ذكريات الدكتورمصطفى محمود المفكر الراحل وإبنته
ابنة مصطفى محمود تكشف سر بكاء محمد عبد الوهاب عند مناقشة والدها، ولماذا كان يخاف عليها من دراسة الفلسفة.؟
قالت أمل مصطفى محمود، ابنة المفكر الراحل مصطفى محمود، إن "والدها منعها من دراسة الفلسفة، خوفا عليها من أن تنزلق فى رحلة البحث عن الذات والإله كما حدث معه،وروت لنا كيف كان يعيش المفكر هائما بين كتبه،وكيف تسبب بعض شيوخ الدين فى إلحاده، وشكّه الذى لم يصل لليقين إلا بعد تدبره آيات الله والقرآن الكريم".
وأضافت في حوارنشرته الصحف:"والدي والموسيقار محمد عبد الوهاب كانا صديقين مقربين،وكان عبدالوهاب يثق فى رأى لدى،وكثيرا ما استعان به فى أسئلة وموضوعات كثيرة، وأتذكر أن موضوع حُرمة أو حِلّ الفن كان هو أساس الجدال،
كان أبى يرى أن الفن مثل أشياء كثيرة يمكن أن يكون حلالا إذا قدمَ أعمالا مفيدة هادفة،وهو نفسه كان يحب الموسيقى والغناء، وعندما سأله عبد الوهاب فى هذا الموضوع، قال له (ليس من الطبيعى أن يقابل الفنان ربه بمجموعة أغاني)، وقال له (يعنى هتروح تقوله بلاش تبوسنى فى عينيا) ولاعب الكرة هيقابل ربنا يقوله (أنا جايلك بشوية إجوان).. لكن يجب أن يلاقى كلٌ منا ـ الله عز وجل ـ بأعمال أخرى تكون فى ميزانه عند الحساب).
"ومما يؤثرعن الموسيقار محمد عبد الوهاب أنه بكى أكثر من مرة عندما تناقش مع مصطفى محمود في مسألة الدين، ولذلك كان حريصا فى أواخر أيامه على الإكثار من الابتهالات الدينية رغبة فى عمل شىء يقربه من ربه، لأنّه كان يمتلك قلبا متدينا ومحبا للمعرفة الإسلامية،حريصا على الوصول إلى درجة قريبة من الله.
ولا أنسى أن كثيرا من الأجانب سواء أوربيين أو عرب اعتادوا الجلوس مع مصطفى محمود، وقد أسلم عدد منهم على يديه، فالحمد لله على قناعة الناس بما كتبه ووصل إليه والدي جعلتهم يهتدون على يديه، وبالطبع هذا شيٌ سبّب له سعادة كبيرة، وبكل أمانة لم أجد إنسانا فى هذه الحياة مقنعا مثلما وجدته لأنه عندما يتحدث يكون كلامه بالبرهان والمعلومات،والشواهد ويقول الأشياء ببساطة يفهمها الجميع وهو فى حد ذاته إقناع شديد"
وقالت أذكره وهو على فراش الموت حين قال لي :إنّ الوقوف بين يدي الله شيء صعب جداً وليس بالهيّن" وهذه كانت المرة الأولى التي أراه يبكي فيها وكأنه عاش تلك اللحظة.الله يرحمه وغفر له ويتجاوزعن خطاياه ويدخله الجنة بغير حساب ولا سابق عذاب.
ابنه الراحل العظيم تتحدث عن والدها
كن كما أنت وستهديك نفسك إلى الصراط،العلم والإيمان هما وجها الإنسان الكامل.. هناك حل دائما وهناك مخرج طالما هناك إيمان،.. كلمات وجٌمل مأثورة كتبها المفكر الكبير، الدكتور الراحل مصطفى محمود، ترسخت في عقول وأفئدة أجيال متعاقبة من قرآئه وأثرت في حياتهم، واتخذوها منهجًا يسيرون عليه في دروب الحياة وعتمتها، ومن بين هؤلاء ابنته "أمل مصطفى محمود"، التى التقينا بها فى "صومعة" الراحل، تلك الشقة التى كتب فيها إبداعاته وأفكاره ولا تزال طريقا منيرا لمحبيه..
فى صومعة الرجل البسيطة، بجوار جامع ومستشفى مصطفى محمود بالمهندسين، ستجد بعض الملابس القليلة، وفوق سريره عود، وعلى الجدار صورة لصاحب الفكر، بينما تنتشر الكتب فى أرجاء المكان.
تحدثت أمل عن علاقة والدها بالرؤساء ورجال الفكر والسياسة، معلنة أن صفوت الشريف، رجل مبارك، كان صاحب الكلمة العليا فى وقف برنامج والدها الذى فشلت كل محاولات استمرار بثه حتى أعلنها الشريف صراحة: "لا مكان لفلول السادات الآن".. مبارك يكره العلم والإيمان ..
"أمل مصطفى محمود": نعيش أنا ووالدتى وأولادى فى شقة بجوار المسجد، كان اشتراها لى قبل وفاته بسنوات قليلة، بينما يقيم أخى خارج البلاد، حيث يعمل فى اليونان.
- بالفعل "بابا كان مصاحبنى جدا"، وحرص دائما على الفضفضة معى بأشياء كثيرة على سبيل السرية التى لا يعرفها سوى نحن الاثنين فقط، وكانت شخصيته تعجبنى جدا، فقد امتاز بهدوئه الشديد وأدبه الجم وإحساسه اللامتناهى، فضلا عن حنانه الفياض الذى لا ينقطع.. ورأيت منه حنانًا غمر كل من حوله دون استثناء.
هذا هو سر عشق وتعلق من اقتربوا منه به، فلم يكن يبخل على أحد بشىء ويعطى دائما من مشاعره وعواطفه للجميع، ولا يشك فى كرمه أحد، ومن أفضل صفاته على الإطلاق: التسامح والزهد، ولا أنسى أنه فى سنواته الأخيرة، عندما تسلل إليه المرض، كان يشعر بقرب الفراق، وكان يسعى لاستثمار كل لحظة فى حياته بوجودنا معه، وكان صادقا فى كل شىء. لا يحب المواربة أو الخداع.
هذا هو سر عشق وتعلق من اقتربوا منه به، فلم يكن يبخل على أحد بشىء ويعطى دائما من مشاعره وعواطفه للجميع، ولا يشك فى كرمه أحد، ومن أفضل صفاته على الإطلاق: التسامح والزهد، ولا أنسى أنه فى سنواته الأخيرة، عندما تسلل إليه المرض، كان يشعر بقرب الفراق، وكان يسعى لاستثمار كل لحظة فى حياته بوجودنا معه، وكان صادقا فى كل شىء. لا يحب المواربة أو الخداع.
- بكل صراحة وأقول هذا الكلام لأول مرة، كنت أرغب فى الإبحار فى الفلسفة التى أحببتها بسببه، لكنه منعنى من ذلك، وكان دائما يراقبنى وأنا أقرأ هذا العِلم، ويحاول بذكائه المعهود أن يوقفنى، فكان يشغلنى بأمور أخرى، وعندما استفسرت منه عن عدم تشجيعه لى فيما أحب، قال بكل صراحة :إن الفلسفة "جيدة" بحدود، ولكن إذا تخطت مساحة معينة يمكن أن تسبب لك مشكلات لا فائدة منها مطلقاً، وأضاف أن التعمق في الفلسفة يمكن أن يصل بى إلى مرحلة اللاعودة.
وحكى لى عما حدث معه فى مراحل عمره الأولى من تعب ومشقة بسبب مرحلة الشك التى أخذت سنوات من عمره يبحث فى كل شىء ويذهب إلى كل مكان محاولا الوصول إلى ضالته، لذلك كان حريصا على ألا يتكرر الأمر معى، ولثقتى فيه اقتنعت بكلامه وصدق حديثه، أما مجال الطب فلم أرغب فيه، وكذلك شقيقى الذى آثر البعد عنه.
والدى كان قارئاً فى كل مناحى الحياة والعلوم بدرجة امتياز، فقضى معظم حياته فى البحث عن المعرفة، كان يأكل قليلا وينام بضع ساعات لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة، ويسرق اللحظات للجلوس معنا، لكنه كان يدخل غرفته التى أطلقنا عليها "الصومعة" كى يقرأ.
كان شغفه بالقراءة والمعرفة بدأ فى سن مبكرة، ومنذ نعومة أظافره، كما حكى لى، حتى وصل فى مرحلة المراهقة إلى أسئلة كثيرة لم يعرف إجابة لها، وبدأ يتحرى الإجابة فى كل كتاب، ومع كل مدرس أو شيخ، لكنه لم يصل إلى ما يريح قلبه ويثلج صدره، وبدأ يشك فى ثوابت كثيرة، وذهب إلى معلمين كثر، وكانت الطامة الكبرى عندما اصطدم بأفكارهم، كما قال لى.
كان شغفه بالقراءة والمعرفة بدأ فى سن مبكرة، ومنذ نعومة أظافره، كما حكى لى، حتى وصل فى مرحلة المراهقة إلى أسئلة كثيرة لم يعرف إجابة لها، وبدأ يتحرى الإجابة فى كل كتاب، ومع كل مدرس أو شيخ، لكنه لم يصل إلى ما يريح قلبه ويثلج صدره، وبدأ يشك فى ثوابت كثيرة، وذهب إلى معلمين كثر، وكانت الطامة الكبرى عندما اصطدم بأفكارهم، كما قال لى.
الشيوخ التقليديون الطامة الكبرى
سأل شيخًا مرة عن سبب وجود الذباب والحشرات فى المنزل فأعطاه ذلك الشيخ ورقة وطلب من والدي أن يضعها وسط المنزل، وقال له "اطمن يا مصطفى مش هتشوف حشرات تانى" وبعد أن فعل أبى ذلك وجد أن الحشرات كما هى، وعلم أن هذا الشخص وأمثاله جهلاء، فبدأ عدم الثقة فى هؤلاء.
وزادت مساحة الشك داخله، حتى لم يعد مقتنعا بأى مسلمات، حتى وصل إلى ما وصفوه من فكر، وظل هكذا حتى نهاية تعليمه الجامعى تقريبا عندما اكتشف الحقيقة كما قال، وعاد إلى اليقين.
وقال لى إنه شك فى كل شىء إلا وجود الخالق ، و كان بداخله قناعة أن هناك منظما لهذه الدنيا ولا يمكن لعاقل أن يغيب عن هذه الحقيقة، وكان الشك، حسب قوله، فى أشياء مثل: من هو الخالق، والحساب والبعث، ومرحلة ما بعد الموت، وهل الإنسان ستنقطع علاقته بالله بعد أن يوارى الثرى أم لا، وهل سيعيش الأحياء جميعا معا فى عالم آخر، بعد هذه الدنيا، وكيف تكون شكل الحياة بعد الممات.
وماذا عن الطبيعة التى تحدث عنها بعض الفلاسفة، وما هى الديانة الصحيحة، وهل الكتاب الأخير هو التوراة أم الإنجيل أم القرآن؟.... إلى نهاية هذه الأشياء التى ليس لها حدود، وأطلق لنفسه العنان، فأبحر فى التوراة والإنجيل لدرجة أنه جاء بجميع الأناجيل الموجودة وقرأها وعرف ما لا يعرفه أهل تلك الديانات أنفسهم، حتى أصبح عالما بخفايا وعمق تلك الأديان، وقال لى:
وماذا عن الطبيعة التى تحدث عنها بعض الفلاسفة، وما هى الديانة الصحيحة، وهل الكتاب الأخير هو التوراة أم الإنجيل أم القرآن؟.... إلى نهاية هذه الأشياء التى ليس لها حدود، وأطلق لنفسه العنان، فأبحر فى التوراة والإنجيل لدرجة أنه جاء بجميع الأناجيل الموجودة وقرأها وعرف ما لا يعرفه أهل تلك الديانات أنفسهم، حتى أصبح عالما بخفايا وعمق تلك الأديان، وقال لى:
"اكتشفت أشياءً لم أكن أتخيلها، ولم أترك شيئا خاصا بالقرآن الكريم إلا واطلعت عليه، وقرأت لفلاسفة الأديان حتى وصلت إلى اليقين النهائى"، وللعلم كانت تلك المرحلة فى بداية حياته، ولم تمكث كثيرا، حيث انتهت فى نهاية رحلته الجامعية بكلية الطب.
- قراءاته الكثيرة والعميقة فى كل شىء وجميع الأديان والوقوف على آراء الفلاسفة جعلته يقارن بينها جميعا، خاصة أن القرآن الكريم موجود بين يديه باستمرار، حيث وصفه بأنه الميزان الذى عرف منه قدر كل شىء، فقد كان يرجع كل أمر إلى القرآن ويقارن ويفكر حتى اهتدى وتيقن أن الصواب الذى لا يقبل الشك، واليقين الذى يمتلك كل الأجوبة هو القرآن الكريم.
والأكثر من ذلك إدراكه أن القرآن يؤدى للمثالية التى تطلع إليها كثيرا، وكان أكثر ما يتمناه فى هذه الدنيا أن يكون إنسانا مثاليا، حيث وجد ضالته فى هذا الكتاب المنزل من عند الله، بعد أن كان يسأل نفسه هل هذا الكتاب محق فعلا، وهل هو خاتم الكتب السماوية، أم أنه ليس هكذا؟
والأكثر من ذلك إدراكه أن القرآن يؤدى للمثالية التى تطلع إليها كثيرا، وكان أكثر ما يتمناه فى هذه الدنيا أن يكون إنسانا مثاليا، حيث وجد ضالته فى هذا الكتاب المنزل من عند الله، بعد أن كان يسأل نفسه هل هذا الكتاب محق فعلا، وهل هو خاتم الكتب السماوية، أم أنه ليس هكذا؟
نعم توصل إلى أنه آخر ما جاء من عند الخالق،ونزل على سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم)، وكانت هذه بداية مرحلة اليقين، وقد أكد لى أن معظم من يقولون إن الطبيعة هى التى خلقت الإنسان يعلمون أنهم مخطئون، وعندما سألته أجابنى بأنهم حاولوا الاستغناء عن كلمة الله، بالطبيعة وفى قرارة أنفسهم متيقنون أن هناك خالقا لهذه الطبيعة وأن العقل البشرى لا يقبل أن تخلق الطبيعة نفسها، لكنها مسألة عناد وسفسطة من البعض ليس أكثر.
هل ندم على كتاباته التى كشف فيها رحلة أفكاره تلك؟
- لم يندم، لأنه كان يوضح ما عانى منه كثيرا وكيف تغلب عليه، وقدم للناس أدلة ثبوتية على قناعاته التى وصل إليها وأصبح يجيب عن الأسئلة التى يمكن أن تدور فى الصدور عن الدنيا وما بعد الممات، وهى أشياء يمكن أن تجدها فى عقول كثيرين، لذلك من الصواب أن يكتب لها إجابات مقنعة بأدلة، وهو ما فعله، وأحب أن أقول إن كثيرا ممن هاجموه من رجال الدين، سواء الإسلامى أو المسيحى، عادوا وأثنوا عليه وقالوا له «أنت محق»، ونحن كأسرته كنا نخشى عليه أن يتم اغتياله بعد أن أخبرنا الأمن بأن هناك من الإسلاميين المتشددين يفكرون فى الأمر، لكنه لم يكن يهتم بالموضوع ويقول «الأعمار بيد الله».
ترددت أقاويل عن مرافقة الدكتور مصطفى محمود للجان..
- هذه شائعة نشرتها كاتبة تدعى «لوتس»، وأنا شاهدة على هذا، حيث جاءت إلى منزلنا طلبت لقاء والدى، وقلت لها إنه مريض ويرفض أن يراه أحد فى هذه الفترة، وأصرت أن تدخل، فذهبت لأبى أستأذنه، وجدته فى حالة يرثى لها ولم أستطع أن أقل له شيئا ورجعت لها أبلغتها صعوبة لقائه.
نزلت من المنزل غاضبة تتمتم بكلمات يظهر منها التذمر والضيق، ولم نرد عليها لانشغالنا بما هو أهم وأفدح، فقد كان مرض أبى صعبا بالفعل، وبعد هذا الموقف بأيام قليلة كتبت «لوتس» أن مصطفى محمود مصاحب للجن ويمكث فى حجرته لا يقابل أحدا، ولم نرد عليها، بل إن هذا الأمر جعلنى أتذكر شيئا بشأن هذا الموضوع، حيث قبل أبى دعوة أحد المحبين له، وكان شخصا ملما وضليعاً بأحوال الجن.
ولأن والدى يحب استكشاف الأشياء ذهب للرجل، وعندما عاد كان منزعجًا وبدت عليه علامة التعب والإرهاق، وأخذ يردد "لا إله إلا الله"، ويقرأ القرآن ويشكو من المعدة حتى صباح اليوم التالى، عندما عاد لطبيعته وقص علينا أنه شاهد الرجل يتغير ويقوم بعمل أشياء غريبة مما دعاه إلى الانصراف بعد فترة ليست طويلة من جلسته معه.
نزلت من المنزل غاضبة تتمتم بكلمات يظهر منها التذمر والضيق، ولم نرد عليها لانشغالنا بما هو أهم وأفدح، فقد كان مرض أبى صعبا بالفعل، وبعد هذا الموقف بأيام قليلة كتبت «لوتس» أن مصطفى محمود مصاحب للجن ويمكث فى حجرته لا يقابل أحدا، ولم نرد عليها، بل إن هذا الأمر جعلنى أتذكر شيئا بشأن هذا الموضوع، حيث قبل أبى دعوة أحد المحبين له، وكان شخصا ملما وضليعاً بأحوال الجن.
ولأن والدى يحب استكشاف الأشياء ذهب للرجل، وعندما عاد كان منزعجًا وبدت عليه علامة التعب والإرهاق، وأخذ يردد "لا إله إلا الله"، ويقرأ القرآن ويشكو من المعدة حتى صباح اليوم التالى، عندما عاد لطبيعته وقص علينا أنه شاهد الرجل يتغير ويقوم بعمل أشياء غريبة مما دعاه إلى الانصراف بعد فترة ليست طويلة من جلسته معه.
ولماذا كان مقتصرا فى طعامه على الجبن والخبز.. وهو ما زاد من انتشار شائعة علاقته بالجن؟
- والدى كان دائم الشكوى من المعدة، والأكل كان يسبب له مشاكل ومعاناة حتى ظل سنوات قبل مرضه يتناول الخبز والجبن والأسماك والأرز الأبيض فقط، وقد أصابه السرطان قبل وفاته وتم استئصال جزء من الجهاز الهضمى له، فهذه المأكولات كان مجبرا عليها، وقد توفى بهذا المرض فضلا عن مشاكله الصحية التى ألمت بالجهاز التنفسى، واحب أن أوضح شيئا فى غاية الأهمية، وهو أن والدى كان يخاف المرض ويشعر دائما بأنه سيتعرض لمشكلة صحية كبرى وقد حدث.
اقتربت بعض الفنانات من والدك رغبة فى التدين والقرب من الله.. من أبرز الوجوه التى شاهدتها؟
- الهداية بالطبع من عند الله، لكن كانت هناك فنانات تحب الاستماع إليه، وكثيرا ما شاهدت شخصيات لامعة بصحبته، أتذكر طبعا مديحة كامل وشادية عليهما رحمة الله، والحاجة ياسمين الخيام وسحر حمدى التى تأثرت كثيرا بفكر والدى، وكانت حريصة على التواجد فى المنزل للفهم والتدبر من خلاله.
وأتذكر أنه منحها مجموعة كتب من مؤلفاته هدية لها، فضلا عن صداقته الشديدة بالموسيقار الكبير الراحل محمد عبدالوهاب حيث لم يخل أى لقاء بينهما من جدل ونقاشات شديدة حول الفن والدين، وكان له أصدقاء كثر من الفنانين والمطربين مثل عبدالحليم حافظ وسعاد حسنى وعزت العلايلى، ولا أخفى سرًا أن عددا من أصدقائه من غير الفنانين، حاولوا الالتصاق به قبل وفاته من أجل الشهرة، وبعد رحيله، عندما ذكروا مواقف جمعته بهم غير حقيقية بالمرة.
وأتذكر أنه منحها مجموعة كتب من مؤلفاته هدية لها، فضلا عن صداقته الشديدة بالموسيقار الكبير الراحل محمد عبدالوهاب حيث لم يخل أى لقاء بينهما من جدل ونقاشات شديدة حول الفن والدين، وكان له أصدقاء كثر من الفنانين والمطربين مثل عبدالحليم حافظ وسعاد حسنى وعزت العلايلى، ولا أخفى سرًا أن عددا من أصدقائه من غير الفنانين، حاولوا الالتصاق به قبل وفاته من أجل الشهرة، وبعد رحيله، عندما ذكروا مواقف جمعته بهم غير حقيقية بالمرة.
هناك تسجيل شهير يجمع بين والدك والموسيقار محمد عبدالوهاب عن الفن والدين.. هل تعرفين كواليس هذا اللقاء؟
- هذه النقاشات لم تنته بينهما، فقد كانا صديقين مقربين، وكان عبدالوهاب يثق فى رأى والدى، وكثيرا ما استعان به فى أسئلة وموضوعات كثيرة، وأتذكر أن موضوع حرمة الفن كان هو أساس الجدال، كان أبى يرى أن الفن مثل أشياء كثيرة يمكن أن يكون حلالا إذا قدم أعمالا مفيدة هادفة، وهو نفسه كان يحب الموسيقى والغناء، وعندما سأله عبدالوهاب فى هذا الموضوع، قال له لكن يجب أن يلاقى كل منا الله ـ عز وجل ـ بأعمال أخرى تكون فى ميزانه عند الحساب، وأتذكر أن عبدالوهاب بكى أكثر من مرة عندما تناقش مع والدى فى مسألة الدين، ولذلك كان حريصا فى أواخر أيامه على الإكثار من الابتهالات الدينية رغبة فى عمل شىء يقربه من ربه.
كان يمتلك قلبا متدينا ومحبا للمعرفة الإسلامية، حريصا على الوصول إلى درجة قريبة من الله، ولا أنسى أن كثيرا من الأجانب سواء أوروبيون أوعرب اعتادوا الجلوس مع والدى، وقد أسلم عدد منهم على يديه، فالحمد لله قناعة الناس بما كتبه ووصل إليه والدى جعلتهم يهتدون على يديه وبالطبع هذا شىء سبب له سعادة كبيرة، وبكل أمانة لم أجد إنسانا فى هذه الحياة مُقنِعاً مثلما وجدته لأنه عندما يتحدث يكون كلامه بالبرهان والمعلومات والشواهد ويقول الأشياء ببساطة يفهمها الجميع وهو فى حد ذاته إقناع شديد.
كان يمتلك قلبا متدينا ومحبا للمعرفة الإسلامية، حريصا على الوصول إلى درجة قريبة من الله، ولا أنسى أن كثيرا من الأجانب سواء أوروبيون أوعرب اعتادوا الجلوس مع والدى، وقد أسلم عدد منهم على يديه، فالحمد لله قناعة الناس بما كتبه ووصل إليه والدى جعلتهم يهتدون على يديه وبالطبع هذا شىء سبب له سعادة كبيرة، وبكل أمانة لم أجد إنسانا فى هذه الحياة مُقنِعاً مثلما وجدته لأنه عندما يتحدث يكون كلامه بالبرهان والمعلومات والشواهد ويقول الأشياء ببساطة يفهمها الجميع وهو فى حد ذاته إقناع شديد.
هوايات مصطفى محمود
- كان يحب الفلك بدرجة شديدة، وكانت لديه مجموعة كبيرة من التليسكوبات استخدمها فى النظر للسماء والنجوم، وكان محبا لكل العلوم وأهمها الطب، وهناك مواقف غريبة حدثت له أذكر منها، عندما كان طالبا فى كلية الطب وسأله أستاذه ذات مرة عندما وجده صامتًا وهادئًا: ماذا فهمت من المحاضرة؟
كانت إجابته صادمة للأستاذ، حيث ذكر له أشياء لم يتم شرحها أصلا، فقال له أستاذه هذه الأشياء «لسه ما قلناهاش إنت عرفتها إزاى.. وحكايتك إيه بالضبط» وعرف من زملائه أنه نابغة وذكى.. وكان من هواياته أيضًا، «الطيران»، حيث لم يفوت مرة ونحن على متن الطائرة أثناء سفرنا، إلا ودخل كابينة الطيار وجلس مع الكابتن، وكان بيشترى طائرات ورقية للعب بها واشترى طائرة كبيرة من خارج مصر تعمل بالريموت كنترول وقام بإرسالها فى الجو لكنها خرجت عن المجال ولم تعد، وكان يضحك معنا ويقول «الطيارة رجعت لبلادها»
وأتذكر شيئا أخذ فترة جدال طويلة بينه وبين أمى، حيث رغب فى أن يكون أخى أدهم طيارًا وقال ذلك لأخى بالفعل، ونقل شقيقى المحادثة لأمى، فقالت لوالدى «أنا بخاف من الطائرات عكسك وفيها خطورة وده ابنى الوحيد مش معقول هتخلينى مانامش أبدا.. مستحيل ابنى يبقى طيار».
وانتهى الأمر باختيار أدهم لطريق مختلف غير ما تمناه أبى الذى لم يضغط أبدا علينا، وترك الحرية فى الاختيار لنا، وقد أحب والدى أيضًا ركوب اليخت وكان يقول لى أنا نفسى أشترى يخت ونلف بيه العالم ده وأخذ يدربنا على الأمر، كل أسبوع ننزل ونستقل مراكب نيلية من أجل التعود على البحر ودواره، ولكن الحلم لم يكتمل، كان يستمتع بالغناء على العود، وكان له صوت جميل لكن أحباله الصوتية كانت ضعيفة، وكثيرا ما سمعته يغنى مع عبدالوهاب، وقد عشق الفلوت حتى موسيقى برنامجه العلم والإيمان هو الذى اختارها ووضع فيها الفلوت.
وانتهى الأمر باختيار أدهم لطريق مختلف غير ما تمناه أبى الذى لم يضغط أبدا علينا، وترك الحرية فى الاختيار لنا، وقد أحب والدى أيضًا ركوب اليخت وكان يقول لى أنا نفسى أشترى يخت ونلف بيه العالم ده وأخذ يدربنا على الأمر، كل أسبوع ننزل ونستقل مراكب نيلية من أجل التعود على البحر ودواره، ولكن الحلم لم يكتمل، كان يستمتع بالغناء على العود، وكان له صوت جميل لكن أحباله الصوتية كانت ضعيفة، وكثيرا ما سمعته يغنى مع عبدالوهاب، وقد عشق الفلوت حتى موسيقى برنامجه العلم والإيمان هو الذى اختارها ووضع فيها الفلوت.
هل كان مصطفى محمود عدواً للمرأة.. بدليل انفصاله عن زوجتين وبقائه وحيدا حتى الوفاة؟
- هذا فهم خاطئ لشخصية والدى، فهو لم يكره المرأة مطلقا بدليل أنه أحب ابنته الوحيدة حبا جما، كما أنه تزوج والدتي عن حب برغم فارق السن بينهما، حيث كان قد وصل للأربعين، وهى كانت فى الخامسة عشرة من عمرها، وانفصل عنها بعد سنوات من إنجابنا، ثم تزوج بأخرى وانفصل عنها أيضًا..
ولو كان يكره المرأة ما تزوج مرتين،والحقيقة أنه قال لى إنه اكتشف أن المرأة فى حياته لا تصلح زوجة كما وصف لى،ويجب أن تكون أختًا أو صديقة؛ لأنه يحب الخصوصية والوحدة التى يكون فيها مع كتبه وأفكاره، وهذا بالطبع لا يستقيم فى الحياة الزوجية؛ لأن الزوجة تحتاج مساحة من زوجها وهو غير قادر على التخلى عن كتبه وأبحاثه، ولك أن تتصور أنه عندما كان ينشغل بشىء يظل داخل حجرته منكبا على الكتب والكتابة، ولا يعير الطعام اهتماما، وللأمانة كان يخصص وقتًا للجلوس والضحك معنا فلم يرض أبدا بظلم أسرته، كما حدثنى مرات كثيرة عن ارتباطه بفتيات.
هؤلاء الفتيات التى أحبهن؟
- بشكل عام، كان يحب الحب، فعواطفه كانت جياشة، ومشاعره دائما موجودة، وقد أخبرنى أن أول حب فى حياته كان فى سن التاسعة عندما تعلق قلبه بفتاة فى نفس عمره من جيرانه وذكر لى أنه لم ينم أياما طويلة بسببها حيث بادلته المشاعر وتحدثا معا لكن تدخل زملاء له وحاولوا إيذاءه لمنعه من حبها حقدا عليه.
لأنها كانت جميلة ولطيفة كما وصفها، وظل فترة يرتب لمقابلتها، لكنها ابتعدت بفعل هؤلاء الأشخاص،وكان الحب الثانى فى فترة الجامعة، ثم كانت علاقته بوالدتي التى تعلق بها بشدة رغم فارق السن بينهما.
لأنها كانت جميلة ولطيفة كما وصفها، وظل فترة يرتب لمقابلتها، لكنها ابتعدت بفعل هؤلاء الأشخاص،وكان الحب الثانى فى فترة الجامعة، ثم كانت علاقته بوالدتي التى تعلق بها بشدة رغم فارق السن بينهما.
و جاءت فكرة بناء مسجد ومستشفى مصطفى محمود
- أخبرنى أنه شاهد فى المنام بقعة نور تزداد كبرا واتساعا وإضاءة، وذكر أنها تشبه مسجدًا ومبنى آخر، ولذلك أخذ قرار بناء المسجد وسخر له معظم ما حصل عليه من أموال، وقد أعانه الله بوقوف أهل الخير بجواره حتى جاءت فكرة المستشفى حيث تواجد مبنى ملاصق للمسجد كان يرغب صاحبه فى عمل مستشفى لكنه لم ينجز الفكرة وعرض على والدى أن ينفذ الفكرة ووافق على الفور، وأصبحت كما ترى الآن، والجدير بالذكر أنه سكن فى شقة ملاصقة للمبانى وهو المكان الذى نعيش فيه الآن حتى وافته المنية قبل سنوات،
وقد تفرغ لهذا العمل والحمد لله توفي راضيا عنه وكانت له فلسفة فى الحياة بخصوص المال، حيث عودنا على أخذ ما نحتاجه فقط، وهو ما سماه «حد الكفاف» وحرص دائما على نصيحتنا بأن الإنسان يجب ألا يزيد فى طلباته عن حد الكفاف وهو ما لا يمكن أن يعيش بدونه وعدم اقتناء ما يزيد عنه، حتى المال كان يضع الفائض منه فى أعمال الخير.
لم تكن علاقته بالرئيس عبدالناصر جيدة.. ما هى الأسباب الحقيقية؟
- تخيل عبدالناصر أن والدى كان يكرهه، وأنه اعتاد عمل إسقاطات على شخصه فى كتاباته، حتى جاء مقال كتبه عن هتلر، فما كان من عبدالناصر إلا أن أصدر أوامره بإيقافه عن الكتابة، معتقدا أنه يقصده من وراء هذه الكلمات، وظل على ذلك فترة.
وحاول أصدقاء الوالد التوسط لدى الرئيس لإعادته إلى عمله، وطالبوه بالاتصال بالرئيس والاعتذار له، فرفض وقال "لم أخطئ حتى أعتذر".
ولكن بعد فترة نجح الوسطاء من زملائه وعاد للكتابة مجددا، لكن أبى لم يكره أحدا، ولم يرد حتى على من هاجموه، من المقربين من عبدالناصر، أمثال محمد حسنين هيكل رحمه الله، والذى تبرع مرارًا لمهاجمة والدى وانتقاده بأبشع الألفاظ، غير أن والدى لم يعر الأمر اهتماما وكان رده دائما "لا تشغلنى تلك الأمور ولا هذه الكلمات".
وحاول أصدقاء الوالد التوسط لدى الرئيس لإعادته إلى عمله، وطالبوه بالاتصال بالرئيس والاعتذار له، فرفض وقال "لم أخطئ حتى أعتذر".
ولكن بعد فترة نجح الوسطاء من زملائه وعاد للكتابة مجددا، لكن أبى لم يكره أحدا، ولم يرد حتى على من هاجموه، من المقربين من عبدالناصر، أمثال محمد حسنين هيكل رحمه الله، والذى تبرع مرارًا لمهاجمة والدى وانتقاده بأبشع الألفاظ، غير أن والدى لم يعر الأمر اهتماما وكان رده دائما "لا تشغلنى تلك الأمور ولا هذه الكلمات".
- السادات كان يحبه كثيرا، وهو من شجعه فى عمله ووفر له الظروف المناسبة للنجاح وكان من أشد الحريصين على متابعته، وبرنامجه "العلم والإيمان" كان نقلة كبيرة فى حياة والدى، حيث استطاع تقديم علمه ومعرفته للبشرية، وبصراحة السادات كان رئيسًا مثقفًا وفاهمًا وله نظرة فى الأشخاص، وكثيرا ما كانت سيارة الرئيس تأتى لتقل أبى من المنزل إلى مقر الرئاسة للقائه.
علاقته بمبارك التى كان يسودها احترام متبادل تغيرت بعد رحيل السادات.. وتم وقف البرنامج.. لماذا؟
- بكل أمانة، رفض نظام مبارك وتحديدا صفوت الشريف استمرار البرنامج، وكان يعتبر والدى من فلول السادات، وقد علق "صفوت الشريف" لأحد المقربين من والدى بأن هذا العصر ولى،ولابد أن يبتعد أشخاص النظام القديم عن الأضواء، بالرغم من أن البرنامج تم إذاعته عبر قنوات خارج مصر، وقد حاول والدى توضيح الموقف لأحد الوسطاء الكبار بأن البرنامج علمى دينى لا علاقة له بالسياسة، لكن المحاولات باءت بالفشل.
أبرزكتب مصطفى محمود:
تعليقات