مسلم من الهند: رحلة ظفرالإسلام خان تتلمذت على مؤسِّسها الصالح مجلة المختار الإسلامي
وقد كانت أعدادها الورقية تصل مُهداةً إلى المثقفين والأكاديميين والنشطاء والإعلاميين (الإسلاميين منهم على وجه الخصوص) في مصر وشتى أنحاء العالم العربي، رغم الصعوبات التي كانت تُعانيها في الصدور. إذ ارتبط ظفر الإسلام بمصر والعرب ارتباطًا عاطفيًا وثيقًا مُنذ تلقَّى تعليمه العالي بالقاهرة أواخر ستينيات القرن العشرين.
كان الدكتور خان يطمح في أن يصِل صوت مُسلمي الهند عبر جريدته إلى الملايين خارج شبه القارة، خصوصًا وأن أخبار مُسلمي الهند وأحوالهم يتم تجاهُلها عمدًا من كل صُحف شبه القارة الناطِقة بالإنكليزية أو الهندية، فلا تُنشَر إلا في الصُحف الناطِقة بالأردية، والمحدودة الانتشار بطبيعتها. لكن ما كان بوسع هذا العمل الطموح الاستمرار طويلًا بغير موارِد، خصوصًا وقد عَدِم الدعم الداخلي من مسلمي الهند لهذه الصحيفة الجريئة، والتي مثَّلَت لسان حال المستضعفين، خصوصًا من أهلنا في كشمير. بل تجاوزت اهتماماتها نطاق شبه القارة وصولًا إلى تبني القضية الفلسطينية، ومحاولة تعرية مزاعِم الغرب بالحرب على الإرهاب.
يذكر أستاذنا خان أنه حين دشَّن الجريدة (عام 2000م)، كان مُراسلًا لجريدة الرياض السعودية، وهو ما مكَّنه من تمويل مِللي غازيت بدون مصاعِب تُذكَر طوال حوالي ست سنوات. ثم غَضِب عليه السعوديون لأنه دأب على الكتابة عن معاناة المسلمين في الهند، وخصوصًا انتهاكات الجيش الهندي لحقوق الإنسان في كشمير؛ ففقد وظيفته في جريدة الرياض بعد أن هاتفه السفير السعودي في نيودلهي ذات يوم وقال له: نحن نحاول بناء علاقات جيدة مع الهند وأنت تدمِّر هذه الجهود؛ فلا تكتب بعد اليوم شيئًا قد يؤثر على هذه العلاقات، وقد كان ما يكتبه عن معاناة المسلمين واضطهادهم يُعكِّرُ صفو هذه «العلاقات» بطبيعة الحال!.
ولِد ظفر الإسلام خان عام 1948م في بيت علمٍ وتقوى بمدينة أعظم گره بشمال الهِند، وتلقى تعليمه المبكِّر في إحدى مدارسها التقليدية (مدرسة الإصلاح) ثم التحق بدار العلوم ندوة العلماء في مدينة لكهنو حتى حصل على إجازة العالمية عام 1966م. قبل أن يقصِد القاهرة للدراسة في جامعة الأزهر، ثم للحصول على الماجستير في التاريخ الإسلامي من كلية دار العلوم جامعة القاهرة عام 1978م،[4] ليرحل بعدها إلى بريطانيا لنيل درجة الدكتوراه في الدراسات الإسلامية من جامعة مانشستر عام1987م.
رحلةُ طلبٍ دامت حوالي عشرين عامًا خارج حدود شبه القارة الهندية، كانت في حقيقتها رحلة في تشكيل وجدانه وبناء شخصيته وتعيين أولوياته في الحياة. إذ شَهِد كل اللحظات المفصلية والحرِجة في تاريخ الحركة الإسلامية خلال هذين العقدين؛ فانتقل من صُحبة الإخوان المسلمين ومخالطة طيف الحركات الإسلامية شديد التنوّع، الذي ظهر في العالم العربي ابتداءً من سبعينيات القرن العشرين؛ إلى بريطانيا ليصحَب المفكر والمنظِّر الراحل كليم صديقي طوال ما يقرُب من عقدٍ ونصفٍ (1978-1993م) كانت فيه لندن والمعهد الإسلامي قلب الحركة الإسلامية وصوتها المدوّي وجسدها النَشِط خارج حدود العالم العربي.
وفي ثنايا ذلك تعدَّدت خبراته وتنوَّعَت الوظائف التي شغلها. فهو تارة مذيع ومترجم للنشرة الأُردية بالإذاعة المصرية (1972-73م)، وتارة مُترجمٌ في الخارجية الليبية (1973-79م)، وتارة أستاذ زائر بجامعة الإمام بالرياض (1992م)، وتارة محاضر في الجامعة الملية الإسلامية في نيودلهي (1991م). وبعد استقراره في الهند مطلع التسعينيات يؤسس معهد الدراسات الإسلامية والعربية، ويرأس تحرير مجلته العلمية «مسلم آند عرب برسبكتيفز Muslim & Arab Perspectives» منذ عام 1993م، ومجلة التاريخ الإسلامي (Journal of Islamic History) التي يُصدِرها في نيودلهي منذ 1995م باللغتين العربية والإنكليزية.
كذا ساهم الدكتور خان بعدَّة مواد في دائرة المعارف الإسلامية، التي تصدُر في لَيدن بهولندا؛ عن تاريخ الإسلام وأعلامه في شبه القارة الهندية. وقد ألف وترجم نحوًا من خمسين كتابًا باللغات العربية والإنكليزية والأردية،5 منذ عام 1968م؛ ونشرت كتبه في القاهرة ونيودلهي ولندن وبيروت والكويت. ومن كتبه الإنكليزية المشتهِرة: الهجرة في الإسلام (نيودلهي 1996م) والوثائق الفلسطينية (نيودلهي 1998م). وهو ضيفٌ شبه دائم على عدَّة منابر إعلامية، منها قنوات الجزيرة وبي بي سي والعربية؛ للتعليق على شؤون المسلمين في جنوب آسيا.
كذا حرر عدَّة مجلات ودوريات علمية وثقافية، وعَمِل مُراسلًا لصحف عديدة منها الحياة اللندنية (1992-1993م) وعرب نيوز في جدة (1994-1998م) وصحيفة الرياض (1999-2006م)، إضافة إلى رئاسته وعضويته عددًا من المحافل الإسلامية والمؤسسات الخيرية في شبه القارة.
وهو اﻵن يرأس جمعية «تشاريتي أليانس Charity Alliance» الخيرية الهندية، والتي تعمل للنهوض بحال مسلمي الهند، وخصوصًا في مجال مساعدتهم على مواصلة التعليم، وتوفير الدعم لهم في مواجهة الارتداد عن الإسلام في الأقاليم التي تنشط فيها جمعيات التنصير والهندكة. وبسبب حجم نشاطاته واهتماماته الإسلامية داخل شبه القارة الهندية؛ فقد اختير في يناير 2004م أمينًا عامًا لمجلس المشاورة الإسلامي لعموم الهند، والذي يُمثِّل اتحادًا للمنظمات والجمعيات والأحزاب الإسلامية في جمهورية الهند. ثم انتُخِبَ رئيسًا للمجلس (2008–2009م)، ثم عُين رئيسًا له بالنيابة خلال عام 2011م، ثم انتخب مرة أخرى رئيسًا للمجلس (2012–2013م)، وتكرر انتخابه للرئاسة في 2014- 2015م.
يحكي الدكتور خان أن أول ترخيص لمجلة «المختار الإسلامي» قد استُصدِرَ من السلطات المصرية بناءً على تفويضٍ منه للحاج حسين عاشور، ويُضيف بأن ذلك كان بناء على اتفاقٍ بينهما يجعل من «المختار الإسلامي» الطبعة العربية لمجلة «الرسالة» التي يُصدِرها والده في دلهي منذ 1975م. وقد كان الترخيص قصير الأجل، واجب التجديد بصورة دورية؛ لذلك اختار الحاج حسين تأسيس جمعية خيرية تُصدِر المجلة، بما أن النظام المصري كان بصدد إيقاف تراخيص إصدار الصحف للأفراد. وقد تعاونا معًا أول الأمر في الإعداد للمجلة، ثم اختلفا حول محتواها. ففي حين كان الدكتور خان يرغب بدوريةٍ علميةٍ رصينة، على غرار مجلة والده؛ مع إضافة مقالات لبعض الكتاب المصريين، كان الحاج حسين أميل إلى مجلة خفيفة أكثر شعبية، لتُخاطِب قطاعًا أعرض من المسلمين. وقد انتصرت رؤية الأخير واستمرت المجلة على الصورة التي رغِبها حتى وفاته مؤخرًا.
وقد التحق الدكتور ظفر الإسلام خان بعدها بالمعهد الإسلامي في لندن، كزميل باحث أواخر 1979م، واستمر في التعاون مع المعهد إلى عام 1992م، ولكنه انتقل إلى دلهي في أكتوبر 1984م مع استمرار عمله لحساب المعهد. وقد أنجز خلال تلك الفترة عددًا من الأبحاث وصنَّف كتبًا وحقق أخرى، فضلًا عن ترجمته عددًا من كتابات الراحل الدكتور كليم صديقي، كما أشرف على تنظيم كل الندوات الدولية التي عقدها المعهد الإسلامي خلال تلك الفترة. وقد تفرَّغ عام 1987م، مُتخففًا من بعض أعباء عمله الصحافي والبحثي؛ للانتهاء من رسالة الدكتوراه حول مفهوم الهجرة في الإسلام، والتي كان قد سجَّل أطروحتها عام 1980م. ولكن كثرة أعباءه لم تكن تسمح بالتفرغ اللازم للانتهاء من الكتابة؛ إذ لم يكن ظفر الإسلام خان مُبتعثًا عاديًا بحال، فإلى جانب عمله شديد الزخم بالمعهد الإسلامي أسس أول وكالة أنباء وموضوعات إسلامية باللغة الإنكليزية: «مسلم ميديا Muslimedia» في لندن، وصار أول رئيس لتحريرها خلال أعوام 1981–1984م.
والحق أن الإبحار في أعمال هذا الرجل لا نهاية له؛ فهو من نوعٍ من الرجال يَزِنُ الواحِد منهم أمة في الجد والجهاد والمثابرة والدأب والإخلاص. وقد حثني للإسراع بالكتابة عنه وتعريف الجيل الجديد به أمران: أولهما ارتباط بواكير مسيرته وتضافرها بمسيرة شيخي المتوفى مؤخرًا حسين عاشور رحمه الله، فضلًا عن ارتباط هذه المسيرة حينًا بأستاذنا الراحل كليم صديقي، والذي يحتل وكتاباته وأفكاره ونشاطاته موقعًا محوريًا من اهتماماتي. وثانيهما أنني لم أشرُف بلقاء الدكتور كليم صديقي وكتبت عنه بعد وفاته بعقدين كاملين، وشرُفت بصُحبة الحاج حسين عاشور لفترة وقعدت عن التعريف به حتى انتقل إلى رحمة الله؛ فربما كان هذا المقال القصير عن الدكتور ظفر الإسلام خان جهد المُقِل في التعريف بعلمٍ من أعلام الحركة الإسلامية في القرن العشرين، ووفاء لبعض دينه على جيلنا وهو حي يُرزَق.
رحم الله أموات المسلمين، وغفر لأحيائهم، ونفعنا بما علَّمهم.
[1] توقفت الطبعة الورقية فحسب، لكن الموقع الإلكتروني ما زال نشطًا، ويُمكن لمن شاء متابعته:www.milligazette.com
[2]راجع مقال لنا على هذا الموقع؛ بعنوان: «في حب حسين عاشور».
[3]واحد من أهم الكلاسيكيات الجدلية التي رُبِي عليها الجيل المعروف بـ«جيل الصحوة الإسلامية»، وقد باع الكتاب آنذاك ما يربو على المئة ألف نُسخة، وكان ثمن النسخة حينها لا يتعدى الخمسين قرشًا.
[4]كان موضوعها هو: «تاريخ المقاومة العربية في فلسطين خلال 1918-1935م».
[5]إضافة إلى إجادته الإنكليزية والعربية بطلاقة مثل لغته الأم –الأردية– فهو يعرف الفارسية والهندية.
تعليق على المقال
التقيت مع عدد من السادة المحترمين من القارة الهندية، كانوا على علم وتقى، وأخذت منهم أحزانهم التي كاننت أحزان المسلمين، كنت أعمل في جريدة المدينة السعودية لخمس سنوات،وأجتهدت أن أوصل رسالة كشمير التي تعاني من السلطات الهندية الفاشية ، حيث المسلمون لا وزن لهم أمام الهنود، حيث المقاومة الأسلامية تلقى ردودا غاشمة لدرجة أنهم كانوا يحرقون شباب المقاومة بالنزين والبارود، وتأثرت بقوة من المشاهد، ودعوت ـ بعد إستئذان الشيخ أحمد صلاح جمجوم ـ أن أنشرالكثيرمن الحوارات الساخنة التي أثارت السفارة الهندية، وأرسلوا لي أحد موظفيها بمبلغ كبير نظير الصمت، وحين رفضت بدأوا يتجهون إلى السلطات السعودية التي تسعى للتقارب من "الهند" وخاصة أن في السعودية أعداد غفيرة من الهنود يعملون في أنحاء السعودية .
وبين عشية وضحاها تم فصلي من جريدة المدينة بداعي السعودة ..
تعليقات