شعب الصحـراء وأزمة الـولاء
شعب الصحـراء وأزمة الـولاء
تاريخ الإضافة:3-6-2009
عادل صديق ـ قصة الإسلام
لم تكن مشكلة الصحراء وليدة الساعة بل قضية ممتدة لقرون، كما امتدت أيدي الشعب الذي يعيش على هامش الحياة لكلّ من أوهمه أنّ بيده مقاليد كل شيء ! ورغم أنّ شعب الصحراء المتنوع الأعراق استعصى قديما على الحكم الموحد، وعلى المحتل إلاّ أنه أقام علاقات مع الشعوب المجاورة في المغرب والجزائر لأنهم تجمع بينهم الصحراء الشاسعة، ومن المؤكد أن تكون العلاقات فيها شيء من التقارب طوعا أو كرها حيث التصاهر والحروب والترحال يجمعهم .
وجاء زمن التمزيق السياسي وفرض الحدود من قبل نفوذ الدول المحتلة للمغرب العربي والأفريقية لتطالب كل دولة بالحق، وتسارع إلى التقارب مع الرحّل في الداخل في تنازع حمل عبؤه سكان الصحراء، فلم يكن للمنطقة نصيب من عطاء السياسة أو الملك بل كل ادّعى أن له السيادة .
وتتوزع الولاءات في "الصحراء المغربية" بين المحاسيب الدول المستعمرة، وحين نقول الصحراء المغربية نقولها تجاوزا كإرث غبي لحقبة الاستعمار، أرادوا به أن تكون الأرض أشلاء وحدودا تتنازع حتى يسلس قيادها ويذهب "خيرها لغيرها " وعلى أيدي من يعطي الطاعة أكثر للدول المستعمرة.
الهوية الصحراوية
ولا تظهر لشعوب الصحراء هوية غير الهوية الصحراوية ذات الأصول العربية، ولا يخضعون للتقسيمات السياسية وكان الصراع المسلح والمطالبة بالاستقلال محتدما وخاصة عن الدولة الأطول حدودا مع أرض الصحراء، كما كانت المقاومة محتدمة ضد الدول الاستعمارية المهيمنة على خيرات البلاد وأقدار العباد.
وألمح المفاوضون المغاربة بأن يكون للصحراء "حكم ذاتي" إن كانت تحت سطوة المغرب ّمقايضة، وذلك لوجود أجندة ونظرة بعيدة لثروات الصحراء التي كانت نهبا لأسبانيا إبّان الاحتلال دون أن يعود شيء على الشعوب، بل عاد الفتات على ذوي الحظوظ وتقديم الخدمات للمستعمر، وللأسف تعرّض الصحراويون لكثير من العسف من قبل الجيران وذاقوا ظلم ذوي القربى عبر عقود ما بعد رحيل المستعمر الأجنبي.
آخر هذه المحادثات في 19 مارس ما قبل الماضي حيث كانت الجولة الرابعة التي انتهت المحادثات دون تقدّم، والمغرب وجبهة البوليساريو يتفقان على الاجتماع من جديد! واجتماعات تعقد وتنفض ولا يرى في الأفق بوادر انفراجة مع تهديد جبهة البوليساريو بتأجيج الصراع المسلح.
لقد كانت "شواطئ الصحراء" موطئ قدم للإمبراطورية العتيقة أسبانيا خلال الحقبة الاستعمارية، عقب مؤتمر برلين 1884-1885 أقرت الدول الأوربية الاستعمارية بسيادة إسبانيا على منطقة الصحراء الغربية التي تعلنها مدريد في وقت لاحق محافظة إسبانية وتقيم بها سلطة محلية.
غير أن الأسبان اكتفوا بالتحصّن داخل مراكز معزولة على الشواطئ في مناطق "طرفاية" و"الداخلة" و"لكويرة" تاركين العمق الصحراوي مجالا لسيادة القبائل الصحراوية كما كان من قبل، الأمر الذي شكل متنفسا لحركة المقاومة على كامل الامتداد الصحراوي في المغرب وموريتانيا والجزائر وبالذات المقاومة الموريتانية التي حولت ثقل عملياتها المسلحة إلى المناطق الشمالية في الصحراء بتنسيق مع الشيخ "ماء العينين" الذي قاد المقاومة إذ ارتبط اسمه بمقاومة الاستعمار الأسباني والفرنسي، أسس مدينة السمارة وكانت له صلات بالمغرب، ووجدت فرنسا وإسبانيا صعوبة اختراق موريتانيا والصحراء بعد مساندة الشيخ للمقاومة بعد أن ضيق الفرنسيون الزاحفون من الجنوب عليها الخناق.
المقاومة المزعجة
لم يُخفِ الفرنسيون انزعاجهم من الوضع الأمني المتفاقم في الصحراء، فهناك عدوى للمقاومة، وطموح للشعوب أن تجد نفسها تنعم بالحرية، حيث كانت فرنسا تحتل الجزائر وتضيّق عليها الخناق وحين بدأت ضربات المقاومة التي يقودها علماء الجزائر موجعة للمحتل رغم ارتفاع عدد ضحايا المقاومة خاصة عقب دعوتها لحركة "فرْنًسة الجزائر"، وكانت أسبانيا قد أطلقت دعوة مماثلة "أسبنة الصحراء" وعجز الأسبان من جهتهم عن مواجهة المقاومة فكثفت فرنسا ضغوطها على الحكومة الإسبانية من أجل تشديد قبضتها على سكان الصحراء.
وعلى الرغم من إلحاح فرنسا ـ شريك إسبانيا الاستعماري في المنطقة ـ أن تضطلع السلطات الإسبانية "بمسؤولياتها" داخل مجالها الأمني، واتهاماتها المبطنة لها أحيانا بالتغاضي عن "المشاغبين الصحراويين" الذين يُفشل تواجدهم محاولاتها لدمج أغلب الجزائر في فرنسا !، فإن إسبانيا ظلت عاجزة عن السيطرة على حركة المقاومة لارتباطها بحركة سكان الصحراء، واكتفت بأن تظل في السواحل والجزر القريبة من الشواطئ، لقد أوجد ذلك توترا دائما بين الغريمين الاستعماريين رغم المصالح المشتركة.
ورغم رحيل الاستعمار تحت وطأة ضربات المقاومة إلا أن ذيوله لا زالت تتحرك ،لقد انكمش الاستعمار قبل الرحيل؛ بالنسبة لأسبانيا اقتصر دورها على "لعيون والداخلة" رغم تمسك الأسبان القوي بهذا الإقليم الذي رأت فيه فرنسا مجالا للاضطرابات يجب السيطرة عليه كضمان لعدم التمرد بينما نظرت إسبانيا إلى ما اكتشف فيه من ثروات طبيعية على أنها "هبة العناية الإلهية لإسبانيا" في منطقة هي "سوق المستقبل" حسب أقوال المستعمرين.
ولم يستطع الغريمان اللدودان "إسبانيا وفرنسا" تطويق التوتر الناجم عن تداخل مجالات السيادة ورسم الحدود في الصحراء إلا سنة 1958 في اتفاق بئر "أم قرين" بالشمال الموريتاني الذي استهدف التنسيق بين الجيشين الإسباني والفرنسي لقمع الانتفاضة الشعبية والقضاء على جيش التحرير1958 ، أي بعد أن بدأت مسارات الاستقلال في المغرب وموريتانيا.
الثورة تنتصر على الاحتلال
ورغم أن أسبانيا حاولت أن تحفظ ماء وجهها وتبقي على جزء من ساحل الصحراء تحت سطوتها تحت الضربات المتوالية للمقاومة إلا انتصار الثورة الجزائرية واستقلال المغرب أدّى إلى اهتزاز موقفها كمحتل، في حقبة الستينات واضطر السكان بدافع قسوة المعيشة إلى سكنى المراكز الحضرية التي كان يحتلها الأسبان بالعسف، فحدث الاحتكاك في البداية ثم المواجهة التي تمثلّت في انتفاضة "الزملة" في العام 1970 في مدينة "العيون" عاصمة الإقليم ضد "أسبنة الصحراء" الأبلغ في التعبير عن هذا الوعي الجديد، وكانت هذه الانتفاضة التي رفع المشاركون فيها الشعارات المطالبة بالاستقلال والتي انتهت بقتل واعتقال العديد من الصحراويين إيذانا ببدء مرحلة جديدة من الكفاح ضد المستعمر الإسباني.
ظلت أسبانيا تحتفظ بالعديد من المناطق والجزر التي تعود إلى المغرب والصحراء منها سبتة، ومليلة،الساقية الحمراء ووادي الذهب وجزر الكناري التي تعد عربية واسمها العربي "جزر الخالدات" والتي للآن محتلة من قبل الأسبان في المحيط الأطلسي شمال غرب الصحراء الغربية ويطالب بها المغرب، وإن كانت المطالبات المغاربية لم تأخذ جانب الإلحاح الرسمي واللجوء لانتزاع قرار أممي، والدخول لحيز الأمم المتحدة لاتخاذ قرار على غرار القرار رقم 1754 والخاص بتقرير مصير الصحراء بخلاف ما ينادي به الغرب .
بالطبع لأن شعب الصحراء ليس أسبانيا، وعملا بالمثل أسد علىّ تنقسم جزر الكناري إلى مقاطعتين أطلق عليهما أسماء أسبانيّة إمعانا في أسبنة المغتصبات مثل "لاس بالماس" (الجزر الشرقية) و"سانتا كروز " و تينيريف (الجزر الغربية), ويتألف هذا الأرخبيل من سبع جزر رئيسية بالإضافة إلى بعض الجزر الصغيرة المهجورة وهي ( تينيريف، فيورتيفنتورا، كناري الكبرى، لانزاروت، لا بالما، غوميرا، وهييروالجزر بمجملها ذات طبيعة بركانية وقمم، تحوطها الشواطئ الصخرية وتعد ثروة سياحية في شرق الأطلنطي .
البوليساريو اليسارية
في العاشر من مايو سنة 1973 تأسست الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب (البوليساريو) لتبدأ العمل العسكري بعد عشرة أيام من تأسيسها, مما دفع الأسبان إلى الإعلان في السنة الموالية عن عزمهم على تنظيم استفتاء لتقرير المصير في الصحراء خلال الأشهر الستة الأولى من سنة 1975،وبالفعل بدأت مدريد في ترتيب "البيت الصحراوي" ما بعد انسحاب أسبانيا من خلال المفاوضات مع مختلف الأطراف بهدف التوصل إلى اتفاقات ثنائية تضمن "مصالح الأسبان من جهة، وتبقي على فتيل قابل للاشتعال متى ما استدعت ملفات إسبانيا العالقة في المنطقة ذلك".
بعد انتهاء الاحتلال الأسباني للصحراء، التي تتألف من إقليمي الساقية الحمراء ووادي الذهب، عام ١٩٧٦، أعلنت الجبهة عن قيام "الجمهورية العربية الصحراوية "الديموقراطية"،تولّى الوالي مصطفى السيد الرقيبي الرئاسة الأولى لجبهة البوليساريو، إلا أن رئاسته لم تزد عن ثلاث سنوات، أي منذ تأسيسها حتى مقتله في 9 يونيو 1976 خلال هجوم على العاصمة الموريتانية نواكشوط، وقد أصبح "محمد عبد العزيز" أميناً عاماً للجبهة ورئيساً لمجلس قيادة الثورة من أغسطس 1976 وحتى اليوم .
على أثر الغيم الذي بدا في الأفق بالقرار الأممي الخطير بحق الشعب الصحراوي في تقرير المصير قبل نهاية أبريل 2010م دعت المغرب نظيرتها الجزائر ـ التي تدعم "البوليساريو" إلى إعادة فتح الحدود المغلقة منذ أكثر من14 سنة وإلى ''تطبيع كامل للعلاقات بين البلدين''،ويبدو تزامن الدعوة المغربية التي في طياتها تبرئة الجزائر من تصدير العنف في مقابل شروط التطبيع التي تحمل أيضا اعتراف الجزائر بحق المغرب في السيادة على الصحراء،ولكن سرعان ما دبت خلافات أحبطت دعاوى السلام المعتمد على المصالح !.
توتر بين المغرب والجزائر
والعلاقات بين المغرب والجزائر تشهد توترا مزمنا بسبب عدة مشاكل مرتبطة أساسا بنزاع الصحراء الغربية، وإن كانت التوترات بسبب اتهام المغرب للجزائر بتصدير العنف منذ حقبة التسعينات وبالتحديد 1994 حين قتل سياح أجانب في المغرب واتُّهمت جماعات مسلحة جزائرية بالضلوع في الحادث، لقد كانت الدعوة المغربية للسلام رهن اشتراطات على الجزائر منها: مراقبة الحدود بين البلدين، في حين ترد الجزائر بأنها كشفت عن وجود جماعات عنف مغاربية تتسلل إلى الجزائر وأيضا عصابات لتهريب السلاح إلى وأخرى تهرّب المخدرات!
على كل هي محاولة لحفظ ماء الوجه لخلاف مفتعل تدفع إليه مصالح أخرى ترى أن دول المغرب العربي " تونس الجزائر المغرب الجمهورية الصحراوية، موريتانيا " لا بد أن تظل بينها مشكلات متزاحمة مشتعلة لرعاية مصالح الدول المستعمرة سابقا أو التي لها وصاية حاليا وتأتي قضية تصفية الاستعمار بالمنطقة التي تتغاضى عنها المغرب بالدبلوماسية الناعمة لتظل هناك مغتصبات تحت يد الاحتلال الأسباني فعليا، أو يديرها أبناء البلاد لصالح المستعمر القديم و تدين البلاد بالولاء والعطاء للاستعمار القديم.
أو تعطى الشعوب حق تقرير مصير بائس مشروط كطفل يعطونه لعبة يلهو بها وسرعان ما يرتبط بها أو يلقيها إن لم تحقق ما يرجوه ، ويبدو أن التشابك الشديد بين دول المنطقة المغاربية ـ قبليا ـ يعطي لكل طرف ـ كما يزعم ـ الحق في إرث الصحراء أو الوصاية ـ ولو ادعاء ـ ، أو كورقة ضغط يتم التلويح بها عند اللزوم ، ولكن أطرافا أخرى ترفض الوصاية وتنادي بالديمقراطية ولو عادوا إلى لغة السلاح ونعني بها البوليساريو من جهة والتواجد الإسلامي المناهض من جهة أخرى.
لكن تنجح المساعي في إصدار قرار أممي بحق تقرير المصير، وأسقط في يد جميع الطامعين، فكيف يتعاملون مع القرار؟ لقد هددت الجبهة الشعبية لتحريرالساقية الحمراء ووادي الذهب (بوليساريو) بالعودة مجددا للخيار المسلح في حال إصرار المغرب على رفض مبدأ حق تقرير المصير وإصراره على فرض خيار الحكم الذاتي.
واعتبر المستشار في الجبهة "محمد سيداتي" أن الأجواء التي تخيم على المنطقة تنذر بتطورات سلبية لا تستبعد تصعيدا عسكريا، متهما الحكومة المغربية برفض الانصياع للقرارات الأممية، بينما تمارس الجزائر ضغوطا على اللاجئين المسلحين في " تندوف " ويعاني الشعب الصحراوي من عسف الوصاية التي تفرض عليه من قبل الجزائر الحكومة .. ويظل الوضع مؤذنا بالانفجار فعلى من تدورالدائرة.
تعليقات