النزاع في كشمير.. تحد للضمير العالمي
تتم مناقشة أسباب الصراع على كشمير بين المتنافسين في عدة نقاط تتمحور في كثير من الأحيان حول خدمة المصالح العالمية بدلًا من الاحتياجات أو الرغبات الأساسية للكشميريين أنفسهم.
والتحدي الذي يواجه أولئك الذين يتحدثون عن السلام والاستقرار والحقوق الديمقراطية في منطقة جنوب آسيا هو استمرار تفاقم المشكلة منذ 74 عامًا.
والدليل الأكثر صلة بهذا الصراع هو أن الهند لديها في السنوات الأخيرة ما يصل إلى 900 ألف من القوات العسكرية وشبه العسكرية المتمركزة على قطعة صغيرة من الأرض لا تزيد مساحتها عن ولاية تينيسي الأمريكية.
وبالمقارنة فإنه خلال ذروة حرب العراق في أكتوبر 2007، كان عدد القوات الأمريكية يزيد قليلاً عن 166 ألف، ومساحة العراق تقارب مساحة ولاية كاليفورنيا.
من الواضح أن عدد القوات المتمركزة في كشمير مهم للغاية، ولكن لا يوجد هناك حرب، ولا يوجد تهديد خارجي وشيك من غازي أجنبي يحشد قواته على الحدود، فلماذا هذا العدد الكبير من القوات؟
كثيرًا ما تبرر الهند وجودها العسكري من خلال التأكيد أولاً على أن كشمير"جزء لا يتجزأ" منها، والتأكيد ثانيًا أن باكستان المتواجدة على الحدود تشكل تهديدا لها.
ومن الملاحظ أن كلا الدولتين مسلحتان نوويًا، وتحدث بينهما مناوشات عبر الحدود بشكل دوري بين مجموعة من القوات المتمركزة على طول خط وقف إطلاق النار الذي أنشأته الأمم المتحدة.
ومع ذلك، وبغض النظر عن مدى وجود مثل هذا التهديد، فإن هذا الحجم الهائل من القوات يتجاوز بكثير أي حاجة لمقاومة مثل هذه الغارات هناك، فأفضل طريقة للتأكد من عدم وجود مثل هذا التسلل هو السماح للأمم المتحدة بمراقبة خط وقف إطلاق النار.
الحقيقة أن شعب كشمير نفسه كان دائما معاديا لوجود القوات الهندية على أرضه وقاوم مثل هذا القمع، حيث مات أكثر من مئة ألف كشميري خلال الثلاثين عامًا الماضية فقط، وفي الواقع فإن الاتفاقيات السارية طويلة الأمد في الأمم المتحدة منحت للشعب الكشميري الحق في تقرير مصيره.
محصلة ما لدينا هو حالة لدولة كبيرة تتنمر على دولة صغيرة لإخضاعها في انتهاك ليس فقط لحقها في السيادة، ولكن أيضًا للاتفاقيات الدولية وعشرين قرارًا من قرارات الأمم المتحدة التي تمنحها الحق في تقرير مصيرها السياسي.
إن هدف هذا العدد الكبير من القوات المتمركزة في هذا البلد الصغير ليس لأي غرض آخر سوى القمع الصارخ، فوجودهم يجعل من كشمير مكاناً لأكبر تمركز للجيوش في أي مكان في العالم.
لامبالاة دولية
كتب الدكتور سيد نذير جيلاني عن هذا الموضوع قائلاً: "لقد عَرَّفت الأمم المتحدة شعب جامو وكشمير بأنهم شعب الأسطورة والأغنية والقصة، مرتبطون بالجبال المغطاة بالثلوج والوديان الجميلة والمياه الواهبة للحياة. ولكننا اليوم نربطهم بالعيش في منطقة شديدة التسلح ومحاصرين داخل منازلهم، نربطهم بموطن يتم فيه تجنيد الأطفال لتنفيذ عمليات تجسس لصالح قوات الأمن الهندية (جريمة حرب)".
قد يُعتقد أن المجتمع الدولي سينفجر بسبب مثل هذه الانتهاكات، لا سيما في ضوء حقيقة أن الكشميريين أظهروا تصميمًا حديديًا على مقاومة عشرات الآلاف من عمليات القتل، وآلاف عمليات الاغتصاب والاختفاء والتعذيب التي يتعرض لها السكان على أيدي هؤلاء المحتلين الأجانب.
وفي وضع أكثر مثالية قال الرئيس الأمريكي جو بايدن في 4 فبراير/شباط 2021: "يجب أن نبدأ بالدبلوماسية المتجذرة في القيم الديمقراطية الأكثر اعتزازًا في أمريكا: كالدفاع عن الحرية، وتأييد الفرص، ودعم الحقوق العالمية، واحترام سيادة القانون، ومعاملة الجميع بكرامة"، وقال مرة أخرى في 13 سبتمبر2021:"لقد كنت واضحًا أن حقوق الإنسان ستكون مركز سياستنا الخارجية".
في وقت سابق تناول الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما الذي اختار حين كان يشغل منصبه بايدن نائبًا له: "مشكلة كشمير في واحدة من لحظات الصراحة النادرة، ربما ينبغي أن نحاول تيسير تفاهم أفضل بين باكستان والهند، ومحاولة حل أزمة كشمير". أصبحت التجارة بين الهند والولايات المتحدة منذ ذلك الحين تقدر بقيمة 100 مليار دولار، مع توقعات نموها على المدى القريب لتصل إلى 500 مليار دولار.
وبالنظر إلى مثل هذه التفاهات، وفي حين أنه من المفترض أن تقوم السياسة الخارجية الأمريكية على القيم الأخلاقية والمثل الديمقراطية والمبادئ العالمية، يبدو أنه في أي مكان تحصل فيه مجموعة المصالح التجارية على مكانة كبار الشخصيات، يتم تنحية مثل هذه المُثل والمبادئ جانبًا وبسهولة، فالمال يتحدث بينما المثل العليا تذهب بعيداً، وأخلاقيات الموقف هو اسم هذه المسرحية.
من الواضح تمامًا أن القوى العالمية تشعر بالحرج وعدم الاستعداد للتدخل في أي صراع دولي لأن الدولة المعنية قوية جدًا ولا تأبه بالأخلاقيات، بالإضافة إلى ذلك، يبدو أن رفض الهند قبول الوساطة أو التسهيلات الدولية يغلق الباب أمام أي نوع من الحوار الدولي بشأن كشمير. فالكشميريون محاصرون، والعالم الخارجي لا يتدخل.
معايير مزدوجة
هذا يدعونا للتساؤل، ألا يدرك المجتمع الدولي هذه المعايير المزدوجة؟ كيف يمكن خلق المصداقية والثقة الدولية من خلال هذا السلوك؟ ألا يزرع هذا بذور الكراهية والصراع الدائم؟
قال أوباما عندما تحدث إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة في 24 سبتمبر 2014: "لا ينبغي أن تتنمر الدول الكبرى على الدول الأصغر.. يجب أن يكون الناس قادرين على اختيار مستقبلهم"، مضيفاً: "فشلنا في تطبيق المعايير الدولية عندما يكون القيام بذلك غير ملائم".
كان من الجميل لو أن أوباما ذكر كشمير في نفس الوقت. ومع ذلك، فإن خطابات رئيس الولايات المتحدة حول السياسة الخارجية عادة ما تنطوي على قضايا تتعلق بالمخاوف والأهداف الفورية، وبدا أكثر اهتمامًا بتوجيه أصابع الاتهام إلى روسيا لدعمها الحرب الانفصالية في أوكرانيا والحاجة إلى فرض عقوبات.
في حين أن الولايات المتحدة تفرض عقوبات على روسيا لتدخلها في الاستقرار والسلام في بلد يبعد عنها أكثر من 5 آلاف ميل، ولا يمت بصلة استراتيجية للأمن أو الحريات الأمريكية، لكنها تشارك في التجارة مع الهند ولا تقول شيئًا عن فشل الهند في إنفاذ "المعايير الدولية" حيث يبدو من غير الملائم القيام بذلك. من الواضح أن تجاوزات الهند في كشمير أكثر صلة بقضية المعايير الدولية أكثر من أي شيء يحدث الآن في أوروبا الشرقية.
في خطاب رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي أمام نفس منتدى الأمم المتحدة في 26 سبتمبر 2020، قال: "داخل قاعات الأمم المتحدة، كثيرًا ما يسمع المرء عبارة العالم أسرة واحدة، نتعامل مع العالم بأسره كعائلة واحدة، إنه جزء من ثقافتنا وشخصيتنا وتفكيرنا"، هذه بالتأكيد تصريحات كبيرة، لكن مودي لا يتمتع بمصداقية كبيرة في مواجهة السياسات المستمرة من قبل الهند ضد شعب كشمير الأعزل.
ومع ذلك، فإننا نقبل تحدي مودي، "بالمثل العليا التي تأسست على أساسها الأمم المتحدة، والفلسفة الأساسية للهند التي لديها الكثير من القواسم المشتركة، لا يختلفون عن بعضهم البعض"، يجب أن يوافق مودي على أن نقطة الانطلاق لحل نزاع كشمير، يجب أن تكون نقطة الانطلاق بالعودة إلى الأمم المتحدة التي حددت حل مشكلة كشمير من خلال طريقة ديمقراطية لإجراء استفتاء حر ونزيه.
كيف تبرر القوى العالمية ومن بينها الولايات المتحدة إدراج الهند كعضو دائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وحاليًا عضو غير دائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة خاصة عندما يرى العالم كله أنها تنتهك ميثاق الأمم المتحدة؟ وهذا يعد استهزاء بالالتزامات الدولية.
يجب الإشادة بالسيد أنطونيو غوتيريش الأمين العام للأمم المتحدة، لتصريحه الذي أدلى به بشأن كشمير في 18 فبراير 2020 قائلاً: "تظل الدبلوماسية والحوار هما الوسيلتان الوحيدتان اللتان تضمنان السلام والاستقرار من خلال الحلول وفقًا لميثاق الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن".
وأضاف: "لقد عرضت مساعي الحميدة منذ البداية، أنا على استعداد للمساعدة إذا وافق كلا البلدين على الوساطة".
لقد تم تشجيع الهند وباكستان على الحوار من خلال العديد من القرارات على مدار الـ 73 عامًا الماضية، وربما حان الوقت لأن تؤخذ السلطات المنوط بالأمم المتحدة على محمل الجد.
ألم يحن الوقت أيضًا لأن يلفت غوتيريش انتباه مجلس الأمن إلى الوضع في كشمير بموجب أحكام المادة 99 من ميثاق الأمم المتحدة. ففي منطقة جنوب آسيا، كانت القوتان النوويتان محط الأنظار طوال العامين الماضيين. كما تخول المادة 99 الأمين العام "لفت انتباه مجلس الأمن إلى أي مسألة يرى أنها قد تهدد حفظ السلم والأمن الدوليين".
أخيرًا، يتعين على القوى العالمية والقوى الأكثر عقلانية في كل من الهند وباكستان أن تدرك أن مشاركة القيادة الكشميرية في عملية الحوار مع الهند وباكستان هي شرط لا غنى عنه للمساعدة في تحقيق السلام والهدوء الدائمين في منطقة جنوب آسيا.
تعليقات