فى حياته بسبب نبوغه وابتلى برؤساء دون كفاءته فحاكوا له المؤامرات ليزيحوه عن الطريق وتخلو لهم الساحة، فتم فصله من العمل بالصحافة بعد تكريمه من الدولة وحصوله على منحة تفرغ، وعن ذلك يقول فى مقدمة المجلد السادس لموسوعة وصف مصر: «لم أكن أتصور مطلقاً أن يتسبب إصرارى على تقديم هذا العمل فى فصلى من عملى بصفة نهائية

ذلك أن الجهة التى قامت بهذا العمل اعتبرت إدارتها الحالية أن قبولى لمنحة تفرغ من وزارة الثقافة لمدة عام كامل لإتمام هذا العمل رغم علمها بكل التطورات وأبعاد الموقف تغيباً بدون إذن مشروع عن العمل لمدة تزيد على ١٠ أيام فهذه هى رؤيتها للأمور فأصدرت قراراً بفصلى نهائياً ولقد تعلمت من ذلك درساً جديداً هو أن كل إنسان يريد فعل شىء مهما تكن بشاعته لن يعدم وجود المبرر على الإطلاق» .

ولم تقف فصول انتقام أعداء النجاح من زهير الشايب عند هذا الحد بل كانت الضربة القاسية بإقصائه عن مصر وتدبير مكيدة له فى سلطنة عمان التى سافر لها ليعود فى حالة يرثى لها يسطر بعدها الكلمات الأخيرة فى قصة حياته.

تقول ابنته الدكتورة منى زهير الشايب مدرس الحضارة المصرية القديمة بآثار القاهرة والتى أكملت ترجمة العديد من أجزاء الموسوعة من بعده: إن والدى سار فى ترجمته للموسوعة على منهج الترجمة الأمينة والدقيقة التى تحافظ على حرفية النص مع الاحتفاظ بحق التوضيح وتوجيه القارئ من خلال الهوامش والجمل الاعتراضية بين الأقواس التى تعبر عنه، وحقيقة إن ترجمته بشهادة الجميع أنه أستاذ لم يقدر قدره.




تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حوار مع الشيخ : عثمان حاج مصطفى

أسامة خليفة ..إنتاج فيلم الطفل انطلاقا من قيمناِ لاء للإنتاج الفني، تقف على خط المواجهة، وبصدق نقول هذا، فقد كانت المبادرة إلى هذا العالم الرحب في وقت كان هَمّ الآخرين أن يقوموا بدبلجة ما يقدم، نريد من يؤمن بالفكرة

موسى ابن نصير قائد عسكري عربي في عصر الدولة الأموية. شارك موسى في فتح قبرص في عهد الخليفة معاوية بن أبي سفيان