الاستاذ محمد جمال عرفة الكاتب، في أول مجزرة شهدتها مصر عقب انقلاب 3 يوليه 2013، ضد أنصار جماعة الإخوان
في أول مجزرة شهدتها مصر عقب انقلاب 3 يوليه 2013، ضد أنصار جماعة الإخوان المعتصمين أمام مقر الحرس الجمهوري، والتي قتل فيها 162 شهيدًا في رمضان قبل عامين،ظهرت لأول مرة بين بعض شباب المتظاهرين الإسلاميين عبارة (سلمية ماتت) وخصوصًا من المنتمين إلى التيارات السلفية غير المنضوية تحت حزب النور، وكذا بعض شباب الإخوان، وانتشرت حينئذ صفحات على فيس بوك بعنوان
وقد قوبلت هذه الدعوات بالمزيد من الرفض من قبل أولئك الذين يؤمنون بالمقاومة السلمية، وصرّح بعضهم على مواقع التواصل بقوله: “إن هدف الانقلابيين هو جر الإسلاميين للعنف كي يسهل تبرير العنف الرسمي ضدهم”، ناهيكَ عن عدم تعادل القوة العسكرية، فضلًا عن القناعة أن المعارضة السلمية أكثر تأثيرًا على المستوى البعيد فضلًا عن جلبها لتعاطف العالم مع المعارضين السلميين في مواجهة الآلة العسكرية وعنف الشرطة.
ولكن مع توالي عمليات قتل المتظاهرين والمعتصمين في 7 مواجهات بين الإسلاميين والشرطة المدعومة من قوات الجيش، بدأت تظهر تعليقات غاضبة من بعض شباب الإخوان على قادتهم، على مواقع التواصل، وتحديدا عقب فض رابعة والنهضة، وصلت لحد قول عبارات جارحة في حق بعضهم ومطالبتهم بالصمت بدلا من تصريحاتهم التي كانت تظهر مصره على “السلمية”.
ومقابل هذا الغضب الشبابي، والدعوة للرد على قتل المتظاهرين والمعتصمين، بدأ الشباب يتوجهون بخطابهم لقادتهم الميدانيين، لا القادة التاريخيين، منتقدين بعض المظاهرات التي تخرج بلا حماية، ويطالبون بتخصيص فريق من المتظاهرين للتصدي للبلطجية المتعاونين مع الشرطة أو للشرطة نفسها، لمنعهم من ضرب المتظاهرين.
ولاحقًا بدأت حركات شبابية تظهر وتطالب بما هو أكثر من مجرد الرد بالحجارة أو المولوتوف أو الشماريخ لحماية المتظاهرين خصوصًا الفتيات، بالرد على عنف وقتل الشرطة للمتظاهرين بحرق سياراتهم وتكبيدهم خسارة مادية دون استخدام السلاح، وكان هذا أول ظهور لمبدأ (ما دون القتل فهو سلمية)، ولاحقًا ظهرت حركات تدعي “مولوتوف” و”ولّع” تؤكدان أنّ هدفهما هو (السلمية الخشنة)، ردًّا على “انتهاكات قوات الأمن وقتلها المصريين بغير ذنب”، ثم ظهرت حركات أخرى مثل (قصاص) و(هنرعبكم).
وفي كل مرة كانت الشرطة تقتل المزيد من المتظاهرين أو تقتل معتقلين في السجون وأقسام الشرطة بفعل التعذيب أو الاهمال الطبي (أكثر من 100 وفق تقارير حقوقية محلية وعالمية)، كانت الدعوات من بعض شباب الإخوان بالرد تتزايد، ومعه مزيد من النفور من القيادات التاريخية.
الملفت هنا أمران:
الأول: أن ما جرى كان “اختلافًا” لا “خلافًا وانشقاقًا”، وظل الجميع سواء من القيادات أو القواعد أو الشباب متلاحمين، بعكس ما تشهده غالبًا أحزاب وجماعات أخرى، وهو أمر مفهوم بسبب طبيعة الجماعة ككيان مؤسسي له تاريخ عريق وله طابع تنظيمي معقد، وغياب الانشقاقات الكبرى من تاريخها باستثناء انشقاقات فردية قدرها البعض بعدد أصابع اليدين على مدار 80 عامًا لقيادات من الإخوان.
وربما لهذا أيضا دشن غالبية الإخوان هاشتاج أسموه ( #الجماعه_أقوى) على تويتر حصد مركزًا متقدمًا بمجرد تدشينه، وركزت أغلب التعليقات عليه على أنه “لن يستطيع أحد التشكيك بيننا، القيادة والقواعد يد واحدة فقد عزمنا على نجاح ثورتنا والقصاص لشهدائنا ويد الله معنا لبناء بلدنا #الجماعة_أقوى”، ورفع البعض شعار “اختلاف لا خلاف” ليؤكد على عدم وجود انشقاق وإنما اختلافات في الرأي.
الأمر الثاني أن الصراع الذي ظهر مبكرًا منذ 2014 بين بعض قادة الجماعة القريبين من القواعد الشبابية التي تتحمل عبء المواجهة في الشارع، الداعين لنهج “ثوري” يتضمن “أدوات” الثورة، أي كل وسيلة ولكن ما دون استعمال السلاح، وبين القيادات التاريخية القديمة من مكتب الإرشاد الذي شكله د. محمد بديع قيل انقلاب 3 يوليه 2013، لم يكن صراعًا بين قيادات قديمة وأخرى جديدة كما جرى تصويره مؤخرًا بعدما ظهر للعلن، ولكنه صراع بين أنصار “السلمية” والبقاء بدون رد فعل، اعتمادًا على رد الفعل المحلي والعالمي المتعاطف، وأنصار “الثورية” الذين يؤيدون استعمال الأساليب الثورية التي ليس من بينها السلاح، ولهذا يقولون أنهم “سلميون ولكن ثوريون”، ويبررون استعمال أدوات ثورية سبق أن تم استخدامها في ثورة 25 يناير مثل حرق سيارات الشرطة أو المولوتوف أو الحجارة أو العصي وغيرها مما جرى استعماله في الموجة الأولي للثورة يناير 2011.
وقال بعضهم أنّ تبنِّي مجموعات شبابية أساليب عنيفة في الرد على عنف السلطة مثل: “العقاب الثوري”، و”مجهولين” عبر إسقاط وتفجير أبراج الكهرباء أو حرق سيارات رجال شرطة أو قضاة، بعبوات ناسفة بدائية من مواد تباع في الأسواق، هو جزء من الثورة بينما انتقده آخرون من شباب الإخوان لأنه يضر المواطن العادي، فيما شكك فريق ثالث في أن يكون من يفعل هذا جهات أمنية لزيادة الغضب الشعبي ضد الإخوان وتبرير اتهامهم بالإرهاب، وفي الوقت نفسه حشد الدعم للمشير السيسي ليقال إنه هو المخلص من هذا العنف والتخريب الذي يحدث.
فقبل هذا ظل هذا التنازع الداخلي مكتومًا ولم يخرج إلى العلن سوى في تعليقات شباب الجماعة على مواقع التواصل الاجتماعي حيث كانوا يسخرون – بتعليقات لاذعة أحيانا – من قادتهم القدامى أعضاء مكتب الإرشاد القديم، خصوصا “محمود حسين” الأمين العام السابق، والمتحدث باسم جماعة الإخوان السابق “محمود غزلان”، عقب كل مقال أو تصريح يدلون به ويؤكدون من خلاله على السلمية، حيث طالبهم الشباب بالصمت، وانتقدوا حتى بياناتهم العادية في مواقف مثل حرب اليمن.
ولكن ما فجّر الخلافات الأخيرة بين تيار القادة القدامى والقادة الجدد هو تطور هذه (الثورية) إلى “العنف المسلح” باستهداف عدد من الضباط بالقتل، في حالات أعلنت عن أغلبها مجموعات مرتبطة بتنظيم بيت المقدس في سيناء مثل “أجناد مصر”، ولكن ربط الإعلام الرسمي هذا العنف بالإخوان، والمخاوف من انزلاق بعض الشباب في هذا العنف المسلح، ما دفع قادة الجماعة القدامى لإصدار بيانات تشدد على السلمية، ولكنهم ذيلوها بألقابهم السابقة، ما وُصف بأنه “انقلاب” من “القدامى” على “الجدد” خشية على الجماعة ككل لو اتبع بعض شبابها هذا النهج، ولكن هذه البيانات جاءت بأثار سلبية وأعادت هجوم الشباب على هذه القيادات التي حمّلها بعضهم مسؤولية الفشل في إدارة الأزمة وتوفير بدائل منذ الانقلاب على الرئيس مرسي.
أولا: أن تتصاعد عمليات المقاومة من قبل المتظاهرين والمعارضين، وتتزايد أعمال العنف غير المسلحة مثل حرق سيارات أو أقسام شرطة أو منشآت حكومية وقطع طرق وأساليب أخرى اتبعها ثورة يناير 2011، خصوصا بعدما قال محمد منتصر المتحدث الرسمي باسم الجماعة: أن الجماعة تطورت هياكلها وآليات عملها “للتناسب مع العمل الثوري للقضاء على الانقلاب”.
ثانيا: قد يؤجج هذا العنف ويزيده أيضا ظهور مجموعات أخرى من غير الإخوان تتبنى نفس النهج، مثل “بلاك بلوك” الذين ينتمون لتيارات يسارية وليبرالية، رغم الشكوك لدى البعض – بعد نفي بلاك بلوك الأصلية قيامها بهذه الأعمال – أن تكون هذه المجموعة الجديدة حالة “ظهور مؤقت” على يد أجهزة أمنية لزيادة مشاعر الخوف والفزع بين المصريين، وبالتالي زيادة تعلقهم بالسيسي بدلا من مهاجمته لعدم إنجازه شيئًا بعد مرور عامه الأول في الحكم، أي تصويره كمنقذ للمصريين من خطر “الإرهاب” الذي يتهددهم.
تعليقات