سادة الصحراء بلا هوية ولا وطن


عرفوا أنهم سادة الصحراء بلا منازع .. وأنهم الزرق الملثمون، لقد كانوا يواجهون منذ القدم صعوبات جمة من التأقلم مع الآخرين تضاف لصعوبات الحياة القاسية في قلب الصحراء،عاش البعض في المدن بعد أن غزت المدنية كل شيء، وبعد أن طرق الغرباء بلادهم .

عــادل صديــق ـ محيــط
 
    الطـــوارق TOUAREGS أو الزرق الملثمون، كانت عادتهم ارتداء ثياب صبغت بالنيلة الزرقاء "الزهرة "، ولا يمنع هذا التقليد البعض من " التغيير " وهم شعوب الصحراء الكبرى كما يرى البعض الذين يحاولون عزلهم عن أصولهم العربية، فيقول هؤلاء عنهم إنهم يعود تاريخهم إلى أجدادهم "البربر" الذين كانوا يعيشون على امتداد الساحل الشمالي لأفريقيا منذ خمسة آلاف سنة ،وانتشروا في الصحراء الكبرى وهيمنوا على طرق التجارة في الشمال الإفريقي .  عرفوا في الكتابات القديمة بالليبو، أو الليبيين، حيث حكموا مصر في عهد شيشوق الأول، حيث شهدت مصرعلى أيديهم نهضة لم تر مثلها كما تروي بعض المصادر،ففي عهد الفراعنة: رمسيس الثاني، والثالث استولى أجداد الطوارق على الدلتا وأسسوا الدولة المالكة الثانية والعشرين وأشهر ملوكها شيشوق الأول، كما أسسوا أيضاً المملكة النبطية التي كانت تمتد من جنوب مصر إلى أراضي الحبشة.
 
   وكان شيشوق هذا فيما أورد جيمس برستد كان قويا وشجاعا نهض بمصر وعزم على استرجاع عزّها القديم وتاريخها المجيد، وكان له ذلك، لذلك يعتقد "غوتيه" أن الطارقي هو الذي أثّـر في المصري أولا ،ونجد من يعارض هذا الرأي من الباحثين .
 
                                                             البدو الرحّـل
 
   يرتحلون فوق إبلهم،رفقة طويلة فهم معا قائد وسفين فوق أمواج الرمال وسط واحدة من أشد قفار العالم وحشة، وهي الصحراء الكبرى في الشمال أفريقيا . وهو خبراء في الإبل التي تعد عماد حياتهم ، أما من يعيش منهم في الحافة الجنوبية للصحراء ، فهم فرسان لا يشق لهم غبار،وقد استطاع الطوارق ، السيطرة على القوافل القديمة ، فيما بين حافة الصحراء الشرقية وبحيرة تشاد، وأصبحوا مرهوبي الجانب ، تخشاهم كل شعوب الصحراء .
 
   لا يدري الكثيرون عن تاريخهم شيئا، وإن كانوا ارتبطوا بالاحتفالات التراثية كنماذج بشرية توشك أن تتلاشى مع زحف المدنية، على غرار بقايا الشعوب التي كانت ثم بادت، والآثار التي توجد في كل مكان ، فهم الآن فقدوا كثيرا من عاداتهم وخصائصهم ،وهم قيد زحف المعطيات التي تغزو كل شيء من ثوابت الحياة ، وهناك محاولات من الحكومات ل توطينهم على غرار شعوب الإسكيمو والهنود الحمر وسكان استراليا ، وشعوب جنوب أفريقيا ، فتركوا مواطنهم الأصلية وسكنوا في أطراف وقيعان المدن .
 
                                     العروبة هل هي رافد واحد ؟
 
   الاسم " الطوارق" يعود إلى كلمة " تارقة" التي تعود إلى منطقة فزّان في ليبيا، وهناك اعتقاد خاطئ في العالم العربي وبخاصة تلك الدول التي تقع في الشمال الأفريقي منه.. أن الطوارق ينسبون للقائد العربي المسلم الشهير "طارق بن زياد " لكونه من أصول بربرية.. ولكن التسمية يرجّح أنها تأتي من "تماشق" أو "تمازغ" وتعني بلغة البربر"الرجال الأحرار" وإن كان الاسم ظهر بعد تواجدهم في المكان، وربما كان للأصل اللغوي دورٌ في إطلاق الاسم عليهم فهم سريعو التنقل، وربما ينزلون منزلا في بعض من الليل، ويغيرون على أعدائهم بطريقة خاطفة تدعم اللثام الذي يبث الرعب في قلوب أعدائهم بليل، هكذا يروي تراثهم الذي وصل، لقد حطّ بعض أجداد هؤلاء الرّحل مع الهجرات العربية أثناء الفتوح الإسلامية، ويذكر أنهم يعودون إلى الجزيرة العربية ومنطقة اليمن بالتحديد حيث قبائل "حِـمْيَر" حيث يظهرهذا في ملامح سحنتهم العربية، ولكن اختلطوا مع شعوب المنطقة فأخذوا من ألوانهم مثل : قبائل الهوسا ، والماندينج ، والفولاني وكلها من القبائل الأفريقية المسلمة المتاخمة للصحراء الكبرى الأفريقية ، ولكن ربما كانت الأصول العربية رافدا واحدا من روافد متعددة تصب في معين " الطوارق " .
 
                                         أقسام الطوارق
 
   يقسم المختصون الطوارق إلى بدو الصحراء وتتركز غالبيتهم في منطقة "فزان" ومدينة "غدامس" بليبيا وجنوب الجزائر وتونس، والقسم الآخر يتمثل في طوارق الساحل المتركزين في مدينة "يلمدن" بمنطقة "طاوة" بدولة النيجر ومدينة "تمبكتو "عند منعطف نهر النيجر بدولة مالي، وتمتد أفخاذهم إلى "موريتانيا" ولكن بصورة قليلة.
 
   وهناك من الطوارق أصحاب اللسان الأمازيغي وينتمون إلى قبيلة صنهاجة القديمة، وتحديدا فروعها: مسوفة وغدالة ولمتونة، وهي ذات القبائل التي ينتمي إليها المرابطون مؤسسو الدولة التي تحمل ذات الاسم، وهي واحدة من أكبر الإمبراطوريات المغربية عبر التاريخ.وإضافة إلى الطوارق البربر، فإن اسم الطوارق، تـنضوي تحته قبائل عربية، أقامت سلطانا في الصحراء، تتكون في الأساس من قبائل هاجرت صوب الصحراء في العهد المغربي الذي امتد سلطانه إلى ثـنية نهر النيجر في تمبكتوـ كما ذكرنا ـ وهذه القبائل اندمجت مع الطوارق إلى درجة أن بعضها تحول عن اللغة العربية إلى لسان الطوارق من طول الجوار، وبقيت آثار لتدل على متانة العلاقة بين الإسلام وهذه الشعوب، وبقي البعض محافظا على اللغة العربية لجانب اللغات المحلية .
 
    لقد سيطروا على الشمال الأفريقي وجنوب الصحراء،و يتبعون مذهب الإمام مالك بن أنس، وفي فترة الفتوحات الإسلامية ساروا ومعهم الدعوة الإسلامية التي انتشرت، حيث وقف علماؤهم إلى جانب الدين الحق فنشروا تعاليمه السامية في أغوار الصحراء حتى مشارف خط الاستواء ، ثم لجأوا إلى الصحراء لأنهم يلتمسون فيها الحماية ،وسرعة إرهاق الدخلاء عند أيّ بادرة عداء ، وخاصة حين نشط الاستعمار واكتشف أنهم مقاتلون شديدو المراس .
 
                                  الاحتلال الفرنسي
 
   لقد وقف الطوارق شوكة في حلق الاحتلال الفرنسي أبان احتلال الشمال الأفريقي حيث اضطر المستعمر إلى بناء حصون قوية وحاميات و يقاتلون من وراء جدر يتحصنون فيها.لقد كان لهم دور تاريخي قاموا به خير قيام ، ولكن بدأ هذا الدور في التلاشي رويدا بل وصل إلى التهميش من قبل أرباب السياسة فساهم هذا العداء ، أو عدم الانصياع للمتجبرين في تشتتهم في أكثر من دولة أفريقية منذ قديم ، واحتضنت النيجر الكثافة الأكبر من شعب الطوارئ،وبحلول القرن الرابع عشر أصبح الطوارق أقوى المجموعات البشرية تجارة ونفوذا في تلك المنطقة وكانوا يقومون بنقل البضائع النفيسة عبر الصحراء مثل الذهب والعاج والأبنوس والتوابل إضافة إلى التمور والملح، وتنامت في تلك الفترة قوتهم وأنشأوا دولتهم في المنطقة الوسطى من النيج، وأطلقوا عليها اسم سلطنة العير وكانت لهم عاصمة في مدينة "أغادير" وسيطروا على التجارة حتى عام 1900م ولكن سيطر الفرنسيون على مناطق غرب إفريقيا فانتهت دولتهم.
 
                                   عادات لا تفارق الطوارق

   بقيت بعض العادات القديمة من زيّ له تاريخ ، وهجر للمدن، و لا يرون بديلا عن الصحراء ، و الطوارق لهم خصوصية ارتداء الرجل للثام الطارقي كأثر لطبيعة البادية والحرب التي كانت مرتبطة بهم منذ حقب تاريخية قديمة ، لهم حياة قائمة على الترحال ،والصحراء الكبرى الأفريقية ميدانهم حيث تشكل طبيعتهم .ورغم أن الطوارق يعيشون الآن من تجارة التمر، والحبوب،ويسكن الكثير منهم المدن إلا أنهم لا يزالون يحتفظون بأسلحتهم القديمة مثل رماحهم الطويلة وسيوفهم ذات الحدين، ودروعهم الجلدية الكبيرة كتراث لا يستغنى عنه، و لهم عادات لا يفارقونها من أخلاقيات نادرة الآن، فتستطيع أن تعتمد عليهم في الوفاء بديونهم وعهودهم، كما أنك تستطيع أن تثق بكلمة الطوارق، وهناك مثل عندهم يقول " إن جهنم نفسها تمقت عدم الشرف " والآن يحملون أسلحة نارية بل بنادق متعددة الطلقات.


   قالوا عن اللثام: إنه يعود لطبيعة الصحراء حين تهب الرياح المحملة بالرمال الناعمة ، ويكون اللثام له هدف وظيفي لحماية العين والجهاز التنفسي،إضافة إلى برد الشتاء القارس في الصحراء ، ومن الطبيعي أن تكون العمامة جزءا من هذا اللثام فلا يظهر منه سوى الأهداب ، ولا يضع الطارقي اللثام إلا حين ينام،وربما كان اللثام كوسيلة لبث الرعب في قلوب الأعداء ، ولكن بدأ التخلي عنه خاصة لدى من غادر الصحراء وسكن المدن، وصارت له وظيفة أو عملا مستقلا .
 
         
 
                                  المرأة الطارقية كريمة ولكن
 
   عرف الطوارق بأمراء الرمال، وأسود الصحراء، ولهم وصف دقيق لهذه الشيم التي عرف بها الطوارق، لقد وجدت المرأة عندهم احتراما وتقديرا عبر التاريخ لم تجده عند غيرهم من الشعوب ـ كما يحكي تاريخهم ـ ولا يوجد هاجس مقلق للرجل الملثم.. سوى في امرأتين، الأولى والدته التي يفخر بها، والتي يتحتم عليه أن يكون جديرا بأمومتها. فكل السمات الحميدة، وصفة الأبطال وما يتصل بها من رموز البطولة والرجولة هي راجعة في الأساس لحليب ثدي أمه .
 
   أما المرأة الثانية فهي زوجته، التي يعتبرها في أولى ليالي الزواج أمّه، وفي الليلة الثانية أخته، وفي الثالثة تكون زوجته، فإن فسدت علاقته بها كزوجة عاملها كأخت، وإن فسدت علاقة الأخوّة عاملها كأم، ولا تكاد علاقة تفسد بين أم وابنها، كما لا يمكن لابن أن يستعلي على أمه وهكذا يدوم المعروف".
 
    الرجل الطارقي يرتدي اللثام منذ بلوغه الثامنة عشرة من عمره حيث يكون إيذانا له بدخول عالم الرجال ، ويتولى مهامهم فلا يرفع اللثام إلا قليلا حتى وهو يتناول الطعام يتناوله من تحت لثام ، وربما من المبالغة فيه ألا يعرفه أفراد قبيلته ، وإن كانت هناك علامات يتعارفون بها بينهم، ولكن ربما تطوى هذه الصفحة ولا يعلم أحد السبب الحقيقي لهذه العادة، والأشد غرابة أن المرأة الطارقية لا ترتدي اللثام بل تكون سافرة الوجه !!
 
   والمرأة لدى الطوارق تقوم بالجهد الشاق كما تشكل محور الأسرة وقطب الرحى ـ إن صح التعبير ـ حتى في وجود الرجل الذي يغيب عن الأنظار لأسباب يرونها وجيهة، وهي من الإرث التاريخي ، إذ يتابع القطعان ، وكان في الماضي هو المقاتل الذي يؤمّن مساحات المرعى ويتعامل مع المغيرين ، فلكل منهم جزء معلوم ،والأطفال إن غاب الأب في عهدة العم إلى أن يدركوا البلوغ.
 
    تبدأ رحلة العناء للمرأة في الصباح الباكر من كل يوم ، وميدانها خيمتها التي تسع لكافة أفراد الأسرة ، وتتولى المرأة الدور الأبرز، والأطفال ينشأون على احتراف الرعي منذ نعومة أظفارهم، أو جمع الحطب ، ويبقى طريق المدرسة للصغار ضربا من الخيال أو مضيعة للوقت ليس لكراهية العلم ـ فهم يحملون تقديرا كبيرا لأولي العلم ـ ولكن لاستحالة الأمر بكل المقاييس ،وإن كانت بعض الحكومات قامت بإجراء خيالي بإيجاد مدارس متنقلة ولكن لو ذهب الأطفال لدى الطوارق إلى المدارس ، فمن يقوم بدورهم المحوري ؟؟
 
                                               لغات الطوارق
 
   لا يتحدثون لغة موحدة وإن كانت اللغة البربرية التي تأثرت باللهجة القرشية حي السائدة ، ولكن نلحظ التأثر باللغات الأفريقية التي يتحدث بها سكان الشعوب التي سكن الطوارق أرضها وعايشوا شعبها، وصارت بينها وبين الطوارق علاقة مصاهرة .
 
    ليس اللقب طارقي هو الذي يميزه عن غيره من المواطنين ، فالطارقي له سمات عربية تحكي قصة أصوله ، فلا تخدع لون البشرة التي غيرتها المصاهرة ، لقد استوطن الكثيرون حوض النيجر ، وتوارت قليلا عادات الصحراء التي كانوا يبقون عليها ، تتمحور حياة غالب السكان في هذا الوادي سواء من الطوارق وغيرهم ، نلحظ أن الهوسا والزارما كانوا الأسرع في ترك حياة البداوة ،واتبعهم الطوارق ،البعض ينتظرون الأمطار للبدء في الزراعة المطرية ، ونلحظ السكان يتشاركون في كل شيء في وقت الضر الرخاء ، وحين صرب الجفاف النيجر كان الجميع يعانون،والثروة الحقيقية تعتمد على امتلاك قطعان الماشية ووضع اليد على المراعي التي تشكل قوام الحياة ،ويظل الجميع في المعاناة سواء .
 
                                       يوم في حياة الصحراء
 
    في الظروف المعتادة تجد سكان الصحراء يلتفون حول بئر وحيدة في مساحة شاسعة من القفار ، للأسف لم يجدوا يد العون تمتد إليهم لتقوم بحفر بئر عميقة ، يكون بها قوام حياتهم وحياة ماشيتهم ، بل ظل العالم الإسلامي يتباطأ منشغلا بأمور أخرى ،ويصب الماء الخارج من البئر في حوض من الطين يشتركون جميعا الناس والدواب في الشرب من الحوض ،والأدوار موزعة بدقة ولا مجال للتراخي في المجتمع الصحراوي ،وأيضا لا فارق بين ذكر وأنثى ، تشرب الدواب أولا ، ثم تملأ القرب البدائية ة بالماء ، وتوضع على ظهور الدواب إيذانا بالرحيل الجميع يعمل حتى الأطفال توكل إليهم مهمة الإمساك بخطام الرواحل لاستخراج الماء من بططن الأرض ، يأتون في الصباح للسقيا ـ ويعودون حين توشك الشمس على المغيب ، إنهم يقطعون اليوم بالكامل من أجل سر الحياة : الماء ، فهم ليست لديهم إرادة الرفض،أوهم مرغمون على الوفاء وعدم التخلف أبدا لأنها وتيرة الحياة ،والتخلف يعني الموت ، وقد يفقدون حياتهم إن لم يلتزموا بهذه الرتابة .

                                        المعاناة والثمن
 
    قسوة الحياة في الصحراء جعلت الكثيرين منهم يفكرون في الاستجابة لدعوة الحكومات للتوطين ،وكانت هذه الدعوة في الماضي جرما في حق التقاليد والعادات الطارقية، ولكن الكثيرين آثروا قبول الدعوة ،وإن بدوا في الاحتفاليات بالزيّ الرسمي الطارقي، ولكن بالصورة التراثية المسرحية المنعّمة لا بالصورة المرهقة التي تعاني الأمرّين في استجلاب سبب الرزق .
 
   حول بئر منفرد في قلب الصحراء يتجمع عدد كبير من سكان البادية ، يلتف الناس والدواب حول هذه البئر ،ويشرب الجميع ، الأدوار موزعة بدقة ، المنظر العام يأخذ شكل المأساة ، وبالطبع تمتد أيدي العون لهم من قبل بعض الدول الإسلامية ،وإن بدت قليلة الأثر على الناس الذين اعتادوا الشدائد ،ولكن حين تجد آثار الجوع بادية على الوجوه ،وأثر الجفاف الذي أهلك كل مظاهر الحياة المعتادة في هذا المكان ، من بقايا الدواب النافقة ، هنا وهناك، وأثر سوء التغذية على أطفال القبائل الصحراوية .
 
    الكثيرون منهم عاشوا على أطراف المدن بعد ن أغلقت دونهم سبل العيش ، فعملوا في مشاريع صغيرة أو فقيرة لا تعدو أن تكون محلات صغيرة تسد الرمق، أو عربات جائلة على قارعة الطرق بخلاف من يعيشون رهن أسباب الموت التي تتربص بهم أو المؤسسات التي نشطت بقوة لاستقطابهم نظير ثمن غال له ما بعده .
 
                  منظمات مشبوهة
 
   عند الاقتراب أكثر من قبائل الطوارق نكتشف صورة أكثر قتامة عن التنقل بين أماكن إقامتهم ، تبدو علامات المعاناة متمثلة في معيشتهم، ومعالجتهم لضرورات الحياة ، هم يعانون ، وتزداد المعاناة مع الظروف التي تضرب الوسط والغرب الأفريقي من قلة الأمطار وانتشار الجدب ن فهم يمر عليهم ما يقارب الخمس سنوات في قحط لا حدود له ، وتحاول الحكومات ،والمؤسسات الإغاثية احتواء الأزمة ، فالأرض حتى في وادي النيجر شقوقها غائرة ،وكثير من الماشية نفقت من أثر انحسار الغطاء الأخضر عن مناطق المرعى ، وتبدو الصورة القاتمة في وادي النيجر الذي انحسر ماؤه لحد كبير مم شكّل مأساة لجميع ساكني المنطقة من القبائل .
 
   كثير من المنظمات العاملة في الصحراء الكبرى وجدوا ضالتهم في شعب الصحراء كمرشدين، أو عمال وسائقين في المحميات الطبيعية،والمناجم ، ولكن بدأت المنظمات التبشيرية تحيك لهم الخطط لإبعادهم عن دينهم وتقاليدهم في سبيل تنصيرهم،وإن كان ذلك أخذ بعدا آخر في بلدان الحزام الطارقي بإلحاق بعضهم في الوظائف ، وأبنائهم في المدارس ، ورويدا يتم تذويبهم في سلك العمل مع الإرساليات الأجنبية ليحدث السقوط كما حدث في تشاد، والنيجر، الجزائر ومالي، والجنوب الليبي .
 
   في نيجيريا مثلا تنامت حركة تنصيرية قوية شارك فيها البروتستانت والكاثوليك وسط قبائل الطوارق في شمالي نيجيريا،وحدث الأمر نفسه في مالي والجزائر ،وكافة الدول التي احتوت شعوب الصحراء، يقول أحد أبناء الطوارق المهاجرين: انتهزت الكثير من المنظمات العاملة في المجال التنصيري فرصة الجفاف والجوع الذي يعيشه سكان الصحراء وخاصة في شمال مالي لتقدم الدواء والأموال ولتنمية المشاريع والجمعيات،و ترجمت الكثير من الأشرطة إلى اللغات المحلية ـ البربرية ـ وقدمت للسكان المسلمين في كل المناطق، لقد أصبح الأطفال يتحدثون بمحتوياتها في مجالسهم، وللأسف لا توجد البدائل الإسلامية ، لقد جاء النرويجيون إلى القرى الصغيرة الواقعة على ضفاف نهر النيجر،فبنوا فيها مدرسة فرنسية ـ بالطين ـ وأتوا لها بمدرسين نصارى من الوطن،ثم طلبوا من أهل القرية تسجيل أطفالهم، مقابل ثمن الغذاء لكل طفل مسجل، القرى تشهد جفافا كاسحا وفقرا مدقعا، لقد أكل البعض على إثره أوراق الشجر والجلود.
 
                              خطوة إيجابية في الجزائر
 
   لقد تردت أحوال سكان الصحراء الاقتصادية، وأدى ذلك إلى تغير نمط حياتهم الاجتماعية كما مهد الطريق للغارة الغربية على المنطقة، حيث تدفقت على المنطقة المنكوبة ولكن في صورة جمعيات للإغاثة والنجدة هدفها الوحيد تنصير هذه الأمم المنكوبة مقابل كسرة خبز أو الدواء لإنقاذ المرضى ..
 
   كان هدف الحملات التنصيرية الغربية يتجاوز هذا الحد إلى العمل من أجل تنصير الشريط الصحراوي الفاصل بين شمال إفريقيا العربي المسلم وغرب إفريقيا الأسود المسلم، والممتد من شرق جمهورية النيجر إلى حدود مالي مع موريتانيا، لقد تعاملت الكثير من المنظمات التي اتخذت من الصبغة الدولية غطاء لإخراج أبناء الكثير من أبناء القبائل التي تعيش على الرعي من الإسلام بوازع الاحتياج للدعم الإغاثي، والطبي ، لقد تعاملوا معهم بكثير من الانتهازية، فالكثير من المؤسسات الإغاثية الغربية تعمل في التـنصير مع مدها يد العون للجوعى ،لقد أدركت الحكومة الجزائرية تغلغل المؤسسات التنصيرية التي تعمل تحت مظلة هيئات دولية ، فأصدرت قانونا في 20/3/2006 لإنزال العقوبات والغرامة في حق كل من "يحث أو يرغم أو يستخدمون وسائل الإغراء لإرغام مسلم على اعتناق دين آخر". .
 
   أقر البرلمان ذلك بعد أن تغلغلت أنشطة التنصير في عموم المجتمع الجزائري، والتي يقف وراءها منظمات مسيحية فرنسية وإيطالية وإسبانية في السنوات الأخيرة، خاصة في منطقة القبائل التي تضم سكانًا من أصول أمازيغية ، ولكن الأمر لم ينته بقانون، لقد سارعت الكثير من القوى العالمية باتهام الطوارق بإيواء أفراد من القاعدة ،إن الاتهام يتيح للحكومات فرصة لإثبات الولاء للغرب أو عدمه وبدافع العصا والجزرة ، فسعت الكثيرمنها للتعامل الأمني الاستباقي مع التواجد الطارقي الكثيف، بضربات متلاحقة لضرب عصفورين بحجرالأول: تجفيف المنابع والقضاء على البنية التحتية لأي حركة انفصالية على أساس ديني دون النظر لحقوق هذه الفئات، والثاني: إرضاء السيادة الغربية باستئصال العنف المتوقع الذي يعبث بالمخيلة الغربية والتي تعاني الآن من وهم الإسلامفوبيا .

تعليقات

‏قال Unknown
ان اصول الطوارق أمازيغ من شمال افريقيا .... وماعلاقتهم بل عرب فاصل الطوارق شمال افريقيا والعرب شبه الجزيرة العربية .. ولا تحسب الشام لان الشام ليست للعرب ان للكرد

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حوار مع الشيخ : عثمان حاج مصطفى

أسامة خليفة ..إنتاج فيلم الطفل انطلاقا من قيمناِ لاء للإنتاج الفني، تقف على خط المواجهة، وبصدق نقول هذا، فقد كانت المبادرة إلى هذا العالم الرحب في وقت كان هَمّ الآخرين أن يقوموا بدبلجة ما يقدم، نريد من يؤمن بالفكرة

موسى ابن نصير قائد عسكري عربي في عصر الدولة الأموية. شارك موسى في فتح قبرص في عهد الخليفة معاوية بن أبي سفيان