الراديو والتلفزيون وصناعة الوهم

جمال عبد الناصر في جولاته 

كنا في القرية نملك الراديومنذ أواخر الخمسينات، وكان هذا الكائن العجيب مثار اهتمام الجميع ممن حولنا للتعرف على الأخبار، انتبهت لهذامبكرا في موقفين 5 يونيو 1967 أثناء النكسة، وبكاء الناس حين أقرّعبد الناصر بالهزيمة، وقرر التنحّي، وذكر أنه كلف فؤاد محيي الدين بـ ...، لم يكمل الكلام، ورفض المجتمعون الاستماع لعبد الناصر وخرجوا سراعا حتى الذين لا يملكون قوت يومهم في مظاهرة، تجوب القرية، يقودها الشاويش"سعيد" ممسكا بكرباج من بقايا الكرابيج الملكية التي كانت يجلد بها الفلاحين الذين كانوا يطلق عليهم "خرسيس مرسيس" وتعني عمال الأسطبل بنقاط الشرطة، ويحمل  الشاويش"سعيد"صورة عبد الناصر في استفتاء عجيب، فمن لا يقبّل صورة عبد الناصر ينهال عليه بالكرباج..
ونعم الولاء للزعيم ..
والمرة الثانية بعد موت عبد الناصر 28سبتمبر 1970حين زحفت الجموع في 1أكتوبر لتشييعه في القاهرة حيث اجتمع  حول الراديو الكثيرون كل يستمع ويتخيل الجنازة ويبكي، والحزن يعتصره أنه لم يشارك بهذا الشرف العظيم ..
أدركت حينها كيف يصنع الإعلامُ الوهم، أو النجم، ولم تكن هناك قنوات تلفزيونية مؤثرة، فالمسافة  بين  أول إرسال للتلفزيون المصري بقناتيه البائستين 1960، ومن المؤكد كانت وزارة الإرشاد القومي سابقا الإعلام حاليا  كان لها دور كبير في صناعة الزعيم الديكتاتور سينمائيا ..
فالبث التلفزيوني لم يكن بالانتشار الكبير الموجود حاليا، والذي بدا يقوى منذ السبعينات، كنت أشهد في القرية سيارة مجهزة لعرض برامج توعية صحية، وأيضا كانت نفس السيارة تأتي عشرات المرات في العام  ليشاهد الريفيون الزعيم الذي يطعمهم، ويسقيهم، ويشفيهم، وهو الهبة الربانية المصطفاة والذي سيأتي لهم بالنصر، كان السيارة  تعرض خطاب الزعيم وهو يخطب في الجماهير ويصفقون مع الجماهير المصفقة بانفعال  كبير، ويردد بعضهم : قول يا جمال يالـّي كلامك حكم .. ويقول آخر : مش عارف من غيره كنّا حا نعمل إيه بس، فهم يفترضون أنهم شعب من العجزة .
وكذلك كانت تُعرض البرامج الإخبارية بآلات عرض سينمائي 16ملم ويسخّر لها مخرجون متميزون مثل "يوسف جبرائيل شاهين"  الذي توفي  في 27 يوليو 2008، الذي كان وغيره يسجلون  تحركات عبد الناصر، وافتتاحاته المتوالية لمشاريع ستجعل مصر في مصاف الدول الكبرى، وأيضا تحركات أعضاء مجلس قيادة الثورة، وكثير البرامج كان تصور بآلات تصوير32 ملم سكوب ألوان، وخاصة في حقبة الستينات، بالطبع كان الإبهار مطلوبا لصناعة النجومية الناصرية.

    واكتشف البسطاء من الشعب المصري أن الزعيم مات : لدرجة أن طفلا قال لأمه: بابا جمال مات، مين حا يوكلنا بعده..كانت هذه "صناعة الوهم" والتحكم في عقلية  الركب ولا أقول الرعاع أو القطيع، لأن هؤلاء المخدوعين هم الذين دفعونا لنكون أفضل وأقوم .

ويذكرني البسطاء الذين تعلقوا بجمال حباً بالصوفية الذين تعلقوا بشيخ الطريقة دون أن يروه، ويوم المولد يأتي الخليفة، ملثما راكبا فرسه، فيكبر المريدون، ويصرخ البعض في وجل نظرة يا سيدي ، فيستجيب للمريدين  بعد تردد، لأن البعض أشاع أن وجهه يشع نورا وكل من يرى هذا النور من المريدين المخلصين تناله البركة .

الشعب يقول  لا تتنح

ومات جمال عبد الناصر 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حوار مع الشيخ : عثمان حاج مصطفى

أسامة خليفة ..إنتاج فيلم الطفل انطلاقا من قيمناِ لاء للإنتاج الفني، تقف على خط المواجهة، وبصدق نقول هذا، فقد كانت المبادرة إلى هذا العالم الرحب في وقت كان هَمّ الآخرين أن يقوموا بدبلجة ما يقدم، نريد من يؤمن بالفكرة

موسى ابن نصير قائد عسكري عربي في عصر الدولة الأموية. شارك موسى في فتح قبرص في عهد الخليفة معاوية بن أبي سفيان