حوار مع : الدكتور أحمد الريسوني
06-11-2007 إسلاميات
الدكتور أحمد الريسوني:
اختلاف الرأي ليس عيباً ولا يمكن إلغاؤه
— للأسف أصحاب النفوذ لا يريدون الإصلاح
— حملة غربية لعلمنة المغرب تحت شعارات قومية
— الأقليات الدينية والمذهبية دخيلة على المغرب
— مراجعة الداخل تمهيد للإصلاح
— الخلافات في الفرعيات قلية بحمد الله
حوار : عادل صديق
25 شوال 1428 هـ
ضيفنا الدكتور "أحمد الريسوني" من الشخصيات المؤثرة في المغرب العربي، فهو الفقيه والمفكر والمنظّر، وهو المحاور والمربي وهم بين الحزب السياسي العدالة والتنمية، وحركة التوحيد والإصلاح، ومحاولته مع رؤوس الحركة في المغرب للمراجعة وإعادة ترتيب الأوراق، وهو أحد قادة العمل الإسلامي في المغرب، ومن رجالات حركة التوحيد والإصلاح، أبرز الحركات والتجمعات الإسلامية في المغرب، التي تأسست سنة 1996م، بعد توحيد جماعتين سابقتين، هما: رابطة المستقبل الإسلامي وحركة الإصلاح والتجديد.
من دعاة الوسطية، وتحديث الخطاب الديني، وأن الإصلاح في المغرب يقوم على الحرية والمساواة والعدالة والتنمية، وكلها كلمات نأمل أن تأخذ حـيّزا من التطبيق العملي في عالمنا الإسلامي، وكان مع فضيلته هذا اللقاء:
- نبدأ بالحدث .. ماذا عن نتائج الانتخابات وفوز "العدالة والتنمية" المغربي بعدد من المقاعد؟
- حزب العدالة والتنمية لم يدخل العمل السياسي بصفته الإسلامية إلا منذ عشر سنوات، و في الانتخابات الأخيرة التي جرت في المغرب، كانت النتيجة دون المأمول، لقد مرت الانتخابات المغربية، وكان فيها من النتائج ما كان رغم ما شابها من خروقات، ثم بدأت المشاورات لتشكيل الحكومة، وتم فرض تشكيلتها بعد فشل الوزير الأول المعين من طرف محيط الملك، تشكيلة فاجأت الجميع إذ لا علاقة لها بالانتخابات التي لم يكن لها داع!، فهي حكومة أقلية متضخمة في عدد المقاعد لا تمثل الأحزاب السياسية المشكلة لها فأحرى الشعب المغربي. مما يكرس الوضع السياسي الرديء بالمغرب التي رفعت شعار الانتقال الديمقراطي منذ عقد من الزمن... الحكومة تضخمت عددياً، وشعرت بخيبة خيبة أمل من استمرار سيادة منطق الترضيات و"توزيع الغنائم" عوضاً عن بناء حكومة مقلصة العدد وفعالة ومبنية على أساس برنامج سياسي، وأستغرب من العودة القوية للوزراء اللامنتمين المشكلين لثلث أعضاء الحكومة، كما أستغرب إعطاء بعضهم ألوانا سياسية لا علاقة لهم بها، مما يكرس حالة العبث وانعدام الالتزام السياسي والأخلاقي تجاه المواطنين ويضعف مصداقية الأحزاب ويكرس البؤس السياسي.
- هل كان لحركة التوحيد والإصلاح تأثير على مسار الحزب؟
- حركة التوحيد والإصلاح كان لها تأثير قوى على مسار الحزب من الناحية السياسية، فأصبح قدوةً في العمل السياسي النزيه النظيف الملتزم بقضايا الأمة داخليًا وخارجيًا، أصبح هذا الحزب يمثل نموذجًا جديدًا في العمل السياسي بكل نزاهته وأخلاقيته ومصداقيته، وحزب العدالة والتنمية كان له وجود واضح في نقابة "الاتحاد الوطني للشعوب"، وهذه النقابة صاعدة أيضًا الآن، وتكاد تكون أقوى النقابات المغربية رغم حداثة دخولنا إليها أيضًا، وحداثة انطلاقاتها الجديدة، كما أنه يعمل وسط الناس.
- لم تكونوا انقلابيين يوماً؟ ما سر التعامل غير الطبيعي معكم في المغرب؟
- في المغرب لدينا مشكلة هي أننا عندنا طائفة غير قليلة من النخب المغربية: النخبة السياسية والنخبة الجامعية كلها تشربت ثقافة علمانية متطرفة على غرار العلمانية الفرنسية أو الفرانكفونية الفرنسية التي ليست كعلمانية الدول الأخرى حيث هي علمانية محايدة ليست مع الدين وليست ضد الدين، العلمانية الفرنسية ضد الدين ونحن عندنا علمانيون على الطريقة الفرنسية هم ضد الدين، بل كثير منهم كانوا ماركسيين، وانهارت الماركسية في العالم وبقيت في نفوسهم، والماركسية هي أشد كراهية للدين، ومعلوم أن ماركس صاحب الشعار المعروف" الدين أفيون الشعوب" إلى آخره، فعندنا في المغرب كثير من النخب مسكونة بهذه الأفكار وهذه النخب لم تعد كما كانت في الستينيات والسبعينات والثمانينات يعني نخب معارضة موجودة في الجامعات وفي النقابات والأحزاب والإعلام الحزبي.
واليوم هذه النخب في قلب الدولة خاصة منذ 1997 حين شكّل الاشتراكيون الحكومة وترأسوها منذ ذلك الحين هذه الفئات الفرانكفونية واللادينية مترسّخة ومتمكنة وهي التي تحرك كثيراً من المواقف السياسية الحكومية والحزبية، فهذه مشكلتنا فهم لا يكرهوننا لأننا انقلابيين بل يكرهوننا لأننا غير انقلابيين، لأنهم يرون بأن هؤلاء الذين هم ليسوا انقلابيين لهم قدرة على التأثير في المجتمع لأن الانقلابي ينعزل ويبحث عن عمل سري ويبحث عن وسائل خفية لتحقيق مشاريعه، نحن بالعكس نشتغل مع الجمهور ومع الطلبة ومع التلاميذ ومع الأطفال ومع المجتمع ومع الدولة ومع وزارة الأوقاف، فلذلك يحسون بالضيق الشديد بل أحيانا يعبرون بوضوح أنهم يحسون بالخطر الشديد، إذن العداوة لا تكون دائماً فقط للانقلابيين بل هناك كثير من أذكياء العلمانيين يفضلون الانقلابيين لأنهم فاشلون ولأنهم معزولون ويكرهون الشعبييون والشعبويون كما يسمونهم هم، حينما يرون شعبية الحركة الإسلامية يقولون أنتم شعبويون بهذه المصطلحات القدحية، وأنا أقول لهم إن كنا شعبويين فهم أيضاً ديمقراطاويون وحداثويون وليسو حداثيين ولا ديمقراطيين.
- ما نعلمه عنكم أنكم وسطيون والضغط على الحركة الإسلامية يؤدي إلى نمو سرطاني لأفكار تعاني من سوء الفقه، وسوء الحال تندفع إلى لغة القوة والتفجيرات؟
- نحن موقفنا واضح ومحسوم شرعياً وفقهياً ـ بطبيعة الحال ـ وما عليه إجماع أهل السنة والجماعة وهو أن العنف والسيف والدماء داخل المجتمع الإسلامي وفيما بين المسلمين هذه من أكبر الكبائر ومن أسوء المساوئ، نحن نحدد موقفنا وسطي واضح ولكن في الوقت ذاته هناك مجموعات من الشباب أنا أحياناً أصفهم بأنهم عرفوا الإسلام على الطريقة المعروفة التي تقول:" كيف تتعلم كذا في خمسة أيام بدون معلم؟"
فعندنا شباب كثيرون تعلموا الإسلام في خمسة أيام وبدون معلم، المشكلة مزدوجة حتى أن كثيراً ممن وقعوا في وهدة التفجيرات كان عهدهم بإدمان المخدرات يعود إلى بضعة أشهر!، فمن المخدرات إلى المتفجرات والتفجيرات بهذه السرعة، ولذلك نحن نحمّل الدولة والمجتمع والحركة الإسلامية والأحزاب جميعاً، مسؤولية الأميّة الدينية التي يعرفها المجتمع والأمية الدينية التي يعاني منها الشباب بصفة خاصة، لأن هذا إنما يقع لشباب ليس لهم رصيد من الثقافة الدينية فيكون قابلاً لأن يلقن أي شيء، كثير من الشباب يكونون قد ملوا من المخدرات وملوا من الفسق والفجور وفي لحظة يفكر أن يتوب أو أن يصلح حاله ويجد أن أحسن صلاح هو أن يموت فوراً لأن كلفة هذا بسيطة جداً، لن يصلي خمسين سنة ولن يصوم خمسين سنة ولن يكلف نفسه كثيراً من التكاليف الشرعية ولن ينخرط في الدعوة وفي المدافعة، ينتقل من المخدرات إلى المفجرات ويدخل الجنة وينتهي الأمر، ويجد أن ثقافته التي ينعدم فيها الرصيد الإسلامي تكون قابلة لمثل هذه التشكيلات الفكرية السريعة، وأنا أتذكر أن أحد علمائنا زاره السفير الأميركي بعد أحداث 16 مايو في المغرب 2003 وقال له في نظرك لماذا المغرب يقع فيه مثل هذا؟ قال هذا بسبب القضاء على جامعة القرويين، الجواب يبدو غريباً جداً وبعيداً جداً عن الواقع وهو يقصد أكثر من هذا يقصد أن جامعة القرويين كانت خلاياها وفروعها وشيوخها وطلبتها وخريجوها في كل قرية وفي كل حي وفي كل مسجد، الآن انقرضوا وأنا أعني ما أقول وهذا ما عناه هذا العالم، وحتى لم ينقرضوا بأشخاصهم انقرضوا بتأثيرهم، إذن يأتي الغلو والتطرف والشذوذ الفكري عبر الانترنت وعبر الشريط وعبر الكتيب وعبر وسائل عديدة اليوم فتجد لها دائماً شباباً لديهم أميّة دينية، وهذا لا يؤهل لمثل هذه الأفكار أن تصبح تياراً لكن دائماً يجعل بضعة أفراد جاهزين للاستجابة لمثل هذه الأفكار.
- ما حدث مؤخراً من اختلاف في وجهات النظر داخل الحركة هل يعد خللاً أم مراجعة؟
- الحوار الداخلي وحتى لو خرج خارج الصف الداخلي لا يمكن ّ أن يكون صحياً ولا يمكن إلا أن يكون مفيداً بما في ذلك بعض التجاوزات التي قد تقع لأنّه لو لم تقع هذه التجاوزات لكنا أفضل، ولكن حدوث حوار وجدال وأن يكون أحياناً ساخناً وأحياناً حاداً وأحياناً مخلاً لما يجب، هذا أفضل من عدمه وأفضل من الركود وأفضل من الصوت الواحد وأفضل من شعار لا أريكم إلا ما أرى الذي قد يعتقده بعض القادة وبعض الزعماء، فإذن الحوار والنقاش وحرية النقاش دائماً شيء مفيد وصحي.
لكن كما أقول دائماً هناك عدد من الأفراد يفهمون أنهم إذا لم يتفقوا افترقوا، هذا هو الفكر الكارثي، الفرقة مذمومة في جميع الأحوال أما الاختلاف ففي معظم الأحوال محمود فنختلف ولا نفترق، نختلف يومياً ولكن لا نفترق هذا هو الوضع الصحي السوي، ومعنى أن نختلف هو: أن كلّ واحد يجهر برأيه ويدافع عنه في الأمور التي فيها خلاف والأمور المتفق عليها ماضية ، قطار الاتفاق يمضي والاختلاف في داخل عربة هذا القطار يتواصل ، ولكن لا نفترق ولا نغادر القطار ولا نقفز من القطار .
- نعود إليكم .. الدكتور أحمد الريسوني أحد رموز التيار الإسلامي في المغرب، يلقبه العديد من المتابعين والدارسين بشاطبي المغرب الأقصى لماذا كان هذا الوصف؟
- هذا الوصف لا أتضايق منه وإن كنت لست له ولست من أهله ولكن هذا شأن من يطلقونه، لكن يبدوا أن إطلاقه يرجع إلى سببين متلازمين، أولاً:أنا كتبت أشهر كتاب لي عن الشاطبي وهو (نظرية المقاصد عند الإمام الشاطبي) هذا الكتاب الذي طبع طبعات كثيرة جداً لا يحصيها أحد الآن لأنه يطبع بغير إذن وترجم إلى لغات متعددة ومنها اللغة الإنجليزية التي نفذت طبعتها في بضعة أشهر، إذن اقترن اسم صاحب الكتاب واسم العالم وهو الإمام الشاطبي بالإضافة إلى هذا تقريباً تخصصت في التخصص الدراسي والجامعي في المقاصد فهذا ما يجعل بعض الإخوة ربما على سبيل المزاح حين يقولون شاطبي المغرب.
- هناك اختلافات كثيرة بين قواعد الحركات الإسلامية، فنريد أن نتعرف منكم على الضوابط التي يمكن أن تحكم هذه الخلافات؟
- الاختلاف في الرأي وفي الفكر سمة راسخة بين الناس لأسباب عديدة ليس هذا مجال بسطها والاختلاف وقع بين الأنبياء كما بين داود وسليمان ووقع بين الملائكة ووقع بين الصحابة ووقع بين الأئمة المقتدى بهم، فالاختلاف بحد ذاته ليس عيباً وليس من الممكن إلغاؤه ولكن يفترض أن يكون بيننا الاختلاف التكاملي الذي يعطي لكل واحد دوراً وموقعاً يتكامل به مع غيره.
كما أن الاختلاف لا ينبغي أن يتحول إلى عداوة أو كراهية أو صراع، وكما قيل قديماً( اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية) فنحن بحاجة إلى تعايش دائم بين الاختلاف والمودة والمحبة فيما بيننا، كما أن الاختلاف لا يمنع التعاون في الدخول في أعمال ومشاريع لا تكون محل اختلاف، ومن القواعد الذهبية المعروفة في هذا المجال قاعدة نتعاون فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه .
المشكلة أن عدداً من العلماء أو المفكرين أو الدعاة أو المنتمين إلى جماعات مختلفة إذا التقوا فإنهم يدخلون مباشرة فيما يختلفون فيه فيضيع وقتهم وتضيع ربما مودتهم في القضايا المختلف فيها، والوضع السليم هو أن يخصصوا معظم أوقاتهم وعلاقاتهم لما هم متفقون فيه، والذي نحمد الله عليه أن المسلمين عموماً وأهل العلم والدعوة خصوصاً متفقون في القضايا الكبرى والقضايا الأساسية في العقيدة والأخلاق والشريعة والدعوة والسياسة فمساحة تعاونهم وتشاركهم كبيرة جداً فيجب تقديمها والاشتغال بها، هذه أهم قاعدة يمكن أن تشكل عنصر تقارب وتفاهم وتكامل بين أهل الاختلاف من الأفراد والجماعات.
- هل يمكن أن تحدثنا عن تجربتكم في حل الخلافات في داخل العمل الإسلامي في المغرب، وخصوصاً إذا أخدنا في الاعتبار المحاورات الصحفية التي كنتم طرفا فيها مؤخراً مع أحد أعضاء حركتكم السابقين؟
- نحن في حركة التوحيد والإصلاح المغربية طبقنا ونطبق القاعدة التي سبق ذكرها، وهي التركيز على المتفق عليه والانخراط في إنجازه مع وضع القضايا الخلافية في الهامش أو في الدرجة الثانية، وهذا ما ساعدنا على دمج عدة جماعات في جماعة واحدة.
ونحن اليوم في هذه الحركة الموحدة ما زلنا على هذا النهج فوجود خلافات لا يؤثر على سيرنا وعلى أعمالنا وعلى أخوتنا، ثم نحن نعتمد التدبير الشورى في كل شئوننا فكل قضية من قضايانا تعرض للنقاش والتشاور بين أكبر عدد ممكن من أعضائنا، ثم يتخذ القرار بأغلبية الآراء،
فلذلك يمكن أن نقول نحن حركة شورية مؤسساتية جماعية في تدبيرها وقراراتها، طبعاً هذا النهج لا يرفع الخلافات بل نحن نرحب بالخلافات لأنها تنبه وتحذر وتطرح أمامنا مختلف الآراء لنختار منها ، وتشكل عنصر تقويم دائم لسير الحركة وأعمالها فهذه هي طريقتنا في تدبير الخلاف والاستفادة منها.
- هل النقد الذاتي ضروري أن يرافقه نشر "الغسيل" كما يسمى عند العامة لتكون له الفائدة.. ومن الناحية الشرعية هل يجوز التجريح والتفسيق، والتكذيب من أجل التقويم؟
- أنا لا أعترض أبداً على المعالجة النقدية لشئون الحركة الإسلامية ولا أمانع أن يكون ذلك علنيا مثلما يكون ذلك داخل الصفوف والهيئات، ولا أتخوف مما يسمى (نشر الغسيل) لكن هناك ضوابط وأخلاق شرعية يجب التقيد بها ومنها الصدق والنزاهة والموضوعية والتوازن والعفة في اللسان وعدم اتهام السرائر والضمائر وعدم تجريح أشخاص في أشخاصهم، فإذا رعيت هذه الحدود والآداب فلن يكون النقد إلا مفيداً سواء كان في السر أو في العلن.
- أمام التحديات المطروحة اليوم على الحركات الإسلامية ما هي الخطوات العملية التي ترى أن على الحركات الإسلامية القيام بها لتوحيد الجهود خاصة فيما يوحدها بغض النظر عن الاختلافات التي نراها من حركة إلى أخرى؟ ثم ما هي حدود انخراط الحركات الإسلامية في العمل السياسي إمام ضغوطه المتزايدة يوما بعد يوم؟
- بالنسبة لعلاقات الحركات الإسلامية ليس لدي إلا أن أعيد القاعدة التي سبق التنويه عليها وهي "التعاون في المتفق عليه والتعاذر في المختلف فيه" وعسى أن يكون المختلف فيه أيضا عنصر تكامل فحينما تعطى هذه الحركات الأولوية بقضايا وجبهات مختلفة فمعناه أن تلك الجبهات كلها ستأخذ نصيباَ من العناية ومن الأولية، ولكن التكامل الرئيسي يبقى هو الانخراط والتعاون في القضايا المتفق عليها ولكن للأسف فإن الأخذ بهذا الشعار وترجمته في الواقع ما يزال ضعيفا ًومتعثراً وخاضعاً لمختلف المؤثرات السلمية ،أما بخصوص الانخراط في العمل السياسي فيحتاج إلى التذكير أولاً بما للسياسة من آثار كبيرة وعميقة على الأمم والمجتمعات والأفراد فتعليمنا خاضع للسياسة وتربيتنا خاضعة للسياسة ومساجدنا وما يدور فيها خاضعة للسياسة وأخلاقنا خاضعة للسياسة وأرزاقنا خاضعة للسياسة وحريتنا الدعوية خاضعة للسياسة، فأين تذهبون ؟ لا بد من مواجهة السياسة ولا بد من الدخول في السياسة ويبقى السؤال والإشكال الذي يحتاج إلى المعالجة الميدانية هو : كيف دخل وبأي شروط ندخل وبأي مقدار ندخل ؟ فالنقاش إنما يكون في هذه الخطوات العملية الميدانية .
- سؤالي ألا ترى أن افتقاد الحركات الإسلامية لهيئات تحكيمية ذات طابع قضائي واجتهادي وتشتغل باستقلالية عن كل من الهيئات التنفيذية والشورية له دور سلبي في تدبير الاختلافات التي تطرأ؟
- هذا الرأي عرض للنقاش عدة مرات وناقشته مع عدد من الإخوة منذ سنين طويلة وما زلت لا أراه إلا نوعا من الموضة التي تغري أحياناً بأسمائها الرنانة أو بجاذبيتها الظاهرية ، أنا أرى أن القضايا التي ستحتاج إلى محاكم وهيئات قضائية يجب أن تخرج أو يخرج أصحابها من صفوف الحركة الإسلامية وأما التحرّي في الأمور واتخاذ قرارات بصيرة فيها كيفما كان نوعها فهذا شأن جميع المؤسسات التنظيمية للحركة.
القضايا التي يشتد فيها الخلاف عادة هي قضايا فكرية وسياسية لا ينفع فيها التحكيم والقضاء وإنما يحسمها التاريخ ويحسمها النقاش الفكري والبحث العلمي على المدى الطويل مع التذكير بأن الاختلافات لا محيد عنها ويجب أن نتعايش معها كما نتعايش مع وجباتنا اليومية.
- كحركة إسلامية شجعتم محاربة الفساد والمفسدين ومتابعة اللصوص للمال العام، وكذلك التوجه لوجود حركة للإنصاف والمصالحة التي فتحت صفحة جديدة في المغرب، هل لا تزال هذه التوجهات موجودة إلى الآن في المغرب أم مجرد محاولة السيطرة على الرأي العام؟
- بدون شك كانت خطوات إيجابية وحققت بعض الإنجازات ولكن بالتأكيد لم تكن في يوم من الأيام حقيقية وكاملة وجدّية فالمصالحة إنما كانت مصالحة مع اليسار أولاً ، مثلاً المصالحة مع عدد من الجهات الإسلامية التي وقعت فيما وقع فيه اليسار أو أقلّ من ذلك لم تقع هذه المصالحة ، حقوق الإنسان استفاد منها اليسار، ولكن المعتقلين الإسلاميين لم يستفيدوا من حقوق الإنسان ولا من شعار دولة "الحق والقانون" وعدد من المبادرات بقيت محدودة جداً ومنها أيضاً مبادرة أو فكرة محاربة الفساد، والفساد الآن كما قلت مراراً يحتاج إلى مصطلح مغربي " ثورة الملك والشعب " الفساد لا يمكن أن يحارب في المغرب ولا يمكن وقفه في المغرب إلا بثورة الملك والشعب الملك من فوق والملك من تحت ومعنى هذا أن الملك يعطي الأمر ويعطي التعليمات والتوجيهات وينخرط في المعركة ثم يفسح المجال للشعب بكامله أن يراقب المفسدين وأن يضغط عليهم وأن تكون ضغوط الشعب مستجاباً لها، الذي نعرفه أنه حينما تقوم معركة ضد الفساد في المغرب يتم اقتناص بعض الضحايا ربما من المستوى المتوسط أو الأدنى ثم سرعان ما يُلتفّ حول القضية وتُنسى وربما يذهب ضحيتها بعض الأبرياء ولذلك كتب أحدهم منذ سنوات عن سياسة الفساد في محاربة الفساد، بمعنى أن تتم محاربة الفساد بالفساد أي بطريقة فاسدة أيضاً فلا تعطي ثماراً فلذلك يقتنع الناس جميعاً أنه لا توجد جدّية في محاربة الفساد وهناك جدية ضعيفة في الشعارات الأخرى ولذلك المردودية محدودة جداً.
- نلحظ أن هناك حملة أو دعوة تقوم محاربة المظاهر الإسلامية، هل من الممكن أن يحدث مثلماً ما يحدث في تونس؟
- الأمريكان نفوذهم الثقافي والاجتماعي في المغرب لا وجود له، ولكن لهم نفوذ سياسي في القضايا الرئيسية كالسياسة الخارجية ومحاربة الإرهاب وما إلى ذلك، لكن النخبة اليسارية والنخبة الفرانكفونية تؤيّد بل تغذي وتحرّض على محاربة جميع مظاهر التدين، فهم دائماً في صحفهم يستغلون كل مناسبة للتضييق على الخطباء وعلى المساجد وعلى مراكز تحفيظ القرآن الكريم وعلى المتحجبات وعلى الملتحين، وهذه حرب مستمرة حقيقة، وداخل أجهزة الدولة من الناحية الرسمية ليس هناك شيء تقريباً إلا أمور قليلة جداً في محاربة الحجاب أو التضييق عليه، لكن من الناحية العملية هناك تضييق كبير على المتحجبات وعلى المتدينين في التوظيف وفي الترقية وفي تسلّم المناصب والمهام والوظائف التي يستحقونها حتى في الأعمال الحرة والمشاريع الحرة، والمعروف مع المتدين رجلاً كان أو امرأة يكون التعامل معه بكثير من التحفظ وكثير من العرقلة وهذا أمر واقع، طبعاً لا مقارنة بيننا وبين تونس حيث محاربة الحجاب والتدين هو مذهب رسمي للدولة لكن هذا يتم عندنا كإجراءات غير معلنة ومحدودة أيضاً.
- هل فعلاً أن الإسلام في المغرب مسح الطاولة، وماذا نقول في الذوبان الذي يعيشه الشباب المغربي وخاصة في المدن؟
- عبارة أنّ "الإسلام مسح الطاولة" يقصد بها عبر التاريخ وليس الآن أن المغرب ليس من الدول الإسلامية التي بقيت فيها أقليات مسيحية أو يهودية أو بوذية أو صابئة، المغرب عبر تاريخه الطويل أصبح خالصاً للإسلام وللإسلام السنّي فقط ليس عندنا لا طوائف ولا مذاهب ولا أديان أخرى حتى اليهود الذين كانوا عندنا رحلوا سراً إلى فلسطين، هؤلاء لم يكونوا مغاربة وإنما جاءوا من الأندلس فراراً من الاضطهاد الكاثوليكي هناك، إذن "الإسلام مسح الطاولة" عبر التاريخ عبارة تاريخية ، واليوم الكلام لازال طبعاً لكن لا يقصد به الحركات الإسلامية التي نحن في سياق الحديث عنها، وعندنا بعض من القديانيين والمتنصرين ومن المتصهينين ومن عبده الشيطان ومن جميع الفئات كل هؤلاء عندنا بضع آلاف أو بضع مئات من كل طائفة من هذه الطوائف أصبح هناك بضعة آلاف من الأتباع لأول مرة في تاريخ المغرب منذ أثني عشر قرناً.
- ماذا تفسرون قول أحد ذوي الرأي المتغرّبين من الأمازيغ إنّ الإسلام سينسحب من المغرب؟
هؤلاء وإن كانوا يرفعون شعار الأمازيغية هم في الحقيقة "فرانكفونيون" لادينيون لأنهم يريدون إجلاء اللغة العربية بأي وسيلة وإجلاء الإسلام بأي وسيلة، وشعار الأمازيغية هو أحد الوسائل المستعملة، وإلا فهم في النهاية يخدمون الفرنسية ولا يخدمون الأمازيغية، فمشكلتهم ليست مشكلة أمازيغية مع الإسلام والعربية، الأمازيغ في المغرب أشد تمسكاً بالإسلام وباللغة العربية ممن يعتبرون عرباً، فدراسة اللغة العربية وخدمتها وخدمة الإسلام في المغرب وفي الجزائر يقوم بها الأمازيغ أكثر من ما يقوم بها العرب، فهؤلاء ليسوا أمازيغيين حقيقة وإن كان يبحثون عن كل شعار يحاربون به الإسلام والعروبة، فوجود من يكره الإسلام والعروبة في المغرب وفي الجزائر وفي غيرهما هذا شيء معروف ومسلّم، بعضهم يحارب الإسلام باسم الحداثة ، وبعضهم يحارب الإسلام واللغة العربية باسم الإمازيغية وبعضهم باسم الفرنسية على أنها لغة حضارة وكلٌ يحارب بما في يده لكن النتيجة هي مشكلتهم مع الإسلام وليست غيرةً على الأمازيغية أو على الاشتراكية أو على الديمقراطية.
- هل الدعوة الإصلاحية كانت لها خطط لإصلاح الداخل المغربي الذي يعاني من الفاقة ؟
الحركة الإسلامية هي أولاً: حركة دعوة وحركة تثقيف وحركة إصلاح ثقافي وخلقي ولكن في السنوات الأخيرة انخرطت في المشاريع الاجتماعية التي خدمت عشرات الآلاف من الفقراء ومن الأرامل ومن المعوزين سواءً في المدن أو في القرى ولكن في المدن في الدرجة الأولى لكن مما هو مؤكد أنه وقعت جائحة بعد 11 سبتمبر أصابت كل شيء باليـبس والذبول والقحط فوق الضغط على العمل الاجتماعي والعمل الخيري الذي تقوم به الجمعيات الإسلامية بصفة خاصة ، أوقف نموها أو خنق ثقتها، وفي هذا ضرر على المجتمع، نحن نقول لجميع الدول والحكومات في العالم العربي وفي غيره نحن مع المراقبة الكاملة 100% للعمل الخيري "إسلامي أو غير إسلامي "راقبوه 100% وطبقوا عليه القوانين 100% نحن نسمع ونعرف في العالم كله هيئات ومؤسسات مالية أغلقت وبعضها أغلق عشر سنوات ثم حكم عليه بالبراءة ، لكن ثم تحطيمه قبل أن يحكم عليه بالبراءة من القضاء ، إذن هناك حرب سياسية ليست قانونية ولا أخلاقية ضد العمل الخيري في العالم الإسلامي كله ومنها المغرب فتأثرت هذه الخدمة التي كانت بدأت الحركة الإسلامية تؤديها بشكل متنامي ومتزايد تأثرت بهذه الشكل كما ذكرت .
- نلحظ غزلا فرانكفونياً وصهيونيا مدعوما أعقبه تواجد قوي لهؤلاء وأتباعهم ؟
المغرب بلد مفتوح بدرجة كبيرة جداً وحينما نقول مفتوح معناه مفتوح أمام هؤلاء ّ ليس مفتوحاً بنفس الدرجة ولا بما يقرب منها أمام العمل الإسلامي وأمام الحركات الإسلامية وأمام حتى الدول الإسلامية حتى العلاقات مع الدول الإسلامية ليست متوازنة فالعلاقات الاقتصادية والسياسية والثقافية والأمنية تمضي مع الدول الغربية ومع الكيانات الصهيونية التي تأتي بأسماء عديدة أحياناً بشكل مباشر من الكيلان الغاصب وأحياناً تأتي من الغرب بأسماء أخرى، عبر بوابات الاقتصاد والثقافة والسياحة والتعاون الأمني وما إلى ذلك ترد هذه المؤسسات وتستفيد من الأبواب المفتوحة في المغرب ، مع العلم كما قلت أنها تجد في المغرب نخبة واسعة ومتنفّذة تستقبل هذا كله وترحب به بل تبحث عنه وتستقدمه ، فنحن لا ننكر ولا يمكن أن نخفي أن في المغرب نخبة متنفّذة قلوبها مع الغرب والصهيونية والعلمانية واللادينية، هذا واقع نقوله وإنْ تأسفنا أو تألمنا وهذا هو الواقع .
- ما هي التحديات التي تواجه الحركة الإسلامية في المغرب من وجه نظرك؟
- التحديات التي كنا فيها هي هذه النخب التي تقف بالمرصاد وبكراهية شديدة وبتحالفات خارجية تقف بالمرصاد لكل نشاط إسلامي ولكل تقدم إسلامي، فحيث ظهر لهم نوع من التقدم والتوسع في العمل الإسلامي في المغرب إلا قاموا وضغطوا بإعلامهم وأموالهم ومؤسساتهم وعلاقاتهم المحلية والدولية ونفوذهم في أجهزة الدولة، يقومون بالحرب فهم ثائرون بشكل رهيب، ومن جهة أخرى المجتمع المغربي يتعرض لسياسات ممنهجة وأصبحت مستقرة للإفساد الخلقي مثل المخدرات والشذوذ الجنسي والدعارة والإباحية الجنسية هذه كلها أمور أصبحت محمية ليس فقط مسموح بها بل أصبحت محمية ومحصنة، إلى درجة أن الشواذ جنسياً في العالم كله يعتبرون المغرب من الدول المرشحة أو ربما الدولة الإسلامية الأولى أو الثانية المرشحة للاعتراف الرسمي بهذا النشاط وبوجوده ، فالمغرب وتركيا تقريباً على قدم المساواة في نفوذ الشواذ جنسياً وإعلانهم عن أنفسهم وعن بعض دعاماتهم ومواقعهم الالكترونية وتجمعاتهم في بعض المدن وبعض الشواطئ والحفلات التي يقيمونها ، إذن أصبح الفساد الخلقي له مواقع متقدمة في المغرب.
- من قبيل المراجعة للخطاب الديني .. هل تسعون نحو هذا الجانب لاختلاف المفاهيم من عصر إلى عصر، ومن قطر إلى آخر؟
- تحديث الخطاب الديني ضرورة تلائم الزمان والمكان والإنسان، ومع التقدير لعلمائنا وشيوخنا القدامى فإن الخطاب الديني في حاجة إلى تحديث شكلا وموضوعا ووسائل، ويجب أن يقف عند الماضي ، فلابد من ربط الناس بواقعهم، وفقه الواقع أساس في هذا الأمر.
وأنا لي رأي أرى أن هناك أجيالاً جديدة من الدعاة ومن علماء الحركة الإسلامية ومن العلماء المتحركين ومن المؤسسات الإسلامية أرى جيلاً جديداً بخطاب جديد يستوفي كافة شروط النضج والرشد وتجاوز هذه الانتقادات المشار إليها في السؤال، فالأجيال القديمة من الدعاة ـ رحم الله من ذهب منهم ونفعنا بمن بقي منهم ـ قد تم تجاوز كثير من عقلياتهم وتقاليدهم وطرائقهم في العمل، اليوم هناك عقليات إيجابية وعقليات مجددة في العمل الإسلامي، إذن أرى في العمل الإسلامي رغم الضربات والمحن التي تمر به فإنه يتولد من جديد ويتجدد من جديد.
- ألا تعتقدون أن وضوح أهداف الحركة الإسلامية وتحديد مبادئها الأساسية رادع لكل خلاف داخلي، مثلا عندما تحدد الحركة الإسلامية هدفها في تكوين الإنسان الرسالي الداعية في جميع المجالات والمواطن فلن يكون هناك أن لبس حول مسألة المشاركة السياسية؟
- تحديد الأهداف عنصر أساسي وعامل من عوامل التوحد والانسجام ووضوح الرؤية ولكنه لا يرفع الخلاف ، وكذلك الطابع الرسالي لأي حركة لن يجعلها بعيدة عن النقاش والاختلاف الداخلي وكذلك المشاركة السياسية ربما ليس عليها اختلاف من حيث المبدأ ولكن الاختلاف يقع في التفاصيل في التوقيت والنسبة والشروط والأولويات وما إلى ذلك.
فالذي يعصم من التفرق والتشتت عند اختلاف هو الاحتكام إلى المؤسسات وإلى القوانين المنظمة وتربية الناس وتعويدهم على التعايش مع الاختلاف والتآخي مع الاختلاف والتعاون والعمل المشترك مع الاختلاف الآفة التي يعاني منها كثير من الناس هي أن الاختلاف عندهم يساوي الفرقة والابتعاد والقطيعة والخصومة.
الدكتور أحمد الريسوني في سطور
الاسم: الدكتور أحمد الريسوني.
- ولد سنة 1953 بمدينة القصر الكبير - بالمملكة المغربية.
- حاصل على الإجازة من جامعة القرويين بفاس - بالمغرب سنة 1977.
- حاصل على الماجستير من جامعة محمد الخامس سنة1989.
- حاصل على دكتوراه الدولة سنة1992.
- أستاذ مادة أصول الفقه ومقاصد الشريعة بجامعة محمد الخامس - بالعاصمة المغربية: الرباط.
- أسس وشارك في العديد من الجمعيات الثقافية والعلمية.
- كاتب عام سابق لجمعية خريجي الدراسات الإسلامية العليا.
- رئيس رابطة المستقبل الإسلامي سابقًا.
- رئيس حركة التوحيد والإصلاح.
- عضو رابطة علماء المغرب.
- مدير جريدة "التجديد".
- له عدة مؤلفات منها :
- " نظرية التقريب والتغليب وتطبيقاتها في العلوم الإسلامية".
-" نظرية المقاصد عند الإمام الشاطبي".
-" مدخل إلى مقاصد الشريعة".
-" التعدد التنظيمي للحركة الإسلامية ما له ما عليه".
- "الاجتهاد والنص والمصلحة والواقع".
تعليقات