المصريون هل لديهم قصورفي إدارة البلاد؟




"هأو" يا سيسي؟
"كلنا نؤمن بالديمقراطية لكن، متى نطبقها؟" هكذا رد عمر سليمان، نائب حسني مبارك، على شبكة إيه بي سي الأميركية، في فبراير 2011، قبل تنحّي مبارك بأربعة أيام.

 وانتشرت بعدها صياغته الإنكليزية الركيكة لسؤال متى نطبقها على مواقع التواصل الاجتماعي، في هيئة كوميكس، يسخر منها، وبها، المصريون، "بط هوين"؟ 

السؤال نفسه، في التاريخ نفسه، ولكن عام 2016، وجهته مجلة جون أفريك للرئيس عبد الفتاح السيسي، ليجيب: المصريون لن يكونوا مؤهلين للديمقراطية قبل 2030، وهو المعنى نفسه الذي ردّده مبارك، في مكالمة هاتفية مع الرئيس أوباما، في فبراير 2011، حكى عنها الأخير في مذكّراته، وطالب أوباما فيها بالتنحّي، ليردّ مبارك صارخا بالعربية: "أنت لا تعرف ثقافة المصريين"

كما أنه المعنى نفسه الذي تجده في مذكرات خالد محمد خالد، حين تحدّث عن لقائه بالرئيس جمال عبد الناصر، وكلامه معه عن الديمقراطية، فردّ الزعيم بما مفاده بأن الوقت غير مناسب، و"أمامنا عشرين ثلاثين سنة"!
المصريون دائما غير مؤهلين للديمقراطية، ويلزمهم الوقت. وبعد مرور الوقت، يلزمهم مزيد من الوقت. 

وبعد مرور المزيد، يلزمهم المزيد والمزيد والمزيد، وهكذا إلى يوم يبعثون، والمعنى نفسه، يمدّه الرئيس السيسي،على استقامته، ليصل بنا في خطابه السبت الماضي، بمناسبة الإعلان عن "الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان"، إلى أن الوقت غير مناسب! 

وأن المصريين غير مؤهلين لحقوق الإنسان، كما أنهم لم يكونوا مؤهلين للمسار الاشتراكي في عصر عبد الناصر،ولم يكونوا مؤهلين للمسار الذي لم يجد له اسما، في عهد أنور السادات، وليسوا مؤهلين الآن للحريات التي إن أخذوها فسوف يهدمون البلد "تاني".

 المؤسسات الدينية غير مؤهلة للإصلاح الديني الذي يريده الرئيس، والمجتمع غير مؤهل لقوانين تجريم ختان الإناث وزواج القاصرات الذي يريده الرئيس، والرئيس يتفهم ذلك كله، ولا يريد أن يضغط على المؤسّسة الدينية، ولا على آباء البنات، ويحترم قيمة الوقت، وأهميته. وعلينا أن نبادله احتراما باحترام، وتأجيلًا بتأجيل، كما على الآخر (الغربي طبعا) ألا يفرض علينا منظومته، وحقوق إنسانه، وحريات مجتمعه، فهي مناسبةٌ له ولتجربته ولناسه ولمجتمعه ولثقافته ولحضارته، وليست لنا. لدينا تجربة أخرى، وحقوق إنسان أخرى، أما فرض الحقوق فهو "مسار ديكتاتوري" يخشى الرئيس السيسي منه!

يحتاج الواقع إلى وقت طويل لتغييره، لا شك في ذلك. كما أن الاستفادة من أفكار الآخرين وتجاربهم لا تكون بالنقل الحرفي عنهم من دون مراعاة السياقات التاريخية، السياسية والاجتماعية والاقتصادية، والخصوصيات الفكرية والثقافية والحضارية، والدينية أيضا.

 ذلك كله صحيح، وبديهي، إلا أن الدولة أهدرت عشرات السنوات من الوقت، بحجّة الحاجة إلى الوقت، ولم تفعل شيئا، كما أن خصومها، وحلفاءها، ووجه عملتها الآخر، من الإسلاميين، ملأوا الدنيا بحديث الاستقلال والهويات والخصوصيات، والوافد والموروث، التي تحول بيننا وبين الاستفادة من منجزات الحضارة الغربية، ولم ينجزوا شيئا، سوى التكريس لمزيدٍ من الاستبدادين، السياسي والديني، وكلاهما استخدم الآخر، واستفاد من الآخر، وتغذّى على الآخر، ليبقى الحال على ما هو عليه، وعلى المتضرّرين أن يتحمّلوا سجون النظام وتكفير الإسلاميين، ثم ماذا بعد؟
يزعم الرئيس السيسي، مرارا، أنه مختلف، وأنه لا يمثل نظام مبارك (بصرف النظر عن كونه مدير مخابراته الحربية)، وأنه يعاني من إرث من سبقوه، أنظمةً وحركاتٍ إسلاميةٍ متطرّفة، وأنه يريد إصلاح ذلك كله وتجاوزه، فيما لا يفعل السيسي شيئا، في ملفات الحريات والديمقراطية وحقوق الإنسان والعدالة الانتقالية والمصالحة المجتمعية، سوى الاستثمار في خطابات الأنظمة والإسلاميين.
 وإعادة تدويرها، بطرقٍ مختلفة، مرّة باستخدام الحكمة، وأخرى بدعوى مصلحة الوطن، وثالثة لأن الشعب غير مؤهل، ورابعة لأن الدين يأمرنا بذلك، وخامسة وسادسة وعاشرة. والخلاصة: علينا أن نصبر إلى ما لا نهاية. 
ما الخطة، الخطوات، "العملية" التي تبدأ الآن وتنتهي بعد عشرة أو عشرين أو خمسين عاما؟ أين "السبت" الذي سيؤدّي بنا إلى "الأحد"؟ نتساءل، على طريقة عمر سليمان، "هاو"؟ ولا يأتينا الرد سوى: "هأو".

..................
هذا انتقام الرب .. إنها سليمة
رحل، قبل أيام، رسام الكاركاتير لارش فيليكس. هل تتذكّره؟ إذا كانت الإجابة نعم، فـ"يا بختك". شخصيا لم أعرفه قبل الشهرة، ولم أتذكّره بعدها بيومين، فهو واحد من الرسامين الذين اشتهروا لأنهم سخروا من النبي صلى الله عليه وسلم، نشر رسمته في 18 أغسطس/ آب 2007 في صحيفة سويدية اسمها نيريككس إليهاندا (اضطررت للعودة إلى "غوغل" للحصول على هذه المعلومات).

كان من الممكن أن تمرّ الرسمة من دون التفات، ولم يكن ليعلم بها أحد سوى قرّاء الصحيفة المحدودين، إلا أن أبو عمر البغدادي، القيادي الداعشي، توعّد فيليكس في فيديو، ورصد مائة ألف دولار مكافأة لمن يقتله، وخمسين ألف دولار لمن يقتل رئيس تحرير الصحيفة التي نشرت له، فتحوّل فيليكس إلى رمز، وأيقونة، وعاش مطاردا من الصحافة والكاميرات والمتطرّفين والمتطرّفات، وتسبب في أزمة دبلوماسية بين بلاده و22 بلدا إسلاميا.
وتعرّض، غير مرة، لمحاولات اغتيال فاشلة. ومُنع من إلقاء محاضراته، كما تعرّض منزله لحريق، وهو خارجه. وكان أطرف ما تعرض له الرشق بالبيض أثناء إلقائه محاضرة في 2012.
الآن، مات لارش فيليكس، حادث سير، عادي، (وربما غير عادي)، في 4 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، اصطدمت سيارته بشاحنة، واشتعلت النار فيهما فقتلته ورجلي شرطة يحرسانه. ومع اشتعال سيارة فيليكس، اشتعلت مواقع التواصل، وبرامج التوك شو، المصرية والعربية، تفسيرات مختلفة في صياغاتها، متشابهة في ادّعاءاتها، تشير إلى أن الله انتقم للنبي، و"شفى صدور قوم مؤمنين".

التعليق الأطرف كان للإعلامي المصري أحمد موسى (أعتذر عن وصف الإعلامي، لكنها الحياة)، أذاع موسى الخبر، منتشيا، وعلّق: مات محروقا، وهتف: "إلا رسول الله". .. موسى، كما تعلم، أحد أكثر المحرّضين على المتظاهرين بقتلهم، المبرّرين حرق جثثهم، الخائضين في أعراض من تبقوا منهم، معتقلين أو منفيين، لكنه يحب النبي، وجمال النبي. ذكّرني، ومعه أغلب التعليقات على "السوشيال ميديا" بالكاهن في فيلم "فجر الإسلام". يقف محمود فرج (حنظلة) يحطّم أحد الأصنام، فيما يدعو "الكاهن" الصنم أن يصبّ لعنته وغضبه على أعدائه.

يصرخ حنظلة: "يا ويلتي شلّت ذراعي". .. يهتف الكاهن (لم يسعفني غوغل باسمه مثل فيليكس): "هذا انتقام الرب .. هذا انتقام الرب". تدور كاميرا صلاح أبو سيف (مخرج الفيلم) لترصد مشاعر المؤمنين إزاء حالة الشلل التي أصابت أخاهم، خوف .. قلق .. اضطراب ..

قبل أن يضحك حنظلة ساخرا ويقول: الرب؟! "إنها سليمة.. إنها سليمة"، فتتحوّل مشاعر الخوف في أعين المسلمين إلى بهجةٍ وطمأنينة، فيما يتحوّل الكاهن إلى ثور هائج، ويحاول أن يقتل أحدا ممن تعرّضوا لصنمه بسهم في جعبته.
هكذا هي مشاعر الاحتفاء والانتشاء المجّانية إذا اصطدمت بالواقع، تتحوّل إلى عنف.. وقتل.. وتحوّلات جذرية، تنتزع صاحبها من الإيمان إلى الكفر، ومن التصديق إلى التكذيب، ومن الحب إلى الكراهية، ومن الدّعاء إلى السلاح.

لست متعاطفا، طبعا، مع رسوم لارش فيليكس، ولست مهتما، في الحقيقة، لا به ولا برسوماته التي ما كان لها أن تُعرف لولا أن بعض الموتورين حملوها على أجنحة الذيوع، ولو تركوها لماتت قبل صاحبها، ولم يشعر بها أحد، لكنني مشغول، أكثر، بالتفسيرات الغيبية لليومي والعابر والمعتاد، (تفسيراتنا/ أصنامنا).

يموت آلاف الأشخاص، يوميا، في حوادث سير، من دون أن يكون ذلك انتقاما إلهيا. ويموت آلاف الأشرار والطغاة والقتلة والمجرمين والمستبدّين، بين أهلهم، وعلى فراشهم، محاطين بالتوقير والتبجيل والدعوات والورود على شواهد القبور، من دون أن يكون ذلك تكريما لهم، أو "حسن خاتمة"!.

للإله حسابات أخرى، ومنطق آخر، لا يغضب كما نغضب، ولا يغتاظ كما نغتاظ، ولا يتربّص وينتقم ويقتل ويحرق، على طريقتنا، "ليس كمثله شيء". وما تشهده مرحلة ما بعد إخفاقات الربيع العربي من موجة "نفورٍ ديني"، يتواطأ أصحابها ونقادهم على تسميتها، خطأ، الإلحاد.

هي نتائج طبيعية، لتصوّراتٍ دينيةٍ طوباويةٍ افترض أصحابها انتصار الحق لأنه حق، وهزيمة الباطل لأنه باطل، فإذا بالواقع "يفشخ" الخيال، فالرحمة.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حوار مع الشيخ : عثمان حاج مصطفى

أسامة خليفة ..إنتاج فيلم الطفل انطلاقا من قيمناِ لاء للإنتاج الفني، تقف على خط المواجهة، وبصدق نقول هذا، فقد كانت المبادرة إلى هذا العالم الرحب في وقت كان هَمّ الآخرين أن يقوموا بدبلجة ما يقدم، نريد من يؤمن بالفكرة

موسى ابن نصير قائد عسكري عربي في عصر الدولة الأموية. شارك موسى في فتح قبرص في عهد الخليفة معاوية بن أبي سفيان