أردوغان لم يتبنى الاصولية وصنع ثورة غيرت وجه تركيا
منذُ عِشرِينَياتِ القرنِ الماضي عَانَتْ تُركيا
أزمَةَ هَوِيّة
تَشَتّتَ فيِهاَ الإنسانُ بينَ مِيرَاثِ سُبعُمائةِ عامٍ متغلغلاً فِيِ كُلّ
تفاَصيلَ حياتهِ،وبينَ نزعةٍ طاغيةٍ لتقليدِ الغَربِ رُغْمَ اختلافِ الجُذورِ،أزْمةٌ
أَدخَلتْ البلادَ فِيِ دَوّامَاتٍ مِنَ الصّراعِِ الإجتماعيِّ والسّياسِي والدّينِيّ.
إستَمَرّتْ
أكثَرَ مِنْ نِصفِ قَرنٍ وَشَهِدتْ البِلادُ عَلىَ إثْرِهَا أرَبعةَ إنقلاَباتٍ عَسكَرِيّةٍ
طَاحِنةً كانَتْ تقطعُ الطّريقَ عَلَىَ كُلّ مُحَاوَلةٍ لعِلاجِ أزمَةِ الهويّةْ .
إلاّ أنّ تُركياَ كَانَتْ عَلَى مَوْعدٍ مَعَ
ثورةً تسحقُ المَاضِيِ وتفتَحُ أبوابَ التّغْيِيرْ.
الثّوْرَةُ الأُردُوُغَانِيّة .
مِنْ بينِ مُحَاولاتِ البحثِ عَنِ الهُوِيّةْ ..
ظهرَ
الرّجُلُ الذي سَيَصنَعُ ثَورةَ تَغيّرِ وَجــهَ تُـركِيَا إلىَ الأبَدْ ..
ثورةٌ جديدةٌ غيرَ معهودةٍ فِيِ مُجْتَمعاتِناَ..
أَطلَقَ عَـلَيْهَا الثّوْرَةُ الأُردُوُغَانِيّة
فِيِ العام 1994 أُنتُخِبَ الشّابُّ"رَجَبْ
طَيّبْ أَرْدُوغَانْ" رئيساً لبَلَديةِ إسطَنْبُولْ التّيِ تَحَوّلَتْ فِيِ عَهْدِهِ
مِنْ أَكْبَرْ مَكَبٍّ للقُمَاَمَةِ فِيِ العَاَلَمْ
إلىَ أحَدِ أجْمَلِ مُدُنِ العَالمْ "رَجَبْ
طَيّبْ أَرْدُوغَانْ"العالم فَبَيّتُوا لهَ النّيّةَ لتَأدِيبِهِ مُبَكِراً وإِعْطَائِهِ رِسَالةَ تَحْذِيرْ
.
أتهم بتَهْديدِ النظامِ العَلمَانِي للدّولةِ،
وسُجِنَ أردُوغَانْ عِدةَ أَشْهُرْ وحُرٍمَ
مِنَ العملِ السّياسيّ طيلةَ خَمسِ سنواتٍ
أتاح السَّجْنَ لأردُوغَانْ إعادة حِسَابَاتِهِ
وحَدّدَ فِيهَا أوّلِيّاتِ النُّهُوضِ وَوِجهَاتِ الصّرَاعْ .
رَأىَ أنّ تُركِيَا بِحاجَةٍ إلىَ"حِزْبٍ وسَطّيٍ" يدعمُ قِيمِ العَدالَةِ والحُرّيَاتِ العَامّة ويحتَرمُ المُقَوماتِ الرُّوحِيّةِ للمُجْتمعِ دُونَ المساسِ بالنظامِ العَلمَانيّ للدولةْ .
في أغسطسْ مِنْ العامِ 2002 كانَ مِيِلاَدُ الحِزبِ
الذي سَيُغَيّر وَجهَ تُركِيَا،وكان الفوزُ حليف الحزب في الانتخاباتِ الّتِي خاضها"حِزْبُ
العَدالةِ والتّنْمِية ".
ضَمّ الحزبُ
فيِ قَياداتِه مِنَ النُّخبةِ التّركِيّةِ الجَاَدةِ مِنْ تَيّاراتٍ مُختَلِفةْ .
حَرِصَ الحزبُ علىَ الدّفع بالمرأةِ من بينهم ممثلةً تُركيةً ومُطرِبةً عَلى غَيرِ عادةِ الأحزابِ
الإسلاَمِيّةْ .
انضمّ للحزبِ طاقاتٌ شبابيةٌ واعدةٌ خاصةً مِنَ الّذينَ تَلَقوا تَعليمَهُمْ الأكَادِيِميّ
العَاليِ فِيِ أُورُوبَا وأَمِريِكَا، و تقدّمَ بوَصفهِ حِزْباً مُحافظًاً مُعْتدلاً
شِعارهُ(العملُ مِنْ أجلِ كُلّ تُركِيـَا)
أوّلوُيَاتِ النّهُوضِ
ويتحقق النّجاح السّاحقِ لأردُوغَانِ وحِزبِهِ فيِ
انتخاباتِ برلمانِ 2002.
أدرك أردُوغانُ أنّ الإنسانَ هوَ إكسيرُ النّجاحِ،
جعل أوّليِاتهِ للإصْلاحِ الاقتصاديِّ والاجتماعيِّ والصحيِّ والتعليميِّ وتطويرِ
البنيةِ الأساسيةِ للدولةْ .
جَلبَ خبراءَ أتراكَ منَ العاملينَ فيِ الخارجِ
وممَنْ يؤمنونَ برسالةِ الحزبِ الإصلاحيّة لكيِ يَنْقِلُوا خِبْرَاتهم إلىَ الواقعِ
التُّركيّ .
فَحَقّقَ
الحزبُ طفَراتٍ إصلاحيةٍ هائلةٍ فيِ الاقتصَادِ وشَيّدَ مشروعاتٍ ضخمةً غيّرتْ وجهَ
تُركِيا تَمامَاً، وجعلتهَا خلالَ عشْرِ سنواتٍ تُحَاكِي أيّ بلدٍ أوربيٍ متطورٍ .
حقّقّ نهضةً شاملةً فيِ التعليمِ والصّحةِ و
البِنيَةِ الأسَاسِيةِ ،وأنْشأَ شبكةً حديثةً منَ الطُّرق والمُوَاصَلاتْ .
وأَحدثَ ثورةً فيِ الاِقتصادِ وصَفَهَا خُبراءُ عالميُونَ بأنّها "أهمُّ منْ المُعجِزةِ الصّينِيّة" .
كانَ طبيعياً أنْ يحصدَ أردُوغانْ وحزبُهُ أصواتَ الشعبِ التّركِيّ باكتساحٍ فيِ جميعِ الانتخاباتِ التّي تلتْ ذلكَ،لكنّ أعداءَ النجاحِ لمْ يُعجِبهُم ذلكْ ..
وِجَهاتِ الصّرَاعْ
جِنرَالاَتْ الظّل وهم أصحاب السُّلطَةْ الحَقِيقِيةْ.والفسادُ في مُؤسّسةِ فساد القضاء والذي نَجحَ العَسكرُ فيِ تَحقِيقِ اختراقٍ واسعٍ فِيهَا .
عَملَ أردوُغَان بتخْطيطٍ سياسيِّ ذَكِيٍ وهادئٍ
علىَ تحييدِ بعضِهمْ ليؤخّرَ الصّداَمْ مَعَهم
.
بدأَ
فيِ تفكيكِ النفوذِ العَسكَريّ،منْ خِلالِ إصلاَحاَتٍ دُستُوريةٍ وإجراءاتٍ ذكيةٍ
للغايةٍ، تكشفُ عنْ رجلِ دولةِ مِنْ الطرازِ الرّفِيعْ .
تَروِيضُ العَسْكَرْ
لمْ يسكتْ العسكرُ علىَ تلكَ الاصلاحاتِ فَحَرّكُوا رِجَالَهُم فيَ الإعلاَمِ والجَامِعاتِ لتحريكِ موجةَ غضبٍ "أردوغانْ وحزبه"
كان"أرْدُوغَانْ" يقومُ بعمليةٍ هيْكلةٍ هادئةٍ وطويلةً النّفسِ بدَأتْ بإعَادَة ترتِيبِ "مَجلسِ الأمنِ القوميِّ وأخْضَع اقتِصَادياتِ الجيشِ للمُراجَعةِ المدنية .
واهتمّ بشكلٍ استثنائيٍ بمفَاوضَاتِ الاتحادِ الأوربيِّ، والتي كانَ أحدُ شُروطِهَا إبعادُ الجَيْش عنْ السّيَاسَةْ .
وهي الورقة الدولية التي استخدمها "أرْدُوغَانْ"بذكاءٍ شديدٍ فيِ ترهيبِ الجنرالاتِ منْ مغبّة التفكيرِ فيِ الانقلابِ منْ جَدِيدْ .
أخطرَ خُطوةٍ أقدمَ عليهاَ"أرْدُوغَانْ"الاستفتاءُ التّارِيخِيّ علىَ حزمةِ تعديلاتٍ دستوريةٍ فيِ العامِ 2010 التيِ كانتْ بمثابةِ نَهايةِ علىَ الحُكمِ المَدَنِيّ فيِ تُركِيَا
وبمُـوجِبِها أمكنَ اعتقالُ العشراتِ منً الضبّـاطِ وتقديمهمْ للمُحَاكَمةْ ومن بينهمْ جنرالاتٍ فاسدين .
فأقدم العسكرُعلىَ إحداثُ فراغ عسكريٍّ ، في نِهايةِ شهرِ يوليوُ منَ العام 2011 قدّمَ رئيسُ الأركانِ وقادته إستقالات جماعيةٍ مفاجئةٍ، وقبلها"أرْدُوغَانْ" وكَانَ لَديهِ البديلُ ليسُّد الفراغِ الخطيرْ ..
الحكمُ
للشّعبِ ولاَ وصَايةَ لأحدٍ عَلىَ قرارِ الشّعبْ واختِيَارَاتُه والجَيشُ مكانُهُ فيِ ثُكنَاتهِ لحِمَايةِ التُّرابِ
الوَطَنِي،هَكذا كَانتْ رِسَالةُ "أرْدُوغَانْ"للدّاخلْ والخَارِج.
شَبَحُ الانْقِلاَبْ
فيِ الـ 17 مِنْ ديسمبر العام 2013 فرق من
الجيش ـ منتمية لجَمَاعةِ جُولن،ونُشرتْ تَسجِيلاتٌ صوتيةٌ تَتَجَسسُ علىَ الدّولةِ
وعَلىً"رَئيسِ الجُمهُورِية نَفْسِه"،واهتزّتْ الحكومةُ بشِدّة للمُفَاجِأةْ
.
كانو وراء ذلك تًنظِيمُ جُولَنْ لكن"أرْدُوغَانْ"وحزبُه
نَجَحُوا فيِ النّهَايةْ بِضَربِ هَذهِ الهَجْمَة والكَشفْ عَنْ أبْعَادِها في القضاءِ
والشّرطَة .
إلا أنّ تنظيمَ "جُولنْ" لمَ يَستَسْلِمْ
للهزيمةِ فِي المُواجَهةِ الأُوُلَى، فكان يريد الإجهازعلى "أرْدُوغَانْ"
بالانقلابِ عَسكريّ.
تركيا الجديدة
عَلى الهواءِ مُبَاشرةً تَابعَ العالمُ أحداثَ
الانقلابِ لحظةً بلَحْظةْ،كانتْ ليلةُ السادسَ عشرَ منْ يوليوعام 2016 أطولَ ليلةٍ
فيِ تَاريخِ تُركِيا الحديثْ.
وكانت هَزيمةِ "الانقلابِ العَسْكَرِيّ"مدوية وفر بعضِ قِيَاداتهِ خَارجَ البلادِ واعتقالِ البَاقِينْ .
كَانَتْ هَزيِمةُ انقلابِ 2016 تمكينا لـ"أرْدُوغَانْ"وحكومَتَهُ
أطلقَ
بَعدَها عَمليةِ تطهيرواسعةِ النّطاقْ فِيِ كُلّ الكِياناتِ السياسيةْ والقضائيةِ والاداريةْ..
و صدرت قرارات بخروج معسكراتِ الجيشِ بالكاملِ منْ
المُدن الكُبرى إلى الحدود .
دُعى لتعديلاتٍ دستوريةٍ عام 2017 يتحول فيها
النظام من برلماني إلى رئاسي.
كَان"أرْدُوغَانْ" يرى أنّها لحظةُ حسمٍ تاريخيةٍ لحِمايةِ الدّولةِ المَدَنِيّة فيِ تُركِيا مِن شبحَ الانْقِلَابَات العَسْكَريّة .
إنّها المرةُ
الأولىُ فيِ الشّرقِ التيِ يَنجَحُ فِيهَا سِياسيّ مَدَنِيّ لا يْحمِلُ سلاحاً فيِ
تَرويضِ العَسكَربذكاءِ
فما رأيكَ فِي
الثورةِ الأرْدُوغَانِيّة ..؟
تعليقات