مريد البرغوثي.. اليوم عاد الحرُ للحرة

 



لا نعرف على وجه اليقين ما حكمة القدر في أن يوافق يوم وفاة الشاعر الكبير مريد البرغوثي عيد الحب، لكن ما نعرفه يقينا أن قصة مريد وزوجته الأديبة رضوى عاشور تكاد تكون أعظم قصة حب لمسناها يقيناً واقعاً لا خيالاً مرسلاً.

تلك القصة التي نبتت على سلالم كلية الآداب بجامعة القاهرة بين قمتين من أعظم ما أنجب الأدب العربى حين جاء مريد قادماً من قرية دير غسانة قرب رام الله بالضفة الغربية، ليلتقي بزوجته الناقدة والأديبة والأستاذة الجامعية والسياسية المصرية رضوى عاشور صاحبة "ثلاثية غرناطة" التي فارقتنا في نوفمبر 2014، ويكون ابنهما الشاعر المفوه تميم البرغوثي، النتاج الطبيعي و المنطقي لقصة حب امتدت ٤٥ عاماً.

أول لقاء

تقول رضوى عن مريد: "كان أول لقاء لنا على سلم جامعة القاهرة، حيث كان يلقى على أصدقائه إحدى قصائده، فانتبهت له وشعرت بكلماته تختارنى، وكنت أكتب الشعر أيامها، ولكن بعد أن سمعت قصائد مريد، تركت الشعر لأن الشعر أحق بأهله وذويه".

"غريبٌ أنْ أبقى مُحتفِظَةً بنفسِ النظرةِ إلى شخصٍ ما طَوَالَ ثلاثينَ عامًا،أنْ يمضيَ الزَّمنُ، وتمرَّ السنواتُ وتتبدَّلَ المشاهدُ، وتبقى صورتُهُ كما قرَّتْ في نفسي في لقاءاتِنا الأولى.

وقال مريد عن رضوى عندما توفيت:"حين ذهبتِ مالت أزهار اللوتس نحو الماء ومدت كفيها تستبقيكِ حين ذهبتِ حقل من عباد الشمس تلفت نحوكِ وتخلى عن وجه الشمس يا رضوى إني والقمر والنجمات نسير إليك الليلة".

رحلة الإلهام والألم

وُلد مريد في 8 يوليو 1944 بقرية دير غسانة قرب رام الله في الضفة الغربية، تلقى تعليمه في مدرسة رام الله الثانوية، ثم سافر إلى مصر عام 1963 ليلتحق بجامعة القاهرة، وتخرج في قسم اللغة الإنجليزية وآدابها عام 1967، وهو عام احتلال الصهاينة الضفة الغربية، حيث منعوا الفلسطينيين الموجودين خارج البلاد من العودة إليها، إلا بعد مرور 30 عاما من التنقل بين المنافي العربية والأوروبية.

عبر شاعر فلسطين عن مرارة المنع حين قال في كتابه الشهير "رأيت رام الله"، "نجحت في الحصول على شهادة تخرّجي وفشلتُ في العثور على حائط أعلِّق عليه شهادتي".

سُجن مريد في مصر وتم ترحيله عام 1977 إثر زيارة الرئيس المصري الراحل أنور السادات لدولة الاحتلال وظل ممنوعا من العودة إلى القاهرة لمدة 17 عاماً.

وقال عن ذلك في ندوة له بمركز حروف الثقافي مارس 2019: "أصبح لدي ابن واحد فقط بسبب أنور السادات الذي طردني من مصر لسبعة عشر عاما، فكان من الجنون التفكير في إنجاب طفل ثان وأنا أعيش في بلد وزوجتي في بلد آخر وتتحمل العديد من الأعباء ككاتبة وأستاذة جامعية وأم وناشطة سياسية".

حافلٌ بالهموم

يقول الناقد الفلسطيني الشهير إدوارد سعيد عن كتاب مريد"رأيت رام الله"، الذى تضمن تجربته في التنقل بين المنافي المختلفة لأكثر من 30 عاماً، :"الواقع جعل نص البرغوثي حافلاً بالهموم، من نوع أين يمكنه أو لا يمكنه أن يقيم؟ وكم يمكنه البقاء؟ ومتى عليه أن يغادر؟ والأقسى من ذلك كله ماذا يمكن أن يحدث في غيابه؟

من هنا هذه النغمة الموجعة الحزينة في هذا الكتاب، لكنها في الوقت نفسه نغمة عفية وإيجابية، حقاً إن ما يعطي هذا الكتاب تفرده وأصالته المفعمة بالصدق والتي لا تخطئها العين هو نسيجه الشعري الذي يؤكد قوة الحياة».

أنا أكبر من إسرائيل

لا شك أن القضية الفلسطينية كانت همه الأول عاش لها من طفولته إلى منيته، يقول ابن فلسطين البار: "وطن الدخول إليه صعب، الخروج منه صعب، البقاء فيه صعب وليس لك وطن سواه".

وفي موضع آخر يتساءل: "كَيفَ تَنعس أمة بأكملها؟ كيف غفلنا إلى ذلك الحدّ.. إلى هذا الحدّ.. بحيث أصبح وطننا وطنهم؟!".

وأكد حين مرّة.. "أنا أكبر من إسرائيل بأربع سنوات، والمؤكد أنني سأموت قبل تحرير بلادي من الاحتلال الإسرائيلي. عمري الذي عشت معظمه في المنافي تركني محملًا بغربة لا شفاء منها، وذاكرة لا يمكن أن يوقفها شيء".

وحين سمع نقاش حول من الأحق بالأرض قال: "لم أكن ذات يوم مغرماً بالجدال النظري حول من له الحق في فلسطين. فنحن لم نخسر فلسطين في مباراة للمنطق! لقد خسرناها بالإكراه و القوة".

عاد الحر للحرّة

اليوم فقط.. وعلى قول ابنه تميم: "عاد الحر للحرة"، اليوم فقط وجد الشاعر والمثقف الذي احترف المنافي مرفأه الأخير، اليوم فقط لن يردد: أنا لا سرير يدوم لي، لا سقفَ يألفني طويلًا، أما الأحبة لست ألمسهم، وإن قالوا "الإقامةَ" قلت بل قصدوا "الرحيلا".

اليوم فقط وجد مرفأه الذي لن تستطيع أي سلطة أن تصدر قراراً بترحيله بعيداً عن رضوى، رحل وذهب إليها معرضًا عنّا.. يا رضوى لقد عادَ مريدك.

الشاعر والأديب الفلسطيني الكبير، مريد البرغوثي، الأحد، في العاصمة الأردنية عمان، عن عمر ناهز 77 عاما، بعيدا عن مسقط رأسه "رام الله" في فلسطين، الذي كان نواة أحد أبرز كتاباته.

وعبر صفحته الموثقة بفيسبوك، نعى الشاعر تميم البرغوثي والده مريد، بنشر صورة سوداء مع كتابة اسمه، في إشارة لوفاته والحداد عليه.

وأكد مقربون من عائلة البرغوثي، للأناضول، ووسائل إعلام محلية، الوفاة، دون تقديم تفاصيل عنها.

فيما ذكرت وزارة الثقافة الفلسطينية، في بيان إن البرغوثي توفي في العاصمة الأردنية عمان.‎

** المتيم بـ"رام الله"

ولد الشاعر مريد في 8 يوليو/تموز 1944 بقرية دير غسانة شمالي رام الله، وسط الضفة الغربية المحتلة.

وتلقى تعليمه في مدرسة رام الله الثانوية، وسافر إلى مصر عام 1963 حيث التحق بجامعة القاهرة وتخرج في قسم اللغة الإنجليزية وآدابها العام 1967.

ولمريد 12 ديوانا شعريا، ومن أبرز رواياته، "رأيت رام الله" حيث لم يتمكن من العودة إلى مدينته رام الله إلا بعد ذلك بثلاثين عاما من التنقل بين المنافي العربية والأوروبية، وهي التجربة التي صاغها في سيرته الروائية تلك.

وحاز كتابه النثري "رأيت رام الله" على جائزة نجيب محفوظ للآداب فور ظهوره عام 1997 وصدر حتى الآن في 6 طبعات عربية، وترجم إلى عدة لغات بينها الإنجليزية.

وأوّل دواوينه كان "الطوفان وإعادة التكوين" (1972) وآخرها "استيقِظ كي ترى الحلم" (2018)، وبينهما عشر دواوين، منها "فلسطيني في الشمس" (1974) و"طال الشتات" (1987)، و"زهر الرمان" (2000).

وحصل مريد على جائزة فلسطين في الشعر عام 2000، وترجمت أشعاره إلى عدة لغات.

وشارك البرغوثي في عدد كبير من اللقاءات الشعرية ومعارض الكتاب الكبرى في العالم.

كما قدم محاضرات عن الشعر الفلسطيني والعربي في جامعات القاهرة، وفاس وأكسفورد، ومانشستر، وأوسلو، ومدريد وغيرها، وتم اختياره رئيسا للجنة التحكيم لجائزة الرواية العربية لعام 2015

‎وفي لقاء متلفز سابق للبرغوثي، ذكر أنه تعرض للسجن والترحيل بمصر عام 1977 بعد دخول مصر مرحلة التطبيع الرسمي مع إسرائيل.

وعاد الأديب الفلسطيني، مرة واحدة لكن منع من الإقامة في فلسطين كونه لا يحمل تصريح إقامة إسرائيلي لأنه ممن غادروا قبل نكسة 1967‎.

 رمز الإبداع والكفاح

من جانبه، قال وزير الثقافة عاطف أبو سيف، في بيان إنه "برحيل الشاعر والكاتب مريد البرغوثي تخسر الثقافة الفلسطينية والعربية علماً من أعلامها، ورمزاً من رموز الإبداع والكفاح الثقافي الوطني الفلسطيني".

وأضاف أبو سيف أن الراحل من "المبدعين الذين كرسوا كتاباتهم وإبداعاتهم دفاعا عن القضية الفلسطينية وعن حكاية ونضال شعبنا وعن القدس عاصمة الوجود الفلسطيني".

وأكد أن "أفعاله الشعرية والنثرية ستخلد حكاية الكفاح والنضال الوطني الفلسطيني والفكر الإنساني".

** عودة للمحبوبة وكتابة قصة النهاية

والراحل هو زوج الروائية المصرية رضوى عاشور، التي رحلت نهاية عام 2014، وهي أديبة شهيرة وترجمت أعمال لها إلى عدة لغات، منها الإنجليزية والإيطالية والإسبانية لاسيما ”ثلاثية غرناطة” وتضم 3 روايات هي “غرناطة” 1994 و”مريم والرحيل” 1995، و”أطياف” 1999.

ووفق تغريدات بمنصات التواصل، عرف عن مريد البرغوثي ورضوى عاشور، حبهما الشديد.

وفي يوم الحب الذي يحتفل به العالم كل عام في 14 فبراير، تصادف وفاة البرغوثي ليكتب الفصل الأخير من حياته ويلحق بمحبوبته بعد نحو 6 أعوام من الفراق.



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أسامة خليفة ..إنتاج فيلم الطفل انطلاقا من قيمناِ لاء للإنتاج الفني، تقف على خط المواجهة، وبصدق نقول هذا، فقد كانت المبادرة إلى هذا العالم الرحب في وقت كان هَمّ الآخرين أن يقوموا بدبلجة ما يقدم، نريد من يؤمن بالفكرة

الكلمات:القدسُ وعكّا نحنُ إلى يافا في غزّةَ نحنُ وقلبِ جِنين الواحدُ منّا يُزهرُ آلافا لن تَذبُل فينا ورقةُ تين ما هان الحقُّ عليكِ ولا خافَ عودتُنا إيمانٌ ويقين لن نسكتَ لن نستسلمَ لا لا لا لا نفديكِ لنحيا يا فلسطين فلسطين بلادي نحملُها جُرحاً أو أملا لا لا لا ورح نبقى فيها ليوم الدين فلسطين بلادي كي تُشرقَ شمسُكِ فوقَ أمانينا وينامَ صغارُكِ مُبتسمين ونراكِ بخيرٍ حين تُنادينا لعمارِ بُيوتٍ وبساتين سنعيدُكِ وطناً رغم مآسينا أحراراً نشدو متّحدين لن نسكتَ لن نستسلمَ لا نفديكِ لنحيا يا فلسطين فلسطين بلادي نحملُها جُرحاً أو أملا لا ورح نبقى فيها ليوم الدين فلسطين بلادي#palestine #فلسطين

العالم روبرت غيلهم زعيم اليهود في معهد ألبرت أينشتاين، والمختص في علم الأجنة أعلن إسلامه بمجرد معرفته للحقيقة العلمية ولإعجاز القرآن