بعض طرائف الشاعر"أحمد مطر"
طرائف تسبب فيها الشاعر أحمد مطر
فتعجّبتُ من ممارسات تلك الأنظمة المستبدة التي لا تؤمن بحريّة الفكْر، ولا تحترم الإبداع، وقد أخبرني أحد الأصدقاء أنه قد تمَّ منع أحد الأئمة من الخطابة في"البحريْن" لأنه استشهد ببعض أبيات لأحمد مطر! وقال لي أحد الزملاء: بأنَّ شقيقه فُصِلَ من العمل بجامعة الرياض؛ لذات السبب!
مَن هو "أحمـــد مطـــر"؟
(أحمـد مطـر) شاعر عراقي مشاكس للأنظمة السلطويّة، حتى صار مِن أكثر الشعراء حضوراً وتأثيراً في أوساط المثقفين وعشّاق الشّعر والفن الجميل، حتى ذاع صيته في كل مكان.
ولستُ أرى في هذا الذيوع والانتشار الواسع الذي أحرزه -الشّاعر– لُغزاً مُحيّراً، أوْ سِراً غامضاً، يحتاج إلى بحثٍ ودراسة، أوْ الاستعانة بالمنجّمين والعرّافين!
عندما الْتقيته في "عاصمة الضباب"؛ هالني جسده المُنهَك من عناء العمل، ولهيب الغربة، ولكن أسعدني تفاؤله بالمستقبل .. وقد سألته: ما هذا الدويّ الذي أحدثه فنّكَ؟ وما هذه النيران التي أشعلتها قصائدك في العالَم العربي .. على الرغم أنك تعيش خارجه؟!
فأشرقَ وجهه على الفوْر، وقال: أعيش في "لندن" بجسدي فقط، أمّا قلبي فلم يفارق وطنه العربي ..أنا شاعر في خدمة أُمّة، ولستُ مُمثّلاً لقبيلة معينة .. أستعرض الوجع العربي بشكل عام، وأُحرّض الموجعين على الانعتاق!
سألته أيضاً: متى افتقدتَ حرّيتكَ .. وأين وجدتها؟
فقال: "لم أفقد حريتي حتى أجدها، لقد فقدتُ أشياءً كثيرة وكبيرة بسبب انشغالي بالحفاظ على هذه الحرية. ولوْ أنني فقدتها، لكانت كل تلك الأشياء في حوزتي، ما عداي!
وقال: حريّتي هي أنا، ولن تستطيع أيّة قوة في الدنيا أن تُجرّدني منها، ولو جرّدتني من روحي .. لقد أودعتها القدرة على الصراخ حتى بعد موتي. أمّا الشعر الجميل والصادق فهو رهن بجمال وصِدق الشاعر لا بالمكان، غير أن مثل هذا الشاعر قد يضطرفي ظروف القمع وضيق ذات القول إلى استخدام حيَل التخفِّي؛ لركوب وسائط النقل دون أن يدفع ثمن التذكرة، وهذا ما لا يحتاج إليه في المنفى، لأنَّ المنفى نفسه هو الثمن الباهظ المدفوع سلفاً، من أجل حيازة الحنجرة كاملة، والتجرد من طاقية الإخفاء"!
فأجاب: "أنا على علم بأنّ لكل الشعراء دواوين في الغزل، وهذا هو بالضبط ما طمأنني على أنّ ثغورنا "العاطفية" ليست مكشوفة أمام جحافل "العاذلين" والحمد لله، وأنَّ مخزوننا من القلوب المشكوكة بالسهام كفيل بأن يُعيل "لواعج غرامنا" لألف سنة مقبلة على الأقل.
وفي سؤال حول مذهبه الشِّعري، قيل له: لوْ قمنا بتقسيم المدارس الشِّعرية على خلفيّة (11 سبتمبر) إلى مدارس إرهابية وأخرى غير إرهابية .. فأين سيكون أحمد مطر؟
قال: "إذا بكى طفل رضيع على صدر أمّه، في هدأة ليل العرب والمسلمين، فلا أستبعد في زمن المهازل هذا، أن تعدّه أميركا، برصانتها المعهودة "محوراً للشر" ينبغي استخدام القوة النووية للإطاحة بـ"حفّاظته"!
فهل بعد هذا تسألني أنا من أيّ مدرسة سأكون؟! أنا إرهابي، من قبل سبتمبر ومن بعده، وبإمكانك أن تسأل عن هذا حكّامنا الطيبين جداً، والمبادرين إلى التطبيع. كل ما تغيّر هو أنني كنتُ إذا قيل لي (سبتمبر) أصرخ: ملعون أبو "تمبر". أمّا الآن فلم أعُد أسبّه .. نكاية بأمريكا، وإمعاناً في الإرهاب!
هذه هي بعض آراء أحمد مطر وأفكاره .. وحتى تكتمل رؤيتنا عن هذا الشّاعر الساخر؛ فلنستمع إلى رسائله وبرقياته التي أرسلها إلى المجاهدين في الأرض المباركة مشجّعاً ومحفزاً؛ إذْ يَشدّ على أيادي "أهل الضفة" وينادي عليهم في قصيدته الذهبيّة، قائلاً:
يا أهـل الضفـة .. يا أحـرار
أنتم فاتحة القرآن، وأنتم خاتمة الأحزان
أنتم حقٌ وجميع الناس أباطيل
أنتم روح الله .. وأنتم إنجيل الإنجيل
يا مَن تعتصمونَ بحبل الله جميعا
سيروا والله يوفِّقكم
لا تنتظروا منَّا أحدا .. لا تثِقوا فينا أبدا
فهنا أبناء أنابيب ..
يعتصمون بحبل غسيل!
أمّا عن سُخريّته اللاذعة، وانتقاداته للحكومات العربية، فهيَ أهم ما اشتُهر به، فكل شِعره يدور في هذا الفلك، غير مكترث بعواقبه، ففي قصيدة "تبديل الأدوار" يقول:
فأقرّت إعفاءَ الوالي
واقترحت تعيينَ حمار !
ولدى توقيع الإقرار؛ نهقتْ كلُّ حمير الدنيا باستنكار:
نحن حمير الدنيا لا نرفضُ أن نُتعَبْ
أوْ أن نُركَبْ أو أن نُضربَ أو حتى أن نُصلَبْ
لكن نرفضُ في إصرار أن نغدو خدماً للاستعمار
إنّ حُموريّتنا تأبى أن يلحقنا هذا العار !
وهكذا، يبقى "أحمد مطر" الشّاعر السياسي الأول في الوطن العربي، خاصة بعد رحيل العمالقة، أمثال: عمر أبو ريشة، وبدوي الجبل، والبردوني، والجواهري، ونزار قباني، وغيرهم من أعمدة القصيدة العربية الحديثة.
ولعلَّ من أروع قصائده؛ قصيدة (ارحلوا عنّا) تلك القصيدة التي وجّهها إلى الحكَّام العرب، عندما أعلن الصهاينة بمباركة "الكونجرس" أنَّ (القدس) عاصمة أبدية لليهود!
فتهكَّمَ "الشّاعر" من حكّام العرب، قائلاً:
اتركوا القدس لمولاها .. فما أعظم بلواها
إذا فرَّتْ من الباغي .. لكيْ تلقى الوكيلا !
طفح الكيلُ .. وقدْ آنَ لكم .. أن تسمعوا قولاً ثقيلاً
نحن لا نجهل مَن أنتم
غسلناكم جميعاً .. وعصرناكم .. وجفّفْنا الغسيلا
إننا لسنا نرى مغتصب القدس .. يهودياً دخيلاً
فهو لم يقطع لنا شبراً من الأوطان
لوْ لمْ تقطعوا من دونه عنّا السبيلا
أنتمُ الأعداء
يا من قد نزعتُم صفة الإنسان .. من أعماقنا جيلاً فجيلا
واغتصبتم أرضنا مِنّا .. وكنتُم نصف قرن
لبلاد العرب محتلاً أصيلا
أنتم الأعداء
يا شجعان سِلْمٍ .. زوجوا الظلم بظلم
وبنوا للوطن المحتل عشرين مثيلا!
نحن نرجو كل مَن فيه بقايا خجلٍ
أنْ يستقيلا
نحن لا نسألكم إلاَّ الرحيلا
وعلى رغم القباحات التي خلّفتموها
فلنْ ننسى لكم هذا الجميلا !
* * *
ارحلوا ..
أمْ تحسبون الله .. لم يخلق لنا عنكم بديلا؟!
أيّ إعجاز لديكم؟
هلْ من الصعب على أيّ امرئٍ أن يلبسَ العار
وأنْ يصبح للغرب عميلا؟!
احملوا أسلحة الذلِّ وولُّوا .. لتروا
كيف نُحيلُ الذُّلَّ بالأحجار عِزاً .. ونُذلُّ المستحيلا !
سلام على الشاعر "أحمد مطر" وعلى سائر الشعراء الذين بصقوا في وجه أنظمة العار، وأشعلوا نيران القصائد في وجوههم .. فأحرقوقم وهم على قيد الحياة!
نغما رقيقا يستفيق علي الفم
وجاء فيها قوله :
ومشاعر تكبو تخط سماحة
فتقول : ( رائعة فضربة لهذم) .
...
سبعون طعنة هنا موصولة النزفِ
تبدي ولا تخفي
تغتال خوف الموت بالخوفِ
سمّيتها قصائدي وسّمها يا قارئي : حتفي !
وسّمني منتحراً بخنجر الحرفِ
لأنني في زمن الزيفِ
والعيش بالمزمار والدفِ
كشفت صدري دفتراً
فعن أيَّ الحوادثِ تســـألانِ
بَكَيْتُ وما على نفسي ولكـنْ على وَطَنٍ مُضامٍ مُسْتَهـــانِ
على وَطَنٍ عَجَيْفٍ ليس يقوُى على نُوَبٍ مُسلْسَلَةٍ سمِـــان
حياتي للعراق فدِىً ووقــفٌ على وطني ومُصلِحهُ كياني
قصائِدُنا بلا لون ..
ولا طَعْمٍ ..
ولا صَوْتِ ..
إذا لم تَحْملِ المصباحَ من بيتٍ إلى بيتٍ.
وإنْ لَمْ يَفهَّم البُسطاء معانيها فأولى أن نُذَّريها
ونَخْـلُد نحنُ للصمتِ.
...
أيتها الصحيفه
الصدق عندي ثورة
وكذبتي
إذا كذبت مرة
ليست سوي قذيفه !
فلتأكلي ما شئت، لكني أنا
مهما استبد الجوع بي
أرفض أكل الجيفه.
أيتها الصحيفه
تمسحي بذلة
وانطرحي برهبة
وانبطحي بخيفه.
أما أنا ..
فهذه رجلي بأم هذه الوظيفة !
ناجي. تحجّرتِ الدموعُ بمحجري
وحشا نزيفُ النارِ لي أحشائي
لمّا هويْتَ هَويتَ مُتَّحـدَ الهوى
وهويْتُ فيك موزَّعَ الأهواءِ
لم أبكِ، لم أصمتْ، ولم أنهضْ
ولم أرقدْ، وكلّي تاهَ في أجزائي
ففجيعتي بك أنني.. تحت الثرى
روحي، ومن فوقِ الثرى أعضائي
أنا يا أنا بك ميتٌ حيٌّ
ومحترقٌ أعدُّ النارَ للإطفاءِ
تعليقات